ام حفصه
31 Aug 2011, 02:43 PM
د. ناصر العمر
يهاجم كثير من الكتاب والمثقفين وأهل الفكر من مختلف الاتجاهات ما تعانيه بعض بلاد العرب والمسلمين من الاستبداد والتسلط الذي تمارسه حكوماتها، حيث تتخذ قراراتها دون اكتراث بآراء وتطلعات عامة الشعب الذين تؤثر فيهم هذه القرارات.
في واقع الأمر، فإن هذا النوع من التسلط والاستبداد، ولنسمِّه الديكتاتورية الإدارية، ليس مقصورًا على الحكومات، فعالمنا العربي والإسلامي يعاني من التسلط والاستبداد الإداري في مناحٍ شتى وعلى مختلف المستويات، فقد تمارس الأم هذا التسلط على أولادها، وقد يمارسه الأب على أسرته، وقد يمارسه المدير على مرءوسيه، والمسئول على من هم تحت ولايته، ناهيك عما تمارسه بعض الأنظمة والحكومات على مواطنيها.
ولئن كان هذا النوع الخطير من الاستبداد مرفوضًا، فإن هناك نوعًا آخر من الاستبداد والديكتاتورية لا يقل خطورة عنه، إنه نوع يتمثل في فرض بعض أهل الفكر والثقافة والإعلام وصايتهم على عقول الناس وأفكارهم؛ وذلك بمحاولة فرض آرائهم وقناعاتهم على الجمهور، ومقابلة كل من يخالفهم بالسخرية والتنقص والتسفيه، ولنا أن نسمِّي هذا النوع بالديكتاتورية الفكرية.
إن الديكتاتورية الفكرية أصل أصيل للديكتاتورية الإدارية، فإن المسئول أو الحاكم الذي يتخذ قراراته دون رجوع إلى من هم تحت ولايته، لا يفعل ذلك إلا لأنه يرى آراءهم لا قيمة لها، وأنه أوتي من الحكمة ما لم يؤت غيره، ولسان حاله يقول: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى} [غافر: 29].
إن خطورة الديكتاتورية الفكرية تظهر في كونها تؤثر على أفكار وعقول من تمارس عليهم، مما يترك آثارًا كبيرة على حاضرهم ومستقبلهم، حيث تصبح نظرتهم للأمور أحادية قاصرة، بينما الديكتاتورية الإدارية تكون مؤقتة تزول بزوال سلطة الأب أو المسئول أو الحاكم، ولا يكون لها غالبًا سلطان على عقول الناس.
من المفارقات العجيبة أن بعض الدعاة والمربين ممن ينتقدون ويهاجمون الديكتاتورية الإدارية، يمارسون في بيوتهم أو دعوتهم نوعًا من أنواع الديكتاتورية الفكرية حيث لا مجال للرأي الآخر، وحيث النقاش والحوار ممنوع.
وأعجب من ذلك أن نرى بعض الكُتَّاب وأصحاب القلم الذين هم من أشد المهاجمين للديكتاتورية الإدارية، والمتحمسين في الوقت نفسه للديمقراطية الغربية، والداعين لها بوصفها تمثل حكم الأغلبية الذي مهما يكن به من عيوب فهو أفضل من تسلُّط فرد أو فئة، نراهم يكتبون كتابات أحاديَّة تصادم المزاج العام للأغلبية في بلادنا وتعاكس قيمها، فتأتيهم الرسائل من المشايخ وأهل العلم وطلبته وعامة الناس في الرد عليهم وتفنيد ما في كلامهم، فيسفِّهونها ويسفهون أصحابها ويصفوهم بقلة العلم والفهم، وهذه صورة كريهة من صور الديكتاتورية الفكرية.
لئن كان التصدي للطغيان والاستبداد الإداري مطلوبًا، فإن التخلص من الاستبداد الفكري مطلوب كذلك، ولا ينبغي لمن يحترم قلمه ويحترم قُرَّاءه أن يهاجم نوعًا من الاستبداد بينما هو واقع في آخر، ولمثل هذا نقول ما قاله المتوكل الليثي:
يـا أَيُّـها الرَجُـلُ المُعَـلِّمُ غَـيرَهُ *** هَلاَّ لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا *** كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وَتَـراكَ تُصـلِحُ بالرشـادِ عُقولَنا *** أَبَدًا وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
فابـدأ بِنَفسِـكَ فانهَـها عَن غَيِّها *** فَإِذا انتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُنـاكَ يُقبـَلُ ما تَقـولُ وَيُهتَدى *** بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنـهَ عَـن خُلُـقٍ وَتـأتيَ مِثلَهُ *** عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
يهاجم كثير من الكتاب والمثقفين وأهل الفكر من مختلف الاتجاهات ما تعانيه بعض بلاد العرب والمسلمين من الاستبداد والتسلط الذي تمارسه حكوماتها، حيث تتخذ قراراتها دون اكتراث بآراء وتطلعات عامة الشعب الذين تؤثر فيهم هذه القرارات.
في واقع الأمر، فإن هذا النوع من التسلط والاستبداد، ولنسمِّه الديكتاتورية الإدارية، ليس مقصورًا على الحكومات، فعالمنا العربي والإسلامي يعاني من التسلط والاستبداد الإداري في مناحٍ شتى وعلى مختلف المستويات، فقد تمارس الأم هذا التسلط على أولادها، وقد يمارسه الأب على أسرته، وقد يمارسه المدير على مرءوسيه، والمسئول على من هم تحت ولايته، ناهيك عما تمارسه بعض الأنظمة والحكومات على مواطنيها.
ولئن كان هذا النوع الخطير من الاستبداد مرفوضًا، فإن هناك نوعًا آخر من الاستبداد والديكتاتورية لا يقل خطورة عنه، إنه نوع يتمثل في فرض بعض أهل الفكر والثقافة والإعلام وصايتهم على عقول الناس وأفكارهم؛ وذلك بمحاولة فرض آرائهم وقناعاتهم على الجمهور، ومقابلة كل من يخالفهم بالسخرية والتنقص والتسفيه، ولنا أن نسمِّي هذا النوع بالديكتاتورية الفكرية.
إن الديكتاتورية الفكرية أصل أصيل للديكتاتورية الإدارية، فإن المسئول أو الحاكم الذي يتخذ قراراته دون رجوع إلى من هم تحت ولايته، لا يفعل ذلك إلا لأنه يرى آراءهم لا قيمة لها، وأنه أوتي من الحكمة ما لم يؤت غيره، ولسان حاله يقول: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى} [غافر: 29].
إن خطورة الديكتاتورية الفكرية تظهر في كونها تؤثر على أفكار وعقول من تمارس عليهم، مما يترك آثارًا كبيرة على حاضرهم ومستقبلهم، حيث تصبح نظرتهم للأمور أحادية قاصرة، بينما الديكتاتورية الإدارية تكون مؤقتة تزول بزوال سلطة الأب أو المسئول أو الحاكم، ولا يكون لها غالبًا سلطان على عقول الناس.
من المفارقات العجيبة أن بعض الدعاة والمربين ممن ينتقدون ويهاجمون الديكتاتورية الإدارية، يمارسون في بيوتهم أو دعوتهم نوعًا من أنواع الديكتاتورية الفكرية حيث لا مجال للرأي الآخر، وحيث النقاش والحوار ممنوع.
وأعجب من ذلك أن نرى بعض الكُتَّاب وأصحاب القلم الذين هم من أشد المهاجمين للديكتاتورية الإدارية، والمتحمسين في الوقت نفسه للديمقراطية الغربية، والداعين لها بوصفها تمثل حكم الأغلبية الذي مهما يكن به من عيوب فهو أفضل من تسلُّط فرد أو فئة، نراهم يكتبون كتابات أحاديَّة تصادم المزاج العام للأغلبية في بلادنا وتعاكس قيمها، فتأتيهم الرسائل من المشايخ وأهل العلم وطلبته وعامة الناس في الرد عليهم وتفنيد ما في كلامهم، فيسفِّهونها ويسفهون أصحابها ويصفوهم بقلة العلم والفهم، وهذه صورة كريهة من صور الديكتاتورية الفكرية.
لئن كان التصدي للطغيان والاستبداد الإداري مطلوبًا، فإن التخلص من الاستبداد الفكري مطلوب كذلك، ولا ينبغي لمن يحترم قلمه ويحترم قُرَّاءه أن يهاجم نوعًا من الاستبداد بينما هو واقع في آخر، ولمثل هذا نقول ما قاله المتوكل الليثي:
يـا أَيُّـها الرَجُـلُ المُعَـلِّمُ غَـيرَهُ *** هَلاَّ لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا *** كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وَتَـراكَ تُصـلِحُ بالرشـادِ عُقولَنا *** أَبَدًا وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
فابـدأ بِنَفسِـكَ فانهَـها عَن غَيِّها *** فَإِذا انتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُنـاكَ يُقبـَلُ ما تَقـولُ وَيُهتَدى *** بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنـهَ عَـن خُلُـقٍ وَتـأتيَ مِثلَهُ *** عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ