رياض أبو عادل
23 Oct 2011, 12:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لذة معرفة الله تعالى ومحبته
وأما اللذة العقلية الروحانية فهي كلذة المعرفة والعلم والاتصاف بصفات الكمال من الكرم والجود
والعفة والشجاعة والصبر والحلم والمروءة وغيرها فإن الالتذاذ بذلك من أعظم اللذات وهو لذة
النفس الفاضلة العلوية الشريفة فإذا انضمت اللذة بذلك إلى لذة معرفة الله تعالى ومحبته وعبادته
وحده لا شريك له والرضا به عوضا عن كل شيء ولا يتعوض بغيره عنه فصاحب هذه اللذة في جنة
عاجلة نسبتها إلى لذات الدنيا كنسبة لذة الجنة إلى لذة الدنيا فإنه ليس للقلب والروح ألذ ولا أطيب
ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده وقرة العين به والأنس بقربه والشوق
إلى لقائه ورؤيته.
وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من إيمان بالله
ورسوله يخلص من الخلود في دار الآلام فكيف بالإيمان الذي يمنع دخولها.
قال بعض العارفين:
من قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ويكفي في
فضل هذه اللذة وشرفها أنها تخرج من القلب ألم الحسرة على ما يفوت من هذه الدنيا حتى إنه ليتألم
بأعظم ما يلتذ به أهلها ويفر منه فرارهم من المؤلم وهذا موضع الحاكم فيه الذوق لا مجرد لسان العلم.
وكان بعض العارفين يقول:
مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا طيب نعيمها فيقال له وما هو فيقول محبة الله والأنس
به والشوق إلى لقائه ومعرفة أسمائه وصفاته وقال آخر أطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته وألذ ما
في الآخرة رؤيته وسماع كلامه بلا واسطة.
وقال آخر:
والله إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذه الحال إنهم لفي عيش طيب وأنت
ترى محبة من في محبته عذاب القلب والروح كيف توجب لصاحبها لذة يتمنى أنه لا يفارقه حبه كما
قال شاعر الحماسة:
تشكى المحبون الصبابة ليتني**** تحملت ما يلقون من بينهم وحدي
فكانت لقلبي لذة الحب كلها **** فلم يلقها قبلي محب ولا بعدي
قالت رابعة:
شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن الله ولو تركوها لجالت في الملكوت ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد
وقال سلم الخواص:
تركتموه وأقبل بعضكم على بعض ولو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب وقالت امرأة منالعابدات لو طالعت
قلوب المؤمنين بفكرها ما ذخر لها في حجب الغيوب من خير الآخرة لم يصف لها في الدنيا عيش ولم
تقر لها في الدنيا عين وقال بعض المحبين إن حبه عز وجل شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره
فليس لهم في الدنيا مع حبه عز وجل لذة تداني محبته ولا يؤملون في الآخرة من كرامة الثواب أكبر
عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم
وقال بعض السلف:
ما من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة فإذا
أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما من اللذة والنعيم مالا خطر له مما وعد به
من لا أصدق منه حديثا وإذا أراد به غير ذلك تركه على ما هو عليه ثم قرأ:
" أم على قلوب أقفالها".
ولو لم يكن للقلب المشتغل بمحبة غير الله المعرض عن ذكره العقوبة إلا صدؤه وقسوته وتعطيله
عما خلق له لكفى بذلك عقوبة.
وقد روى عبدالعزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد قيل يا رسول الله فما جلاؤها قال تلاوة القرآن.
وقال بعض العارفين:
إن الحديد إذا لم يستعمل غشيه الصدأ حتى يفسده كذلك القلب إذا عطل من حب الله والشوق إليه
وذكره غلبه الجهل حتى يميته ويهلكه.
وقال رجل للحسن:
يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي...
قال:أذبه بالذكر وأبعد القلوب من الله القلب القاسي ولا يذهب قساوته إلا حب مقلق أو خوف مزعج.
فإن قيل ما السبب الذي لأجله يلتذ المحب بحبه وإن لم يظفر بحبيبه قيل الحب يوجب حركة النفس
وشدة طلبها والنفس خلقت متحركة بالطبع كحركة النار فالحب حركتها الطبيعية فكل من أحب شيئا
من الأشياء وجد في حبه لذة وروحا فإذا خلا عن الحب مطلقا تعطلت النفس عن حركتها وثقلت
وكسلت وفارقها خفة النشاط ولهذا تجد الكسالى أكثر الناس هما وغما وحزنا ليس لهم فرح ولا
سرور بخلافأرباب النشاط والجد في العمل أي عمل كان فإن كان النشاط في عمل هم عالمون بحسن
عواقبه وحلاوة غايته كان التذاذهم بحبه ونشاطهم فيه أقوى.
وبالله التوفيق.
إنتهى كلام ابن القيم الجوزية عليه رحمة الله
من كتاب
روضةالمحبين ونزهة المشتاقين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لذة معرفة الله تعالى ومحبته
وأما اللذة العقلية الروحانية فهي كلذة المعرفة والعلم والاتصاف بصفات الكمال من الكرم والجود
والعفة والشجاعة والصبر والحلم والمروءة وغيرها فإن الالتذاذ بذلك من أعظم اللذات وهو لذة
النفس الفاضلة العلوية الشريفة فإذا انضمت اللذة بذلك إلى لذة معرفة الله تعالى ومحبته وعبادته
وحده لا شريك له والرضا به عوضا عن كل شيء ولا يتعوض بغيره عنه فصاحب هذه اللذة في جنة
عاجلة نسبتها إلى لذات الدنيا كنسبة لذة الجنة إلى لذة الدنيا فإنه ليس للقلب والروح ألذ ولا أطيب
ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده وقرة العين به والأنس بقربه والشوق
إلى لقائه ورؤيته.
وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من إيمان بالله
ورسوله يخلص من الخلود في دار الآلام فكيف بالإيمان الذي يمنع دخولها.
قال بعض العارفين:
من قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ويكفي في
فضل هذه اللذة وشرفها أنها تخرج من القلب ألم الحسرة على ما يفوت من هذه الدنيا حتى إنه ليتألم
بأعظم ما يلتذ به أهلها ويفر منه فرارهم من المؤلم وهذا موضع الحاكم فيه الذوق لا مجرد لسان العلم.
وكان بعض العارفين يقول:
مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا طيب نعيمها فيقال له وما هو فيقول محبة الله والأنس
به والشوق إلى لقائه ومعرفة أسمائه وصفاته وقال آخر أطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته وألذ ما
في الآخرة رؤيته وسماع كلامه بلا واسطة.
وقال آخر:
والله إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذه الحال إنهم لفي عيش طيب وأنت
ترى محبة من في محبته عذاب القلب والروح كيف توجب لصاحبها لذة يتمنى أنه لا يفارقه حبه كما
قال شاعر الحماسة:
تشكى المحبون الصبابة ليتني**** تحملت ما يلقون من بينهم وحدي
فكانت لقلبي لذة الحب كلها **** فلم يلقها قبلي محب ولا بعدي
قالت رابعة:
شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن الله ولو تركوها لجالت في الملكوت ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد
وقال سلم الخواص:
تركتموه وأقبل بعضكم على بعض ولو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب وقالت امرأة منالعابدات لو طالعت
قلوب المؤمنين بفكرها ما ذخر لها في حجب الغيوب من خير الآخرة لم يصف لها في الدنيا عيش ولم
تقر لها في الدنيا عين وقال بعض المحبين إن حبه عز وجل شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره
فليس لهم في الدنيا مع حبه عز وجل لذة تداني محبته ولا يؤملون في الآخرة من كرامة الثواب أكبر
عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم
وقال بعض السلف:
ما من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة فإذا
أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما من اللذة والنعيم مالا خطر له مما وعد به
من لا أصدق منه حديثا وإذا أراد به غير ذلك تركه على ما هو عليه ثم قرأ:
" أم على قلوب أقفالها".
ولو لم يكن للقلب المشتغل بمحبة غير الله المعرض عن ذكره العقوبة إلا صدؤه وقسوته وتعطيله
عما خلق له لكفى بذلك عقوبة.
وقد روى عبدالعزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد قيل يا رسول الله فما جلاؤها قال تلاوة القرآن.
وقال بعض العارفين:
إن الحديد إذا لم يستعمل غشيه الصدأ حتى يفسده كذلك القلب إذا عطل من حب الله والشوق إليه
وذكره غلبه الجهل حتى يميته ويهلكه.
وقال رجل للحسن:
يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي...
قال:أذبه بالذكر وأبعد القلوب من الله القلب القاسي ولا يذهب قساوته إلا حب مقلق أو خوف مزعج.
فإن قيل ما السبب الذي لأجله يلتذ المحب بحبه وإن لم يظفر بحبيبه قيل الحب يوجب حركة النفس
وشدة طلبها والنفس خلقت متحركة بالطبع كحركة النار فالحب حركتها الطبيعية فكل من أحب شيئا
من الأشياء وجد في حبه لذة وروحا فإذا خلا عن الحب مطلقا تعطلت النفس عن حركتها وثقلت
وكسلت وفارقها خفة النشاط ولهذا تجد الكسالى أكثر الناس هما وغما وحزنا ليس لهم فرح ولا
سرور بخلافأرباب النشاط والجد في العمل أي عمل كان فإن كان النشاط في عمل هم عالمون بحسن
عواقبه وحلاوة غايته كان التذاذهم بحبه ونشاطهم فيه أقوى.
وبالله التوفيق.
إنتهى كلام ابن القيم الجوزية عليه رحمة الله
من كتاب
روضةالمحبين ونزهة المشتاقين