طيف المدينة
23 Dec 2011, 09:02 PM
http://www.al-eman.com/aleman/others/recommendation-image/9838.jpg
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا بد من سبل للطاعة وطرق للاتّباع؛ فطاعة الشخص لآخر واقتدائي به سبل عديدة وطرق سديدة.
وهي يوم بالقول ويوم بالفعل ويوم بالمحبة، فكيف بمن كان قائده محمد صلوات الله وسلامه عليه؟ فلا بد أن يكون الاقتداء به على أسس، واتباعه على نظم، وهي ما شرعه لنا الله تعالى على الوجه الذي يرضيه، وهذا ما سنتكلم عنه.
كيف سنقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هي الأشياء الفعلية؟ وما هي الأشياء القولية؟ وما هي آثار هذا الاقتداء؟
فأوَّل عنصر من عناصر الاقتداء الفعلي بالنبي صلى الله عليه وسلم محبته صلى الله عليه وسلم؛ فإن المحبة تذلِّل لك الصعاب، وتيسر لك العسير؛ (لأنَّ المحبَّ لمن أحبَّ مطيعُ). وتعريف المحبة عند العلماء هي: ميل الإنسان إلى ما يوافقه ويستحسنه لأسباب معينة[1].
ولما كان تعريف المحبة هذا فتعريف محبة الرسول صلى الله عليه وسلم هو: ميل قلب المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ميلًا يتجلى فيه إيثار النبي على كل محبوب من نفس ووالد وولد والناس أجمعين.
وذلك لما خصه الله من كريم الخصال وعظيم الشمائل، وما أجراه على يديه من صنوف الخير والبركات لأمته، وما امتنَّ الله على العباد ببعثته ورسالته، إلى غير ذلك من الأسباب الموجبة لمحبته عقلًا وشرعًا[2].
فأوَّل عنصر للاقتداء هي المحبة، وهي من أجلِّ أعمال القلوب، أوجبها الله تعالى في القرآن الكريم فقال:
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة: 24]. وحث عليها الحديث الشريف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ"[3].
طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
ومن أقوى السبل للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هي طاعته، بل إن الاقتداء لا يتحقق إلا بها، ولا يصدق بسواها، وهي دليل على العنصر الأول وهي محبته، فجعل الله تعالى اتباع نبيه دلالة على حبه سبحانه، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
فنطيعه في مأكله ومشربه ونومته ويقظته وعبادته وتذلله وأدبه وأخلاقه وكل أحواله، وهذه من الاقتداء بالأفعال، وتنقسم إلى أقسام عديدة منها:
الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في الأخلاق:
فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقًا، ووصفه الله بها بأجمل عبارة وأحكم جملة فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. ومن صورها:
1- صدقه صلى الله عليه وسلم: فهو أصدق من تكلم فلم يعرف الكذب في حياته جادًّا أو مازحًا، وحرمه علينا فقال: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا"[4]. وأخبر أن المؤمن قد يقع في المعاصي والآثام لكنه لا يكذب أبدًا، كيف لا وهو الذي قال فيه تعالى وفي اتباعه ومن اقتدى به: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33].
2- صبره صلى الله عليه وسلم: فلا يعلم أحدًا مرَّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مر نبينا وهو صابر محتسب، فصبر على اليتم والفقر، وعلى البعد عن الوطن والأهل، وعلى الدنيا وزينتها، فلم يتعلق منها بشيء بما فيها إغراء الولاية وبريق المنصب، فناداه الله في عليائه فقال له: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127].
3- جوده وكرمه: أكرم من خلق الله وأسرع بالخير من الريح المرسلة، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان يقول: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ"[5]. فهذا جانب بسيط من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وما خفي عنا لضيق الوقت فالكتب مليئة به.
الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في عبادته:
1- عبادته ليلًا: كان نبينا القدوة المثلى في عبادته لله تعالى، فكان يقوم زمن راحته ووقت خلوته، تقول عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ مِن اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا. فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ"[6].
2- ذكره لربه: وكان أكثر الناس ذكرًا لربه ومولاه، تنام عينه ولا ينام قلبه، وكان يحث على هذا فيقول: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ". قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ"[7]. وقال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ"[8].
3- شجاعته صلى الله عليه وسلم: أما عن شجاعته فما فرَّ من معركة قط، أشجع الناس قلبًا ما تأخر عن قتال أو نكص عند النزال، بل كان إذا حَمِيَ الوطيس احتموا به.
فمن اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم نال رضاه ورضي الله جلَّ في علاه، إن من أطاع الرسول فقد أطاع الله، ومن أطاع الله حصلت له الهداية التامة، قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
وإن طاعة الرسول هي سبب الرحمة الإلهية لمن أطاعه، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132]. والهداية التامة، قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54].
وطاعة النبي سبب دخول الجنة: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى"[9].
بل قال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد: "نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين موضعًا". إضافةً إلى إنها موجبة لحب الله للعبد، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]. فمن أطاع نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، فهو في نعيم في دنياه وأخراه.
[1] التعريف للقاضي عياض رحمه الله، بتصرف يسير ليشتد وضوحًا.
[2] محبة الرسول بين الاتباع والابتداع، ص43.
[3] البخاري ومسلم، واللفظ الزائد لمسلم (1/10).
[4] البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود.
[5] البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
[6] البخاري ومسلم.
[7] مسلم.
[8] البخاري ومسلم.
[9] البخاري.
الكاتب: الشيخ مثنى بن علوان الزيدي
المصدر: شبكة الألوكة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا بد من سبل للطاعة وطرق للاتّباع؛ فطاعة الشخص لآخر واقتدائي به سبل عديدة وطرق سديدة.
وهي يوم بالقول ويوم بالفعل ويوم بالمحبة، فكيف بمن كان قائده محمد صلوات الله وسلامه عليه؟ فلا بد أن يكون الاقتداء به على أسس، واتباعه على نظم، وهي ما شرعه لنا الله تعالى على الوجه الذي يرضيه، وهذا ما سنتكلم عنه.
كيف سنقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هي الأشياء الفعلية؟ وما هي الأشياء القولية؟ وما هي آثار هذا الاقتداء؟
فأوَّل عنصر من عناصر الاقتداء الفعلي بالنبي صلى الله عليه وسلم محبته صلى الله عليه وسلم؛ فإن المحبة تذلِّل لك الصعاب، وتيسر لك العسير؛ (لأنَّ المحبَّ لمن أحبَّ مطيعُ). وتعريف المحبة عند العلماء هي: ميل الإنسان إلى ما يوافقه ويستحسنه لأسباب معينة[1].
ولما كان تعريف المحبة هذا فتعريف محبة الرسول صلى الله عليه وسلم هو: ميل قلب المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ميلًا يتجلى فيه إيثار النبي على كل محبوب من نفس ووالد وولد والناس أجمعين.
وذلك لما خصه الله من كريم الخصال وعظيم الشمائل، وما أجراه على يديه من صنوف الخير والبركات لأمته، وما امتنَّ الله على العباد ببعثته ورسالته، إلى غير ذلك من الأسباب الموجبة لمحبته عقلًا وشرعًا[2].
فأوَّل عنصر للاقتداء هي المحبة، وهي من أجلِّ أعمال القلوب، أوجبها الله تعالى في القرآن الكريم فقال:
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة: 24]. وحث عليها الحديث الشريف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ"[3].
طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
ومن أقوى السبل للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هي طاعته، بل إن الاقتداء لا يتحقق إلا بها، ولا يصدق بسواها، وهي دليل على العنصر الأول وهي محبته، فجعل الله تعالى اتباع نبيه دلالة على حبه سبحانه، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
فنطيعه في مأكله ومشربه ونومته ويقظته وعبادته وتذلله وأدبه وأخلاقه وكل أحواله، وهذه من الاقتداء بالأفعال، وتنقسم إلى أقسام عديدة منها:
الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في الأخلاق:
فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقًا، ووصفه الله بها بأجمل عبارة وأحكم جملة فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. ومن صورها:
1- صدقه صلى الله عليه وسلم: فهو أصدق من تكلم فلم يعرف الكذب في حياته جادًّا أو مازحًا، وحرمه علينا فقال: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا"[4]. وأخبر أن المؤمن قد يقع في المعاصي والآثام لكنه لا يكذب أبدًا، كيف لا وهو الذي قال فيه تعالى وفي اتباعه ومن اقتدى به: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33].
2- صبره صلى الله عليه وسلم: فلا يعلم أحدًا مرَّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مر نبينا وهو صابر محتسب، فصبر على اليتم والفقر، وعلى البعد عن الوطن والأهل، وعلى الدنيا وزينتها، فلم يتعلق منها بشيء بما فيها إغراء الولاية وبريق المنصب، فناداه الله في عليائه فقال له: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127].
3- جوده وكرمه: أكرم من خلق الله وأسرع بالخير من الريح المرسلة، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان يقول: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ"[5]. فهذا جانب بسيط من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وما خفي عنا لضيق الوقت فالكتب مليئة به.
الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في عبادته:
1- عبادته ليلًا: كان نبينا القدوة المثلى في عبادته لله تعالى، فكان يقوم زمن راحته ووقت خلوته، تقول عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ مِن اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا. فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ"[6].
2- ذكره لربه: وكان أكثر الناس ذكرًا لربه ومولاه، تنام عينه ولا ينام قلبه، وكان يحث على هذا فيقول: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ". قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ"[7]. وقال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ"[8].
3- شجاعته صلى الله عليه وسلم: أما عن شجاعته فما فرَّ من معركة قط، أشجع الناس قلبًا ما تأخر عن قتال أو نكص عند النزال، بل كان إذا حَمِيَ الوطيس احتموا به.
فمن اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم نال رضاه ورضي الله جلَّ في علاه، إن من أطاع الرسول فقد أطاع الله، ومن أطاع الله حصلت له الهداية التامة، قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
وإن طاعة الرسول هي سبب الرحمة الإلهية لمن أطاعه، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132]. والهداية التامة، قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54].
وطاعة النبي سبب دخول الجنة: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى"[9].
بل قال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد: "نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين موضعًا". إضافةً إلى إنها موجبة لحب الله للعبد، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]. فمن أطاع نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، فهو في نعيم في دنياه وأخراه.
[1] التعريف للقاضي عياض رحمه الله، بتصرف يسير ليشتد وضوحًا.
[2] محبة الرسول بين الاتباع والابتداع، ص43.
[3] البخاري ومسلم، واللفظ الزائد لمسلم (1/10).
[4] البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود.
[5] البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
[6] البخاري ومسلم.
[7] مسلم.
[8] البخاري ومسلم.
[9] البخاري.
الكاتب: الشيخ مثنى بن علوان الزيدي
المصدر: شبكة الألوكة