مقاتل النت
26 Jul 2011, 06:20 AM
حقق مطالبك بسهولة
بقلم : عثمان عبد الخالق ( أبو مريم )
http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/283350_2033109349446_1295532637_32174961_3535530_n .jpg
غالبًا ما إذا أردت أن تشتري شيئًا ما عليك أن تسلك أحد الطريقين:-
1) إما أن تحرم نفسك فاكهة تستلذها، وتمنع ولدك حلوى يحبها، بغية الاقتصاد والادخار لتوفر ثمن ما تريد شراءه، وكم هو مؤلم لو كان ما تريد أن تشريه هو الدواء المر لتعالج به ولدك! ومؤلم أكثر لو كان ما تمنعه هو ذاك الدواء لتوفر قوتا تعيش عليه أنت وأولادك.
2) أو أن تسلك طريق الاقتراض الوعِر الذي يصوّر لك شبحًا يلاحقك إما تقضي له أو يقضي عليك.
بعد توفير المال كيفما تم توفيره تقابلك عقبات، قد لا تعرف أين ستجد ما تريد شراءه فتحتاج لتسأل عنه غيرك، علمت أن المحل الذي ستجده فيه بعيد عنك وتحتاج لتركب إليه، ركبت إليه فوجدت المحل مغلقًا فبحثت في جيرانه من يفيدك بمواعيد دوامه، رجعت إليه فاعتذر لك صاحب المحل أن ما تريده قد نفذ، فتطلب رقم الهاتف لتتأكد من توفر مبتغاك في المرة القادمة.
هذه العقبات قد تستسيغها من أجل تحقيق رغبة شرائك ما دمت تتجاوزها بالحب والاحترام، أحيانًا أو غالبًا ما تجد في تلك العقبات المتسلسلة ما لا يستساغ، إما الدليل يدلك على محل آخر لا تجد فيه ما تريده، وإما الواصف يخطئ في وصفه فيبعد عليك البعيد، أو جار المحل يجد فرصة ليتسلى بالكذب على غريب مثلك، أو صاحب المحل لا يرد على اتصالك بالهاتف الذي أعطاك رقمه.
لنعتبر أن شيئًا من هذا لم يقع، بل لنتخيل أن الذي وقع كان فوق ما كان يمكن أن نتخيله، صاحب المحل كما أحسن استقبالك أحسن في الاعتذار عن عدم توفر مبتغاك، وفي مقابله دفع كلفة مجيئك ورجوعك، أمطرته بكلمات الشكر والمدح والثناء معترفًا بفضله عليك، تفاجأت بإجابته: (بل هذه خدمة نقدمها للجميع، سواء وجدت ما تريده أو لم تجد، وبإمكانك أن تطلب ما تريده عبر الهاتف فيصلك طلبك، جربت الطلب بالهاتف فوصلك الطلب، عرفت أن توصيله إليك لم يكن مجانًا فقط، بل المطلوب مجانّ كذلك.
أعرف أنك تقول: (هذا خيال، ووجوده خارج الذهن محال)، وأعترف بأنه مجرد مثال، لكن دون الحقيقة في كل حال، الحقيقة أن المحل موجود وفيه كل ما تريد، وصاحبه موجود يعمل فيه كل وقت بلا توقف، المحل هو هذا الكون الواسع، وصاحبه هو خالقه سبحانه وتعالى، لو اتصلت به وطلبت حاجتك تُعطاها، أو تُعطى البديل منها، أو يُسجل اسمك في القائمة لتعطى فوق ما طلبت في وقت أحوج ما تكون إلى مثله، هذه حالات إجابة الدعاء الثلاثة، لما سمعها الصحابة الكرام قالوا: إذن نكثر (أي الدعاء) يا رسول الله!؟. فأجاب: (الله أكثر). ولهذا كان عمر رضي الله عنه يقول: (لا أحمل همّ الإجابة، بل أحمل هم الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فالإجابة معه).
وفي كل حالات الإجابة تأخذ أجر الدعاء وثوابه (كلفة مجيئك وحضورك).
* * *
فلو كنت في كل حاجاتك في الحياة بكل جزئياتها تستشعر بقلبك حاجتك وافتقارك إلى الله (صاحب الكون العظيم) فيها، وتطلبها بلسانك منه سبحانه، وتعمل المطلوب منك بجوارحك فإنك تكون قد حققت أصلًا عظيمًا في العبادة تؤجر عليها في الآخرة، وبإجابته سبحانه وإعانته لك تحقّق مطالبك وحاجاتك في الدنيا، وبهذا المعنى يكون الدعاء كما في الحديث الشريف (هو العبادة).
* * *
هذه هي الحقيقة، ولا أدل على الحقيقة من حقيقة أكبر منها، وهي هذه الحيوانات الوحشية في الصحاري المقفرة، والطيور في الفضاءات الخالية، والأسماك في المحيطات المظلمة، والزواحف في الجحور الضيقة، والحشرات في الجبال والغابات والصحاري، وعالم الناس في ظلام الصغر، كل تلك الأصناف المختلفة في أجناسها المتفقة في الحاجة إلى الله خالق هذا الكون العظيم، أمدها الله وأعطاها ورزقها ورباها دون أن يُسأل، ألا يجيب سبحانه لو سُئِل؟!، وقد قال هو سبحانه في كتابه: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم).
* * *
ولإجابة الدعاء أولويات، وجودها يجب أن يحفزنا على الدعاء موقنين بالإجابة، وعدمها لا يعني ترك الدعاء، ولا يعني عدمها عدم الإجابة.
من تلك الأولويات:
- أولوية الأماكن: كالدعاء عند الكعبة الشريفة أو عند الملتزم بين بابها والحجر الأسود، وعلى موقف صعيد عرفات.
- أولوية الأزمان: كرمضان وليلة القدر ويوم عرفة وساعة الإجابة من يوم الجمعة ووقت السحر والثلث الآخر من الليل وبين الآذان والإقامة.
- أولوية الأحوال الكونية: كحال نزول المطر، أو الشرعية: كالسجود وأدبار الصلوات المكتوبات والصيام، أو الشخصية: كالسفر والمرض ووقوع الظلم والاضطرار.
- أولوية الآداب: كاستقبال القبلة والتوسل بالأسماء الحسنى وبصالح الأعمال والتضرع والإلحاح والإخلاص وحسن الظن بالله، وإكثار الدعاء في الرخاء، وبدء الدعاء بالحمد والثناء على الله والصلاة على رسول الله.
- أولوية الأشخاص: كدعاء الأنبياء والأولياء والصالحين والوالدين والضعفاء (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم).
* * *
أولوية عظيمة وردت في آية تبعث الأمل وتنشر الفأل وتفتح أبواب الرجاء، نقف معها وقفات، وهي قوله تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض؟، أأله مع الله؟، قليلا ما تذكّرون!).
الوقفة الأولى: هذه الآية تذكير وقد ختمت بلفظ (قليلا ما تذكّرون)، فالآية تذكير للإنسان الذي يعيش بالأسباب المادية، يعينه الله عليها ويسهلها له، يرى تلك الأسباب أمام عينيه لكن تحجب عقله وقلبه عمن وراءها، وهو الله مسبب الأسباب المنعم المتفضل سبحانه وتعالى، تدوم له الأسباب ما يشاء الله لها أن تدوم، ثم تنقطع عنه الأسباب فيعيش المصائب الصعاب، يجري في متاهات يبحث عن حل يستنفذ كل ما بوسعه فلا يجد له حلا، ولا الناس يملكون له شيئا، فيدعو وهو على شفير اليأس فيأتيه الحل منه سبحانه، فلا يجد جوابا في عقله إلا أن يعترف بأن الحل جاء من وراء الأسباب، ثم يجد في نفسه أنه يريد أن يتحدث عن حالة الاضطرار التي مر بها كيف كانت ضيقة خانقة؟!، ثم كيف تجاوزها بأعجوبة؟!، وحديثه عنها بهذا اعتراف بلسانه أن الحل كان من وراء الأسباب، ثم لا يزال يحتفظ بها ذكرى من ذكرياته، يمتن لها ويسعد بها، وهذا اعترافه بقلبه، فالله سبحانه يذكر الإنسان في هذه الآية بما يقره بعقله ولسانه وقلبه بأنه هو وحده الذي أجابه لما دعاه وهو مضطر، وأنه هو وحده الذي كان قد يسر له تلك الأسباب من قبل، فهو وحده المنعم المتفضل عليه من قبل ومن بعد، سواء آمن به الإنسان أو كفر، اعترف له أو أنكر، نسيه أو تذكر.
الوقفة الثانية: هذه الآية فقرة من سؤال سبقها بآيتين، وهو في قوله: (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، ءالله خير أم ما يشركون؟!)، ثم أتبع الله السؤال بآيتين (فقرتين من السؤال) يذكر فيها الكفار والمشركين ببعض نعمه الكونية العامة على جميع خلقه ليسألهم: من أنعم عليهم بهذه النعم خير أم الذين يشركونه معه سبحانه وتعالى؟، ثم جاءت الفقرة الثالثة من السؤال في هذه الآية الكريمة: ومن يدعونه في أحلك الظروف وأخطر الأحوال حين لا يملكون لأنفسهم دفعًا ولا يكون في مقدورهم شيئًا فيجيبهم ويستجيب دعاءهم ويكشف عنهم السوء الذي نزل بهم ويجعلهم خلفاء الأرض وقد عادت إليهم نعمه وفضائله، من يفعل ذلك معهم خير أم الذين يعبدونهم ويدعونهم من دون الله وهم لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا، ولا يستجيبون لهم أبدا؟). فالآية بهذا المعنى تدل على استجابة الله سبحانه وتعالى الدعاء حتى من الكافر، وهي حجة لله عليه وفضل ومنة، ولا تكون حجة ولا فضلا ولا منة إلا بوجودها في الواقع، وإذا كان الله يستجيب للكافر الذي لا يؤمن به فالمؤمن به أولى منه ما دعاه وهو محسن الظن به موقن بإجابته.
الوقفة الثالثة: الأصل المستمر للإنسان في الحياة نعمة الله وعافيته وفضله (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، أما حالة الاضطرار فهي استثناء من الأصل يبتلي الله الإنسان بها ليدله ويعرفه على نفسه، وكما يقول أناتول فرانس: (خمسة غرامات من السكر في بول أشد الناس إلحادا تجعله أشد الناس إيمانا، أما المؤمن فهي رفعة لدرجاته ورفع لسيئاته وإشارة إلى حب الله تعالى له، علاوة على كونها حالة استثنائية هي كذلك نعمة روحية تقرب العبد إلى ربه، وبتقرب العبد يتقرب الرب منه فضلا منه ورحمة، يمنح له أولوية من أعظم الأولويات وهي إجابة دعاء المضطر، وهي صريحة في هذه الآية الكريمة.
الوقفة الرابعة: هذه الأولوية وغيرها ليست اعتباطية مجردة من المعنى، بل لها معاني ظاهرة ومعاني دقيقة، من تلك المعاني الظاهرة: الاعتراف بالعجز والضعف، والإحساس بالحاجة والافتقار، واستشعار الذل والاستحقاق، واستنفاذ الوسع والأسباب، والضراعة والإخلاص، فلو تتبعنا الأولويات واستخلصنا منها تلك المعاني ثم أوجدناها في أنفسنا أرجو أن نكون تأهلنا للإجابة حتى في حال انعدامها.
* * *
ولإجابة الدعاء موانع (كأكل الحرام وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغفلة ولهو القلب حال الدعاء)، ووجود هذه الموانع لا يعني أبدًا منع الدعاء وتركه، بل يجب الخلاص منها والتهيّئ للإجابة.
* * *
وبعد هذه الرحلة الطويلة أبوح بالباعث على كتابة المقال، وهو أن من الناس (وأنا أحدهم) من قعدوا عن الدعاء وغفلوا عنه، وتراثنا غني بالنصوص والآثار، والأدعية والأذكار، والنثر والأشعار، وقصص للاعتبار، لا لنقص في التراث بل في الأنفس القصار، وخلط في المفاهيم والأفكار، فكتبته عسى أن يحفز الأحرار، ويحرك الأخيار.
هذا والله أسأل أن أكون أنا أسعد الناس بما كتبت، وأن أعيش حياتي بالدعاء، وأن أعود إلى حياة القرآن والسنة. اللهم آمين.
وجزى الله خيرا من شارك وأعان على نشره.
عثمان عبد الخالق - أبو مريم
الجمعة 21/8/1432هـ
بقلم : عثمان عبد الخالق ( أبو مريم )
http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/283350_2033109349446_1295532637_32174961_3535530_n .jpg
غالبًا ما إذا أردت أن تشتري شيئًا ما عليك أن تسلك أحد الطريقين:-
1) إما أن تحرم نفسك فاكهة تستلذها، وتمنع ولدك حلوى يحبها، بغية الاقتصاد والادخار لتوفر ثمن ما تريد شراءه، وكم هو مؤلم لو كان ما تريد أن تشريه هو الدواء المر لتعالج به ولدك! ومؤلم أكثر لو كان ما تمنعه هو ذاك الدواء لتوفر قوتا تعيش عليه أنت وأولادك.
2) أو أن تسلك طريق الاقتراض الوعِر الذي يصوّر لك شبحًا يلاحقك إما تقضي له أو يقضي عليك.
بعد توفير المال كيفما تم توفيره تقابلك عقبات، قد لا تعرف أين ستجد ما تريد شراءه فتحتاج لتسأل عنه غيرك، علمت أن المحل الذي ستجده فيه بعيد عنك وتحتاج لتركب إليه، ركبت إليه فوجدت المحل مغلقًا فبحثت في جيرانه من يفيدك بمواعيد دوامه، رجعت إليه فاعتذر لك صاحب المحل أن ما تريده قد نفذ، فتطلب رقم الهاتف لتتأكد من توفر مبتغاك في المرة القادمة.
هذه العقبات قد تستسيغها من أجل تحقيق رغبة شرائك ما دمت تتجاوزها بالحب والاحترام، أحيانًا أو غالبًا ما تجد في تلك العقبات المتسلسلة ما لا يستساغ، إما الدليل يدلك على محل آخر لا تجد فيه ما تريده، وإما الواصف يخطئ في وصفه فيبعد عليك البعيد، أو جار المحل يجد فرصة ليتسلى بالكذب على غريب مثلك، أو صاحب المحل لا يرد على اتصالك بالهاتف الذي أعطاك رقمه.
لنعتبر أن شيئًا من هذا لم يقع، بل لنتخيل أن الذي وقع كان فوق ما كان يمكن أن نتخيله، صاحب المحل كما أحسن استقبالك أحسن في الاعتذار عن عدم توفر مبتغاك، وفي مقابله دفع كلفة مجيئك ورجوعك، أمطرته بكلمات الشكر والمدح والثناء معترفًا بفضله عليك، تفاجأت بإجابته: (بل هذه خدمة نقدمها للجميع، سواء وجدت ما تريده أو لم تجد، وبإمكانك أن تطلب ما تريده عبر الهاتف فيصلك طلبك، جربت الطلب بالهاتف فوصلك الطلب، عرفت أن توصيله إليك لم يكن مجانًا فقط، بل المطلوب مجانّ كذلك.
أعرف أنك تقول: (هذا خيال، ووجوده خارج الذهن محال)، وأعترف بأنه مجرد مثال، لكن دون الحقيقة في كل حال، الحقيقة أن المحل موجود وفيه كل ما تريد، وصاحبه موجود يعمل فيه كل وقت بلا توقف، المحل هو هذا الكون الواسع، وصاحبه هو خالقه سبحانه وتعالى، لو اتصلت به وطلبت حاجتك تُعطاها، أو تُعطى البديل منها، أو يُسجل اسمك في القائمة لتعطى فوق ما طلبت في وقت أحوج ما تكون إلى مثله، هذه حالات إجابة الدعاء الثلاثة، لما سمعها الصحابة الكرام قالوا: إذن نكثر (أي الدعاء) يا رسول الله!؟. فأجاب: (الله أكثر). ولهذا كان عمر رضي الله عنه يقول: (لا أحمل همّ الإجابة، بل أحمل هم الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فالإجابة معه).
وفي كل حالات الإجابة تأخذ أجر الدعاء وثوابه (كلفة مجيئك وحضورك).
* * *
فلو كنت في كل حاجاتك في الحياة بكل جزئياتها تستشعر بقلبك حاجتك وافتقارك إلى الله (صاحب الكون العظيم) فيها، وتطلبها بلسانك منه سبحانه، وتعمل المطلوب منك بجوارحك فإنك تكون قد حققت أصلًا عظيمًا في العبادة تؤجر عليها في الآخرة، وبإجابته سبحانه وإعانته لك تحقّق مطالبك وحاجاتك في الدنيا، وبهذا المعنى يكون الدعاء كما في الحديث الشريف (هو العبادة).
* * *
هذه هي الحقيقة، ولا أدل على الحقيقة من حقيقة أكبر منها، وهي هذه الحيوانات الوحشية في الصحاري المقفرة، والطيور في الفضاءات الخالية، والأسماك في المحيطات المظلمة، والزواحف في الجحور الضيقة، والحشرات في الجبال والغابات والصحاري، وعالم الناس في ظلام الصغر، كل تلك الأصناف المختلفة في أجناسها المتفقة في الحاجة إلى الله خالق هذا الكون العظيم، أمدها الله وأعطاها ورزقها ورباها دون أن يُسأل، ألا يجيب سبحانه لو سُئِل؟!، وقد قال هو سبحانه في كتابه: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم).
* * *
ولإجابة الدعاء أولويات، وجودها يجب أن يحفزنا على الدعاء موقنين بالإجابة، وعدمها لا يعني ترك الدعاء، ولا يعني عدمها عدم الإجابة.
من تلك الأولويات:
- أولوية الأماكن: كالدعاء عند الكعبة الشريفة أو عند الملتزم بين بابها والحجر الأسود، وعلى موقف صعيد عرفات.
- أولوية الأزمان: كرمضان وليلة القدر ويوم عرفة وساعة الإجابة من يوم الجمعة ووقت السحر والثلث الآخر من الليل وبين الآذان والإقامة.
- أولوية الأحوال الكونية: كحال نزول المطر، أو الشرعية: كالسجود وأدبار الصلوات المكتوبات والصيام، أو الشخصية: كالسفر والمرض ووقوع الظلم والاضطرار.
- أولوية الآداب: كاستقبال القبلة والتوسل بالأسماء الحسنى وبصالح الأعمال والتضرع والإلحاح والإخلاص وحسن الظن بالله، وإكثار الدعاء في الرخاء، وبدء الدعاء بالحمد والثناء على الله والصلاة على رسول الله.
- أولوية الأشخاص: كدعاء الأنبياء والأولياء والصالحين والوالدين والضعفاء (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم).
* * *
أولوية عظيمة وردت في آية تبعث الأمل وتنشر الفأل وتفتح أبواب الرجاء، نقف معها وقفات، وهي قوله تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض؟، أأله مع الله؟، قليلا ما تذكّرون!).
الوقفة الأولى: هذه الآية تذكير وقد ختمت بلفظ (قليلا ما تذكّرون)، فالآية تذكير للإنسان الذي يعيش بالأسباب المادية، يعينه الله عليها ويسهلها له، يرى تلك الأسباب أمام عينيه لكن تحجب عقله وقلبه عمن وراءها، وهو الله مسبب الأسباب المنعم المتفضل سبحانه وتعالى، تدوم له الأسباب ما يشاء الله لها أن تدوم، ثم تنقطع عنه الأسباب فيعيش المصائب الصعاب، يجري في متاهات يبحث عن حل يستنفذ كل ما بوسعه فلا يجد له حلا، ولا الناس يملكون له شيئا، فيدعو وهو على شفير اليأس فيأتيه الحل منه سبحانه، فلا يجد جوابا في عقله إلا أن يعترف بأن الحل جاء من وراء الأسباب، ثم يجد في نفسه أنه يريد أن يتحدث عن حالة الاضطرار التي مر بها كيف كانت ضيقة خانقة؟!، ثم كيف تجاوزها بأعجوبة؟!، وحديثه عنها بهذا اعتراف بلسانه أن الحل كان من وراء الأسباب، ثم لا يزال يحتفظ بها ذكرى من ذكرياته، يمتن لها ويسعد بها، وهذا اعترافه بقلبه، فالله سبحانه يذكر الإنسان في هذه الآية بما يقره بعقله ولسانه وقلبه بأنه هو وحده الذي أجابه لما دعاه وهو مضطر، وأنه هو وحده الذي كان قد يسر له تلك الأسباب من قبل، فهو وحده المنعم المتفضل عليه من قبل ومن بعد، سواء آمن به الإنسان أو كفر، اعترف له أو أنكر، نسيه أو تذكر.
الوقفة الثانية: هذه الآية فقرة من سؤال سبقها بآيتين، وهو في قوله: (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، ءالله خير أم ما يشركون؟!)، ثم أتبع الله السؤال بآيتين (فقرتين من السؤال) يذكر فيها الكفار والمشركين ببعض نعمه الكونية العامة على جميع خلقه ليسألهم: من أنعم عليهم بهذه النعم خير أم الذين يشركونه معه سبحانه وتعالى؟، ثم جاءت الفقرة الثالثة من السؤال في هذه الآية الكريمة: ومن يدعونه في أحلك الظروف وأخطر الأحوال حين لا يملكون لأنفسهم دفعًا ولا يكون في مقدورهم شيئًا فيجيبهم ويستجيب دعاءهم ويكشف عنهم السوء الذي نزل بهم ويجعلهم خلفاء الأرض وقد عادت إليهم نعمه وفضائله، من يفعل ذلك معهم خير أم الذين يعبدونهم ويدعونهم من دون الله وهم لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا، ولا يستجيبون لهم أبدا؟). فالآية بهذا المعنى تدل على استجابة الله سبحانه وتعالى الدعاء حتى من الكافر، وهي حجة لله عليه وفضل ومنة، ولا تكون حجة ولا فضلا ولا منة إلا بوجودها في الواقع، وإذا كان الله يستجيب للكافر الذي لا يؤمن به فالمؤمن به أولى منه ما دعاه وهو محسن الظن به موقن بإجابته.
الوقفة الثالثة: الأصل المستمر للإنسان في الحياة نعمة الله وعافيته وفضله (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، أما حالة الاضطرار فهي استثناء من الأصل يبتلي الله الإنسان بها ليدله ويعرفه على نفسه، وكما يقول أناتول فرانس: (خمسة غرامات من السكر في بول أشد الناس إلحادا تجعله أشد الناس إيمانا، أما المؤمن فهي رفعة لدرجاته ورفع لسيئاته وإشارة إلى حب الله تعالى له، علاوة على كونها حالة استثنائية هي كذلك نعمة روحية تقرب العبد إلى ربه، وبتقرب العبد يتقرب الرب منه فضلا منه ورحمة، يمنح له أولوية من أعظم الأولويات وهي إجابة دعاء المضطر، وهي صريحة في هذه الآية الكريمة.
الوقفة الرابعة: هذه الأولوية وغيرها ليست اعتباطية مجردة من المعنى، بل لها معاني ظاهرة ومعاني دقيقة، من تلك المعاني الظاهرة: الاعتراف بالعجز والضعف، والإحساس بالحاجة والافتقار، واستشعار الذل والاستحقاق، واستنفاذ الوسع والأسباب، والضراعة والإخلاص، فلو تتبعنا الأولويات واستخلصنا منها تلك المعاني ثم أوجدناها في أنفسنا أرجو أن نكون تأهلنا للإجابة حتى في حال انعدامها.
* * *
ولإجابة الدعاء موانع (كأكل الحرام وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغفلة ولهو القلب حال الدعاء)، ووجود هذه الموانع لا يعني أبدًا منع الدعاء وتركه، بل يجب الخلاص منها والتهيّئ للإجابة.
* * *
وبعد هذه الرحلة الطويلة أبوح بالباعث على كتابة المقال، وهو أن من الناس (وأنا أحدهم) من قعدوا عن الدعاء وغفلوا عنه، وتراثنا غني بالنصوص والآثار، والأدعية والأذكار، والنثر والأشعار، وقصص للاعتبار، لا لنقص في التراث بل في الأنفس القصار، وخلط في المفاهيم والأفكار، فكتبته عسى أن يحفز الأحرار، ويحرك الأخيار.
هذا والله أسأل أن أكون أنا أسعد الناس بما كتبت، وأن أعيش حياتي بالدعاء، وأن أعود إلى حياة القرآن والسنة. اللهم آمين.
وجزى الله خيرا من شارك وأعان على نشره.
عثمان عبد الخالق - أبو مريم
الجمعة 21/8/1432هـ