ام حفصه
08 Sep 2011, 04:58 PM
هلموا إلى القرآن
الحمد لله القائل ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
يا خادم الجسم كم تسعي لخدمته *** أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
عباد الله وأنتم تعيشون شهر القرآن اتقوا الله واعلموا أن لكل رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام معجزة اِختُصَّ بهذه المعجزة من بين الرسل ليصدقه قومه وليعلن التوحيد فيهم بالبراهين فكان لموسى عليه السلام معجزة العصا يوم خرج في قوم بلغوا في السحر ذروته ومنتهاه فأتت عصاه تلقف ما صنعوا فوقع الحق و بطل ما كانوا يعملون وبلغ قوم عيسي مبلغاً عظيماً في الطب فأتي إليهم عيسي بطب من الواحد الأحد يبرأ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله فوقع الحق و اندحر الباطل و أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فبعث في أمة فصيحة في لغتها مجيدة في بيانها خطيبها أخطب الخطباء و شاعرها أرقى الشعراء فأتي إليهم صلى الله عليه و سلم بالقرآن سمعوه فدهشوا من بيانه و بهتوا من بلاغته و فصاحته فما استطاعوا أن ينكروا ذلك رغم جحودهم حتى يقول كبيرهم [الوليد بن المغيرة] و قد سمع القرآن فدهش يقول واللات والعزة إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمغدق و أنه يعلو و لا يعلى عليه ،لا إله إلا الله
الحق يعلو و الأباطل تسفل *** والحق عن أحكامه لا يُسأل
و إذا استحالت حالة و تبدلت *** فالله عز وجل لا يتبدل .
مازال به قومه بـ[الوليد] حتى رجع عن مقالته وكذب نفسه فيما قاله عن القرآن فقال منتكساً إن هذا إلا سحر يؤثر ويتولى الله الرد عليه ويعنفه و يتهدده ( سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر ) ويأتي الرسول صلى الله عليه وسلم لِيُرَبِّي هذه الأمة على هذا الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ( تنزيل من حكيم حميد ) فتربت الأمة و تهذبت وأصبح عابد الأصنام قزما حماة البيت والركن اليماني تربت على كتاب ما قرأه قارئ إلا آجره الله .
ما تدبره متدبر إلا وفقه الله . كتاب مَن حكم به عدل من أستمع إليه استفاد مَن اتعظ بمواعظه انتفع . كتاب من قرأه علمه الله علم الأولين و الآخرين ، كتاب من استنار بنوره دخل الجنة و من تقفاه وجعله خلف ظهره قذفه على وجهه في النار كتاب من تدبره أخرج النفاق و الشك و الريبة من قلبه هو شفاء لما في الصدور مَن التمس الهداية فيه هداه الله و سدده و من التمس الهدى من غيره أضله الله وأهانه الله ( ومن يهن الله فما له مِن مُكْرِم ) يقول شيخ الإسلام [ابن تيمية] رحمه الله من اعتقد أنه سيهتدي بهدى غير هدى الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ويقول جل ذكره ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) والمعني ما بهم لا يتدبرون ما فيه من العظات ما بهم لا يعيشون مع الآيات البينات والجواب رانَ على قلوبهم فأقفلت فلا تسمع وأوصدت فلا تنتفع ولو أنها تدبرت لفهمت كلام ربها فاهتدت بهدى باريها ويقول تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) والاختلاف الكثير تجده في الكتب غير كتاب الله عز وجل أما كتابه ( فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) من قرأه بارك الله في عمره و بارك في ولده و بارك في ماله و من أعرض عنه محق الله عمره و أزال هيبته و أفنى كابره وصاغره و جعل معيشته ضنكا و حشر يوم القيامة أعمى ولذلك كان عليه الصلاة والسلام ينادي الناس جميعاً لقراءة القرآن والتلذذ بتلاوته و إلا يهجروه فيقول صلى الله عليه وسلم "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" يأتيك القرآن يوم القيامة فيشفع لك عند من أنزله وعند من تكلم به في يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فيدخلك الجنة بإذن الله تعالي ويقول صلى الله عليه وسلم "يؤتى بالقرآن وبأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحجان عن صاحبهما يوم القيامة" متفق عليه . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "اقرؤوا الزهراوين؛ البقرة وآل عمران فأنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما فِرقان من طير طواف تحاجان عن أصحابهما" "أقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة" يعني السحرة رواه [مسلم] . إن في سورة البقرة آية الكرسي من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه شيطان حتى يصبح ، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يفاضل بين الناس : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" علامة الصدق والإيمان كثرة قراءة القرآن وعلامة القبول تدبر القرآن ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" قال [عمر بن الخطاب] رضي الله عنه لأحد ولاته على <مكة> وقد ترك <مكة> ولقيه في الطريق : كيف تركت <مكة> وأتيتني قال : وليت عليها فلاناً يا أمير المؤمنين قال و من هو ذا قال مولى لنا وعبد من عبيدنا قال [عمر] ثكلتك أمك تولى على <مكة> مولى قال يا أمير المؤمنين إنه حافظ لكتاب الله عالم بالفرائض فدمعت عينا عمر وقال صدق رسول الله "إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" يرفع الله به من اتبعوه وتدبروه ويضع من أعرضوا عنه فلم يقرءوه ولم يتدبروه ولم يعملوا به والعجيب أن تسمع من بعض هذه الأمة من يقول لأخيه وهو يحاوره والله ما قرأت القرآن ستة أشهر لا إله إلا الله أي قلب يعيش وهو لم يمر بكتاب الله ستة أشهر وهو يمر بالصحف اليومية والمجلات والقيل و القال والخزعبلات وآراء الماجنين والماجنات ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) يقول الله عز وجل على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) يقول [ابن عباس] ـ رضى الله عنه وأرضاه ـ مَن لن يختم القرآن في شهر فقد هجره ، و هَجْرِ القرآن على أَدْرُبْ ، مِن الناس مَن يهجر العمل به و تلك والله هي الطامة و منهم من يهجر تلاوته فيقدم صحف البشر و مؤلفات البشر على كلام رب البشر يسهر على المذكرات يعللها ويلخص فوائدها وليس بها فوائد لكن كتاب الله يشكوه إلى الله كتاب الله يشكونا ، هجرناه وأهملناه وضيعناه وخالفنا أوامره و نواهيه ، قرآننا سار يشكو ما قرأناه ، عميٌ عن الذكر والآيات تندبنا لو كلم الذكر جلمودا لأحياه يقول صلى الله عليه وسلم يستثير الهمم لتطلب الأجر والثواب من عند باريها يقول صلى الله عليه وسلم : "اتلوا القرآن فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" فعُدَّ يا عبد الله واقرأ واحتسب الأجر عند الله فإنك تأتي يوم القيامة وقد نصب لك في الجنة سلما بدرجات يقول الله لك بلا ترجمان اقرأ وارتق ورتل فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها فمن كان يقرأ في القرآن كثيرا رقى حتى يصبح كالكوكب الدري في سماء الجنة ثم هم على منازل هم درجات عند الله والله بصيرٌ بما يعملون ، عباد الله من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحي إليه ، لا حسد في الدنيا ولا في مناصبها ولا في أموالها لا حسد إلا في تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ، بيت لا يقرأ فيه القرآن عششت فيه الهموم و الغموم والنفاق بيت سكنته المعاصي و والله لا يخرجها إلا القرآن وليس كل المؤمنين يجب عليهم قراءة كل القرآن كاملاً فمنهم من لا يقرأ القرآن وهو تقي عابد بار صالح خير لأنه لا يقرأ أصلاً فواجب مثل هؤلاء الذين فاتتهم القراءة أن يردد ما تيسر من سور يحفظونها وأن يسبحوا الله ويحمدوا الله و يهللوا و يكبروا و يصلوا على رسول الله ويتعلموا القرآن و إن شق عليهم فإن لهم أجرين عند الله ، كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعيش مع القرآن بل كتابه الذي تربي عليه القرآن ، لم يكن عند الصحابة مؤلفات ولا صحف ولا مجلات ، معهم القرآن معلق في طرف البيت و السيف معلق في الطرف الأخر هم يمشون على الأرض وكل واحد منهم قرآن ، فتحوا الدنيا بآيات الله البينات وهذه معجزة رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأتي بكتاب فيتوارث منه العلماء مجلدات ومجلدات تملأ البيوت والمكتبات في كل الدهور والعصور .
أتى النبيون بالآيات فانصرمت *** وجئتنا بعظيمٍ غير مُنْصَرِمِ
آياته كلما طال المدى جُدُدُ *** يَزِيِنُهُنَّ جلالِ العِتْقِ والقِدَمِ
فيا أمة القرآن ويا حفظة كتاب الله من يقرأ القرآن إن لم تقرءوه من يتدبره إن لم تتدبروه من يعمل به إن لم تعملوا به أما سمعتم أساطين الكفر في كل مكان بدأوا الآن في الدخول في دين الله ظرافات ووحدانا بعد أن قال القرآن فيهم ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) في وقت يخرج منه أبناء هذا الدين . الموازين عطلت وغدا القرد ليثا وأفلتت الغنم .
عباد الله ، ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كان يحب سماع القرآن كيف لا وهو كلام الله عز وجل ولذلك يقول لـ[ابن مسعود] كما في الصحيحين : " يا عبد الله اقرأ علىّ القرآن فيخجل عبد الله ويستحي من شيخه صلى الله عليه وسلم ويقول كيف أقرأ القرآن عليك وعليك أنزل ، قال : اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري قال : فاندفعت أقرأ في سورة النساء فلما بلغت قول الله ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) قال حسبك حسبك ، فنظرت فإذا عيناه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذرفان" تأثر من كلام الله الذي يقود النفوس إلى باريها وتذكر ذاك اليوم الذي يكون فيه شهيدا على العالمين و ها هو صلى الله عليه وسلم يخرج بعد ما أظلم الليل يمر ببيوت الأنصار يستمع لحالهم في الليل يوم كانت بيوتهم حية بكتاب الله ، يوم ما ماتت بالأغاني والتمثيليات والمسلسلات والأفلام ، يوم كان ليلهم تعبداً هم فيه سجداً يمر ببيت [أبي موسى] فينصت لأبي موسى وهو يقرأ القرآن فلما جاء اليوم الثاني" قال يا أبا موسى لو رأيتني البارحة و أنا أستمع لك لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فيقول يا رسول الله أإنك كنت تستمع لي البارحة ، قال إي والذي نفسي بيده . وفى بعض الروايات أنه استمع ـ صلى الله عليه وسلم ـ له من صلاة العشاء حتى صلاة الفجر يقول [أبو موسى] يا رسول الله والذي نفسي بيدي لو أعلم أنك تستمع لي لَحَبَّرْتُهَ لك تَحْبِيِراً أي جودته وحسنته تحسيناً فانظروا كيف كان صلى الله عليه وسلم يعيش مع القرآن وللقرآن ، و كيف كان صحابته رضوان الله عليهم ها هو [عثمان] ـ رضى الله عنه ـ كان ينشر المصحف من بعد الفجر إلى صلاة الظهر يقرأ ودموعه تنهمر على كتاب الله فيقول له الناس لو خففت عن نفسك قال أما والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن .
والذي نلاحظه يا عباد الله في أنفسنا وإخواننا المسلمين عامة هو قلة الاهتمام بكتاب الله والإعراض عن كتاب الله والاستغناء بكتب البشر و الصدود والإعراض إلا ممن رحم الله و قلة التجويد حتى في بعض أئمة المساجد و قلة الحفظ والتدبر وكثرة المشاغل حتى بين طلبة العلم لا تجدوا إلا القليل النادر ممن يحفظ القرآن أو يحفظ بعضه و إذا كلف أحدنا بحفظ شيئاً من القرآن استصعب ذلك حتى كأن جبال الدنيا على كاهله و معنى ذلك هزيمة الإسلام و المسلمين وذهاب الإيمان فوالله لا نصر و لا تمكين و لا عزة إلا بهذا القرآن و الله متى تركناه و نسيناه ابتلينا بكل خزيٍ وفضيحةٍ في الدنيا والآخرة .
الحمد لله القائل ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
يا خادم الجسم كم تسعي لخدمته *** أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
عباد الله وأنتم تعيشون شهر القرآن اتقوا الله واعلموا أن لكل رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام معجزة اِختُصَّ بهذه المعجزة من بين الرسل ليصدقه قومه وليعلن التوحيد فيهم بالبراهين فكان لموسى عليه السلام معجزة العصا يوم خرج في قوم بلغوا في السحر ذروته ومنتهاه فأتت عصاه تلقف ما صنعوا فوقع الحق و بطل ما كانوا يعملون وبلغ قوم عيسي مبلغاً عظيماً في الطب فأتي إليهم عيسي بطب من الواحد الأحد يبرأ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله فوقع الحق و اندحر الباطل و أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فبعث في أمة فصيحة في لغتها مجيدة في بيانها خطيبها أخطب الخطباء و شاعرها أرقى الشعراء فأتي إليهم صلى الله عليه و سلم بالقرآن سمعوه فدهشوا من بيانه و بهتوا من بلاغته و فصاحته فما استطاعوا أن ينكروا ذلك رغم جحودهم حتى يقول كبيرهم [الوليد بن المغيرة] و قد سمع القرآن فدهش يقول واللات والعزة إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمغدق و أنه يعلو و لا يعلى عليه ،لا إله إلا الله
الحق يعلو و الأباطل تسفل *** والحق عن أحكامه لا يُسأل
و إذا استحالت حالة و تبدلت *** فالله عز وجل لا يتبدل .
مازال به قومه بـ[الوليد] حتى رجع عن مقالته وكذب نفسه فيما قاله عن القرآن فقال منتكساً إن هذا إلا سحر يؤثر ويتولى الله الرد عليه ويعنفه و يتهدده ( سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر ) ويأتي الرسول صلى الله عليه وسلم لِيُرَبِّي هذه الأمة على هذا الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ( تنزيل من حكيم حميد ) فتربت الأمة و تهذبت وأصبح عابد الأصنام قزما حماة البيت والركن اليماني تربت على كتاب ما قرأه قارئ إلا آجره الله .
ما تدبره متدبر إلا وفقه الله . كتاب مَن حكم به عدل من أستمع إليه استفاد مَن اتعظ بمواعظه انتفع . كتاب من قرأه علمه الله علم الأولين و الآخرين ، كتاب من استنار بنوره دخل الجنة و من تقفاه وجعله خلف ظهره قذفه على وجهه في النار كتاب من تدبره أخرج النفاق و الشك و الريبة من قلبه هو شفاء لما في الصدور مَن التمس الهداية فيه هداه الله و سدده و من التمس الهدى من غيره أضله الله وأهانه الله ( ومن يهن الله فما له مِن مُكْرِم ) يقول شيخ الإسلام [ابن تيمية] رحمه الله من اعتقد أنه سيهتدي بهدى غير هدى الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ويقول جل ذكره ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) والمعني ما بهم لا يتدبرون ما فيه من العظات ما بهم لا يعيشون مع الآيات البينات والجواب رانَ على قلوبهم فأقفلت فلا تسمع وأوصدت فلا تنتفع ولو أنها تدبرت لفهمت كلام ربها فاهتدت بهدى باريها ويقول تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) والاختلاف الكثير تجده في الكتب غير كتاب الله عز وجل أما كتابه ( فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) من قرأه بارك الله في عمره و بارك في ولده و بارك في ماله و من أعرض عنه محق الله عمره و أزال هيبته و أفنى كابره وصاغره و جعل معيشته ضنكا و حشر يوم القيامة أعمى ولذلك كان عليه الصلاة والسلام ينادي الناس جميعاً لقراءة القرآن والتلذذ بتلاوته و إلا يهجروه فيقول صلى الله عليه وسلم "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" يأتيك القرآن يوم القيامة فيشفع لك عند من أنزله وعند من تكلم به في يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فيدخلك الجنة بإذن الله تعالي ويقول صلى الله عليه وسلم "يؤتى بالقرآن وبأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحجان عن صاحبهما يوم القيامة" متفق عليه . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "اقرؤوا الزهراوين؛ البقرة وآل عمران فأنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما فِرقان من طير طواف تحاجان عن أصحابهما" "أقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة" يعني السحرة رواه [مسلم] . إن في سورة البقرة آية الكرسي من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه شيطان حتى يصبح ، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يفاضل بين الناس : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" علامة الصدق والإيمان كثرة قراءة القرآن وعلامة القبول تدبر القرآن ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" قال [عمر بن الخطاب] رضي الله عنه لأحد ولاته على <مكة> وقد ترك <مكة> ولقيه في الطريق : كيف تركت <مكة> وأتيتني قال : وليت عليها فلاناً يا أمير المؤمنين قال و من هو ذا قال مولى لنا وعبد من عبيدنا قال [عمر] ثكلتك أمك تولى على <مكة> مولى قال يا أمير المؤمنين إنه حافظ لكتاب الله عالم بالفرائض فدمعت عينا عمر وقال صدق رسول الله "إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" يرفع الله به من اتبعوه وتدبروه ويضع من أعرضوا عنه فلم يقرءوه ولم يتدبروه ولم يعملوا به والعجيب أن تسمع من بعض هذه الأمة من يقول لأخيه وهو يحاوره والله ما قرأت القرآن ستة أشهر لا إله إلا الله أي قلب يعيش وهو لم يمر بكتاب الله ستة أشهر وهو يمر بالصحف اليومية والمجلات والقيل و القال والخزعبلات وآراء الماجنين والماجنات ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) يقول الله عز وجل على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) يقول [ابن عباس] ـ رضى الله عنه وأرضاه ـ مَن لن يختم القرآن في شهر فقد هجره ، و هَجْرِ القرآن على أَدْرُبْ ، مِن الناس مَن يهجر العمل به و تلك والله هي الطامة و منهم من يهجر تلاوته فيقدم صحف البشر و مؤلفات البشر على كلام رب البشر يسهر على المذكرات يعللها ويلخص فوائدها وليس بها فوائد لكن كتاب الله يشكوه إلى الله كتاب الله يشكونا ، هجرناه وأهملناه وضيعناه وخالفنا أوامره و نواهيه ، قرآننا سار يشكو ما قرأناه ، عميٌ عن الذكر والآيات تندبنا لو كلم الذكر جلمودا لأحياه يقول صلى الله عليه وسلم يستثير الهمم لتطلب الأجر والثواب من عند باريها يقول صلى الله عليه وسلم : "اتلوا القرآن فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" فعُدَّ يا عبد الله واقرأ واحتسب الأجر عند الله فإنك تأتي يوم القيامة وقد نصب لك في الجنة سلما بدرجات يقول الله لك بلا ترجمان اقرأ وارتق ورتل فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها فمن كان يقرأ في القرآن كثيرا رقى حتى يصبح كالكوكب الدري في سماء الجنة ثم هم على منازل هم درجات عند الله والله بصيرٌ بما يعملون ، عباد الله من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحي إليه ، لا حسد في الدنيا ولا في مناصبها ولا في أموالها لا حسد إلا في تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ، بيت لا يقرأ فيه القرآن عششت فيه الهموم و الغموم والنفاق بيت سكنته المعاصي و والله لا يخرجها إلا القرآن وليس كل المؤمنين يجب عليهم قراءة كل القرآن كاملاً فمنهم من لا يقرأ القرآن وهو تقي عابد بار صالح خير لأنه لا يقرأ أصلاً فواجب مثل هؤلاء الذين فاتتهم القراءة أن يردد ما تيسر من سور يحفظونها وأن يسبحوا الله ويحمدوا الله و يهللوا و يكبروا و يصلوا على رسول الله ويتعلموا القرآن و إن شق عليهم فإن لهم أجرين عند الله ، كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعيش مع القرآن بل كتابه الذي تربي عليه القرآن ، لم يكن عند الصحابة مؤلفات ولا صحف ولا مجلات ، معهم القرآن معلق في طرف البيت و السيف معلق في الطرف الأخر هم يمشون على الأرض وكل واحد منهم قرآن ، فتحوا الدنيا بآيات الله البينات وهذه معجزة رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأتي بكتاب فيتوارث منه العلماء مجلدات ومجلدات تملأ البيوت والمكتبات في كل الدهور والعصور .
أتى النبيون بالآيات فانصرمت *** وجئتنا بعظيمٍ غير مُنْصَرِمِ
آياته كلما طال المدى جُدُدُ *** يَزِيِنُهُنَّ جلالِ العِتْقِ والقِدَمِ
فيا أمة القرآن ويا حفظة كتاب الله من يقرأ القرآن إن لم تقرءوه من يتدبره إن لم تتدبروه من يعمل به إن لم تعملوا به أما سمعتم أساطين الكفر في كل مكان بدأوا الآن في الدخول في دين الله ظرافات ووحدانا بعد أن قال القرآن فيهم ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) في وقت يخرج منه أبناء هذا الدين . الموازين عطلت وغدا القرد ليثا وأفلتت الغنم .
عباد الله ، ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كان يحب سماع القرآن كيف لا وهو كلام الله عز وجل ولذلك يقول لـ[ابن مسعود] كما في الصحيحين : " يا عبد الله اقرأ علىّ القرآن فيخجل عبد الله ويستحي من شيخه صلى الله عليه وسلم ويقول كيف أقرأ القرآن عليك وعليك أنزل ، قال : اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري قال : فاندفعت أقرأ في سورة النساء فلما بلغت قول الله ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) قال حسبك حسبك ، فنظرت فإذا عيناه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذرفان" تأثر من كلام الله الذي يقود النفوس إلى باريها وتذكر ذاك اليوم الذي يكون فيه شهيدا على العالمين و ها هو صلى الله عليه وسلم يخرج بعد ما أظلم الليل يمر ببيوت الأنصار يستمع لحالهم في الليل يوم كانت بيوتهم حية بكتاب الله ، يوم ما ماتت بالأغاني والتمثيليات والمسلسلات والأفلام ، يوم كان ليلهم تعبداً هم فيه سجداً يمر ببيت [أبي موسى] فينصت لأبي موسى وهو يقرأ القرآن فلما جاء اليوم الثاني" قال يا أبا موسى لو رأيتني البارحة و أنا أستمع لك لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فيقول يا رسول الله أإنك كنت تستمع لي البارحة ، قال إي والذي نفسي بيده . وفى بعض الروايات أنه استمع ـ صلى الله عليه وسلم ـ له من صلاة العشاء حتى صلاة الفجر يقول [أبو موسى] يا رسول الله والذي نفسي بيدي لو أعلم أنك تستمع لي لَحَبَّرْتُهَ لك تَحْبِيِراً أي جودته وحسنته تحسيناً فانظروا كيف كان صلى الله عليه وسلم يعيش مع القرآن وللقرآن ، و كيف كان صحابته رضوان الله عليهم ها هو [عثمان] ـ رضى الله عنه ـ كان ينشر المصحف من بعد الفجر إلى صلاة الظهر يقرأ ودموعه تنهمر على كتاب الله فيقول له الناس لو خففت عن نفسك قال أما والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن .
والذي نلاحظه يا عباد الله في أنفسنا وإخواننا المسلمين عامة هو قلة الاهتمام بكتاب الله والإعراض عن كتاب الله والاستغناء بكتب البشر و الصدود والإعراض إلا ممن رحم الله و قلة التجويد حتى في بعض أئمة المساجد و قلة الحفظ والتدبر وكثرة المشاغل حتى بين طلبة العلم لا تجدوا إلا القليل النادر ممن يحفظ القرآن أو يحفظ بعضه و إذا كلف أحدنا بحفظ شيئاً من القرآن استصعب ذلك حتى كأن جبال الدنيا على كاهله و معنى ذلك هزيمة الإسلام و المسلمين وذهاب الإيمان فوالله لا نصر و لا تمكين و لا عزة إلا بهذا القرآن و الله متى تركناه و نسيناه ابتلينا بكل خزيٍ وفضيحةٍ في الدنيا والآخرة .