عبدالله الكعبي
03 Dec 2011, 11:26 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
عام جديدٌ وحساب شديد من العمر المديد
حمد الله تبارك وتعالى والصلاة والسلام على رسوله الكريم ونصح المسلمين بتقوى الله عز وجل أقول إخوة الإيمان عباد الرحمن إنّ المؤمن وهو يمرّ به العام وينقضِي ثمّ يستهلّ عامًا جديدًا ليفكِّر في نفسه
بأيِّ شيءٍ أمضيتُ العام الماضي؟ ماذا مضى عليه العام الماضي؟
أمضى في خيرٍ وصلاح واستقامةٍ أم مضى في سوءٍ وفساد ومظالمَ للعباد؟
فيستقبِل عامَه الجديد بتوبةٍ نصوح وتفكّر في حاله ومحاسبة لنفسِه وتوبة إلى اللهِ من تقصيرِه وإساءَته.
أيّها المسلم، حاسِب نفسَك فيما بينك وبينَ الله، هل أنت محافِظ على فرائض الإسلام حقٌّا؟
هل أنت مؤدٍّ لفرائضِ الإسلام حقٌّا أم أنت مهمِل أومقصِّر؟
هل أنت مؤدٍّ للواجبات الشرعيّةِ أم هناك تقصيرٌ فتدارَكِ النقص والتقصيرَ؟
أيّها المسلم، حاسب نفسَك، وهل ربَّيتَ أولادك من بنينَ وبنات تربيةً صالحة؟
وهل سعيتَ في توجيههم وإعدادِهم الإعدادَ الصالح وبذلتَ السببَ الممكن في توجيهِهم وإصلاحهم وهدايَتهم للطريق المستقيم؟
حاسب نفسَك مع زوجتك هل أنت قائمٌ بحقِّها خيرَ قيام؟ هل أنت مقصِّر في أمرها؟ هل معاشَرتُك لها بالمعروف وبما يرضي الله تبارك وتعالى؟ وهل سيرتك معها سيرةٌ طيّبة؟ فالحمد لله وإلاّ فتداركِ النقص والتقصير.
أيّها المسلم، حاسِبُ نفسَك مع الأبوين الأمّ والأب هل أنت قائمٌ ببرِّهما ؟ هل أنت محسِنٌ إليهما؟ هل أنت قائمٌ بحقِّهما أم أنت مقصِّر ومخلٌّ وعاقّ بهما؟ فاطلب منهما السماح والعفو في الحياة، وتدارَك ما بقِي من عمريهما بالقيام بحقِّهما؛ عسى أن تلقَى الله وأنت بهما بارّ.
وهل علاقتُك برحمِك علاقةُ الخير وصّلَة الأرحام أم أن هناك شحناء وعداوة وبعدُ بعضٍ عن بعض؟ فتدارك هذا الأمرَ، وأصلح ما بينك وبين رحمك، يبارِكِ الله لك في عمرك وولَدِك.
أيّها المسلم، حاسب نفسَك إن كنتَ من أهل البيعِ والشّراء هل أنت مِن أهل الصِّدق في تصرلافاتك المالية، أم أنت مخادِع وكاذب وغاشّ؟ وهل في ذمَّتك حقوق للآخرين غفَلوا عنها ولم يعلَموا بها؟ فهل عقدتَ العزم على أن تنبِّههم وتردَّ إليهم حقوقَهم وتعطيهم حقوقهم بطيبِ نفس قبل أن تلقَى الله فيمكِّنهم الله من حسناتك؟
أيّها المتعامِل مع الغير، اتَّق الله فيما ائتُمِنتَ عليه من أموال، واتّقِ الله فيما ائتُمنت عليه من وصايَا وأوقاف، واتّق الله في حقوقِ الآخرين، حاسِب نفسَك، وسجِّل ما عجزتَ عن تسديده، وأعلم بذلك حتّى لا يفجَأَك الموت وأنت في غفلةٍ وإعراض.
أيّها المسلم، ويا من أنيطَت به مسؤوليّة من مسائِل الأمّة، حاسب نفسَك: هل أدَّيتَ الحقَّ الوظيفيّ على الوجهِ المطلوب أم أنت مقصِّر ومهمِل ومضيِّع فيما عُهِد إليك؟
حاسِب نفسَك، فإنّ هذا أمرٌ مطلوب منك، لتؤدِّيَ الأمرَ على الوجه المطلوب، فلا تقبِض مرتَّبًا مع إخلالٍ بعمل وعدَم قيام بالواجب.
إنّنا لو حاسبنا أنفسَنا عن أموالنا ما هي هذه الطرقُ التي نِلنا بها هذا المال؟
أفي أموالِنا غلول وأكلُ مال بالباطل؟ فلنتخلَّص منه، أفي أموالنا أكلٌ للحقوقِ العامّة؟ فنردَّها إلى أهلها، أفي أموالنا حقوقٌ مشتبِهة؟ فنتخلّص من هذه المشتبهات، أفي أموالنا مالٌ ما أدَّينا زكاته؟ فلنؤدِّ زكاتَه لنتخلَّصَ من حقِّ الله قبل أن نلقاه.
إنّنا لو حاسبنَا أنفسَنا هذا الحساب وعُدنا على أنفسنا فيما بَيننا وبين الله لكان ذلك خيرًا منّا. بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِه.
أيّها المسلم، لا أحد أحرَص منك على نجاةِ نفسك وفكاكها من عذابِ الله تبارك وتعالى، فحاسِبها الحسابَ الدقيق قبلَ أن تـُحاسَبَ أمام الله، قال عمر رضي الله عنه: (حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوها قبل أن توزَنوا، وتهيّؤوا للعَرض الأكبر على الله تقدست أسماؤه، إنّ الكيّسَ من دان نفسَه وعمِل لما بعد الموت، وإنَّ العاجِزَ من اتبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني).
يقول ابن القيم رحمه الله (السنة شجرة والشهور فروعها، والأيام أغصانها والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه فى طاعة فثمرة شجرته طيبة ومن كانت في معصية الله فثمرته حنظل وإنما يكون الحصاد يوم المعاد، فعند الحصاد يتبين حلو الثمار من مرها.
وصدق الشاعر حين حذرنا قطعتَ شهور العام لهوا وغفلةً ولم تحترم فيما أتيت المُحرما فلا رجبا وافيت بحق ولا صمت شهر الصوم صوماً مـُتمما ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي قضى كنت قواما ولا كنت مـُحرِما فهل لك أن تمحو الذنوب بعبرةٍ وتبكي عليها حسرة وتندما وتستقبل العام الجديد بتوبةٍ
لعلك أن تمحو بها ما تقدما
لكل من أرادَ الانتباهَ وتصحيحَ أوضاعه، فقد مضَت سنوات من العمر، فاتَّقِ الله فيما بقِيَ من عمرِك، واسأل الله الخاتمةَ الحميدة، وتخلَّص من مظالم العباد، واستقبِل عامَك الجديد بنيّةٍ صادِقة وتوبةٍ نصوح والتجئ إلى الله وقم بما أوجبه الله تعالى عليك .
أسأل الله الرحمن الرحيم أن يتقبل أعمالنا في السنوات الماضية، وأن يزيد ويبارك في أعمالنا وحسناتنا في السنة الجديدة وأن يجعلَ عامَنا عامَ خيرٍ وبركة، وأن يهِلَّه علينا بالأمنِ والأمان والإيمان والسلامةِ والإسلام، وأن يعيذَنا فيه من مضلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلَ خير أعمالنا خواتمها وخير أعمارِنا أواخِرَها وخير أيّامنا اليومَ الذي نلقى الله فيه، إنّه سميع مجيب الدعاء.
في الترمذيّ عنه صلوات ربي وسلامه عليه قال : لاتزال قدَما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأَل عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن عمره ما عمل فيه؟
الدّنيا دارُ عمَل، يغتَنِمها الموفَّق، ويتزوّد منها عملاً صالحًا لمعاد، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى . سورة البقرة: الآية .197
الدنيا والدنيا فقط دارُ عمَل، والآخرةُ دارُ الجزاء، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى». سورة النجم: الآية .31
إنَّ اللهَ جلّ وعلا لم يخلُقنا عَبثًا، بل خلَقَنا لأمرٍ عظيم عبادتِه وطاعتِه، وأخبَرَنا أنّه سيجمعنا في يومٍ لا ريبَ فيه، يجمع الله فيه الأوَّلين والآخِرين ( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَاد). سورة آل عمران:9 الآية.
شهرُ الله المحرّم أحد الأشهرِ الحُرُم التي قال الله فيها مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، وهي ذوالقعدة وذوالحجّة والمحرّم ورجب، هذه الأشهر الحرم قال لنا الله فيها ( فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم ) . سورة التوبة: الآية36
ونبيّنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لما سُئِل عن أفضلِ الصيام بعد رمضان قال ( شهرُ الله المحرم )
وعن أفضلِ القيام بعد الفريضة قال (جوفُ الليل الآخر ).
شهرُ الله المحرّم هو مبدَأ التاريخِ الهجريّ من هجرة رسولنا الكريم، هذا الشهر خصائصُه ما بيّنه النبيّ من كونِه استحبَّ لنا أن نصومَ اليومَ العاشر من شهر محرّم، وكان هذا اليومُ يومًا مُعظَّمًا في الجاهلية، كان أهلُ الجاهليّة يصومونه، وهو مما تلقَّوه من أهل الكتاب، وصامه النبيّ معهم بمكّة .
ولما قدِم المدينة ووجد اليهودَ يصومون ذلك اليوم فسألهم عن سبَب الصيام، فقالوا إنّه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومَه، واليوم الذي أغرق فيه فرعونَ وقومه، فصمناه شكرًا لله، فقال لهم: نحن أولى وأحقلا بموسى مِنكم.
وصِيامنا لهذا اليومِ إنما هو اقتداءٌ وتأس بنبيِّنا، إذ صام اليومَ العاشِر مدّةَ بقائه بالمدينة، وقال بعد ذلك في آخر العام العاشر ( لئن عِشتُ إلى قابلٍ لأصومَنّ التاسع ) يعني مع العاشِرِ، وقال لنا ( صوموا يومًا قبله أويَومًا بعدَه؛ خالِفوا اليهود ) أخرجه الإمام أحمد.
فأمَرنا أن نسبِقَ اليومَ العاشر إمّا باليوم التاسع، أو نصومَ اليوم الحادي عشر، فلا بدّ من صيام اليوم العاشر، لكن يستحَبّ لنا إمّا أن نسبِقَه بيوم أونأتيَ بيومٍ بعده، وقال أبوقتادةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال ( صيامُ يومِ عاشوراء أحتَسِب على الله أن يكفِّر به السّنةَ التي قبله ). أخرجه الإمام مسلم
فصوموا هذا اليومَ احتسابًا ورجاءً للثواب وأسأل الله أن يباركَ لنا ولكم في الأعمار والأعمال، وأن يجعل أعمالَنا وأعمارنا في خيرٍ وسلامة وعافية، وأن يوفِّقَنا للعملٍ الصالح، إنه على كل شيء قدير.
و في الحديثِ يقول ( إذا أرادَ الله بعبدٍ خيرًا استعمله ) قالوا:كيف يستعمله؟ قال ( يوفِّقه لعملٍ صالح قبل الوفاة )أخرجه الإمام أحمد، فيعينه على الخير، ويفتح له أسبابَ الخير، فنسألِ الله عز وجل الثباتَ على الحقّ والاستقامةَ على الهدى، واعلم أنَّ ما مضى مِن العمر فلن يعودَ إلى أن توافِيَ الله به يومَ القيامة، كلّ يومٍ كلّ شهرٍ كلّ عامٍ مضى فلن يعود، صحائفُ أعمالنا سنَقِف عليها يوم لقاءِ الله، فنسأل الله أن يبارك في أعمارنا وأعمالنا وحسناتنا وأرزاقنا وزوجاتنا وأولادنا وبناتنا ونسأله حسن الختام والثبات عند السؤال آمين. والله ولي من استعان به سبحانه واعتصم بدينه.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
عام جديدٌ وحساب شديد من العمر المديد
حمد الله تبارك وتعالى والصلاة والسلام على رسوله الكريم ونصح المسلمين بتقوى الله عز وجل أقول إخوة الإيمان عباد الرحمن إنّ المؤمن وهو يمرّ به العام وينقضِي ثمّ يستهلّ عامًا جديدًا ليفكِّر في نفسه
بأيِّ شيءٍ أمضيتُ العام الماضي؟ ماذا مضى عليه العام الماضي؟
أمضى في خيرٍ وصلاح واستقامةٍ أم مضى في سوءٍ وفساد ومظالمَ للعباد؟
فيستقبِل عامَه الجديد بتوبةٍ نصوح وتفكّر في حاله ومحاسبة لنفسِه وتوبة إلى اللهِ من تقصيرِه وإساءَته.
أيّها المسلم، حاسِب نفسَك فيما بينك وبينَ الله، هل أنت محافِظ على فرائض الإسلام حقٌّا؟
هل أنت مؤدٍّ لفرائضِ الإسلام حقٌّا أم أنت مهمِل أومقصِّر؟
هل أنت مؤدٍّ للواجبات الشرعيّةِ أم هناك تقصيرٌ فتدارَكِ النقص والتقصيرَ؟
أيّها المسلم، حاسب نفسَك، وهل ربَّيتَ أولادك من بنينَ وبنات تربيةً صالحة؟
وهل سعيتَ في توجيههم وإعدادِهم الإعدادَ الصالح وبذلتَ السببَ الممكن في توجيهِهم وإصلاحهم وهدايَتهم للطريق المستقيم؟
حاسب نفسَك مع زوجتك هل أنت قائمٌ بحقِّها خيرَ قيام؟ هل أنت مقصِّر في أمرها؟ هل معاشَرتُك لها بالمعروف وبما يرضي الله تبارك وتعالى؟ وهل سيرتك معها سيرةٌ طيّبة؟ فالحمد لله وإلاّ فتداركِ النقص والتقصير.
أيّها المسلم، حاسِبُ نفسَك مع الأبوين الأمّ والأب هل أنت قائمٌ ببرِّهما ؟ هل أنت محسِنٌ إليهما؟ هل أنت قائمٌ بحقِّهما أم أنت مقصِّر ومخلٌّ وعاقّ بهما؟ فاطلب منهما السماح والعفو في الحياة، وتدارَك ما بقِي من عمريهما بالقيام بحقِّهما؛ عسى أن تلقَى الله وأنت بهما بارّ.
وهل علاقتُك برحمِك علاقةُ الخير وصّلَة الأرحام أم أن هناك شحناء وعداوة وبعدُ بعضٍ عن بعض؟ فتدارك هذا الأمرَ، وأصلح ما بينك وبين رحمك، يبارِكِ الله لك في عمرك وولَدِك.
أيّها المسلم، حاسب نفسَك إن كنتَ من أهل البيعِ والشّراء هل أنت مِن أهل الصِّدق في تصرلافاتك المالية، أم أنت مخادِع وكاذب وغاشّ؟ وهل في ذمَّتك حقوق للآخرين غفَلوا عنها ولم يعلَموا بها؟ فهل عقدتَ العزم على أن تنبِّههم وتردَّ إليهم حقوقَهم وتعطيهم حقوقهم بطيبِ نفس قبل أن تلقَى الله فيمكِّنهم الله من حسناتك؟
أيّها المتعامِل مع الغير، اتَّق الله فيما ائتُمِنتَ عليه من أموال، واتّقِ الله فيما ائتُمنت عليه من وصايَا وأوقاف، واتّق الله في حقوقِ الآخرين، حاسِب نفسَك، وسجِّل ما عجزتَ عن تسديده، وأعلم بذلك حتّى لا يفجَأَك الموت وأنت في غفلةٍ وإعراض.
أيّها المسلم، ويا من أنيطَت به مسؤوليّة من مسائِل الأمّة، حاسب نفسَك: هل أدَّيتَ الحقَّ الوظيفيّ على الوجهِ المطلوب أم أنت مقصِّر ومهمِل ومضيِّع فيما عُهِد إليك؟
حاسِب نفسَك، فإنّ هذا أمرٌ مطلوب منك، لتؤدِّيَ الأمرَ على الوجه المطلوب، فلا تقبِض مرتَّبًا مع إخلالٍ بعمل وعدَم قيام بالواجب.
إنّنا لو حاسبنا أنفسَنا عن أموالنا ما هي هذه الطرقُ التي نِلنا بها هذا المال؟
أفي أموالِنا غلول وأكلُ مال بالباطل؟ فلنتخلَّص منه، أفي أموالنا أكلٌ للحقوقِ العامّة؟ فنردَّها إلى أهلها، أفي أموالنا حقوقٌ مشتبِهة؟ فنتخلّص من هذه المشتبهات، أفي أموالنا مالٌ ما أدَّينا زكاته؟ فلنؤدِّ زكاتَه لنتخلَّصَ من حقِّ الله قبل أن نلقاه.
إنّنا لو حاسبنَا أنفسَنا هذا الحساب وعُدنا على أنفسنا فيما بَيننا وبين الله لكان ذلك خيرًا منّا. بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِه.
أيّها المسلم، لا أحد أحرَص منك على نجاةِ نفسك وفكاكها من عذابِ الله تبارك وتعالى، فحاسِبها الحسابَ الدقيق قبلَ أن تـُحاسَبَ أمام الله، قال عمر رضي الله عنه: (حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوها قبل أن توزَنوا، وتهيّؤوا للعَرض الأكبر على الله تقدست أسماؤه، إنّ الكيّسَ من دان نفسَه وعمِل لما بعد الموت، وإنَّ العاجِزَ من اتبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني).
يقول ابن القيم رحمه الله (السنة شجرة والشهور فروعها، والأيام أغصانها والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه فى طاعة فثمرة شجرته طيبة ومن كانت في معصية الله فثمرته حنظل وإنما يكون الحصاد يوم المعاد، فعند الحصاد يتبين حلو الثمار من مرها.
وصدق الشاعر حين حذرنا قطعتَ شهور العام لهوا وغفلةً ولم تحترم فيما أتيت المُحرما فلا رجبا وافيت بحق ولا صمت شهر الصوم صوماً مـُتمما ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي قضى كنت قواما ولا كنت مـُحرِما فهل لك أن تمحو الذنوب بعبرةٍ وتبكي عليها حسرة وتندما وتستقبل العام الجديد بتوبةٍ
لعلك أن تمحو بها ما تقدما
لكل من أرادَ الانتباهَ وتصحيحَ أوضاعه، فقد مضَت سنوات من العمر، فاتَّقِ الله فيما بقِيَ من عمرِك، واسأل الله الخاتمةَ الحميدة، وتخلَّص من مظالم العباد، واستقبِل عامَك الجديد بنيّةٍ صادِقة وتوبةٍ نصوح والتجئ إلى الله وقم بما أوجبه الله تعالى عليك .
أسأل الله الرحمن الرحيم أن يتقبل أعمالنا في السنوات الماضية، وأن يزيد ويبارك في أعمالنا وحسناتنا في السنة الجديدة وأن يجعلَ عامَنا عامَ خيرٍ وبركة، وأن يهِلَّه علينا بالأمنِ والأمان والإيمان والسلامةِ والإسلام، وأن يعيذَنا فيه من مضلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلَ خير أعمالنا خواتمها وخير أعمارِنا أواخِرَها وخير أيّامنا اليومَ الذي نلقى الله فيه، إنّه سميع مجيب الدعاء.
في الترمذيّ عنه صلوات ربي وسلامه عليه قال : لاتزال قدَما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأَل عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن عمره ما عمل فيه؟
الدّنيا دارُ عمَل، يغتَنِمها الموفَّق، ويتزوّد منها عملاً صالحًا لمعاد، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى . سورة البقرة: الآية .197
الدنيا والدنيا فقط دارُ عمَل، والآخرةُ دارُ الجزاء، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى». سورة النجم: الآية .31
إنَّ اللهَ جلّ وعلا لم يخلُقنا عَبثًا، بل خلَقَنا لأمرٍ عظيم عبادتِه وطاعتِه، وأخبَرَنا أنّه سيجمعنا في يومٍ لا ريبَ فيه، يجمع الله فيه الأوَّلين والآخِرين ( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَاد). سورة آل عمران:9 الآية.
شهرُ الله المحرّم أحد الأشهرِ الحُرُم التي قال الله فيها مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، وهي ذوالقعدة وذوالحجّة والمحرّم ورجب، هذه الأشهر الحرم قال لنا الله فيها ( فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم ) . سورة التوبة: الآية36
ونبيّنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لما سُئِل عن أفضلِ الصيام بعد رمضان قال ( شهرُ الله المحرم )
وعن أفضلِ القيام بعد الفريضة قال (جوفُ الليل الآخر ).
شهرُ الله المحرّم هو مبدَأ التاريخِ الهجريّ من هجرة رسولنا الكريم، هذا الشهر خصائصُه ما بيّنه النبيّ من كونِه استحبَّ لنا أن نصومَ اليومَ العاشر من شهر محرّم، وكان هذا اليومُ يومًا مُعظَّمًا في الجاهلية، كان أهلُ الجاهليّة يصومونه، وهو مما تلقَّوه من أهل الكتاب، وصامه النبيّ معهم بمكّة .
ولما قدِم المدينة ووجد اليهودَ يصومون ذلك اليوم فسألهم عن سبَب الصيام، فقالوا إنّه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومَه، واليوم الذي أغرق فيه فرعونَ وقومه، فصمناه شكرًا لله، فقال لهم: نحن أولى وأحقلا بموسى مِنكم.
وصِيامنا لهذا اليومِ إنما هو اقتداءٌ وتأس بنبيِّنا، إذ صام اليومَ العاشِر مدّةَ بقائه بالمدينة، وقال بعد ذلك في آخر العام العاشر ( لئن عِشتُ إلى قابلٍ لأصومَنّ التاسع ) يعني مع العاشِرِ، وقال لنا ( صوموا يومًا قبله أويَومًا بعدَه؛ خالِفوا اليهود ) أخرجه الإمام أحمد.
فأمَرنا أن نسبِقَ اليومَ العاشر إمّا باليوم التاسع، أو نصومَ اليوم الحادي عشر، فلا بدّ من صيام اليوم العاشر، لكن يستحَبّ لنا إمّا أن نسبِقَه بيوم أونأتيَ بيومٍ بعده، وقال أبوقتادةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال ( صيامُ يومِ عاشوراء أحتَسِب على الله أن يكفِّر به السّنةَ التي قبله ). أخرجه الإمام مسلم
فصوموا هذا اليومَ احتسابًا ورجاءً للثواب وأسأل الله أن يباركَ لنا ولكم في الأعمار والأعمال، وأن يجعل أعمالَنا وأعمارنا في خيرٍ وسلامة وعافية، وأن يوفِّقَنا للعملٍ الصالح، إنه على كل شيء قدير.
و في الحديثِ يقول ( إذا أرادَ الله بعبدٍ خيرًا استعمله ) قالوا:كيف يستعمله؟ قال ( يوفِّقه لعملٍ صالح قبل الوفاة )أخرجه الإمام أحمد، فيعينه على الخير، ويفتح له أسبابَ الخير، فنسألِ الله عز وجل الثباتَ على الحقّ والاستقامةَ على الهدى، واعلم أنَّ ما مضى مِن العمر فلن يعودَ إلى أن توافِيَ الله به يومَ القيامة، كلّ يومٍ كلّ شهرٍ كلّ عامٍ مضى فلن يعود، صحائفُ أعمالنا سنَقِف عليها يوم لقاءِ الله، فنسأل الله أن يبارك في أعمارنا وأعمالنا وحسناتنا وأرزاقنا وزوجاتنا وأولادنا وبناتنا ونسأله حسن الختام والثبات عند السؤال آمين. والله ولي من استعان به سبحانه واعتصم بدينه.