ام حفصه
06 Sep 2011, 09:39 PM
كتبه/ محمد سرحان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد كانت "يثرب" بلدة صغيرة ليس لها كبير ذكر وشأن قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت أرضاً ذات نخل -يكثر فيها النخيل-، كثيرة البساتين، ويعمل أهلها بالزراعة لخصوبة أرضها، وكانت تحيط بها حَرَّتان -والحَرة هي الحجارة السوداء الكبيرة- من جهتي الشرق والغرب، وقد ورد هذا الوصف في صحيح البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ) -وَهُمَا الْحَرَّتَانِ-.
وكان يسكن المدينة في ذلك الوقت قبيلتا الأوس والخزرج، وهما قبيلتان قحطانيتان جاءتا من مملكة سبأ من اليمن على إثر خراب سد مأرب، واليهود قد جاءوا إلى الجزيرة العربية زمن الاضطهاد الآشوري والروماني، وكان يقطن بها ثلاث قبائل مشهورة منهم، وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة.
وكان قدوم اليهود إلى هذه البلدة لنبوءات عندهم أنها مُهاجَر النبي الخاتم، وكانوا يستفتحون به على أهلها، وكانوا يقولون: قد أظلنا زمن نبي نقتلكم معه قتل عاد وإرم، وهو ما ذكر الله -تعالى- في قوله: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا)(البقرة:89)، وكانت الحروب بين القبيلتين الأوس والخزرج كثيرة متواصلة يؤججها ويساعد على إشعالها اليهود.
ويقال: إن "يثرب" اسم لرجل من أحفاد نوح -عليه السلام-، وهو الذي أسسها، وقد غيَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الاسم إلى "المدينة"، وأصبحت تعرف بـ"المدينة المنورة" أو "المدينة النبوية"، وسميت بأسماء أخرى منها: "طابة" و"طيبة"، ولعل السبب في تغيير هذا الاسم دلالته اللغوية المنفـِّرة؛ فكلمة يثرب في اللغة مشتقة من التثريب وهو اللوم الشديد أو الإفساد والتخليط.
وقد كانت مساحتها زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- هي نفس مساحة المسجد النبوي حالياً تقريباً.
المدينة بعد الهجرة:
ولما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها جمع الله به بين أهلها وألـَّفَ بين قلوبهم وقلوب المهاجرين، وزالت الحروب والضغائن والبغضاء من بينهم، وصارت المدينة المنورة أنموذجاً للمدينة المثالية الفاضلة.
وأول ما بدأ به النبي -صلى الله عليه وسلم- بناء مسجده، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته -صلى الله عليه وسلم-، فاشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه -صلى الله عليه وسلم-، فكان ينقل اللبن والحجارة، ويقول:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان يقول:
هذا الحمال لا حمال خيبرْ هذا أبرُّ ربـَّـنا وأطهرْ
وكان في ذلك المكان قبور للمشركين، وكان فيه خرب، ونخل، وشجرة من غَرْقـَد، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقبور فنبشت، وبالخَرِب فسويت، وبالنخل والشجرة فقطعت، وصُفـَّت في قبلة المسجد، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، وجعلت عضادتاه من حجارة، وأقيمت حيطانه من اللبن والطين، وجعل سقفه من بجريد النخل، وعُمُده الجذوع، وفـُرِشت أرضه بالرمال والحصباء. انظر صحيح البخاري.
وفي السنة السابعة من الهجرة النبوية بعد غزوة خيبر قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتوسيع المسجد وجعلت له ثلاثة أبواب، وطوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، والجانبان مثل ذلك أو دونه، وبنى بجانبه بيوتاً بالحجر واللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه -صلى الله عليه وسلم-، وأصبحت هذه البيوت تفتح على المسجد مباشرة.
ولم يكن للمسجد يومئذ مآذن ولا قباب، وكان بين المسجد وحجرات زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- طريق عرضه عشرة أذرع.
وظل المسجد هكذا حتى سنة 17هـ في خلافة عمر -رضي الله عنه-، فقام بتوسعة المسجد من جوانبه الثلاثة عدا الجانب الذي فيه حجرات زوجات النبي.
ثم وسعه عثمان ذو النورين -رضي الله عنه- في السنة العشرين من الهجرة من الجوانب الثلاثة في توسعة عمر -رضي الله عنه-، ثم جاءت توسعة الخليفة الوليد بن عبد الملك من جوانبه الأربعة، وهو الذي أدخل حجرات النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وأدخل القبر في المسجد، فقد كان قبره -صلى الله عليه وسلم- في حجرة عائشة -رضي الله عنها- الملاصقة للمسجد.
فقام بهدم الحجرات، ووسع المسجد وأدخل القبر فيه، وما رؤي التابعون أشد بكاءً لهذا العمل أن أدخل القبر في المسجد، وكان هذا لأسباب سياسية محضة لا أسباب شرعية، وكان ذلك سنة 91هـ.
ثم وسعه الخليفة المهدي العباسي سنة 162هـ، وبنى المآذن والقباب عليه، وذُهِّبَتْ الجدران والأسطوانات والأبواب، ثم وسعه السلطان قايتباي سنة 895هـ.
ومع نهايات الفترة العثمانية توجت بتوسعة السلطان عبد المجيد، والتي بلغت ألف ومائتين وثلاثة وتسعين متراً مربعاً، وقد تم الانتهاء منها سنة 1277هـ، حيث اعتمدت القباب لسقف المسجد بدلاً من الأخشاب.
وبعد تسعين عاماً سنة 1372هـ قام الملك عبد العزيز بالتوسعة السعودية الأولى ووصلت بتوسعة السلطان عبد المجيد بشكل معماري رائع، وقد بلغت هذه التوسعة عند الانتهاء منها سنة 1375هـ ستة آلاف وأربعة وعشرين متراً مربعاً.
ثم كانت التوسعة السعودية الثانية في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، وهي أكبر توسعة في تاريخه على مر العصور على مساحة اثنين وثمانين ألف متر مربع، مع استدراك كافة المتطلبات للمصلين والحجاج والمعتمرين.
منقول---
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد كانت "يثرب" بلدة صغيرة ليس لها كبير ذكر وشأن قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت أرضاً ذات نخل -يكثر فيها النخيل-، كثيرة البساتين، ويعمل أهلها بالزراعة لخصوبة أرضها، وكانت تحيط بها حَرَّتان -والحَرة هي الحجارة السوداء الكبيرة- من جهتي الشرق والغرب، وقد ورد هذا الوصف في صحيح البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ) -وَهُمَا الْحَرَّتَانِ-.
وكان يسكن المدينة في ذلك الوقت قبيلتا الأوس والخزرج، وهما قبيلتان قحطانيتان جاءتا من مملكة سبأ من اليمن على إثر خراب سد مأرب، واليهود قد جاءوا إلى الجزيرة العربية زمن الاضطهاد الآشوري والروماني، وكان يقطن بها ثلاث قبائل مشهورة منهم، وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة.
وكان قدوم اليهود إلى هذه البلدة لنبوءات عندهم أنها مُهاجَر النبي الخاتم، وكانوا يستفتحون به على أهلها، وكانوا يقولون: قد أظلنا زمن نبي نقتلكم معه قتل عاد وإرم، وهو ما ذكر الله -تعالى- في قوله: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا)(البقرة:89)، وكانت الحروب بين القبيلتين الأوس والخزرج كثيرة متواصلة يؤججها ويساعد على إشعالها اليهود.
ويقال: إن "يثرب" اسم لرجل من أحفاد نوح -عليه السلام-، وهو الذي أسسها، وقد غيَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الاسم إلى "المدينة"، وأصبحت تعرف بـ"المدينة المنورة" أو "المدينة النبوية"، وسميت بأسماء أخرى منها: "طابة" و"طيبة"، ولعل السبب في تغيير هذا الاسم دلالته اللغوية المنفـِّرة؛ فكلمة يثرب في اللغة مشتقة من التثريب وهو اللوم الشديد أو الإفساد والتخليط.
وقد كانت مساحتها زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- هي نفس مساحة المسجد النبوي حالياً تقريباً.
المدينة بعد الهجرة:
ولما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها جمع الله به بين أهلها وألـَّفَ بين قلوبهم وقلوب المهاجرين، وزالت الحروب والضغائن والبغضاء من بينهم، وصارت المدينة المنورة أنموذجاً للمدينة المثالية الفاضلة.
وأول ما بدأ به النبي -صلى الله عليه وسلم- بناء مسجده، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته -صلى الله عليه وسلم-، فاشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه -صلى الله عليه وسلم-، فكان ينقل اللبن والحجارة، ويقول:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان يقول:
هذا الحمال لا حمال خيبرْ هذا أبرُّ ربـَّـنا وأطهرْ
وكان في ذلك المكان قبور للمشركين، وكان فيه خرب، ونخل، وشجرة من غَرْقـَد، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقبور فنبشت، وبالخَرِب فسويت، وبالنخل والشجرة فقطعت، وصُفـَّت في قبلة المسجد، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، وجعلت عضادتاه من حجارة، وأقيمت حيطانه من اللبن والطين، وجعل سقفه من بجريد النخل، وعُمُده الجذوع، وفـُرِشت أرضه بالرمال والحصباء. انظر صحيح البخاري.
وفي السنة السابعة من الهجرة النبوية بعد غزوة خيبر قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتوسيع المسجد وجعلت له ثلاثة أبواب، وطوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، والجانبان مثل ذلك أو دونه، وبنى بجانبه بيوتاً بالحجر واللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه -صلى الله عليه وسلم-، وأصبحت هذه البيوت تفتح على المسجد مباشرة.
ولم يكن للمسجد يومئذ مآذن ولا قباب، وكان بين المسجد وحجرات زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- طريق عرضه عشرة أذرع.
وظل المسجد هكذا حتى سنة 17هـ في خلافة عمر -رضي الله عنه-، فقام بتوسعة المسجد من جوانبه الثلاثة عدا الجانب الذي فيه حجرات زوجات النبي.
ثم وسعه عثمان ذو النورين -رضي الله عنه- في السنة العشرين من الهجرة من الجوانب الثلاثة في توسعة عمر -رضي الله عنه-، ثم جاءت توسعة الخليفة الوليد بن عبد الملك من جوانبه الأربعة، وهو الذي أدخل حجرات النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وأدخل القبر في المسجد، فقد كان قبره -صلى الله عليه وسلم- في حجرة عائشة -رضي الله عنها- الملاصقة للمسجد.
فقام بهدم الحجرات، ووسع المسجد وأدخل القبر فيه، وما رؤي التابعون أشد بكاءً لهذا العمل أن أدخل القبر في المسجد، وكان هذا لأسباب سياسية محضة لا أسباب شرعية، وكان ذلك سنة 91هـ.
ثم وسعه الخليفة المهدي العباسي سنة 162هـ، وبنى المآذن والقباب عليه، وذُهِّبَتْ الجدران والأسطوانات والأبواب، ثم وسعه السلطان قايتباي سنة 895هـ.
ومع نهايات الفترة العثمانية توجت بتوسعة السلطان عبد المجيد، والتي بلغت ألف ومائتين وثلاثة وتسعين متراً مربعاً، وقد تم الانتهاء منها سنة 1277هـ، حيث اعتمدت القباب لسقف المسجد بدلاً من الأخشاب.
وبعد تسعين عاماً سنة 1372هـ قام الملك عبد العزيز بالتوسعة السعودية الأولى ووصلت بتوسعة السلطان عبد المجيد بشكل معماري رائع، وقد بلغت هذه التوسعة عند الانتهاء منها سنة 1375هـ ستة آلاف وأربعة وعشرين متراً مربعاً.
ثم كانت التوسعة السعودية الثانية في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، وهي أكبر توسعة في تاريخه على مر العصور على مساحة اثنين وثمانين ألف متر مربع، مع استدراك كافة المتطلبات للمصلين والحجاج والمعتمرين.
منقول---