رونق الامل
22 Jul 2011, 02:04 AM
يوم في المسجد النبوي
نبيل بن عبد المجيد النشمي
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا يَسَّر الله لك أن تزور المسجد النبوي الشريف - على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم - وأن تبقى فيه يومًا أو بعض يوم، فتأمَّل الحركة مِن حولك بعد أن تمتلئ عيناك من النظر إلى روعة البناء وجمال التصميم، تأمل في حركة العاملين في داخل المسجد، تجد عجبًا!
ما أن ينتهي الناس من صلاة الفجر حتى تبدأ فرَق العمل في الانتشار، وكلٌّ في تخصُّصه بالحركة الهادئة والسريعة؛ تقوم مجموعة خاصة بإعداد المكان المخَصَّص لدخول النساء إلى الروضة الشريفة مباشرة وبحركة منظمة - برفع الستائر الخاصة، وتهيئة المكان من مدْخل النساء إلى الروضة مباشرة بشكل منظم وانسيابي، ويستمرون في حركتهم إلى ما بعد الشروق حتى يخف وُجُود الرجال، وبعدها يسمح للنساء في الدخول دون أيِّ حرج أو ضرر أو إزعاج للمصلين.
وإذا نظرت يمينًا أو شمالاً، تجد حركة العمل قائمة دون أية ضجة أو جلبة؛ فالقائمون على شؤون المصاحف من تنظيف وترتيب وتوزيع في عمل مستمر، ولذا قلَّما تجد مصحفًا في غير محله، أو في وضْع غير مناسب.
وتجد الحارس الأمين المرابط بجوار سلسلة من حافظات الماء الخاصة بزمزم، والمتوفرة في كل زاوية من زوايا المسجد، ما تقع قطرة - فضلاً عن قطرات - إلا وبادَر إلى تجْفيفها؛ حتى لا يبقى ما يسبب رائحة، أو يظهر منظرًا غير لائقٍ في المسجد.
ومع الصباح تبدأ فرَق النظافة مستخدمة الماكينة الحديثة في الانتشار، فنظافة الأبواب والجدران، بل حتى الوصول إلى السقوف برافعات خاصة، ونظافة السلالم الكهربائية ليستْ فقط التي تتصل بسطح المسجد، بل السلالم التي توصل إلى دورات المياه؛ فلها حظها من النظافة، وحتى صناديق الأحذية طبعًا مع النظافة الدائمة لفرش المسجد ومداخله وممراته.
وأما عمليات الطوارئ عند حدوث ظرف طارئ؛ من حصول نجاسة من طفل أو مريض ونحوه، ما هي إلا لحظات وإذا بالحادث يطوَّق، ويحصر في مكانه وزمانه، فلا ينتشر ولا يبقى، وخلال دقائق وكأن شيئًا لَم يكنْ.
ولسُفر الإفطار وضع خاصٌّ طوال العام، وليس في رمضان فقط، ففي صيام النافلة الأسبوعيَّة أو الشهرية تقام السفر، ويفطر الصائمون بكل أريحية وعافية، وتُقام الصلاة وليس هناك أي أثر لبقايا الطعام من الصف الأول وخلف الإمام إلى جميع زوايا وجهات المسجد؛ بحيث نظمت المسألة، وتخصص العمال برفع البقايا بطريقة أيضًا هادئة وسريعة وأكيدة المفعول.
وتوفير ماء زمزم في داخل المسجد النبوي وبشكل متواصل ومكثف، فهذا وحده ورشة عمل لا تتوقف من تعبئة وتوزيع وتنويع بين بارد وحار، ومتابعة ما يحصل من نقص في الاستخدام، والحرص على توفير الكاسات بلا انقطاع يعطي لوحة متكاملة تدلك على الحرص والاهتمام بزوار المسجد.
وترى اهتمامًا من نوع خاص بالدروس العلمية، فهناك من يأتي قبل الشيخ لإعداد المكان، وتجهيز مكبرات الصوت ولوازم الدرس، فلا يقف درس ولا ينقطع لسبب فني، فالمرابط الفني جاهز، ومرابط بجوار الشيخ كأفضل طلابه.
كلما اتجهت إلى ناحية من نواحي المسجد أو اتجهت أنظارك، تجد عُمالاً يتحركون - دون توجيه – في حركة منتظمة ومتواصلة، كخلية نحْل لا تعرف التوقُّف.
ومع الفريق الكبير من العمال يقف معهم ومن خلفهم فريق رائع من المشرفين، ومع هذه الكثرة لا تشعر بهذا العدد، ولا ترى أية حركة مزعجة، فالكل يحرص على توفير الهدوء والطمأنينة المناسبة لقداسة وعظمة المكان.
ومن أروع ما تجد في هذه اللوحة الجميلة: تلك اللقطات الحميمة الصادقة التي تُنبئ عن علاقة إيمانية قبل أن تكون إدارية، وعن إدارة واعية، لقطات التعامُل بين العمال والمشرفين، فلا تسمع عتابًا حادًّا، ولا أصواتًا مرتفعة، ولا نواهي صارخة؛ ليكون الجو كله إيمانيات وسكينة، يشعر بها الزائر منذ أن يقول: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ومن لطيف القول: أن هناك إشارة خفية بين المشرفين العمال، أو بين العمال مع بعضهم؛ للتواصل داخل المسجد، عبارة عن إحداث صوت خفيف يشبه صوت عصفور شجي يمثل إشارة التفاهم والاستدعاء دون الحاجة إلى رفع الأصوات، فالمكان له خُصُوصياته.
هذا العمل الدؤوب والحركة المستمرة على مدار الساعة ليلاً ونهارًا، فإن تغيرتْ فرق العمل، فالعمل متواصل، وبنفس النشاط والاهتمام والجدّية والهدوء والإشراف والمتابَعة كذلك.
وأنت تتنقل بين حركة وأخرى، وتقلب عينيك من ناحية إلى أخرى، ينطق لسانك مرافقة لهذه الحركة وبدون شعور أو بلا تردُّد بالدعاء لمن كان وراء كل هذا، وتتضرع إلى الله أن يحفظ لهذه البلاد أمنها ودينها وعقيدتها، وأن يديم عليهم الرخاء، وأن يبارك في جهود القائمين والداعمين والراعين للحرمَيْن، وأن يرد عنها كيْد الكائدين، وفتَن المُضلّين.
وإذا ما خرجتَ إلى الساحات - وما أدراك ما الساحات؟! - تقف مشدوهًا أمام مشروع المظلات العملاق، والعمل المتواصل لإتمامه، وبسهولة يجذبك صوت سرب ماكينات النظافة وهو يجوب في الساحات باستمرار؛ لتبقى الساحات نظيفة جاهزة للصلاة في كل فريضة، هذا إلى جانب العمال المنتشرين في جهات وزوايا مختلفة من الساحات؛ محافظة على نظافتها وجمالها.
تتنفس الصعداء حمدًا لله على أن الحرمين في أيدٍ أمينة، وتنال رعاية عظيمة واهتمامًا كبيرًا من حكومة هذا البلد المبارك، ولو سمحت لخاطرك أن يحدث نفسه بأنه لو كان الحرم بأيدٍ أخرى، لعلمت الفرق وتأكدت مِن عظمة النعمة التي أنت فيها.
اللهم احفظ بلاد الحرمين وكل بلاد المسلمين من كل شر، واصرف عنهم كيد الكائدين ومكر الماكرين.
نبيل بن عبد المجيد النشمي
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا يَسَّر الله لك أن تزور المسجد النبوي الشريف - على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم - وأن تبقى فيه يومًا أو بعض يوم، فتأمَّل الحركة مِن حولك بعد أن تمتلئ عيناك من النظر إلى روعة البناء وجمال التصميم، تأمل في حركة العاملين في داخل المسجد، تجد عجبًا!
ما أن ينتهي الناس من صلاة الفجر حتى تبدأ فرَق العمل في الانتشار، وكلٌّ في تخصُّصه بالحركة الهادئة والسريعة؛ تقوم مجموعة خاصة بإعداد المكان المخَصَّص لدخول النساء إلى الروضة الشريفة مباشرة وبحركة منظمة - برفع الستائر الخاصة، وتهيئة المكان من مدْخل النساء إلى الروضة مباشرة بشكل منظم وانسيابي، ويستمرون في حركتهم إلى ما بعد الشروق حتى يخف وُجُود الرجال، وبعدها يسمح للنساء في الدخول دون أيِّ حرج أو ضرر أو إزعاج للمصلين.
وإذا نظرت يمينًا أو شمالاً، تجد حركة العمل قائمة دون أية ضجة أو جلبة؛ فالقائمون على شؤون المصاحف من تنظيف وترتيب وتوزيع في عمل مستمر، ولذا قلَّما تجد مصحفًا في غير محله، أو في وضْع غير مناسب.
وتجد الحارس الأمين المرابط بجوار سلسلة من حافظات الماء الخاصة بزمزم، والمتوفرة في كل زاوية من زوايا المسجد، ما تقع قطرة - فضلاً عن قطرات - إلا وبادَر إلى تجْفيفها؛ حتى لا يبقى ما يسبب رائحة، أو يظهر منظرًا غير لائقٍ في المسجد.
ومع الصباح تبدأ فرَق النظافة مستخدمة الماكينة الحديثة في الانتشار، فنظافة الأبواب والجدران، بل حتى الوصول إلى السقوف برافعات خاصة، ونظافة السلالم الكهربائية ليستْ فقط التي تتصل بسطح المسجد، بل السلالم التي توصل إلى دورات المياه؛ فلها حظها من النظافة، وحتى صناديق الأحذية طبعًا مع النظافة الدائمة لفرش المسجد ومداخله وممراته.
وأما عمليات الطوارئ عند حدوث ظرف طارئ؛ من حصول نجاسة من طفل أو مريض ونحوه، ما هي إلا لحظات وإذا بالحادث يطوَّق، ويحصر في مكانه وزمانه، فلا ينتشر ولا يبقى، وخلال دقائق وكأن شيئًا لَم يكنْ.
ولسُفر الإفطار وضع خاصٌّ طوال العام، وليس في رمضان فقط، ففي صيام النافلة الأسبوعيَّة أو الشهرية تقام السفر، ويفطر الصائمون بكل أريحية وعافية، وتُقام الصلاة وليس هناك أي أثر لبقايا الطعام من الصف الأول وخلف الإمام إلى جميع زوايا وجهات المسجد؛ بحيث نظمت المسألة، وتخصص العمال برفع البقايا بطريقة أيضًا هادئة وسريعة وأكيدة المفعول.
وتوفير ماء زمزم في داخل المسجد النبوي وبشكل متواصل ومكثف، فهذا وحده ورشة عمل لا تتوقف من تعبئة وتوزيع وتنويع بين بارد وحار، ومتابعة ما يحصل من نقص في الاستخدام، والحرص على توفير الكاسات بلا انقطاع يعطي لوحة متكاملة تدلك على الحرص والاهتمام بزوار المسجد.
وترى اهتمامًا من نوع خاص بالدروس العلمية، فهناك من يأتي قبل الشيخ لإعداد المكان، وتجهيز مكبرات الصوت ولوازم الدرس، فلا يقف درس ولا ينقطع لسبب فني، فالمرابط الفني جاهز، ومرابط بجوار الشيخ كأفضل طلابه.
كلما اتجهت إلى ناحية من نواحي المسجد أو اتجهت أنظارك، تجد عُمالاً يتحركون - دون توجيه – في حركة منتظمة ومتواصلة، كخلية نحْل لا تعرف التوقُّف.
ومع الفريق الكبير من العمال يقف معهم ومن خلفهم فريق رائع من المشرفين، ومع هذه الكثرة لا تشعر بهذا العدد، ولا ترى أية حركة مزعجة، فالكل يحرص على توفير الهدوء والطمأنينة المناسبة لقداسة وعظمة المكان.
ومن أروع ما تجد في هذه اللوحة الجميلة: تلك اللقطات الحميمة الصادقة التي تُنبئ عن علاقة إيمانية قبل أن تكون إدارية، وعن إدارة واعية، لقطات التعامُل بين العمال والمشرفين، فلا تسمع عتابًا حادًّا، ولا أصواتًا مرتفعة، ولا نواهي صارخة؛ ليكون الجو كله إيمانيات وسكينة، يشعر بها الزائر منذ أن يقول: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ومن لطيف القول: أن هناك إشارة خفية بين المشرفين العمال، أو بين العمال مع بعضهم؛ للتواصل داخل المسجد، عبارة عن إحداث صوت خفيف يشبه صوت عصفور شجي يمثل إشارة التفاهم والاستدعاء دون الحاجة إلى رفع الأصوات، فالمكان له خُصُوصياته.
هذا العمل الدؤوب والحركة المستمرة على مدار الساعة ليلاً ونهارًا، فإن تغيرتْ فرق العمل، فالعمل متواصل، وبنفس النشاط والاهتمام والجدّية والهدوء والإشراف والمتابَعة كذلك.
وأنت تتنقل بين حركة وأخرى، وتقلب عينيك من ناحية إلى أخرى، ينطق لسانك مرافقة لهذه الحركة وبدون شعور أو بلا تردُّد بالدعاء لمن كان وراء كل هذا، وتتضرع إلى الله أن يحفظ لهذه البلاد أمنها ودينها وعقيدتها، وأن يديم عليهم الرخاء، وأن يبارك في جهود القائمين والداعمين والراعين للحرمَيْن، وأن يرد عنها كيْد الكائدين، وفتَن المُضلّين.
وإذا ما خرجتَ إلى الساحات - وما أدراك ما الساحات؟! - تقف مشدوهًا أمام مشروع المظلات العملاق، والعمل المتواصل لإتمامه، وبسهولة يجذبك صوت سرب ماكينات النظافة وهو يجوب في الساحات باستمرار؛ لتبقى الساحات نظيفة جاهزة للصلاة في كل فريضة، هذا إلى جانب العمال المنتشرين في جهات وزوايا مختلفة من الساحات؛ محافظة على نظافتها وجمالها.
تتنفس الصعداء حمدًا لله على أن الحرمين في أيدٍ أمينة، وتنال رعاية عظيمة واهتمامًا كبيرًا من حكومة هذا البلد المبارك، ولو سمحت لخاطرك أن يحدث نفسه بأنه لو كان الحرم بأيدٍ أخرى، لعلمت الفرق وتأكدت مِن عظمة النعمة التي أنت فيها.
اللهم احفظ بلاد الحرمين وكل بلاد المسلمين من كل شر، واصرف عنهم كيد الكائدين ومكر الماكرين.