أنس المحبة
16 Aug 2011, 01:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.
... قُومُوا فَشَمسُ الهُدى قد حان مَشرِقها
وَوَحِّدوا الصَّفَّ وابْنُوا في خُطى الأُوَلِ.
إخواني وأخواتي من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ممن شاء أن يستمع القول فيتبع أحسنه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛
فأنت يا أخي، المُعبَّأُ في صف الجهاد، أنت عبد لله قسرا. يأيها الإنسان!
أنتِ يا أختي، يا مُربية أجيال الإسلام، أنتِ أَمَة الله قهرا. يأيها الإنسان!
هل حبست نفسك يوما أو ليلة أو ساعة، هل ضيقت عليها الخناق وسألتها إلى أين؟
إن رَبك عز َّوجل أخبرك في كتابه المبين عن السابقين المقربين ذوي الدرجات العُلى المحبوبين عنده في مقعد الصدق. فهل نهضت لطلب الزلفى لديه؟ هذا أعظم تحد مستقبلي بين يديك. إن لم تستيقظ لهذا، إن لم تقم لتقتحم إلى الله عز وجل العقبة، فأنت في واد ونحن في واد.
بين يديك هذا التحدي العظيم النبيل، بل هذا النداء الجليل من رب كريم وهاب ينادينا: (سَارِعُوا)، (سَابِقُوا). ومن خلفك النفس الأمارة، ربيبةُ الشّح، السلطانة على ضعفاء الهمة، تجرك وتراودك لتكون لها مطية.
نداء الله عز وجل يُؤَيِّه بك، وبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسط أمامك فسيحات الرجاء بالبشرى الصادقة، بشرى الخلافة على منهاج النبوة (خلافة الإمام محمد بن عبد الله المهدي عليه السلام). تكون فيها أنت من الصفوة عند الله بما جاهدت، أو تكون من الوجوه العاملة الناصبة التي ينصر الله بها دينه وهي فاجرة. الخلافة كائنة بحول الله، فهي وعده. لكن أنت أنت أنت! وما أعني بأنتَ غيرَ نفْسي الغافلة الخبيثة.
أخبرنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن له في آخر الزمان إخوانا. فهي كلمة يهتز لها كل ذي لب وشأن. ويُرشح نفسه لها بالصدق الدائم والجهاد المستمر من رفع الله تعالى همته ليكون من الذين (اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقَوْا وآمنوا ثم اتقَوْا وأحسنوا. والله يحب المحسنين)(سورة المائدة، الآية 95). هذا تحد لمستقبلك أخي.
أما البشرى العظيمة لكل تواق للمعالي ففي قوله صلى الله عليه وسلم:"وَدِدْتُ أنا قد رأينا إخواننا!" قالوا: أَوَلَسْنا إخوانَك يا رسولَ الله؟! قال: "أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لم يأتوا بعدُ".رواه الشيخـان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقعد وجاءه عمر بن الخطاب فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : يا عمر، إني لمشتاق إلى إخواني. قال عمر: يا رسول الله! ألسنا إخوانك! قال: لا، ولكنكم أصحابي، ولكن إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني. قال: ودخل أبو بكر على بقية ذلك قال: فقال له عمر: يا أبا بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لمشتاق إلى إخواني" قال: قلت يا رسول الله ألسنا إخوانك !قال: لا ."ولكنكم أصحابي ولكن إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني". قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ألا تحب قوما بلغهم أنك تحبني فأحبوك لحبك إياي فأحبهم أحبهم الله تعالى".
والحديث البُشرَى يفسر الآية الكريمة من سورة الحشر: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلا للذين آمنوا. ربنا إنك رؤوف رحيم).(سورة الحشر،الآية 10).
أرايت المُتَأهلين للأُخوة الشريفة كيف يدعون الله تعالى أن يطهر قلوبهم من الغِلِّ! وهو الحسد وما يسير في ركابه من علل داء الأمم، وما يؤسسه من مرض الغثائية.
ما يحمل أمانةَ التبليغِ آخِرَ هذه الأمة إلا أشباهٌ لمن حملوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. إخوان يتبعون الأصحاب بإحسان. فاتهم الأجلةُ العظام بالصحبة المباشرة الكريمة، فعوَّضَ التعلق القلبيُّ والمحبة الخالصة بعض ما فات. والحمد لله محيي الأموات. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "أمتي أمة مباركة، لا يُدرَى أوَّلها خير أو آخرُها " . (رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان بن عفان مرسلا. وقد وثقه الذهبي وأشار السيوطي إلى حسنه).
إن العالم اليوم وغدا ينتظِر رَوْحَ الرحمة التي تنفس عنه كرْب الحضارة المادية الهائمة بلا غاية.الوسائل فيها تعملقت، وتعملق الاختراع والتكنولوجيا، وتقزم الإنسان، وأصبح دابة استهلاكية لا تعرف لنفسها معنى ولا لسعيها الحثيث على الأرض قرارا. الإنسانية تنتظر دين الله الحقَّ يَبْلُغُها خبرُه وسط ضوضاء العالم وجنونه، تنتظر وجه الربانيين تتوسم قسمات الآمال المكبوتة عليه فتستجيب الفطرة المردومةُ المطمورة لنداءِ الشاهدين بالقسط.
التحدي المستقبلي الثقيل في حق الدعوة هو حمل الرسالة لعالم متعطش. وزنُنا السياسي، ولو ثقُلَ بعد زوال وصمة الغثائية، لا يوازي وزننا الأخلاقي الروحي بوصفنا حملة الرسالة الخالدة. بوصفنا مبلغين عن رب العالمين وعن رسوله الأمين. وهو تحدّ لا تقوم له الأمة إن لم يكن التحدي الفردي الذي يُهيب بالمومن والمومنة أن يتجردا من عبودية النفس والشيطان، وأن يتحررا من سلطان الهوى فيبرَآ من مرض الغثائية وداء الأمم وما ينجر إليهما من آفات، وينبريا تلبية لنداء (سابقوا) ليكونا من المقربين، من "إخواننا".
وهذا لا يأتي بحسن الظن بالنفس، وبالاستعلاء والاستغناء بما حصل للخطيب الشعبي في منبره، والمسؤول الميداني في تنظيمه. هذا يأتي بذكر الله. (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).(سورة الرعد، الآية 29). يأتي بحزبك من القرآن لا تلهو عنه. يأتي بلزومك الجماعة في الصف الأول. يأتي بالاستغفار والتفكر الدائم مع أولي الألباب (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم).(سورة آل عمران، الآية 191).
قال المحروم: إنها بِدعة أن تتخذ من الأذكار والتلاوة وِردا دائما. وقضى المحروم حياتَه في الغفلة الظلامية الملفوفة بجهل ما أنزل الله عز وجل.
وما أنزل ربنا جل وعلا على رسوله وصية (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)(سورة الكهف،الآية 28). إلا تنبيها للغافلين. و"إياكِ أعنِي واسمعي يا جارة"، يأيتها النفس التي لا تطمئن لذكر الله ولا لصحبة الأخيار.
إن نهوض الأمة من كبوتها رهين بقدرتها على نقد ذاتها،وكشف أمراضها، وتطبيق العلاج على الخاصة من رجال الدعوة أولا، قبل أن يمكن تطبيقه على العامة. على الدولة بعد وصول الإسلاميين للحكم أن تتفرغ لتوقعات المستقبل وأن تخطط وتدبر. لكن الدعوة شأنها الأول العظيم هو تربية الأجيال من "إخواننا" ابتداء من تربية الأم لتكونَ الأم نموذجا صالحا للطفل، ويكون الطفل غرسة مباركة، ليكون مسجدا أُسس على التقوى من أول يوم.
ألا وإن فاقِد الشيء لا يعطيه، والدعاة إن هم عزفوا عن ذكر الله وعن مجالسة المساكين وعن التواصي بالحق والصبر يكونون آفة زائدة لا الشفاءَ المرجوّ.
رُب صادق بدأ خطواته الجهادية بطفرة إيمانية وحماس موقوت، ما لبث أن اغتالته نفسه وشيطانه، فنسي ذكرَ الله وذكر الآخرة ومحاسبة النفس ومراقبتها و"صَبْرَها" فبلِيَ إيمانُه، وعصرته النفس وأناخت عليه بكلكَلِها، فذهب مع الزبَد، مع المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين.
قال أهل اللغة: صَبَرَ: حبَس. وصبر الرجلَ: نصبَه للقتل.
صبرُك النفسَ يا أخي، يا حبيبي، هو حَبْسُك إياها، وقتالك لعنفوانها. إنهُ جهاد. وقد جاء في حديث رواه الإمام الترمذي-رحمه الله- عن فُضالَةَ بنِ عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المجاهد من جاهد نفسه).
رجوعُك على النفس أخي وأختي فضيلة.ومهما أمِنْتَ من مكر الله، وأهم مآتيه النفسُ والشيطان، فقد زلَّتْ القدم نعوذ بالله.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر الأصحاب من غوائل النفس، فإن كانت لك رغبة في الأخوة المذخورة المباركة ولم تعتبر نفسك معنيا بالتحذير من باب أولى فهيهاتَ الأمانيُّ.
قال رسول صلى الله عليه وسلم: "أبشروا وأمِّلوا ما يسُركم. فواللهِ ما الفقْرَ أخشى عليكم. ولكني أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتَنافسوها (فتتنافسوها) كما تنافَسوها،وتهلككم كما أهلكتهم". (الحديث أخرجه البخاريُّ ومسلم والترمذي رحمهم الله).
وفي حديث آخر قال سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم: "آلْفَقْرَ تخافون؟ والذي نفسي بيده لتُصَبَّنَّ عليكم الدنيا صَبا حتى لا يُزيغَ قلبَ أحدِكُم إلا هِيَهْ! وايمُ الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء! "رواه ابن ماجة بسند صحيح.
قلوب مُعرَّضَةٌ للزيغ،ودنيا تُصَبُّ صبا،وحب الدنيا رأس الخطيئة وجرثومة المرض. وأي دنيا أبسَط من الحكم. يا أحبّاء قلبي!
سَمِعْنَا نِدَاءَ الحَقِّ والحَقُّ ذائـــعٌ
فأَيْقَظنَا قولُ: اسْتَقِيمُوا وسَارِعُــوا
أتَانا رَسولُ الله بالأَمرِ صَادِعًـا
أنِ اقْتَحموا واغدوا ورُوحُوا وصَارعُوا
فما بَلَغَ الغَاياتِ إلا مجاهــــدٌ
إلى قِمَّة الإحْسَــان بالعَزْم طـالِـــعُ
آمنا بالله لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.
... قُومُوا فَشَمسُ الهُدى قد حان مَشرِقها
وَوَحِّدوا الصَّفَّ وابْنُوا في خُطى الأُوَلِ.
إخواني وأخواتي من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ممن شاء أن يستمع القول فيتبع أحسنه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛
فأنت يا أخي، المُعبَّأُ في صف الجهاد، أنت عبد لله قسرا. يأيها الإنسان!
أنتِ يا أختي، يا مُربية أجيال الإسلام، أنتِ أَمَة الله قهرا. يأيها الإنسان!
هل حبست نفسك يوما أو ليلة أو ساعة، هل ضيقت عليها الخناق وسألتها إلى أين؟
إن رَبك عز َّوجل أخبرك في كتابه المبين عن السابقين المقربين ذوي الدرجات العُلى المحبوبين عنده في مقعد الصدق. فهل نهضت لطلب الزلفى لديه؟ هذا أعظم تحد مستقبلي بين يديك. إن لم تستيقظ لهذا، إن لم تقم لتقتحم إلى الله عز وجل العقبة، فأنت في واد ونحن في واد.
بين يديك هذا التحدي العظيم النبيل، بل هذا النداء الجليل من رب كريم وهاب ينادينا: (سَارِعُوا)، (سَابِقُوا). ومن خلفك النفس الأمارة، ربيبةُ الشّح، السلطانة على ضعفاء الهمة، تجرك وتراودك لتكون لها مطية.
نداء الله عز وجل يُؤَيِّه بك، وبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسط أمامك فسيحات الرجاء بالبشرى الصادقة، بشرى الخلافة على منهاج النبوة (خلافة الإمام محمد بن عبد الله المهدي عليه السلام). تكون فيها أنت من الصفوة عند الله بما جاهدت، أو تكون من الوجوه العاملة الناصبة التي ينصر الله بها دينه وهي فاجرة. الخلافة كائنة بحول الله، فهي وعده. لكن أنت أنت أنت! وما أعني بأنتَ غيرَ نفْسي الغافلة الخبيثة.
أخبرنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن له في آخر الزمان إخوانا. فهي كلمة يهتز لها كل ذي لب وشأن. ويُرشح نفسه لها بالصدق الدائم والجهاد المستمر من رفع الله تعالى همته ليكون من الذين (اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقَوْا وآمنوا ثم اتقَوْا وأحسنوا. والله يحب المحسنين)(سورة المائدة، الآية 95). هذا تحد لمستقبلك أخي.
أما البشرى العظيمة لكل تواق للمعالي ففي قوله صلى الله عليه وسلم:"وَدِدْتُ أنا قد رأينا إخواننا!" قالوا: أَوَلَسْنا إخوانَك يا رسولَ الله؟! قال: "أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لم يأتوا بعدُ".رواه الشيخـان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقعد وجاءه عمر بن الخطاب فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : يا عمر، إني لمشتاق إلى إخواني. قال عمر: يا رسول الله! ألسنا إخوانك! قال: لا، ولكنكم أصحابي، ولكن إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني. قال: ودخل أبو بكر على بقية ذلك قال: فقال له عمر: يا أبا بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لمشتاق إلى إخواني" قال: قلت يا رسول الله ألسنا إخوانك !قال: لا ."ولكنكم أصحابي ولكن إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني". قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ألا تحب قوما بلغهم أنك تحبني فأحبوك لحبك إياي فأحبهم أحبهم الله تعالى".
والحديث البُشرَى يفسر الآية الكريمة من سورة الحشر: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلا للذين آمنوا. ربنا إنك رؤوف رحيم).(سورة الحشر،الآية 10).
أرايت المُتَأهلين للأُخوة الشريفة كيف يدعون الله تعالى أن يطهر قلوبهم من الغِلِّ! وهو الحسد وما يسير في ركابه من علل داء الأمم، وما يؤسسه من مرض الغثائية.
ما يحمل أمانةَ التبليغِ آخِرَ هذه الأمة إلا أشباهٌ لمن حملوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. إخوان يتبعون الأصحاب بإحسان. فاتهم الأجلةُ العظام بالصحبة المباشرة الكريمة، فعوَّضَ التعلق القلبيُّ والمحبة الخالصة بعض ما فات. والحمد لله محيي الأموات. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "أمتي أمة مباركة، لا يُدرَى أوَّلها خير أو آخرُها " . (رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان بن عفان مرسلا. وقد وثقه الذهبي وأشار السيوطي إلى حسنه).
إن العالم اليوم وغدا ينتظِر رَوْحَ الرحمة التي تنفس عنه كرْب الحضارة المادية الهائمة بلا غاية.الوسائل فيها تعملقت، وتعملق الاختراع والتكنولوجيا، وتقزم الإنسان، وأصبح دابة استهلاكية لا تعرف لنفسها معنى ولا لسعيها الحثيث على الأرض قرارا. الإنسانية تنتظر دين الله الحقَّ يَبْلُغُها خبرُه وسط ضوضاء العالم وجنونه، تنتظر وجه الربانيين تتوسم قسمات الآمال المكبوتة عليه فتستجيب الفطرة المردومةُ المطمورة لنداءِ الشاهدين بالقسط.
التحدي المستقبلي الثقيل في حق الدعوة هو حمل الرسالة لعالم متعطش. وزنُنا السياسي، ولو ثقُلَ بعد زوال وصمة الغثائية، لا يوازي وزننا الأخلاقي الروحي بوصفنا حملة الرسالة الخالدة. بوصفنا مبلغين عن رب العالمين وعن رسوله الأمين. وهو تحدّ لا تقوم له الأمة إن لم يكن التحدي الفردي الذي يُهيب بالمومن والمومنة أن يتجردا من عبودية النفس والشيطان، وأن يتحررا من سلطان الهوى فيبرَآ من مرض الغثائية وداء الأمم وما ينجر إليهما من آفات، وينبريا تلبية لنداء (سابقوا) ليكونا من المقربين، من "إخواننا".
وهذا لا يأتي بحسن الظن بالنفس، وبالاستعلاء والاستغناء بما حصل للخطيب الشعبي في منبره، والمسؤول الميداني في تنظيمه. هذا يأتي بذكر الله. (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).(سورة الرعد، الآية 29). يأتي بحزبك من القرآن لا تلهو عنه. يأتي بلزومك الجماعة في الصف الأول. يأتي بالاستغفار والتفكر الدائم مع أولي الألباب (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم).(سورة آل عمران، الآية 191).
قال المحروم: إنها بِدعة أن تتخذ من الأذكار والتلاوة وِردا دائما. وقضى المحروم حياتَه في الغفلة الظلامية الملفوفة بجهل ما أنزل الله عز وجل.
وما أنزل ربنا جل وعلا على رسوله وصية (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)(سورة الكهف،الآية 28). إلا تنبيها للغافلين. و"إياكِ أعنِي واسمعي يا جارة"، يأيتها النفس التي لا تطمئن لذكر الله ولا لصحبة الأخيار.
إن نهوض الأمة من كبوتها رهين بقدرتها على نقد ذاتها،وكشف أمراضها، وتطبيق العلاج على الخاصة من رجال الدعوة أولا، قبل أن يمكن تطبيقه على العامة. على الدولة بعد وصول الإسلاميين للحكم أن تتفرغ لتوقعات المستقبل وأن تخطط وتدبر. لكن الدعوة شأنها الأول العظيم هو تربية الأجيال من "إخواننا" ابتداء من تربية الأم لتكونَ الأم نموذجا صالحا للطفل، ويكون الطفل غرسة مباركة، ليكون مسجدا أُسس على التقوى من أول يوم.
ألا وإن فاقِد الشيء لا يعطيه، والدعاة إن هم عزفوا عن ذكر الله وعن مجالسة المساكين وعن التواصي بالحق والصبر يكونون آفة زائدة لا الشفاءَ المرجوّ.
رُب صادق بدأ خطواته الجهادية بطفرة إيمانية وحماس موقوت، ما لبث أن اغتالته نفسه وشيطانه، فنسي ذكرَ الله وذكر الآخرة ومحاسبة النفس ومراقبتها و"صَبْرَها" فبلِيَ إيمانُه، وعصرته النفس وأناخت عليه بكلكَلِها، فذهب مع الزبَد، مع المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين.
قال أهل اللغة: صَبَرَ: حبَس. وصبر الرجلَ: نصبَه للقتل.
صبرُك النفسَ يا أخي، يا حبيبي، هو حَبْسُك إياها، وقتالك لعنفوانها. إنهُ جهاد. وقد جاء في حديث رواه الإمام الترمذي-رحمه الله- عن فُضالَةَ بنِ عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المجاهد من جاهد نفسه).
رجوعُك على النفس أخي وأختي فضيلة.ومهما أمِنْتَ من مكر الله، وأهم مآتيه النفسُ والشيطان، فقد زلَّتْ القدم نعوذ بالله.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر الأصحاب من غوائل النفس، فإن كانت لك رغبة في الأخوة المذخورة المباركة ولم تعتبر نفسك معنيا بالتحذير من باب أولى فهيهاتَ الأمانيُّ.
قال رسول صلى الله عليه وسلم: "أبشروا وأمِّلوا ما يسُركم. فواللهِ ما الفقْرَ أخشى عليكم. ولكني أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتَنافسوها (فتتنافسوها) كما تنافَسوها،وتهلككم كما أهلكتهم". (الحديث أخرجه البخاريُّ ومسلم والترمذي رحمهم الله).
وفي حديث آخر قال سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم: "آلْفَقْرَ تخافون؟ والذي نفسي بيده لتُصَبَّنَّ عليكم الدنيا صَبا حتى لا يُزيغَ قلبَ أحدِكُم إلا هِيَهْ! وايمُ الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء! "رواه ابن ماجة بسند صحيح.
قلوب مُعرَّضَةٌ للزيغ،ودنيا تُصَبُّ صبا،وحب الدنيا رأس الخطيئة وجرثومة المرض. وأي دنيا أبسَط من الحكم. يا أحبّاء قلبي!
سَمِعْنَا نِدَاءَ الحَقِّ والحَقُّ ذائـــعٌ
فأَيْقَظنَا قولُ: اسْتَقِيمُوا وسَارِعُــوا
أتَانا رَسولُ الله بالأَمرِ صَادِعًـا
أنِ اقْتَحموا واغدوا ورُوحُوا وصَارعُوا
فما بَلَغَ الغَاياتِ إلا مجاهــــدٌ
إلى قِمَّة الإحْسَــان بالعَزْم طـالِـــعُ
آمنا بالله لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين