طيف المدينة
23 Dec 2011, 08:47 PM
http://www.al-eman.com/aleman/others/recommendation-image/560.JPG
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وبعد: قال تعالى: يا بني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] أي عند كل صلاة، وقال: {من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى المكتوبة فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد، غفر الله له ذنوبه} [رواه مسلم].
ومن آداب حضور المساجد:
1- النهي عن حضور المساجد لمن أكل الثوم أو البصل ونحوهما:
يجب على من أكل بصلًا أو ثومًا نيئًا أن يجتنب المساجد حتى لا يؤذي المصلين برائحته الخبيثة، ومن آذى المصلين فقد آذى الملائكة.. فعن جابر أن النبي قال: {من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا} أو قال: {فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته} [رواه البخاري].
وعنه قال: (نهى رسول الله عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها). فقال: {من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس} [رواه البخاري، ومسلم]، ومع صراحة الأحاديث في نهي آكل الثوم والبصل عن حضور المساجد ورفع الإثم عنه لأجل تركه شهود الجماعة؛ إلا أن هناك طائفة من الناس أبت إلا المخالفة.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عذابٌ ألِيمٌ [النور:63].
تنبيه: يقاس على الثوم والبصل والكراث كل رائحة خبيثة تؤذي المصلين، (كالدخان)، أو الروائح الكريهة التي تنبعث من الجسد، أو الملابس المنتنة. فعلى المصلي تفقد نفسه قبل حضور المساجد، حتى لا يؤذي المصلين فيأثم بذلك.
فائدة: إذا تعاطى آكل البصل والثوم شيئًا يمنع رائحتهما الخبيثة، فإنه لا يمنع من شهود المساجد، ولكن ليتحقق الآكل أن الرائحة قد زالت بالكلية وأنها لا تؤذي المصلين. وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من اتخاذ (معجون الأسنان) كمزيل لرائحة البصل والثوم، فهذا خطأ، لأن رائحة البصل والثوم تنبعث من المعدة وليست من الفم فقط.
2- استحباب التبكير إلى المساجد:
رغب النبي في التبكير إلى المساجد والمسارعة إليها، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله قال: {لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا} [رواه البخاري].
وعند مسلم: {لو تعلمون أو يعلمون ما في الصف المقدم لكانت قرعة}. ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على فضل وعظم أجر التبكير إلى المساجد، وذلك يتضح من إبهام الرسول لأجر المبكر إلى المسجد، فإنه يدل على أن المبكر إلى المسجد قد حاز أجرًا عظيمًا. ثم اقتراعهم على الصف الأول فيه دلالة قوية - أيضًا - على عظم هذا الأجر.
3- المشي إلى الصلاة بخشوع وسكينة:
يستحب للماشي إلى الصلاة، أن يكون مشيه إليها في خشوع وسكون وطمأنينة، لأن من قَدِمَ إلى الصلاة وهو مطمئن في مشيه؛ كان ذلك أدعى لخشوعه في صلاته وإقباله عليها، وعكسه من جاء إليها مسرعًا مستعجلًا فإنه يدخل في صلاته وهو مشتت الفكر والذهن. ولقد نهى النبي أمته أن يسعوا إلى صلاتهم حتى ولو أقيمت الصلاة. فعن أبي قتادة قال: (بينما نحن نصلي مع النبي إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: ما شأنكم؟
قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: فلا تفعلوا. إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) [البخاري ومسلم]. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: {إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا} [رواه البخاري ومسلم].
4- ما يُقال من الدعاء عند المشي إلى الصلاة:
يستحب للماشي إلى الصلاة أن يدعو بدعاء النبي لما خرج إلى الصلاة. ففي حديث مبيت ابن عباس عند خالته ميمونة رضي الله عنهما، قال في آخره: (فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ وكان في دعائه: {اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وعظم لي نورًا.. }) [رواه مسلم].
5- الدعاء عند دخول المساجد وعند الخروج منها:
أ- يستحب للداخل إلى المسجد أن يقول: اللهم صل وسلم على محمّد وعلى آل محمّد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج يقول: اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد، اللهم إني أسألك من فضلك.
تأسيًا بالنبي عند دخوله المسجد وعند خروجه منه. فعن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله: {إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك} [رواه مسلم]. وعند أبي داود: {إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك}.
ب- ويستحب للداخل إلى المسجد- أيضًا - أن يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم. جاء ذلك في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، (عن النبي أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال - راوي الحديث -: أقط؟. قلت: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم) [رواه أبو داود].
6- استحباب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، واليسرى عند الخروج منه:
يستحب للداخل إلى المسجد أن يقدم رجله اليمنى؛ لأن ذلك هو فعل الرسول، ولأن المسجد أشرف الأماكن، فناسب تقديم اليمنى لشرفه. وعند الخروج منه تقدم الرجل اليسرى لفعله؛ ولأن الأماكن غير المسجد دونه في الشرف.
ومن عادة الشرع أن جعل اليد والرجل اليمنى لمباشرة الأشياء الفاضلة الكريمة، وجعل الشمال لمباشرة الأشياء الوضيعة. والقاعدة العامة في هذا الباب هو حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان النبي يعجبه التيمن: في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله) [رواه البخاري ومسلم].
وفي دخول المسجد سنة ذكرها أنس قال: (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى) [رواه الحاكم].
7- استحباب أداء تحية المسجد عند دخول المسجد:
يستحب لداخل المسجد أن يبدأ بركعتين هما: تحية المسجد. وهي ليست واجبة، ولكنها سنة مؤكدة لأمره بها أصحابه في كذا موضع، كحديث أبي قتادة السلمي أن رسول الله قال: {إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس} [رواه البخاري ومسلم].
8- فضل القعود في المسجد:
مما جاء في فضل القعود في المساجد وانتظار الصلاة، قوله: {... فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيها، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث} [رواه البخاري ومسلم].
وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وجزيل كرمه؛ أن رتب على جلوسهم في المساجد وانتظار الصلاة، كأجر المصلي. ثم جعل ملائكته يدعون لمنتظر الصلاة في المسجد، بالرحمة والمغفرة والتوبة!
تنبيه: يفرط كثير من الناس بالوقت الفاضل وقت انتظار الصلاة (بين الأذان والإقامة)، فتجدهم يقلبون أعينهم في المصلين أو التالين، وبعضهم يرسل بصره وعقله في تأمل نقوش المسجد وعمارته إلى غير ذلك، ولو أنهم اغتنموا هذا الوقت الفاضل بقراءة القرآن، أو ذكر الله تعالى، أو الاجتهاد في الدعاء لأنه وقت إجابة لكان فيه خيرٌ كثيرٌ.
9- جواز الاستلقاء في المساجد:
لا بأس بالاستلقاء في المسجد، فقد استلقى رسول الله في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى. فعن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه: (أنه رأى رسول الله مستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى).
وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: (كان عمر وعثمان يفعلان ذلك) [رواه البخاري ومسلم].
ولكن ينبغي الأمن من كشف العورة لأن وضع الرجل إحداهما على الأخرى مظنة كشف العورة، ومن أمكنة التحرز فلا يمنع منه.
فائدة: يتحرج بعض الناس من مدِّ أرجلهم إلى القبلة تورعًا. ولكن هذا الحرج ليس في محله؛ ومن مدَّ رجله أو رجليه إلى القبلة في المسجد أو خارجه فهو ليس بآثم [فتاوى اللجنة الدائمة].
تنبيه: يجب على من مدِّ رجله أو رجليه إلى القبلة في المسجد أن لا تكون مصوبة إلى المصاحف، تأدبًا مع كلام الله عزّ وجلّ وتعظيمًا له.
10- جواز النوم في المسجد:
يجوز النوم في المسجد لمن احتاج إلى ذلك، ولقد كان أصحاب الصفة رضي الله عنهم ينامون في المسجد [رواه البخاري]، وكان ابن عمر رضي الله عنهما، ينام في المسجد قبل أن يكون له أهل. فعن نافع قال: أخبرني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي [رواه البخاري].
تنبيه: إذا احتلم المسلم وهو نائم بالمسجد أسرع بالخروج منه حين يستيقظ ليغتسل من الجنابة [فتاوى اللجنة الدائمة].
11- النهي عن البيع والشراء في المساجد:
لا يجوز البيع والشراء في المساجد فهي لم تبن لهذا، وإنما بنيت لذكر الله، وإقامة الصلاة، وتعليم الناس أمور دينهم.. إلخ. ومن رأى رجلًا يبيع أو يبتاع في المساجد فليدع عليه وليقل: لا أربح الله تجارتك. فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: {إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك...} الحديث [رواه الترمذي].
تنبيه: الصالات والقاعات الملحقة بالمسجد والمخصصة للصلاة، لها حكم المسجد، وأما الغرف فإن كانت داخل سور المسجد فهي من المسجد، وإن كانت خارج سور المسجد فهي ليست من المسجد، ولا تأخذ حكم المسجد [فتاوى اللجنة الدائمة].
12- النهي عن إنشاد الضالة في المساجد:
مساجد الله بنيت لذكره، وتسبيحه، وتلاوة القرآن، والصلاة فيها. ولم تجعل مكانًا للسؤال عن الضوال، أو المفقودات. فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: {من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا} [رواه مسلم] وعند أحمد: {لا أداها الله عليك} وعند الدارمي: {لا أدى الله عليك}.
وعلى هذا: فمن سمع من ينشد ضالته، فليقل: لا أردها الله عليك، أو لا أداها الله عليك، أو لا أدى الله عليك، والمعنى واحد.
13- رفع الصوت في المساجد:
(عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدود دينًا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى: يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله. قال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه أي: الشطر. قال: لقد فعلتُ يا رسول الله. قال: قم فاقضه) [رواه البخاري ومسلم].
وعن السائب بن يزيد قال: (كنت قائمًا في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب. فقال: اذهب فأتني بهذين. فجئته بهما. قال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف.قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله) [رواه البخاري].
تنبيه: قالت اللجنة الدائمة:
السؤال محرم في المسجد وفي غير المسجد إلا للضرورة، فإن كان السائل مضطرًا إليه لحاجته، وانتفاء ما يزيل عوزره، ولم يتخط رقاب الناس، ولا كذب فيما يرويه عن نفسه ويذكر من حاله، ولم يجهر بمسألته جهرًا يضر بالمصلين؛ كأن يقطع عليهم ذكرهم، أو يسأل والخطيب يخطب، أو يسألهم وهم يستمعون علمًا ينتفعون به، أو نحو ذلك مما فيه تشويش عليهم في عبادتهم - فلا بأس بذلك.
فقد روى أبو داود في سننه (عن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله: {هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا؟} فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز بين يدي عبدالرحمن فأخذتها فدفعتها إليه.) فهذا الحديث يدل على جواز التصدق في المسجد، وعلى جواز المسألة عند الحاجة، أما إذا كان مسألة لغير حاجة، أو كذب على الناس فيما يذكر من حاله، أو ضر بهم في سؤاله، فإنه يمنع من السؤال.
14- النهي عن تشبيك الأصابع عند الخروج إلى المسجد قبل الصلاة، وجوازه بعدها:
نهى رسول الله عن تشبيك الأصابع عند الخروج للمسجد وقبل الصلاة، ففي حديث كعب بن عجرة أن رسول الله قال: {إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد، فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة} [رواه أبو داود].
وأما بعد الصلاة فإنه ورد في السنة من حديث أبي هريرة أن النبي لما سهى في صلاته (قام إلى خشبه معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ودفع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه) [رواه البخاري ومسلم].
15- جواز التحدث في الأمور الدنيوية المباحة في المسجد:
يجوز أن يتحدث الرجل مع أخيه - في المسجد - بالأمور الدنيوية المباحة، ولا إثم عليه في ذلك،، فقد فعله رسول الله، وكان أصحابه يتحدثون بالمسجد وهو معهم ويقرهم على ذلك، وهذا دال على جوازه. فعن أنس بن مالك قال: (أقيمت الصلاة والنبي يناجي رجلًا في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم) [رواه البخاري ومسلم].
وعن سماك بن حرب قال: (قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله؟. قال: نعم، كثيرًا، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم) [رواه مسلم].
ولكن ينبغي مراعاة عدة أمور، عند التحدث في المسجد فيما يتعلق بشؤون الدنيا. أولًا: أن لا يشغل من حوله من المصلين أو التالين للقرآن أو المشتغلين بالعلم. ثانيًا: أن لا يتخذ عادة. ثالثًا: أن يجتنب فيه الأقوال أو الأفعال المحرمة. رابعًا: أن يكون الكلام قليلًا لا كثيرًا.
16- جواز الأكل والشرب في المسجد:
لا بأس بالأكل والشرب في المسجد، لأن رسول الله كان يأكل في المسجد، وفعله دليل الجواز. قال عبد الله بن حارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه: (كنا نأكل على عهد رسول الله في المسجد الخبز واللحم) [رواه ابن ماجة]. ولكن ينبغي على من شرب أو أكل طعامًا في المسجد أن لا يلوث المسجد بفضلات الطعام أو الشراب.
17- جوزا قول الشعر في المسجد:
يجوز نشيد الشعر في المسجد، وهذا محله ما إذا كان مباحًا فليس محرمًا، ويجتنب فيه ما يجتنب في الكلام؛ لأن الشعر كلام، حسنه حسن، وسيئه سيئ. وقد كان حسان بن ثابت يقول الشعر في المسجد بين يدي رسول الله، يمدح رسول الله والمؤمنين، ويهجو المشركين ويرد عليهم. بل إن رسول الله دعا له.
فعن سعيد بن المسيب قال: (مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال: كنت أنشد فيه وفيه مَن هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول: أجب عني، اللهم أيده بروح القدس، قال: نعم) [رواه البخاري ومسلم].
18- جواز اللعب بالحراب ونحوها في المساجد:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (لقد رأيت رسول الله يومًا على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم) [رواه البخاري ومسلم].
واللعب هنا كان بالحراب وفي يوم عيد؛ ويوم العيد يوم فرح وسرور، واللعب كان بالحراب وهو تدريب على الطعن والمقاتلة. ولذا لم يمنعهم النبي من اللعب بالحراب في المسجد بل أمرهم بذلك، لأن فيه فائدة تُرجى من وراء ذلك، وهو ليس لعبًا محضًا [فتاوى اللجنة الدائمة].
19- استحباب إظهار الزينة لصلاة الجمعة والعيدين:
يستحب للمسلم أن يتخذ لصلاة الجمعة والعيدين ثوبًا جميلًا يتجمل به، لأن لبس الجميل من الثياب لصلاة الجمعة والعيدين مرغب فيه، ويستحب للقادم للجمعة أن يمس شيئًا من الطيب أو الدهن، وفيه ترغيب عظيم.
فقد روى سلمان الفارسي أن النبي قال: {لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى} [رواه البخاري].
20- النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان:
يكره الخروج من المسجد لمن أدركه الأذان وهو فيه، إلا لمن كان عنده عذر يسوغ له الخروج من المسجد، كتجديد وضوءه ونحوه. فعن أبي الشعثاء قال: (كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم) [رواه مسلم].
فلا يجوز لمن أدركه الأذان وهو بالمسجد أن يخرج منه حتى يؤدي الصلاة المكتوبة، إلا لعذر. لأن من خرج بعد الأذان بدون عذر، قد يشغله أو يعوقه ما يمنعه من إقامة الصلاة مع الجماعة فيكون سببًا في تفويت صلاة الجماعة.
21- من السنة الصلاة بالنعال في المساجد:
ثبت عنه من غير وجه أنه صلّى في نعاله، بل أمر بها. سُئل أنس بن مالك رضي الله عنه: (أكان النبي يصلي في نعليه؟ قال: نعم) [رواه البخاري ومسلم]. وعن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلاته قال: {ما حملكم على إلقاء نعالكم؟}
قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله: {إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا} أو قال: {أذى}، وقال: {إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما} [رواه أبو داود] وعند أحمد: {فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيها فإن رأى بها خبثًا فليمسه بالأرض، ثم ليصل فيهما}.
تنبيه: في هذه الأزمان المتأخرة أصبحت المساجد تفرش (بسجاد)، وجرت عادتهم أن لا يدخلوا المساجد بنعالهم وخفافهم، ولا يوطئوها فرشهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإن على الغيورين على سنة النبي من الاندثار، والحريصين على تطبيق سنة النبي، أن لا يدخلوا هذه المساجد بنعالهم وخفافهم، حتى لا تحدث مفسدة في سبيل تحصيل مصلحة؛ لأن أكثر العوام يجهلون هذه السنة.
وبسبب جهلهم فإن الداخل إلى المسجد بنعليه لا يأمن إنكار العوام عليه، وارتفاع أصواتهم ولغطهم في المسجد، هذا مع ما قد تسببه النعال أو الخفاف في تلويث هذه الفرش التي أصبح الناس يولونها عناية كبيرة.
وعلى الراغب في تطبيق سنة النبي في الصلاة بالنعلين، أن يصلي بهما في بيته، أو عند خروجه للنزهة، أو عند السفر، أو في مسجد أهله يصلون بنعالهم وخفافهم.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: موقع كلمات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وبعد: قال تعالى: يا بني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] أي عند كل صلاة، وقال: {من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى المكتوبة فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد، غفر الله له ذنوبه} [رواه مسلم].
ومن آداب حضور المساجد:
1- النهي عن حضور المساجد لمن أكل الثوم أو البصل ونحوهما:
يجب على من أكل بصلًا أو ثومًا نيئًا أن يجتنب المساجد حتى لا يؤذي المصلين برائحته الخبيثة، ومن آذى المصلين فقد آذى الملائكة.. فعن جابر أن النبي قال: {من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا} أو قال: {فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته} [رواه البخاري].
وعنه قال: (نهى رسول الله عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها). فقال: {من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس} [رواه البخاري، ومسلم]، ومع صراحة الأحاديث في نهي آكل الثوم والبصل عن حضور المساجد ورفع الإثم عنه لأجل تركه شهود الجماعة؛ إلا أن هناك طائفة من الناس أبت إلا المخالفة.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عذابٌ ألِيمٌ [النور:63].
تنبيه: يقاس على الثوم والبصل والكراث كل رائحة خبيثة تؤذي المصلين، (كالدخان)، أو الروائح الكريهة التي تنبعث من الجسد، أو الملابس المنتنة. فعلى المصلي تفقد نفسه قبل حضور المساجد، حتى لا يؤذي المصلين فيأثم بذلك.
فائدة: إذا تعاطى آكل البصل والثوم شيئًا يمنع رائحتهما الخبيثة، فإنه لا يمنع من شهود المساجد، ولكن ليتحقق الآكل أن الرائحة قد زالت بالكلية وأنها لا تؤذي المصلين. وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من اتخاذ (معجون الأسنان) كمزيل لرائحة البصل والثوم، فهذا خطأ، لأن رائحة البصل والثوم تنبعث من المعدة وليست من الفم فقط.
2- استحباب التبكير إلى المساجد:
رغب النبي في التبكير إلى المساجد والمسارعة إليها، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله قال: {لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا} [رواه البخاري].
وعند مسلم: {لو تعلمون أو يعلمون ما في الصف المقدم لكانت قرعة}. ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على فضل وعظم أجر التبكير إلى المساجد، وذلك يتضح من إبهام الرسول لأجر المبكر إلى المسجد، فإنه يدل على أن المبكر إلى المسجد قد حاز أجرًا عظيمًا. ثم اقتراعهم على الصف الأول فيه دلالة قوية - أيضًا - على عظم هذا الأجر.
3- المشي إلى الصلاة بخشوع وسكينة:
يستحب للماشي إلى الصلاة، أن يكون مشيه إليها في خشوع وسكون وطمأنينة، لأن من قَدِمَ إلى الصلاة وهو مطمئن في مشيه؛ كان ذلك أدعى لخشوعه في صلاته وإقباله عليها، وعكسه من جاء إليها مسرعًا مستعجلًا فإنه يدخل في صلاته وهو مشتت الفكر والذهن. ولقد نهى النبي أمته أن يسعوا إلى صلاتهم حتى ولو أقيمت الصلاة. فعن أبي قتادة قال: (بينما نحن نصلي مع النبي إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: ما شأنكم؟
قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: فلا تفعلوا. إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) [البخاري ومسلم]. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: {إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا} [رواه البخاري ومسلم].
4- ما يُقال من الدعاء عند المشي إلى الصلاة:
يستحب للماشي إلى الصلاة أن يدعو بدعاء النبي لما خرج إلى الصلاة. ففي حديث مبيت ابن عباس عند خالته ميمونة رضي الله عنهما، قال في آخره: (فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ وكان في دعائه: {اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وعظم لي نورًا.. }) [رواه مسلم].
5- الدعاء عند دخول المساجد وعند الخروج منها:
أ- يستحب للداخل إلى المسجد أن يقول: اللهم صل وسلم على محمّد وعلى آل محمّد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج يقول: اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد، اللهم إني أسألك من فضلك.
تأسيًا بالنبي عند دخوله المسجد وعند خروجه منه. فعن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله: {إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك} [رواه مسلم]. وعند أبي داود: {إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك}.
ب- ويستحب للداخل إلى المسجد- أيضًا - أن يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم. جاء ذلك في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، (عن النبي أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال - راوي الحديث -: أقط؟. قلت: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم) [رواه أبو داود].
6- استحباب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، واليسرى عند الخروج منه:
يستحب للداخل إلى المسجد أن يقدم رجله اليمنى؛ لأن ذلك هو فعل الرسول، ولأن المسجد أشرف الأماكن، فناسب تقديم اليمنى لشرفه. وعند الخروج منه تقدم الرجل اليسرى لفعله؛ ولأن الأماكن غير المسجد دونه في الشرف.
ومن عادة الشرع أن جعل اليد والرجل اليمنى لمباشرة الأشياء الفاضلة الكريمة، وجعل الشمال لمباشرة الأشياء الوضيعة. والقاعدة العامة في هذا الباب هو حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان النبي يعجبه التيمن: في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله) [رواه البخاري ومسلم].
وفي دخول المسجد سنة ذكرها أنس قال: (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى) [رواه الحاكم].
7- استحباب أداء تحية المسجد عند دخول المسجد:
يستحب لداخل المسجد أن يبدأ بركعتين هما: تحية المسجد. وهي ليست واجبة، ولكنها سنة مؤكدة لأمره بها أصحابه في كذا موضع، كحديث أبي قتادة السلمي أن رسول الله قال: {إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس} [رواه البخاري ومسلم].
8- فضل القعود في المسجد:
مما جاء في فضل القعود في المساجد وانتظار الصلاة، قوله: {... فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيها، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث} [رواه البخاري ومسلم].
وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وجزيل كرمه؛ أن رتب على جلوسهم في المساجد وانتظار الصلاة، كأجر المصلي. ثم جعل ملائكته يدعون لمنتظر الصلاة في المسجد، بالرحمة والمغفرة والتوبة!
تنبيه: يفرط كثير من الناس بالوقت الفاضل وقت انتظار الصلاة (بين الأذان والإقامة)، فتجدهم يقلبون أعينهم في المصلين أو التالين، وبعضهم يرسل بصره وعقله في تأمل نقوش المسجد وعمارته إلى غير ذلك، ولو أنهم اغتنموا هذا الوقت الفاضل بقراءة القرآن، أو ذكر الله تعالى، أو الاجتهاد في الدعاء لأنه وقت إجابة لكان فيه خيرٌ كثيرٌ.
9- جواز الاستلقاء في المساجد:
لا بأس بالاستلقاء في المسجد، فقد استلقى رسول الله في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى. فعن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه: (أنه رأى رسول الله مستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى).
وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: (كان عمر وعثمان يفعلان ذلك) [رواه البخاري ومسلم].
ولكن ينبغي الأمن من كشف العورة لأن وضع الرجل إحداهما على الأخرى مظنة كشف العورة، ومن أمكنة التحرز فلا يمنع منه.
فائدة: يتحرج بعض الناس من مدِّ أرجلهم إلى القبلة تورعًا. ولكن هذا الحرج ليس في محله؛ ومن مدَّ رجله أو رجليه إلى القبلة في المسجد أو خارجه فهو ليس بآثم [فتاوى اللجنة الدائمة].
تنبيه: يجب على من مدِّ رجله أو رجليه إلى القبلة في المسجد أن لا تكون مصوبة إلى المصاحف، تأدبًا مع كلام الله عزّ وجلّ وتعظيمًا له.
10- جواز النوم في المسجد:
يجوز النوم في المسجد لمن احتاج إلى ذلك، ولقد كان أصحاب الصفة رضي الله عنهم ينامون في المسجد [رواه البخاري]، وكان ابن عمر رضي الله عنهما، ينام في المسجد قبل أن يكون له أهل. فعن نافع قال: أخبرني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي [رواه البخاري].
تنبيه: إذا احتلم المسلم وهو نائم بالمسجد أسرع بالخروج منه حين يستيقظ ليغتسل من الجنابة [فتاوى اللجنة الدائمة].
11- النهي عن البيع والشراء في المساجد:
لا يجوز البيع والشراء في المساجد فهي لم تبن لهذا، وإنما بنيت لذكر الله، وإقامة الصلاة، وتعليم الناس أمور دينهم.. إلخ. ومن رأى رجلًا يبيع أو يبتاع في المساجد فليدع عليه وليقل: لا أربح الله تجارتك. فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: {إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك...} الحديث [رواه الترمذي].
تنبيه: الصالات والقاعات الملحقة بالمسجد والمخصصة للصلاة، لها حكم المسجد، وأما الغرف فإن كانت داخل سور المسجد فهي من المسجد، وإن كانت خارج سور المسجد فهي ليست من المسجد، ولا تأخذ حكم المسجد [فتاوى اللجنة الدائمة].
12- النهي عن إنشاد الضالة في المساجد:
مساجد الله بنيت لذكره، وتسبيحه، وتلاوة القرآن، والصلاة فيها. ولم تجعل مكانًا للسؤال عن الضوال، أو المفقودات. فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: {من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا} [رواه مسلم] وعند أحمد: {لا أداها الله عليك} وعند الدارمي: {لا أدى الله عليك}.
وعلى هذا: فمن سمع من ينشد ضالته، فليقل: لا أردها الله عليك، أو لا أداها الله عليك، أو لا أدى الله عليك، والمعنى واحد.
13- رفع الصوت في المساجد:
(عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدود دينًا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى: يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله. قال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه أي: الشطر. قال: لقد فعلتُ يا رسول الله. قال: قم فاقضه) [رواه البخاري ومسلم].
وعن السائب بن يزيد قال: (كنت قائمًا في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب. فقال: اذهب فأتني بهذين. فجئته بهما. قال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف.قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله) [رواه البخاري].
تنبيه: قالت اللجنة الدائمة:
السؤال محرم في المسجد وفي غير المسجد إلا للضرورة، فإن كان السائل مضطرًا إليه لحاجته، وانتفاء ما يزيل عوزره، ولم يتخط رقاب الناس، ولا كذب فيما يرويه عن نفسه ويذكر من حاله، ولم يجهر بمسألته جهرًا يضر بالمصلين؛ كأن يقطع عليهم ذكرهم، أو يسأل والخطيب يخطب، أو يسألهم وهم يستمعون علمًا ينتفعون به، أو نحو ذلك مما فيه تشويش عليهم في عبادتهم - فلا بأس بذلك.
فقد روى أبو داود في سننه (عن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله: {هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا؟} فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز بين يدي عبدالرحمن فأخذتها فدفعتها إليه.) فهذا الحديث يدل على جواز التصدق في المسجد، وعلى جواز المسألة عند الحاجة، أما إذا كان مسألة لغير حاجة، أو كذب على الناس فيما يذكر من حاله، أو ضر بهم في سؤاله، فإنه يمنع من السؤال.
14- النهي عن تشبيك الأصابع عند الخروج إلى المسجد قبل الصلاة، وجوازه بعدها:
نهى رسول الله عن تشبيك الأصابع عند الخروج للمسجد وقبل الصلاة، ففي حديث كعب بن عجرة أن رسول الله قال: {إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد، فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة} [رواه أبو داود].
وأما بعد الصلاة فإنه ورد في السنة من حديث أبي هريرة أن النبي لما سهى في صلاته (قام إلى خشبه معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ودفع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه) [رواه البخاري ومسلم].
15- جواز التحدث في الأمور الدنيوية المباحة في المسجد:
يجوز أن يتحدث الرجل مع أخيه - في المسجد - بالأمور الدنيوية المباحة، ولا إثم عليه في ذلك،، فقد فعله رسول الله، وكان أصحابه يتحدثون بالمسجد وهو معهم ويقرهم على ذلك، وهذا دال على جوازه. فعن أنس بن مالك قال: (أقيمت الصلاة والنبي يناجي رجلًا في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم) [رواه البخاري ومسلم].
وعن سماك بن حرب قال: (قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله؟. قال: نعم، كثيرًا، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم) [رواه مسلم].
ولكن ينبغي مراعاة عدة أمور، عند التحدث في المسجد فيما يتعلق بشؤون الدنيا. أولًا: أن لا يشغل من حوله من المصلين أو التالين للقرآن أو المشتغلين بالعلم. ثانيًا: أن لا يتخذ عادة. ثالثًا: أن يجتنب فيه الأقوال أو الأفعال المحرمة. رابعًا: أن يكون الكلام قليلًا لا كثيرًا.
16- جواز الأكل والشرب في المسجد:
لا بأس بالأكل والشرب في المسجد، لأن رسول الله كان يأكل في المسجد، وفعله دليل الجواز. قال عبد الله بن حارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه: (كنا نأكل على عهد رسول الله في المسجد الخبز واللحم) [رواه ابن ماجة]. ولكن ينبغي على من شرب أو أكل طعامًا في المسجد أن لا يلوث المسجد بفضلات الطعام أو الشراب.
17- جوزا قول الشعر في المسجد:
يجوز نشيد الشعر في المسجد، وهذا محله ما إذا كان مباحًا فليس محرمًا، ويجتنب فيه ما يجتنب في الكلام؛ لأن الشعر كلام، حسنه حسن، وسيئه سيئ. وقد كان حسان بن ثابت يقول الشعر في المسجد بين يدي رسول الله، يمدح رسول الله والمؤمنين، ويهجو المشركين ويرد عليهم. بل إن رسول الله دعا له.
فعن سعيد بن المسيب قال: (مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال: كنت أنشد فيه وفيه مَن هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول: أجب عني، اللهم أيده بروح القدس، قال: نعم) [رواه البخاري ومسلم].
18- جواز اللعب بالحراب ونحوها في المساجد:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (لقد رأيت رسول الله يومًا على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم) [رواه البخاري ومسلم].
واللعب هنا كان بالحراب وفي يوم عيد؛ ويوم العيد يوم فرح وسرور، واللعب كان بالحراب وهو تدريب على الطعن والمقاتلة. ولذا لم يمنعهم النبي من اللعب بالحراب في المسجد بل أمرهم بذلك، لأن فيه فائدة تُرجى من وراء ذلك، وهو ليس لعبًا محضًا [فتاوى اللجنة الدائمة].
19- استحباب إظهار الزينة لصلاة الجمعة والعيدين:
يستحب للمسلم أن يتخذ لصلاة الجمعة والعيدين ثوبًا جميلًا يتجمل به، لأن لبس الجميل من الثياب لصلاة الجمعة والعيدين مرغب فيه، ويستحب للقادم للجمعة أن يمس شيئًا من الطيب أو الدهن، وفيه ترغيب عظيم.
فقد روى سلمان الفارسي أن النبي قال: {لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى} [رواه البخاري].
20- النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان:
يكره الخروج من المسجد لمن أدركه الأذان وهو فيه، إلا لمن كان عنده عذر يسوغ له الخروج من المسجد، كتجديد وضوءه ونحوه. فعن أبي الشعثاء قال: (كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم) [رواه مسلم].
فلا يجوز لمن أدركه الأذان وهو بالمسجد أن يخرج منه حتى يؤدي الصلاة المكتوبة، إلا لعذر. لأن من خرج بعد الأذان بدون عذر، قد يشغله أو يعوقه ما يمنعه من إقامة الصلاة مع الجماعة فيكون سببًا في تفويت صلاة الجماعة.
21- من السنة الصلاة بالنعال في المساجد:
ثبت عنه من غير وجه أنه صلّى في نعاله، بل أمر بها. سُئل أنس بن مالك رضي الله عنه: (أكان النبي يصلي في نعليه؟ قال: نعم) [رواه البخاري ومسلم]. وعن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلاته قال: {ما حملكم على إلقاء نعالكم؟}
قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله: {إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا} أو قال: {أذى}، وقال: {إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما} [رواه أبو داود] وعند أحمد: {فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيها فإن رأى بها خبثًا فليمسه بالأرض، ثم ليصل فيهما}.
تنبيه: في هذه الأزمان المتأخرة أصبحت المساجد تفرش (بسجاد)، وجرت عادتهم أن لا يدخلوا المساجد بنعالهم وخفافهم، ولا يوطئوها فرشهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإن على الغيورين على سنة النبي من الاندثار، والحريصين على تطبيق سنة النبي، أن لا يدخلوا هذه المساجد بنعالهم وخفافهم، حتى لا تحدث مفسدة في سبيل تحصيل مصلحة؛ لأن أكثر العوام يجهلون هذه السنة.
وبسبب جهلهم فإن الداخل إلى المسجد بنعليه لا يأمن إنكار العوام عليه، وارتفاع أصواتهم ولغطهم في المسجد، هذا مع ما قد تسببه النعال أو الخفاف في تلويث هذه الفرش التي أصبح الناس يولونها عناية كبيرة.
وعلى الراغب في تطبيق سنة النبي في الصلاة بالنعلين، أن يصلي بهما في بيته، أو عند خروجه للنزهة، أو عند السفر، أو في مسجد أهله يصلون بنعالهم وخفافهم.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: موقع كلمات