عبدالله الكعبي
23 Aug 2011, 11:32 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
(الثورات) العربية، إن صحّت التسمية، اختلفت درجاتها واختلفت نتائجها، فما هو موقع البحرين من بين ما شهده الوطن العربي؟
لو أردنا أن نقوم بعملية تقويم بحيث نقارن ما حدث في البحرين بما حدث في باقي الدول العربية فعلينا أن ننظر إلى الكيفية التي تصرّف بها زعماء الدول التي شهدت بلادهم احتجاجات وكذلك إلى الظروف والملابسات التي صاحبت الأحداث.
ولست هنا بمعرض تقديم صورة مفصّلة وشاملة لكل ما حدث، إذ تحتاج هذه المسألة إلى مقالة مطوّرة، وربما إلى بحث معمّق، ولكنني أحاول أن أتناول المشاهد المختلفة بصورة شمولية ومختصرة.
البداية من تونس من بعد أن أحرق محمد البوعزيزي نفسه، وكانت النتيجة احتجاجات عارمة غطت العاصمة التونسية، غادر على إثرها الرئيس زين العابدين بن علي، وخلّفت الثورة 219 من الضحايا الذين فقدوا حياتهم، كانت وفاة 78 منهم في اضطرابات حدثت بأحد السجون.
بن علي -قبل مغادرته تونس- اعترف بالمطالب الشعبية، وأقر بوجود مشكلة، وتعهد بترك كرسي الرئاسة قائلاً: (لا رئاسة مدى الحياة)، غير أن تقارير تؤكد أن ما أنهى سيطرة بن علي على البلاد هو رفض قائد الجيش رشيد عامر أوامر بن علي بتوجيه السلاح في وجه المتظاهرين، ورفضه أيضاً دعوات أمريكية بالاستيلاء على الحكم، وغادر بن علي البلاد عاجزاً عن فعل أي شيء.
الثورة المصرية لم تختلف كثيراً من حيث السيناريو عن الثورة التونسية، وإن كانت النهاية مختلفة.
فشرارة الثورة انطلقت بوصول حشود من المواطنين إلى ميدان التحرير، وتزايدت هذه الحشود في ظل عجز قوات الأمن عن منعها، وأدت وفاة المئات من المواطنين المصريين إلى تصاعد حدة ووتيرة الاحتجاجات.
الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ألقى عدة خطابات، كان مجمل ما جاء فيها اعترافه بالثورة المصرية، واعترافه بالمطالب الشعبية، وتعهده بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، وتعيينه نائباً له هو عمر سليمان وتكليفه بالتحاور مع الثوار، لكن بلغت الضغوط الداخلية والدولية مرحلة لم يكن يمكن مواجهتها، بالإضافة إلى وقوف الجيش العربي المصري إلى جانب الشعب، فتنحى الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم في فترة قياسية، وبدأت بعدها مرحلة محاربة الحزب الحاكم ومحاكمته.
الثورة الليبية أخذت منحى آخر، فالرئيس معمر القذافي واجه الأمر بالبطش المباشر، ووصف الثائرين على حكمه بالجرذان والكلاب الضالة، ثم استخدم آلة القمع والقتل والدمار، وقصف شعبه بالمدافع والصواريخ، ووجه إليهم الرشاشات، وتنكر لشعبه قائلاً (من أنتم)، ولم يعترف لا بمطالب ولا بغيرها، وجَنَّد كتائبه لمحاربة الليبيين أينما وجدوا، ودفع شعبه إلى حمل السلاح، فتحولت ليبيا إلى ساحة حرب، وأدت بشاعة أعماله التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى إلى تدخل حلف (الناتو) لمساعدة الشعب الليبي على التقدم ومحاربة كتائب القذافي عبر قصف مواقعه وترسانته العسكرية، إلى أن انتهى الأمر بتقهقر هذه الكتائب ووصول الثوار إلى العاصمة طرابلس، حيث تدور الآن معارك تبدو نتائجها محسومة لصالح الثوار.
في اليمن الرئيس علي عبدالله صالح لعب مع الثائرين عليه لعبة القط والفأر، فلم يحصلوا منه لا على أخضر ولا على يابس، ثم لعب نفس اللعبة مع دول الخليج التي تقدمت بمبادرتها لحل الأزمة، ولعب نفس اللعبة مع الدول الغربية التي حاولت إقناعه بالتوقيع على المبادرة، ودخلت المدن اليمنية في صراعات لم تخل من المظاهر المسلحة، وصدامات بين بعض القبائل وقوات علي عبدالله صالح التي راح ضحيتها المئات، وانتهت المسألة بمحاولة اغتياله في مسجد القصر الرئاسي، وغادر للعلاج إلى المملكة العربية السعودية، واعتقد الجميع أن موضوعه انتهى، غير أنه عاود الظهور، ووعد بالعودة إلى اليمن، ولم تنتهِ القصة بعد، في ظل اختلافات أحزاب المعارضة حتى بعد تشكيل مجلسهم، حيث يصر صالح على التنحي عن السلطة بحسب ما ينص عليه الدستور، وهو عبر نهاية ولايته، وإجراء انتخابات جديدة.
في المقالة القادمة، نواصل الحديث عمّا حدث في سوريا ونقارن بين هذه الأحداث التي شهدتها الدول العربية وبين ما جرى في البحرين.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
(الثورات) العربية، إن صحّت التسمية، اختلفت درجاتها واختلفت نتائجها، فما هو موقع البحرين من بين ما شهده الوطن العربي؟
لو أردنا أن نقوم بعملية تقويم بحيث نقارن ما حدث في البحرين بما حدث في باقي الدول العربية فعلينا أن ننظر إلى الكيفية التي تصرّف بها زعماء الدول التي شهدت بلادهم احتجاجات وكذلك إلى الظروف والملابسات التي صاحبت الأحداث.
ولست هنا بمعرض تقديم صورة مفصّلة وشاملة لكل ما حدث، إذ تحتاج هذه المسألة إلى مقالة مطوّرة، وربما إلى بحث معمّق، ولكنني أحاول أن أتناول المشاهد المختلفة بصورة شمولية ومختصرة.
البداية من تونس من بعد أن أحرق محمد البوعزيزي نفسه، وكانت النتيجة احتجاجات عارمة غطت العاصمة التونسية، غادر على إثرها الرئيس زين العابدين بن علي، وخلّفت الثورة 219 من الضحايا الذين فقدوا حياتهم، كانت وفاة 78 منهم في اضطرابات حدثت بأحد السجون.
بن علي -قبل مغادرته تونس- اعترف بالمطالب الشعبية، وأقر بوجود مشكلة، وتعهد بترك كرسي الرئاسة قائلاً: (لا رئاسة مدى الحياة)، غير أن تقارير تؤكد أن ما أنهى سيطرة بن علي على البلاد هو رفض قائد الجيش رشيد عامر أوامر بن علي بتوجيه السلاح في وجه المتظاهرين، ورفضه أيضاً دعوات أمريكية بالاستيلاء على الحكم، وغادر بن علي البلاد عاجزاً عن فعل أي شيء.
الثورة المصرية لم تختلف كثيراً من حيث السيناريو عن الثورة التونسية، وإن كانت النهاية مختلفة.
فشرارة الثورة انطلقت بوصول حشود من المواطنين إلى ميدان التحرير، وتزايدت هذه الحشود في ظل عجز قوات الأمن عن منعها، وأدت وفاة المئات من المواطنين المصريين إلى تصاعد حدة ووتيرة الاحتجاجات.
الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ألقى عدة خطابات، كان مجمل ما جاء فيها اعترافه بالثورة المصرية، واعترافه بالمطالب الشعبية، وتعهده بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، وتعيينه نائباً له هو عمر سليمان وتكليفه بالتحاور مع الثوار، لكن بلغت الضغوط الداخلية والدولية مرحلة لم يكن يمكن مواجهتها، بالإضافة إلى وقوف الجيش العربي المصري إلى جانب الشعب، فتنحى الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم في فترة قياسية، وبدأت بعدها مرحلة محاربة الحزب الحاكم ومحاكمته.
الثورة الليبية أخذت منحى آخر، فالرئيس معمر القذافي واجه الأمر بالبطش المباشر، ووصف الثائرين على حكمه بالجرذان والكلاب الضالة، ثم استخدم آلة القمع والقتل والدمار، وقصف شعبه بالمدافع والصواريخ، ووجه إليهم الرشاشات، وتنكر لشعبه قائلاً (من أنتم)، ولم يعترف لا بمطالب ولا بغيرها، وجَنَّد كتائبه لمحاربة الليبيين أينما وجدوا، ودفع شعبه إلى حمل السلاح، فتحولت ليبيا إلى ساحة حرب، وأدت بشاعة أعماله التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى إلى تدخل حلف (الناتو) لمساعدة الشعب الليبي على التقدم ومحاربة كتائب القذافي عبر قصف مواقعه وترسانته العسكرية، إلى أن انتهى الأمر بتقهقر هذه الكتائب ووصول الثوار إلى العاصمة طرابلس، حيث تدور الآن معارك تبدو نتائجها محسومة لصالح الثوار.
في اليمن الرئيس علي عبدالله صالح لعب مع الثائرين عليه لعبة القط والفأر، فلم يحصلوا منه لا على أخضر ولا على يابس، ثم لعب نفس اللعبة مع دول الخليج التي تقدمت بمبادرتها لحل الأزمة، ولعب نفس اللعبة مع الدول الغربية التي حاولت إقناعه بالتوقيع على المبادرة، ودخلت المدن اليمنية في صراعات لم تخل من المظاهر المسلحة، وصدامات بين بعض القبائل وقوات علي عبدالله صالح التي راح ضحيتها المئات، وانتهت المسألة بمحاولة اغتياله في مسجد القصر الرئاسي، وغادر للعلاج إلى المملكة العربية السعودية، واعتقد الجميع أن موضوعه انتهى، غير أنه عاود الظهور، ووعد بالعودة إلى اليمن، ولم تنتهِ القصة بعد، في ظل اختلافات أحزاب المعارضة حتى بعد تشكيل مجلسهم، حيث يصر صالح على التنحي عن السلطة بحسب ما ينص عليه الدستور، وهو عبر نهاية ولايته، وإجراء انتخابات جديدة.
في المقالة القادمة، نواصل الحديث عمّا حدث في سوريا ونقارن بين هذه الأحداث التي شهدتها الدول العربية وبين ما جرى في البحرين.