مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة العائدون من الصوفية الى السنة
علم ودعوة وجهاد
08 Dec 2004, 08:29 AM
السلام عليكم
في هذه السلسلة سنقدم اكم اكثر من 30 شخصية علمية مرموقة تركت العقيدة الصوفية التي نشاءت عليها وتوجهت الى العقيدة الصافية عقيدة السلف الصالح :
علامة الشام محمد بهجة البيطار من بيت غلاة الصوفية إلى إتباع السلفية
محمد بهجة بن محمد بهاء الدين البيطار ، العالم الفقيه ، والمصلح الأديب ، والمؤرخ الخطيب ، ولد بدمشق في أسرة دمشقية عريقة ، جدها الأعلى من الجزائر.
كان والده من شيوخ دمشق ، ومن مشايخ الصوفية الغلاة ، يقول الطنطاوي:
" ومن أعجب العجب ، أن والد الشيخ بهجة كان صوفياً من غلاة الصوفية ، القائلين بوحدة الوجود ، على مذهب ابن عربي ، وابن سبعين والحلاج ... " [رجال من التاريخ ص416-417]
نشأ في حجره ، وتلقى عليه مبادئ علوم الدين واللغة .. ثم درس على يد أعلام عصره ، مثل: جمال الدين القاسمي ، محمد الخضر حسين ، محمد بن بدران الحسني ، محمد رشيد رضا ..
وكان تأثره بالشيخ جمال الدين القاسمي كبيراً ، قال عاصم البيطار ولد الشيخ بهجة:
" وكان والدي ملازماً للشيخ جمال الدين ، شديد التعلق به ، وكان للشيخ – رحمه الله- أثر كبير ، غرس في نفسه حب السلفية ونقاء العقيـدة ، والبعد عن الزيف والقشور ، وحسن الانتفاع بالوقت والثبات على العقيدة ، والصبر على المكاره في سبيلها ، وكم كنت أراه يبكي وهو يذكر أستاذه القاسمي"
فسبحان من يخرج الحي من الميت .. وقد أسهم في نشر العقيدة الصحيحة .. وتولى عدد من المناصب العلمية ..
وقد اختير الشيخ "بهجة البيطار" في جمعية العلماء ، ثم في رابطة العلماء في دمشق.
وتولى الخطابة والإمامة والتدريس في جامع "القاعة" في الميدان خلفاً لوالده ، ثم في جامع "الدقاق" في الميدان أيضاً ، استمر فيه حتى وفاته.
تنقل في وظائف التدريس في سوريا والحجاز ولبنان ، كما أنه درّس في الكلية الشرعية بدمشق: التفسير والأخلاق ، ودرّس كذلك في دار المعلمين العليا وفي كلية الآداب في دمشق .. وبعد التقاعد قصر نشاطه على المحاضرات الجامعية والتدريس الديني.
وكان الشيخ عضواً في المجمع العلمي العربي ، ومشرفاً على مجلته.
سافر للحجاز وحضر مؤتمر العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام 1345هـ ، وأبقاه الملك عبدالعزيز فجعله مديراً للمعهد العلمي السعودي في مكة ، ثم ولاه القضاء ، فاشتغل به مدة ثم استعفاه ، قولاه وظائف تعليمية ، وجعله مدرساً في الحرم ،وعضواً في مجلس المعارف .. ثم دعي الشيخ لإنشاء دار التوحيد في الطائف ..
وكان خطيباً بارعاً يخطب ارتجالاً ..
وقد كان سبباً في هداية عدد كبير من طلبة العلم والمثقفين والأدباء إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة ..
ومنهم الشيخ الأديب علي الطنطاوي حيث يقول عن تلكم الحوارات :
" " لقد وجدت أن الذي أسمعه منه يصدم كل ما نشأت عليه ، فقد كنت في العقائــد على ما قرره الأشاعرة والماتريدية ، وهو شيء يعتمد في تثبيت التوحيـد من قريب أو بعيد على الفلسفة اليونانية ، وكنت موقناً بما ألقوه علينا ، وهو أن طريقة السلف في توحيد الصفات أسلم ، وطريقة الخلف أحكم ، فجاء الشيخ بهجة يقول: (بأن ما عليه السلف هو الأسلم ، وهو الأحكم) ... وكنت نشأت على النفرة من ابن تيمية والهرب منه ؛ بل وبغضه ، فجاء يعظمه لي ، ويحببه إليّ ، وكنت حنفياً متعصباً للمذهب الحنفي ، وهو يريد أن أجاوز حدود التعصب المذهبي ، وأن اعتمد على الدليل ، لا على ما قيل ... وتأثرت به ، وذهبت مع الأيام مذهبه مقتنعاً به ، بعد عشرات من الجلسات والسهرات في المجادلات والمناظرات ... )
رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي ص 414
ثم يقول الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله تعالى-:
" وكان اتصالي بالشيخ بهجـة قد سبب لي أزمة مع مشايخي ، لأن أكثر مشايخ الشام ممن يميلون إلى الصوفية ، وينفرون من الوهابيــة ، وهم لا يعرفونها ولا يدرون أنه ليس في الدنيا مذهب اسمه الوهابيـــة ، وكان عندنــا جماعة من المشايخ يوصفون بأنهم من الوهابيين ، على رأسهم الشيخ محمد بهجة البيطار ... "
المرجع السابق: ص416
ولقد ترك عدة مؤلفات قيمة منها:
1 – مسائل الإمام أحمد:أبو داود "تعليق"
2 – أسرار العربية: لابن الأنباري "تحقيق"
3 – قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: محمد جمال الدين القاسمي "تحقيق وتعليق"
4 – الإسلام والصحابة الكرام بين السنَّنة والشيعة
5 – تفسير سورة يوسف
6 – حياة شيخ الإسلام ابن تيمية: محاضرات ومقالات ودراسات
7 – الرحلة النجدية الحجازية: صور من حياة البادية
8 – حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر/ لجده عبدالرزاق البيطار "تحقيق وتقديم"
9 – الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين ، وهو شرح الأربعين العجلونية: تأليف جمال الدين القاسمي "تقديم وتحقيق"
10 – كلمات وأحاديث ، كان بعنوان: الثقافتان الصفراء والبيضاء
توفي غرة جمادى الآخرة 1369هـ في دمشق ..
رحم الله الشيخ محمد بهجة البيطار ، فقد كان يحمل لواء الدعوة السلفية في الشام حينما كانت الصوفية سائدة ، والتعصب للمذاهب الفقهية غالباً.
* غالب هذه الترجمة استفادتها من كتاب [عُلماء الشام في القرن العشرين]
نقلها
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
علم ودعوة وجهاد
08 Dec 2004, 08:37 AM
علامة العراق الألوسي
هو جمال الدين أبو المعالي محمود شكري بن عبدالله بهاء الدين بن أبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الآلوسي البغدادي رحمه الله ، من سادات آل البيت ، ولد في رمضان 1273هـ ، وجده صاحب التفسير الشهير ، وقد كان صوفياً فمنّ الله عليه بالهداية فاتبع السنة ، ونبذ البدعة ، فأصبح سنياً سلفياً [وسنذكر مراحل حياته لاحقاً] .. تأثر بمؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تأثراً بالغاً ، وإلى ذلك أشار كامل الرافعي بقوله: (لم أرَ أحداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرهما مثلهما) أي محمود شكري وابن عمه علي الآلوسي.
وكان سلفياً مُحباً لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وناشراً لها ومدافعاً عنها لأنها دعوة الكتاب والسنة ، وقد أفرد كتاباً شرح فيه أحد رسائل الإمام وهي (مسائل الجاهلية) ..
وقد جاهد في نشر الحق والرد على الباطل ، فشن غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس فكتب الرسائل وألف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل وأحدثت دوياً وإصلاحاً عظيماً .. وارتفع صوته كمصلح ديني يدوّي في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من أوضار البدع.
وكعادة المصلحين والمجاهدين يبتليهم الله بخصومة المشركين وأهل البدع والحاسدين ، فذهبوا يُشنعون عليه ، ويرمونه بتهم شتى منها: أنه يبث فكرة الخروج على السلطان؟!! ويؤسس مذهباً يناصب كل الأديان؟!! وأن تأثيره سار بين الناس؟! فأغروا والي بغداد (عبدالوهاب باشا) … فصدر الأمر بنفي السيد محمود وابن عمه السيد ثابت نعمان الآلوسي والحاج حمد العسافي النجدي رحمهم الله إلى الأناضول.
فلما وصلوا للموصل قامة قائمة الموصليين لأن الذين أمر بنفيهم من أعلام العراق الكبار ، وأن في الموصل عدد كبير من العلماء وطلبة العلم السلفيين ، فطلبوا من السلطان الصفح .. فصدر العفو عنهم وعادوا بعد أن مكثوا شهرين في الموصل .. وعادوا منصورين ، فقام الشيخ عبداللطيف بن ثنيان في صحيفته الرقيب بالانتصار للشيخ والرد على تلك الوشايات والافتراءات وصدر مقالاً (الحمد لله عاد الحق لأهله)
ولما هاجم الإنجليز العراق عام 1333هـ سعى الآلوسي طالباً النجدة من بعض الأمراء العرب لكنهم لم يستجيبوا لطلبه فعاد إلى بغداد ، واستمر بالتدريس والتأليف حتى سقطت بغداد بيد الإنجليز ، فعرضوا عليه القضاء فرفض وامتنع عن مخالطتهم ، ورفض جميع المناصب من الإفتاء والمشيخة وكل خدمة غير خدمة العلم الصحيح ونشره بين أفراد الأمة.
وقبل عضوية مجلس المعارف ، ليتمكن من توسيع نطاق العلم في العراق ، وعضوية المجلس العلمي العربي بدمشق فخرياً ، توفي الإمام سنة 1342هـ.
وقد رثاه العلماء والأدباء والشعراء .. يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي :
محمود شكري فقدنا منك حبر هدى *** للمشكلات بحسن الرأي حلالا
قد كنت للعلم في أوطاننا جبلاً *** إذا تقسّم فيها كان أجبالاً
ورثاه تلميذه محمد بهجة الأثري بقصيدة منها:
بغدادُ قد أقفرت من بعد مصرعه *** فقلقل الركبُ عن بغداد أهبالا
هذي المدارس أضحت وهي باكية *** من بعد شيخ بنى الآداب أطلالا
ورثاه ناجي القشطني بقصيدة مطلعها:
لا السجن يبكينا ولا التبعيدُ *** كلا والإرهابُ والتهديد
سنطلُ نهزأ بالخطوبِ تَجلُّداً *** مهما استمر الضغطُ والتشديدُ
ثم قال:
محمود شكري أنت ناصر ديننا *** لله درُّ أبيك يا محمودُ
أحييت بالتنقيدِ ميتَ عقائد *** ما مسّها فحص ولا تنقيد
ورثي بالعديد من المراثي تجده العديد منها في كتاب (أعلام العراق) للشيخ محمد بهجة الأثري رحمه الله.
من مؤلفات الإمام رحمه الله تعالى:
1- تجريد السنان في الذب عن أبي حنيفة النعمان.
2- صب العذاب على من سب الأصحاب (رد على الرافضة) .
3- السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة (رد على الرافضة)
4- المنحة الإلهية تلخيص ترجمة التحفة الإثني عشرية (رد على الرافضة)
5- سعادة الدارين في شرح حديث الثقلين (رد على الرافضة)
6- فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
7- غاية الأماني في الرد على النبهاني (رد على داعية الشرك النبهاني في تجويزه الاستغاثة بسيد الخلق ورد على تهجمه على شيوخ الإسلام ومنهم الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب)
8- الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى (رد على هذا الضال)
9- فتح المنان في الرد على صلح الإخوان من أهل الإيمان (وهو تتمة رد العلامة عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمهم الله الذي توفي قبل إتمامه في الرد على هذا الضال)
10- كنز السعادة في شرح كلمتي الشهادة.
11- تصريف الأفعال.
12- المفروض من علم العروض.
13- الدار اليتيم في شمائل ذي الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم.
14- تأريخ نجد
والعديد من المؤلفات والتي زادت على الخمسين مؤلفاً ..
وقد أخذ منه العلم وأجز العديد من طلبة العلم وعلى رأسهم الشيخ محمد بهجة الأثري والعلامة طه الراوي والشاعر معروف الرصافي وهو الذي لقبه بالرصافي رحمهم الله جميعاً…سيرة عطرة جداً..
وفي هذا يقول العلامة الأثري:
" ثم ما لبث الألوسي أن أصحر عن انحيازه في جرأة وقوة إلى الحركة السنية السلفية ، مع مقاومة الدولة العثمانيـة الصوفيــة لهذه الحركة الإصلاحيــة بكل قواها الرجعية ، واستعلن وقوفه إلى جانبها بكتابه (فتح المنان تتمة منهاج التأسيس رد صلح الإخوان) الذي فرغ من تأليفه في غرة ذي الحجة سنة 1306هـ وطبع بالهند سنة 1309هـ
وقد توفي – رحمه الله تعالى- 4/10/1342هـ على أثر مرض ألمَّ به في أواخر شهر رمضان من العام نفسه ، نسأل الله أن يرفع منزلته في عليين ..
وهكذا النفوس الكبار ، الباحثة عن الحق ، وهذا هو العلم الذي يهدي للحق ، ويرشد صاحبه للبحث عنه ، ويتعالى على ما وجد عليه الآباء والأجداد ، لأنه يعبد الله لا يبعد ما وجد!!
نسأل الله أن يبصر الغافل ، وينير بصيرة الجاهل ، ويرشد المسترشد السائل ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
علم ودعوة وجهاد
08 Dec 2004, 08:51 AM
علي الطنطاوي
من لا يعرف الشيخ الأديب الأريب الخطيب محمد علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- .. الذي جاهد بنفسه وماله وأهله لخدمة هذا الدين .. إنه نبراس في الاقتداء في جانب الجهاد والتعبئة للمشاعر الدينية .. وهو أسوة في الأدب المحتشم الملتزم .. وهو قدوة في الاستكبار على الهوى واستصغار النفس لتقبل الحق شاءت أم أبت إذا بان له الحق بدليله ..
فمن لا يعرف هذا الشيخ؟!!
إن المنابر لتذكر خطبه المجلجلة .. والمساجد تذكر ركعاته الخاشعة المتأنية .. والصحف تذكر سيفه إذا سله .. والإذاعة لتذكر صوته الأخاذ بتلابيب القلوب ..
علي الطنطاوي .. هذا الشيخ .. ولد في بيت صالح .. لكنه تربى على غير اعتقاد أهل السنة .. وسلك طريقة يخالف الجماعة ..
كيف؟!!
هل تريد أن تعرف الخبر؟!!
الخبر يخبرك به الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- حيث يقول:
" إنه نشأ أول أمره في وسط صوفي ، إذ كان والده نقشبندياً مثل أكثر المشايخ ، فتعلم منه كره ابن تيمية وكره الوهابية ، حتى إذا شخص إلى مصر ، وصحب خاله المرحوم الأستاذ محب الدين الخطيب ، بدأ ينظر إلى ذلك الموضوع بروح جديدة دفعته إلى إعادة النظر في أمر القوم .. بيد أنه لم ينته إلى الاستقرار إلا بعد اتصاله بالشيخ بهجة البيطار ، فمن هناك بدأت استقامتهُ على الطريقة والتزام الجادة ، وكان من أثر ذلك كتاباه اللذان أخرجهما عن حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب .. إلا أن هذا الاستقرار لم يأت بالمجان ؛ بل كلفه وأخاه عبدالغني –كما يقول- طويلاً من النقاش مع الشيخ بهجة ، غفر الله لنا وله ، فقد دخلا معه في معركة جدال حادة ، بلغت بهما حدَّ إغضابه ، وهو المعروف بوقار العلم وسعة الصدر ، والبعد عن التعصب ، حتى لم يعد لهما حجة يصح الاعتداد بها بعد أن اتضحت معالم الحق في أجلى بيان "
علماء ومفكرين عرفتهم 3/192
ويتحدث الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- عن كيفية انتقاله من عقيدة الأشاعرة والماتريدية إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ، يقول عن شيخه الذي اهتدي على يديه محمد بهجة البيطار –رحمه الله تعالى-:
" لقد وجدت أن الذي أسمعه منه يصدم كل ما نشأت عليه ، فقد كنت في العقائــد على ما قرره الأشاعرة والماتريدية ، وهو شيء يعتمد في تثبيت التوحيـد من قريب أو بعيد على الفلسفة اليونانية ، وكنت موقناً بما ألقوه علينا ، وهو أن طريقة السلف في توحيد الصفات أسلم ، وطريقة الخلف أحكم ، فجاء الشيخ بهجة يقول: (بأن ما عليه السلف هو الأسلم ، وهو الأحكم) ... وكنت نشأت على النفرة من ابن تيمية والهرب منه ؛ بل وبغضه ، فجاء يعظمه لي ، ويحببه إليّ ، وكنت حنفياً متعصباً للمذهب الحنفي ، وهو يريد أن أجاوز حدود التعصب المذهبي ، وأن اعتمد على الدليل ، لا على ما قيل ... وتأثرت به ، وذهبت مع الأيام مذهبه مقتنعاً به ، بعد عشرات من الجلسات والسهرات في المجادلات والمناظرات ... )
رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي ص 414
ثم يقول الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله تعالى-:
" وكان اتصالي بالشيخ بهجـة قد سبب لي أزمة مع مشايخي ، لأن أكثر مشايخ الشام ممن يميلون إلى الصوفية ، وينفرون من الوهابيــة ، وهم لا يعرفونها ولا يدرون أنه ليس في الدنيا مذهب اسمه الوهابيـــة ، وكان عندنــا جماعة من المشايخ يوصفون بأنهم من الوهابيين ، على رأسهم الشيخ محمد بهجة البيطار ... "
المرجع السابق: ص416
الكلام الذي سبق في الحوار مع الطنطاوي .. جعل المقابل –وهو الشيخ محمد المجذوب رحمه الله- يقف مع هذه المسألة وقفات في [علماء ومفكرين عرفتهم للمجذوب 3/206-209 ] .. أدعك مع الحوار .. ومع تعقبات الشيخ [خالد أهل السنة] لبعض ما لم يوفق فيه الشيخ الطنطاوي –رحمه الله- :
" بين الصوفية والسلفيــــة:
م-:يا فضيلة الشيخ اسمحوا لي أن أقول لكم إنني والقراء الذين سيطلعون على ما سأكتبه عنكم نريد أن نعرف موقفكم النهائي من الدعوة السلفية والمسالك الصوفية؟
الطنطاوي: لقد أسلفت الكلام عن موقفي عن السلفية عند حديثي عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وترون ذلك واضحاً في ما كتبته عنه في مدخل الجزء الأول من الكتابين .. حيث بينت أنت انتقلت إلى أقصى الطرفين.
م: وقد حدثتنا عن ترددك بينهما ..
ط: أجل .. قد ترددت ثم استقررت على مذهب السلف ؛ ولكن هناك مشكلة واحدة .. أحب أن أقف عليها قليلاً ، شيخ الإسلام من أعاظم مفكري الإسلام ، وكذلك ابن حزم إمام عظيم ، ولكل منهما رأي عليه بعض الاعتراض.
فابن تيمية ينكر التأويل إطلاقا ، وابن حزم ينكر القياس .. وقد عالجت هذه الناحيــة في كتابي (تعريف عام بدين الإسلام) "
والآن نرجو أن تزيدونا إيضاحاً لموقفكم من الصوفية؟
ط: الصوفيـــة ، كذلك مررت بها في مراحل ، قبل أيام كنت أقول لأحــد إخواني: والله إن الصوفيـــة هي البــــاب الكبير الذي تدفق منه علينا الفســـــاد ، والباب الآخر هو التشيـــع والشيوعيـة وكلهـــــا من أصـــل واحـــد.
في مقدمة كتابي الأول عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحدثت عن الوهابيــة وكيـف نشأنا على كراهتها ، ثم أردت أن امتحن نفسي فتساءلت: هل أنا وهابي؟!.
لما أخرجت كتابي هذا بالشــام رد عليّ الشيخ الجويجاتي وغيره بكتاب أكبر ، لأني بنظرهم أصبحت وهابياً ،وفي الرياض ردوا عليّ كذلك بأنت كنت في كتابي على مذهب الشاميين!
قلت قل تلك المقدمة: إذا كانت الصوفيـة هي إصلاح الباطن ومداواة أمراض القلوب ، ودفع الرياء ، والإخلاص ، إلى آخر ما ذكر في الرسالة القشيرية فهذا هو لب الإسلام، الذي إذا خلت منه العبادة صارت مجرد حركات لا مردود لها في علاج النفوس.
أما التصوف الذي فيه وحدة الوجود ، وفيه الادّعاء بأن للقرآن ظاهراً هو غير الباطن ، وفيه ما يدعونه بالحقيقة المحمدية ، وما إلى ذلك من المفسدات فهو مرفوض تماماً .. وقد سبق لي أن كتبت في مجلة الرسالة قبل أربعين سنة أن كفر أبي جهل وأبي لهب إذا قيس بكفر محيي الدين بن عربي لكان في مستوى الإيمان .. ومن يومها شرع عمّي الشيخ عبدالقادر وحسني بك العظمة ومجموعة من المشايخ يناقشونني ويشددون عليّ النكير.
م: نحن على علم بهذا كله ؛ ولكن الذي نسجله الآن سيقرؤه كثيرون فمن الضروري أن يطلعوا من خلاله على الحقيقة بشيء من التفصيل.
ط: إن التصــوف الذي يتحدث عنه ابن القيّم في (مدارج السالكين) وفي (اصطلاح الصوفية) والذي كتب عنه آخرون من أصحاب العقيدة الصحيحة لا اعتراض عليه.
م: نحن متفقون على أن كل سلوك يؤدي إلى تزكية النفس وما يستتبعها من التوهج الروحي مادام منسجما مع خط الكتاب والسنة فهو مقبول ومنشود ، أما أن يتحول هذا كله تخرصات هندية ويونانية تنتهي إلى القول بالاتحاد والحلول ووحدة الوجود فذلك هو الضلال البعيد"
علم ودعوة وجهاد
08 Dec 2004, 08:52 AM
عبدالقادر بن بدران الدمشقي
نبذ الصوفية ولزوم منهج السلف
هو الإمام العلامة المحقق المفسر المحدِّث الأصولي الشيخ عبدالقادر بن أحمد بن مصطفى ببن بدران الدمشقي –رحمه الله تعالى- ، ولد عام (1280–1346هـ) في بلدة "دوما"
عاش ابن بدران في بيئة كانت فيها الصوفية منتشرة ، والجهل فيها متفشٍ ، وقد قرأ على بعض الشيوخ الذين كان مسلكهم صوفياً ، وصرح بفضل الله عليه ، وأنه اتبع منهج السلف ، الذي هو أحكم والقرون المفضلة ، ومنهج الأئمة المصلحين.
يقول في هذا الصدد: ( إنني لما مَنَّ عليَّ بطلب العلم ، هجرت له الوطن والوسَن ، وكنت أطوف المعاهد لتحصيله وأذهب كل مذهب ... فتارة أطوح بنفسي فيما سلكه ابن سينا ... وتارة أتلقف ما سكبه أبو نصر الفارابي من صناعة المنطق ... ثم أجول في ميادين العلوم مدة – فارتدَّ إليَّ الطرف خاسئاً وهو حسير ... فلما هِمْتُ في تلك البيداء ، ناداني منادي الهدي الحقيقي: "هلمّ الشرف والكمال ، ودع نجاة ابن سينا الموهمة إلى النجاة الحقيقية ، وما ذلك إلا بأن تكون على ما كان عليه السلف الكرام من الصحابة والتابعين ، والتابعين لهم بإحسان ... ) فهنالك هَدأَ روعي ، وجعلت عقيدتي كتاب الله ، أكِلُ علم صفاته إليه بلا تجسيم ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل ، وانجلى على ما كان على قلبي من رَيْن أورثَته قواعدُ أرسطوطاليس ، وقلت ما كان إلا من النظر في تلك الوساوس والبدع والدسائس ... إن مَن اتبع هواه هام في كل وادٍ ، ولم يبالِ بأي شِعب سلك ولا بأي طريق هلك ... ) [المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن بدران ص42-43]
هذا جانب من عقيدته ، وهناك جانب آخر لا يقلّ عنه أهمية ، ألا وهو نبذ الخرافة والبدع المنكرة من الصوفية ، التي تختلق الكرامات وتنقلها عن أقطابها.
من ذلك قوله –رحمه الله-: "أقول إن نقل الكرامات أصبح أمراً عسيراً ، لأن أصحاب الرجل (الولي والشيخ) يستعملون الغلو دائماً ، والأخبار تحتمل الصدق والكذب ... " ثم ينقل عن المتصوفة قصصاً وأخبراً عجيبة في هذا المجال [منادمة الأطلال ومسامرة الخيال]
يقول الشيخ محمد بن ناصر العجمي متحدثاً عن عقيدة ابن بدران:
وحدثني الأديب الكبير علي الطنطاوي ، حينما سألته عن العلامة ابن بدران فقال: "كانت الوهابية تُعَدُّ تهمة خطيرة مخيفة ، وكانوا يحذروننا من الاجتماع بهم ، فوقفت مرة في حلقة ابن بدران ، العالم الحنبلي المعروف ، وكان هناك طلاب يمرّون في الأسواق ، فرأوني في حلقة ابن بدران وقدّموا فيّ تقريراً إلى المشايخ ، فضُربت (فلقة) في رجلي" [علامة الشام:عبدالقادر بن بدران ص22]
وسبب ذلك أن ابن بدران كان على منهج السلف ، ودمشق آنذاك ، وكذلك أكثر المدن السورية ، كانت على جمود المتصوفة ، والبعد عن مرونة العلماء المجتهدين في أيام الدولة العثمانية.
فقد كان ابن بدران يظهر تعلقه بأئمة السلف: ابن تيمية وابن القيم الجوزية ، فيقول: "كان ابن تيمية على منهاج ما كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان ، ويناهض حصون العادات السيئة والبدع ، فيدُكّها ولا يخشى في الله لومة لائم .. فهبّ قوم قصروا عن مداه ، فعاندوه حسداً وبغياً .. ولاشك أنه بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ، فعليه رحمة الله تعالى" [الفتاوى القازانية ص207]
أما مذهبه فقال محمد بن سعيد الحنبلي: "... وكان شافعياً ثم تحنبل ، وسبب ذلك – كما قاله بعض الخواص عنه:
" كنت في أول عمري ملازماً لمذهب الإمام الشافعي –رحمه الله- سالكاً فيه سبيل التقليد ، ثم منَّ الله عليّ فحبب إليّ الاطلاع على كتب التفسير والحديث وشروحها ، وأمهات كتب المذاهب الأربعة ، وعلى مصنفات شيخ الإسلام وتلميذه الحافظ ابن القيم ، وعلى كتب الحنابلة ، فما هو إلا أن فتح الله بصيرتي وهداني من غير تحزب لمذهب دون مذهب ، فرأيت أنَّ مذهب الحنابلة ، أشد تمسكاً بمنطوق الكتاب العزيز والسنَّة المطهرة ومفهومها ، فكنت حنبلياً من ذلك الوقت" [نبذة في ترجمة ابن بدران في آخر كتاب المدخل]
لقد تميز ابن بدران بالعفة والأدب والعلم والتقوى ، مع الزهـــــد في حطــام الدنيا ..
وقد أثنى عليه كل عالم منصف يعرف قدره وفضله:
قال عنه الزركلي:
" فقيــه أصولي ، عارف بالأدب والتاريخ كاره للمظاهر ، يقنع بالكفاف ، لا يُعنى بملبس أو بمأكل ، ضعف بصره قبل الكهولة ، وفلج في أعوامه الأخيرة" [الأعلام 1/37]
وقال الأستاذ أدهم الجندي:
"وبرع ابن بدران في سائر العلوم العقلية والأدبية والرياضية ، وتبحر في الفقه والنحو ، فكان –رحمه الله- علماً من الأعلام"
وقال: "كان شيخاً جليلاً زاهداً في حطام الدنيا ، متقشفاً في ملبسه ومسكنه ومعيشته .. " [أعلام الأدب والفن: 1/224-225]
وقال عنه محمد تقي الدين الحصني:
" .. كان سلفيَّ العقيدة ، يبح التقشف ويميل بطبعه إلى الانفراد عن الناس ، والبعد عن الأمراء ، وله اختصاص في علم الآثار
والكتب القديمة ، ومعرفة أسماء الرجال ومؤلفاتهم من صدر الإسـلام إلى اليوم" [منتخبات التواريخ لدمشق:2/762-763]
وقال الشيخ محمد بن السعيد العثماني:
" كان –رحمه الله- شيخاً جليلاً مقتفياً لطريقة السلف الصالح مدافعاً عنها ، صابراً على أذى الأعداء فيها ، تاركاً للتعصب ، مع الدين والتقوى والعفة والصلاح .. " [نبذة من ترجمة ابن بدران في آخر المدخل]
وقال العلامة الشيخ محمد بهجة البيطار في كلامه عن شيخيه جمال الدين القاسمي وابن بدران:
"وكانت صلة ابن بدران بالقاسمي حسنة ، وكان للشيخين أمل كبير وسعي عظيم ، وفي تجديد النهضة الدينية العلمية في ديار الشام ، فقد أشبها –رحمهما الله- أئمة السلف تعليماً للخواص ، وإرشاداً للعوام ، وتأليفاً للكتب النافعة ، وزهداً في حطام الدنيا الزائلة" [مقدمة منادمة الأطلال]
وقال محب الدين الخطيب حين ذكر وفاته في مجلة الفتح:
" هو –أي ابن بدران- من أفاضل العلماء .. تلقى العلم عن المشايخ مدة خمس سنوات ، ثم انصرف إلى تعليم نفسه بنفسه ، فكان من أهل الصبر على التوسع في اكتساب المعارف ، من العلوم الشرعية والأدبية والعقلية ، وهو حنبلي المذهب .. " [الفتح،العدد 67]
وقد عُينَّ مُفتياً للحنابلة ، ومُدرساً بالجامع الأموي .. وغير ذلك ..
وقد ابتلي كثيراً ، من الحكام ومشايخ الدولة ، والصوفية ، والجهلة الأغمار ، وكان يشتكي من التعدي والحسد ، وتألبهم عليه ، يقول البارودي: " الشيخ ابن بدران أحد فقهاء قصبة دوماء ، وهو من العلماء المجددين . كان جريئاً لا يهاب أحداً ... " ثم ذكر أن من جرئته أعترض على بعض مخالفات رئيس بلدية دوما صالح طه ، فأصدر صالح طه أمراً من الوالي بإبعاد الشيخ ابن بدران عن دوما ، فانتقل إلى دمشق مدة سنيتن حتى انتهت مدة نفيه ، وقد أفاد أهل دمشق وانتشرت دعوته الإصلاحيـة السلفية ، وخدم تاريخ دمشق بتهذيب تاريخ دمشق ، وألف [الروض الباسم في تراجم المفتين بدمشق الشام]
ولقد ألف ابن بدران المؤلفات الكثيرة ، التي تشهد له بالفضل وسعة الاطلاع ، غير أن بعضها لم يكتمل ، بسبب ما أصيب به من داء الفالج في آخر عمره .. وقد بلغت مصنفاته (46 مصنفاً) . وفيما يلي ذكر أهم تلك المصنفات:
1 – المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل
2 – منادمة الاطلال ومسامرة الخيال
3 – الروض الباسم في تراجم المفتين بدمشق الشام
4 – العقود الدرية في الأجوبة القازانية
5 – العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية
6 – حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع "الجزء الأول"
7 – تعليق على لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لابن قدامة
8 – تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر "يقع في ثلاثة عشر مجلداً"
9 – تاريخ دوما منذ فجر الدولة العباسية حتى القرن الرابع عشر الهجري
10 – الآثار الدمشقية والمعاهد العلمية
11 – شرح روضة الناظر لابن قدامة
12 – ديوان تسلية اللبيب عن ذكر حبيب
وقد تتلمذ على يديه خلقٌ كثير ، من أبرزهم:
1 – المؤرخ خير الدين الزركلي ، صاحب كتاب الأعلام.
2 – العلامة محمد صالح العقاد الشافعي ، الذي كان يقال عنه: "الشافعي الصغير"
3 – العلامة المؤرخ محمد أحمد دهمان ، وهو من أخص طلابه ، وقد أسس في حياة شيخه المطبعة والمكتبة السلفية بدمشق ، حيث طبع مؤلفات شيخه ابن بدران.
4 – الأديب الشاعر محمد سليم الجندي ، من أعضاء المجمع العلمي في دمشق ، قال علي الطنطاوي عنه: " ما أعرف تحت أديم السماء أعلم منه بالعربية وعلومها" [دمشق للطنطاوي 114]
5 – الشاعر الأديب محمد بن محمود البزم ، ترجم له الزركلي في الأعلام.
6 – فخري بن محمود البارودي ، من رجال السياسة والأدب.
وعلمـــاء آخرون ، إذ أنجب تلامذة أصبحوا أعلاماً خالدين ، كما يقول أدهم الجندي في كتابه "أعلام الأدب والفن" 1/225
وقد أصيب آخر حياته بمرض الفالج ، فنقل للمستشفى وظل فيه ستة أشهر ، ثم خرج ، وتوفي – رحمه الله- في ربيع الثاني 1346. ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.
* غالب هذه الترجمة استفادتها من كتاب [عُلماء الشام في القرن العشرين]
علم ودعوة وجهاد
08 Dec 2004, 08:57 AM
المصلح الكبير محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية
هو محمد رشيد بن علي رضا بن شمس الدين بن بهاء الدين القلموني الحسيني .. يرجع نسبه لآل البيت .. ولد في 27/5/1282هـ في قرية قلمون جنوب طرابلس الشام .. بدأ طلب العلم بحفظ القرآن والخط والحساب .. ثم درس في مدرسة "الرشدية" وكان التعليم بها بالتركية ، ولكن ما لبث أن تركها بعد سنة ليلتحق بالمدرسة الوطنية الإسلامية التي أسسها ويدرس بها شيخه حسين الجسر ، ودرس بها سبعة سنوات أثرت وغيرت في مجرى حياته .. وبدأت مرحلة تصوفه ..
بداية شاذليــة:
لقد بدأ تصوف رشيد حين كان يقرأه شيخه حسين الجسر بعض كتب الصوفيـة ومنها بعض الفصول من الفتوحات المكية ، وفصول من الفارياق ...
وقد كان يقرأ ورد السحر ؛ وعندما يبلغ البيت التالي:
ودموع العين تسابقني *** من خوفك تجري
كان يمتنع عن قراءته،لأن دموعه لم تكن تجري،فكان امتناعه عن قراءة البيت حياءً من الله أن يكذب عليه .. وبعد أن تضلع بالعلم وأصول الدين أدرك أن قراءة هذا الورد من البدع .. فتركه وانصرف إلى تلاوة القرآن.
ودرس على شيخه أبي المحاسن القاوقجي ونال الإجازة في كتاب دلائل الخيرات .. ثم بان له أن هذا الكتاب أغلبه أكاذيب على النبي صلى الله عليه وسلم فتركه .. وأقبل على قراءة أذكار وأوراد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة.
سلوكه الطريقة النقشبنديــة:
يذكر رشيد في هذا المجال أن الذي حبب إليه التصوف هو كتاب "إحياء علوم الدين للغزالي" ..
ثم طلب من شيخه الشاذلي محمد القاوقجي أن يسلكه الطريقة الشاذلية الصورية فأعتذر الشيخ وقال: يا بني إنني لست أهلاً لما تطلبه فهذا بساط قد طوي وانقرض أهله
ثم يذكر رشيد أن صديقه محمد الحسيني قد ظفر بصوفي خفي من النقشبندية يرى أنه وصل إلى مرتبة المرشد الكامل .. فسلك رشيد طريقة النقشبندية على يديه وقطع أشواطاً كبيرة فيها ، ثم يقول: "ورأيت في أثناء ذلك كثيراً من الأمور الروحيـة الخارقة للعادة كنت أتأول الكثير منها عجزت عن تأويل بعضها" ثم يقول: "ولكن هذه الثمرات الذوقية غير الطبيعية لا تدل على أن جميع وسائلها مشروعة أو تبيح ما كان منها بدعة كما حققت ذلك بعد"
ويصف رشيد الورد اليومي في طريقة النقشبندية بأنه ذكر اسم الجلالة (الله) بالقلب دون اللسان خمسة آلاف مرة مع تغميض العينين وحبس النفس بقدر الطاقة وربط القلب بقلب الشيخ. ثم يذكر أن هذا الورد بدعة كما تبين له بعد ذلك ؛ بل يصل إلى الشرك الخفي حين يربط الشخص قلبه بقلب شيخه فإنه مقتضى التوحيد أن يتوجه العبد في كل عبادته إلى الله وحده حنيفاً مسلماً له الدين.
وذكر أمور كثيرة ..
يقول عن هذه التجربة الصوفيــة:
"وجملة القول أنني كنت أعتقد أن سلوك طريقة المعرفة وتهذيب النفس والوقوف على أسرارها جائز شرعاً لا حظر فيه ، وأنه نافع يرجى به معرفة الله ما لا يوصل إليه بدونه"
هدايتـــه من الصوفية إلى السلفيــة:
يعبر عن هذه التجربــة الصوفيــة بعد سنوات طويلة جداً في التصوف:
" إنني قد سلكت الطريقة النقشبنديــة ، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها ، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر باطنه من الدرر ، وما تقذف أمواجه من الجيف ، ثم انتهيت إلى مذهــــب السلــــف الصالحين ، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين"
وقد تأثر بمجلة العروى الوثقى ومقالات العلماء والأدباء .. فتأثر بالأفغاني ومحمد عبده .. وتأثر بشدة وأصبح شيخه الذي حرك عقله وفكره لنبذ البدع والجمع بين العلوم الدينية والعصرية والسعي لتمكين الأمة .. ثم تأثر بشدة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب –رحمهم الله تعالى- .. لقد أحدثت له حركة ونشاط بدل الخمول وغيبة الوعي والانغماس في البدع والضلال كما في الصوفية ..
إنكاره على أهل الطرق الصوفية:
أول حادثة قام بها علناً منكراً سلوك الطرق الصوفيـة .. ذات يوم وبعد صلاة الجمعة أقام أهل إحدى الطرق الصوفية ما يسميه رشيد "مقابلة المولوية" ويقول رشيد في ذلك: "حتى إذا ما آن وقت المقابلة تراءى أما دراويش المولوية قد اجتمعوا في مجلسهم تجاه ايوان بالنظارة ، وفي صدره شيخهم الرسمي ، وإذا بغلمان منهم مرد حسان الوجوه يلبسون غلائل بيض ناصعة كجلابيب العرائس ، يرقصون بها على نغمات الناي المشجية ، يدورون دوراناً فنياً سريعاً تنفرج به غلائلهم فتكوّن دوائر متقاربة ، على أبعاد متناسبة لا يبغي بعضها على بعض ، ويمدون سواعدهم ، ويميلون أعناقهم ، ويمرون واحداً بعد آخر أمام شيخهم فيركعون"
أزعج هذا المنظر رشيد رضا وآلمه أن تصل حالة المسلمين إلى هذا المستوى من البدع والخرافات والتلاعب في عقائد الناس وعقولهم. وكان الذي آلمه كثيراً هو أن هؤلاء بالأعيبهم البدعية قد اعتبروا أنفسهم في عبادة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى ؛ بل يعتبرون سماع ومشاهدة ذلك عبادة مشروعة ولهذا لم يترك رشيد هذه الحادثة تمر دون أن يقوم بواجبه الإصلاحي الذي استقاه من قراءته دراسة بمدرسته السلفية التي يدرسها من خلال مجلاتها وكتبها .. فقام حيث قال: "قلتُ: ما هذا؟! قيل: هذا ذكر طريقة مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الشريف ، لم أملك نفسي أن وقفت في بهوة النظارة وصحت بأعلى صوتي بما معناه أيها الناس والمسلمون إن هذا منكر لا يجوز النظر إليه ولا السكوت عليه لأنه إقرار له وإن يصدق عليه مقترفيه قوله تعالى: {اتخذوا دينهم هزواً ولعباً} وأنني قد أديت الواجب عليّ فاخرجوا رحمك الله" ثم خرج رشيد مسرعاً إلى المدينـة .. وكانت لصيحته السلفية هذه أن أتبعه عدد قليل إلا أن صيحته لاقت صدى في مجتمعات الناي بين مؤيد ومعارض ..
ورغم كثرة من عارضه وأنكر عليه من مشايخ الصوفية فقد صمم أن يسير في طريقه نحو إصلاح مجتمعه من هذه الضلالات والبدع. ومن الغريب في الأمر أن ممن أنكر عليه شيخه الشاذلي حسين الجسر فقد كان رأيه ألا يتعرض لأصحاب الطرق الصوفية وبدعهم لا من قريب ولا من بعيد وقال لرشيد: إن أنصحك لك أن تكف عن أهل الطريق. فرد عليه رشيد منكراً: "هل لأهل الطريقة أحكام شرعية غير الأحكام العامة لجميع المسلمين؟
فقال: لا ؛ ولكن لهؤلاء نية غير نية سائر الناس ووجهة غير وجهتهم وسأل الجسر رشيد: لماذا يقصر إنكارك على أهل الطريق دون أهل اللهو والفســاد. فرد عليه رشيد قائلاً: إن أهل الطريق ذنبهم أكبر من أهل اللهو لأنهم جعلوا سماع المنكر ورقص الحسـان عبادة مشروعة فشرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله على أني لم أر منكراً آخر ولم أنكره.
ومع قوة حجة رشيد على أستاذه إلا أن شيخه تمسك برأيه لأن له حضرة ووجاهة!!
وبقي الخلاف بينهما ، واشتد بعد هجرة رشيد لمصر وإنكاره الشديد على أهل الطرق الصوفية في مجلة المنار ، بعد أن رأى طرق الصوفية بمصر والبدع الكبيرة هناك وما يحصل في الموالد ، وقد رد الجسر على رشيد ، ورد رشيد على الجسر في مجلته.
وقد قام على القبوريين من الصوفية وغيرهم بعد استفادته من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إضافة إلى كتاب ابن حجر(الزواجر عن اقتراف الكبائر) .. وقد اطلع على كتاب للألوسي (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) فكان من أسباب تبصره بخلل الصوفية ، ونقاء دعوة شيخ الإسلام .. وأن كلام الهيثمي وغيره لم يأتي إلا من هوى وهوس الصوفية!!
فرحم الله الشيخ المصلح الكبير محمد رشيد رضا على ما قدم وبذل في نصح وفضح الصوفية .. وتقبل الله توبته وأوبته من الطرق المضلة .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أبو فراس
09 Dec 2004, 04:16 AM
أخي الكريم بارك الله فيك
نفع الله بك
وأثابك الله
ولاحرمت الأجر
أخوك المحب
علم ودعوة وجهاد
09 Dec 2004, 08:48 AM
أبو بكر خوقير
ذهب أبو بكربن محمد عارف خوقير- إلى الحرم المكي بعد أن تفقه على مذهب أبي حنيفة ، فكان أن لزم حلقة أحد القبوريين ولقبه بعض العلماء بشيخِ الكذابين أحمد زيني دحلان –عامله الله بما يستحق- ، وكان الحرم بإشراف بعض الأشراف الذين عادوا التوحيد وأهله فرفعوا من شأن القبوريين ، وعكف هذا الشاب عند دحلان سنوات عديدة حتى هلكَ دحلان ، وكان الشاب قد قارب الثانية والعشرين من عمره ..
أكمل مسيرته العلمية ، وسار يشق طريقه ، وأوصاه شيخه عبدالرحمن بن سراج الحنفي مفتي مكة المشرفة مع بعض زملائه النجباء بأن يتفقهوا بالمذهب الحنبلي ليكون من علماء الحجاز من يتولى منصب الفتوى في هذا المذهب ، لأن علماء الحنابلة النجديين لم يكن الأشراف يحبون أن يشغلون هذا المنصب ، لما حصل بينهم وبين أهل نجد من جفوة.
سار الشيخ وتضلع بالعلم حتى اشتد عضده ، وكان له يوم مشهود ، التقى بالعلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى الحنبلي النجدي –رحمه الله تعالى- شارح النونية ، أحد الجبال في العلم ، فلازمه طلبة العلم في الحجاز ، وكان منهم هذا الشاب فقرأ عليه في علم التوحيــد والفقه الحنبلي ، وكان لدرس التوحيــد تأثير عجيب ، حيث تناقشا بالحجة والبرهان ، وطال النقاش مدة من الزمن ، حتى شرح الله صدر هذا الشاب لمعتقد التوحيد ، فتبرأ من القبورية والوثنية وأعلن توبته وسلوكه معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح ، وكان الفضل للشيخ ابن عيسى والذي قد هدى الله على يديه في الديار الحجازية من كبار طلبة العلم من القبورية والأشاعرة كالشيخ عبدالقادر التلمساني المغربي الأشعري ثم السلفي صديق هذا الشاب ، والعلامة محمد نصيف فرحمه الله على ما بذل وقدم .
بعد هذا قام أبو بكر ودرس كتب السلف في العقائد ، فأصبح داعية للتوحيـد الخالص ، فبدأ يحارب الشرك والبدع والخرافات ، ويناظر ويجادل ويؤلف الرسائل المفيدة في ذلك ، لا سيما في توسل العوام بالقبور وطلب الحاجة من الأموات ، ومن يشدون الرحال للأولياء ، ويقدمون لهم النذور والقرابين ، ويتمسحون بالقبور رجاء البركة ، ويتذللون لأصحابها راجين منهم الخير لهم ، ودفع الضر عنهم ، والله يقول: {ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً}
ثم كانت سًنَّةُ الله ، فقد رفع أمر خوقير إلى الشريف حسين بن علي ، فآذوه ومنعوه من الدَّعوة ، ومن التدريس بالبيت الحرام ، ثم زج به في السجن ، في غرفة وحده ، بالدور الأسفل لقصر الحكم (القبو) .
ويقول أحد شهود العيان وهو الأستاذ عمر عبدالجبار: "لقد شاهدت الشيخ أبا بكر خوقير أثناء دخولي السجن في غرفته بملابس رثة ، وهو أشعث ، طال شعره ولحيته ، إذ لا يُسمح لسجين باستعمال مقص أو موسي ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، وقال: (إن الله مع الصابرين ، ولي أسوة بإمامنا أحمد بن حنبل)
ولبث في السجن ثمانية عشر شهراً ، ثم سجن ثانية بتهمة ملفقة نحو سبعين شهراً ، يعني زهاء سبع سنوات.
يقول الشيخ الأمير عبدالله بن فيصل الفرحان ، وكان من جملة المرابطين بالرغامة والمحاصرين لجدة مع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ، فيقول:
إن جيش الملك عبدالعزيز بقيادة خالد لؤي قد دخل مكة المشرفة –زادها الله تكريماً- وانطلق الجيش والإخوان –رحمة الله عليهم- يهدمون الأضرحة والقباب ، ويُأَمِّنون ساكني البلد الحرام ، ويطوفون بالبيت العتيق ، ثم عمدوا إلى السِّجن ، وأخرجوا الشيخ خوقير ومن معه.
وفي فجر ذلك اليوم بينما الشيخ خوقير يؤم تلاميذه ومن معه في السجن إذ رأوا على وجهه البشر والسرور فألحوا عليه جداً عن سر ذلك ، فأنبأهم أنه بينما هو نائم إذ رأى جماعة قد اقتحموا السجن ، وفكُّوا الحديد الذي في أرجلهم ، وأطلقوا سراحهم ، فسأل عن أولئك القوم ، فقيل: هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان الشيخ ومن معه في السجن لا يعلمون ما يدور في الخارج من أحداث جسام ، وإذا برؤيا الشيخ تقع مثل فلق الصبح ، إذ دخل الإخوان السجن –وكان فيهم من يعرفه- وأذن مؤذن منهم: يا خوقير ، يا خوقير ، فأخرجوا الشيخ ومن معه"
وكان الشيخ قد عُين مفتياً للحنابلة سنة 1327هـ ، واشتغل بعد فك أسره بالاتجار بال
كتب ، فكانت له مكتبة في باب السلام ، وعُين مدرساً بالحرم المكي الشريف ، واشتغل بكتابة المؤلفات المفيدة ، إلى أن توفي –رحمة الله عليه- بمكة سنة 1349هـ ، واجتمع الناس لشهود جنازته ، وأتبعوه ثناءً صالحاً وأسفاً طويلاً.
ومن ثناء العلماء عليه ما وصفه المصلح الكبير الشيخ محمد رشيد رضا –رحمه الله تعالى- بعد أن ألتقى به عدة مرات بـقوله: "صديقنا العالم العامل المصلح الشيخ أبو بكر خوقير" وقال عنه: "أكبر علماء السلفيين وفقهاء الحنابلة في الحجاز"
ووصفه العلامة المؤرخ عبدالستـار الدهلوي –رحمه الله تعالى- بقوله: "الإمام المحدث السلفي الأثري الشهير ... صديقنا الفاضل السلفي ، ورفيقنا الكامل الأشري"
ووصفه العلامة محمد منير آغا الدمشقي –رحمه الله تعالى- بقوله: "الشيخ الوقور والمجاهد الغيور" وقال: "فدرس المرحوم المترجم له المذهب الحنبلي وتمكن فيه وبرع"
وأثنى عليه العلامة صالح القاضي –رحمه الله تعالى- بقوله: " وكان آية في علم الحديث ، تلقى علومه في الهند ، وفي السمجد الحرام ، ودرس فيه زمناً ، وكان من أخص زملائنا في مكة ، وله شهرة وصيت ذاع رحمه الله"
ووصفه العلامة عبدالمعطي السقا الشافعي الأزهري –رحمه الله تعالى- بقوله: "الفاضل العلامة ، والحبر البحر الفهامة ، الأستاذ الشيخ أبو بكر خوقير المدري بالحرم الشريف المكي"
وقد أثنى عليه جمع من علماء الأزهر عندما قرظوا كتابه [ما لابد منه في أمور الدين] من أبرزهم محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي نظارة الحقانية المصرية.
رحلاته:
كان للشيخ أبي بكر خوقير عدة رحلات إلى الهند لجلب الكتب السلفية ونشرها بمكة المكرمة ، وكان يستغل الفرصة ليتلقى عن كبار علمائها ، وكان له رحلات إلى مصر ، طبع خلالها بعض مؤلفاته، وكانت لهُ لقيا بعلماء الأزهر وقد احتفوا به جداً ، وأثنوا على كتبه غاية الثناء.
مؤلفاته:
1 – ما لا بد منه في أمور الدين
وقد قرظه عدد كبير من علماء الأزهر وعلى رأسهم مفتي نظارة الحقانية المصرية.
2 – فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال
وهو كتاب قيم رد فيه على أحد الضالين ، وأبان طريق الحق بدليله.
3 – تحرير الكلام في الجواب عن سؤال الهندي في صفة الكلام
4 – التحقيق في الطريق في نقد طرق المتصوفة.
5 – مختصر في فقه الإمام أحمد
6 – مسامرة الضيف في رحلة الشتاء والصيف
7 – السجن والمسجونين
8 – ما لا يسع المكلف جهله
9 – ما لا غنى عنه شرح ما لابد منه
10 – حسن الاتصال بفصل المقال في الرد على بابصيل وكمال
11 – ثبت الأثبات الشهيرة
رحم الله هذا الجبل الأشم ، والبحر المتلاطم ، فقد فقدت الأمة بوفاته أحد عظمائها ، ومن الواجب التعريف به وتحقيق ونشر كتبه ، فقد جاهد ونافح وأوذي وصبر ، رحمك الله يا أبا بكر ورفع منزلتك في عليين
المراجع
مقدمة كتابي :
ما لا بد منه في أمور الدين بقلم العنبري
فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال بقلم الشهال
علم ودعوة وجهاد
09 Dec 2004, 08:51 AM
الأستاذ : عبد المنعم الجداوي
لقد كنت من كبار معظّمي القبور ، فلا أكاد أزور مدينة بها أي قبر أو ضريح لشيخ عظيم إلا وأهرع فوراً للطواف به ... سواء كنت أعرف كراماته أو لا أعرفها .. أحياناً أخترع لهم كرامات ... أو أتصورها .. أو أتخيلها.. فإذا نجح ابني هذا العام .. كان ذلك للمبلغ الكبير الذي دفعته في صندوق النذور ..وإذا شُفيت زوجتي ، كان ذلك للسمنة التي كان عليها الخروف الـذي ذبحته للشيخ العظيم فلان ولي الله !..
وحينما التقيت بالدكتور جميل غازي ، وكان اللقاء لعمل مجلة إسلامية تقوم بالإعلان والنشر عن جمعية العزيز بالله القاهرية ، والتي تضم مساجد أخرى ، ورسالتها الأولى ((التوحيد))، وتصحيح العقيدة ، وبحكم اللقاءات المتكررة .. كان لابد من صـلاة الجمعة في مسجـد العزيز بالله .. وهاجم (( الدكتور جميل )) في بساطة ، وبعقلانية شديدة هذا المنحنى المخيف في العقيدة ، وسماه : شركاً بالله ؛ وذلك لأن العبد في غفلة من عقله يطلب المدد والعون من مخلوق ميت!!..
أفزعني الهجوم ، وأفزعتني الحقيقة .. وما أفزع الحقيقة للغافلين ... ولو أن (( الدكتـور جميل )) اكتفى بذلك لهان الأمر .. لكنه في كل مرة يخطب لا بدّ أن يمس الموضوع بإصرار .. فالضّريح لا يضم سوى عبد ميت فقط .. بل قد يكون أحياناً خالياً حتى من العظام التي لا تنفع ولا تضرّ ..!
• في أول الأمر اهتززت .. فقدت توازني .. كنت أعود إلى بيتي بعد صلاة كل جمعة حزيناً .. شيء ما يجثم فوق صدري .. يقيد أحاسيسي ومشاعري .. أحاول في مشقة أن أخرج عن هذا الخاطر ... هل كنت في ضلالة طوال هذه الأعوام ؟ ..أم أن صديقي (( الدكتور )) قد بالغ في الأمر .. فأنا أعتقد أن كل من نطق بالشهادة لا يمكن أن يكون كافراً لهفـوة من الهفوات أو زلةٍ من الزلات .. !
شيء آخر أشعل في فؤادي لهباً يأكل طمأنينتي في بطء ... إن الدكتور يضعني في مواجهة صريحة ضـد أصحاب الأضرحة الأولياء ، والخطباء على المنابر صباح مساء .. يعلنونها صريحة : إن الذي يؤذي ولياً .. فهو في حرب مع الله سبحانه وتعالى ، وهناك حديث صحيح في هذا المعنى .. وأنا لا أريد أن أدخـل في حرب ضد أصحاب القبور والأضرحة ؛ لأنني أعوذ بالله من أن أدخل في حرب معه - جل جلاله- ...!
وقلت : إن أسلم وسيلة للدفاع هي الهجوم .. واستعدت قراءة بعض الصفحات من كتاب ((الغـزالي)) (( إحياء علوم الدين )) ، وصفحات أخرى من كتاب (( لطائف المنن ))(لابن عطاء الاسكندري )،وحفظت عن ظهر قلب الكرامات ، وأسماء أصحابها ، ومناسبات وقوعها ، وذهبت الجمعة الثانية ، وكظمت غيطي وأنا أستمع إلى الدكتور ، فلما انتهى من الدرس وأصرَّ على أن يدعوني لتناول طعام الغداء، وبعدالغداء .. تسلمته هجوماً بلا هوادة ، معتمداً على عاملين :
الأول : هو أنني حفظت كمية لا بأس بها من الكرامات .
والثاني : أنني على ثقة من أنه لن يتهور فيداعبني بكفيه الغليظتين ؛ لأنني في بيته ! وتناولت طعامه فأمنت غضبه ، وقلت له : والآتي هو المعنى ، وليس نص الحوار : (( إن الأولياء لا يدرك درجاتهم إلا من كان على درجتهم من الصفاء ، والشفافية ، وأنهم رجال أخلصوا لله .. فجعل لهم دون الناس ما خصهم به من آيات وأن .... وأن ... وأن .. وانتظر الدكتور حتى انتهيت من هجومي .. وأحسست أنه لن يجد ما يقوله .. وإذا به يقول :
• هل تعتقد أن أي شيخ منهم كان أكرم على الله من رسوله ..؟
• قلت مذهولاً : لا ..
-إذاً كيف يمشي بعضهم على الماء ... أو يطير في الهواء .. أو يقطف ثمـار الجنـة وهو على الأرض .. ورسول الله لم يفعل ذلك .. ؟
كان يمكن أن يكون ذلك كافياً لإقناعي أو لتراجعي .. لكنه التعصب - قاتله الله - !! كَبُرَ عليّ أن أسلّم بهذه البساطة ، كيف ألقي ثقافة إسلامية عمرها في حياتي أكثر من ثلاثين عاماً .. قد تكون مغلوطة .. غير أني فهمتها على أنها الحقيقة ، ولا حقيقة سواها !!
• وعدت أقرأ من جديد في الكتب التي تملأ مكتبتي .. وأعود إلى (( الدكتور )) ، ويستمر الحوار بيننا إلى ساعة متأخرة من الليل - فقد كنتُ من كبـار عشاق الصوفية .. لمـاذا ؟ لأني أحب أشعارهم وأحبّ موسيقاهم ، وألحـانهم التي هي مزيج من التراث الشعبي ، وخليط من ألحان قديمـة متنوعة ... شرقية ، وفارسية ، ومملوكية ، وطبلة إفريقية أحياناً تدقّ وحدها .. أو ناي مصري حزين ينفرد بالأنين ، مع بعض أشعارهم التي تتحدث عن لقاء الحبيب بمحبوبه وقت السَّحر ..!
لهذا وللأسباب الأخرى .. أحببت الصوفية .. وكنت أعشقها ، وأحفظ عن ظهر قلب الكثير من شعر أقطابها ..لاسيما (( ابن الفارض ))، وكل حجـتي التي أبسطها في معارضة (( الدكتور )) ، أنه وأمثاله من الذين يدعون إلى (( التوحيد )) لا يريدون للدين روحاً ، وإنما يجردونه من الخيال ، وأنهم لا بد أن يصلوا إلى ما وصل إليه أصحاب الكرامات ؛ لكي يدركوا ما هي الكرامات .. ! فلن يعرف الموج إلا من شاهد البحر ، ولا يعرف العشق إلا من كابد الحب - وهذا أسلوب صوفي - أيضاً - في الاستـدلال ، ولهم بيت شهير في هذا المعنى!.
وحتى لا يضطرب وجداني ، وتتمزق مشاعري ... حاولت أن أنقطع عن لقاء (( الدكتور )) .. ولكنه لم يتركني .. فوجئت به يدق جرس الباب ، ولم أصدق عيني .. كان هو .. قـد جاء يسأل عني .. وتكلمنـا كالعادة كثيراً وطويلاً .. فلمـا سألني عن سبب عدم حضوري لصـلاة الجمعة معه ...
قلت له بصراحة :
- لقد يئست منك !..
قال : ولكني لم أيأس منك .. أنت فيك خير كثير للعقيدة .
قلتُ : إنه يستدرجني على طريقته ، ولمحت معه كتاباً من وضعه عن سيرة الإمام (( محمد بن عبد الوهاب ))
فقلت له : أعطني هذه النسخة .. هل يمكن ذلك ... ؟
قال : هذه النسخة بالذات ليست لك ، وسوف أعدك بواحدة .
وهذه هي طريقته للإثارة دائماً .. لا يعطيني ما أطلب من أول مرة .. فخطفتُ النسخة ، ورفضت إعادتها له !..
• وبعد منتصف الليل بدأت القراءة .. وشدني الكتاب موضوعاً وأسلوباً .. فلم أنم حتى الصباح !..
كان الكتاب - على حجمه المتواضع - كالإعصار ، كالزلزال .. أخذني من نفسي ليضعني على حافة آفاق جديدة .. حكاية الشيخ (( محمد بن عبد الوهاب )) نفسه .. ثم قصة دعوته ، وما كابده من معاناة طويلة .. حينما كانت في صدره حنيناً ، وكلما
قرأت صفحة وجدت قلبي مع السطور . فإذا أغلقت الكتاب لأمر من الأمور يتطلب التفكير أو البحث في كتب أخرى .. استشعـرت الذنب؛ لأنني تركـت الشيـخ في (( البصرة )) ولم أصبر حتى يعود .. أو تركته في بغداد يستعد للسفر إلى ( كردستان ) .. ولا بد أن أصـبر معه حتى يعود من غربته إلى بلده !..
يقول الدكتور في كتابه (( مجدد القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب )) .
وبعد هذا التطواف والتجوال هل وجد ضالته المنشودة ..؟ لا ، فإن العـالم الإسلامي كله كان يعـاني نوبات قاسية من الجهل والانحطاط والتأخر .. عاد الرجل إلى بلده يحمل بين جوانحه ألماً ممضّاً ، لما أصـاب المسلمين من انتكاس وتقهقر في كل مناحي حياتهم .
عاد إلى بلده وفي ذهنه فكرة تساوره بالليل والنهار .
لماذا لا يدعو الناس إلى الله ؟
لماذا لا يذكرهم بهدي رسول الله .. ؟
لماذا ... لماذا ...
إذًا ، فهذه العقيدة التي يريدها (( الدكتور)) لم تأت من فراغ ... فمنذ القرن الثاني عشر الهجري ... والإمام محمد بن عبد الوهاب ... يُفكّر ، ويقدّم ؛ لكي يهدم صروح الأضرحة ، ويحطّم شبح الخرافات ، ويُطارد المشعوذين الذين لطخوا وجه الشريعة السمحاء...بخزعبلاتهم التي اكتسبت مع الأيام قداسـة ، تخلع قلوب المؤمنين ... إذا فكروا في إزالتها وفي ذلك يقول الكاتب : (( ماذا كان وقْع هذه الأعمـال على نفوس القوم ..)) .
ويجيب المؤرخون على ما يرويه الأستاذ أحمد حسين في كتابه (( مشاهداتي في جـزيرة العرب )) (( إن القوم لم يقبلوا مشاركة الرجل فيما قام به من قطع الأشجار ، وهدم القباب ، بل تركوا له وحده أن يقوم بهذا العمل ، حتى إذا ما كان هناك شر أصابه وحده ..!)) .
هل يكون ما يزلـزل كياني الآن هو الخوف الذي ورثتـه .. ؟ وهو نفس الذي جعل الناس في بلدة ( العُيَيْنة ) : موطن الشيخ ، يتركونه يزيل الأشجار ، وقبة قـبر ( زيد بن الخطاب ) بنفسه .. خوفاً من أن تصيبهم اللعنات المختلفة من كرامات هذه الأماكن وأصحابها .
ومضيت أقرأ ومع كل صفحة أشعر أنني أخلع من جدار الوهم في أعمـاقي حجراً ضخماً .. وحينما بلغت منتصف الكتاب كانت فجوةً كبيرةً داخلي قد انفتحت ، وتسلل منها ومعها نور اليقين .. ولكن في زحمة الظلمة التي كانت تعشعش في داخلي .. كان الشعاع يُومض لحظة ويختفي لحظات ..!
• لقد استطاع (( الدكتور )) أن ينتصر ... تركني أحارب نفسي بنفسي ، بل جعلـني أتابع مسـيرة التوحيد مع شيخها محمد بن عبد الوهاب ، وأشفق عليه من المؤامرات التي تحاك ضده ، وحوله، وكيف أنه حينما أقام الحد على المرأة التي زنت في ( العيينه )..غضب حاكم (( الإحساء )) ( سليمان بن محمد بن عبد العزيز الحميدي ) ، واستشعر الخطر من الدعوة الجديدة وصاحبها ... فكتب إلى حاكم العيينه (( ابن معمر )) يأمره بكتم أنفاسها ، وقتل المنادي بها ، والعودة فوراً إلى حظيرة الخرافات والخزعبلات .
ولما كان (( ابن معمر )) قد ارتبط مع الشيخ في مصاهرة ... فقد زوجه ابنته ... فإنه تردد في قتله ، ولكنه دعاه إلى اجتماع مغلق ، وقرأ عليه رسالة حاكم (( الإحساء )) ثم رسم اليأس كله على ملامحـه ، وقال له : إنه لا يستطيع أن يعصي أمراً لحاكم (( الإحساء )) ، لأنه لا قِبَل له به .... ولعلها لحظة يأس كشفت للشيخ عن عدم إيمان (( ابن معمر )) ... ولم تزد الشيخ إلا إصرارًا على عقيدته ، وقوة توحيده .. فالحكام الطغاة لا يحاربون دائماً إلا داعيـة الحق .. وقبل الشيخ في غير عتاب أن يغادر ( العيـينة )..مهاجراً في سبيل الله بتوحيده .. باحثاً عن أرض جديدة يزرعه فيها !..
علم ودعوة وجهاد
09 Dec 2004, 08:55 AM
بقية القصة للمجداوي
في الصباح استيقظتُ على ضجة في البيت غير عـادية .. واعتـدلت في فراشي ، ووصَلَتْ إلى أذني أصوات ليست آدمية خالصة ، ولا حيوانية خالصة .. ثغـاء ، وصيـاح ، وكلام ..غير مفهوم العبارات .. وقلت : لا بد أنني أعاني من بقية حلم ثقيل .. فتأكدت من يقظتي ، ولكن (( الثغاء )) هذه المرة اخترق طبلة أذني .. ودخلت عليّ زوجتي تحمل إليَّ أنباء سارةً جدًا ... وهي تتلخص في أن ابنة خالتي ـ التي تعيش في أقصى الصعيد ، ومعها زوجها ، وابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات ـ قد وصلوا في قطار الصعيد فجراً، ومعهم (( الخروف )) ...!
وظننت أن زوجتي تداعبني .. أو أن ابنة خالتي - وكنت أعرف أن أولادها يموتون في السنوات الأولى -، قد أطلقت على طفل لها اسم ( خروف ) لكي يعيش مثلاً . وهي عادات معروفة في الصعيد . وقبل أن أتبين المسألة .. أحسست بمظاهرة من أولادي تقترب من باب حجـرة نومي .. وفجأة وبدون استئـذان اقتحم الباب (( خروف )) له فروة ، وقرون ، وأربعة أقدام ... واندفع في جنـون من مطاردة الأولاد له .. فحطّم ما اعترض طريقه .. ثم اتجه إلى المرآة ، وفي قفزة (( عنترية )) اعتدى على المرآة بنطحة قوية ، تداعت بعدها ، واحدثت أصواتاً عجيبة ، وهي تتحطم !..
تَمَّ كل ذلك في لحظـة سريعـة .. وقبل أن استرد أنفاسي ، وخيل إليّ أن بيتنـا انفتح على حديقة الحيوانات .. رغم أنني أسكن في العباسيـة ، والحديقـة في الجيزة .. ولكن وجدت نفسي أقفز من على السرير ، وخشيت زوجتي ثورة (( الخروف )) ، وتضاءلت فانزوت في ركن .. ترمقني بعينيها ، وتشجعني لكي أتصدى لهذا الحيوان المجنون .. الذي اقتحم علينا خلوتنا .. ولكن الصوت والزجاج المتناثر زاد من صياج الحيوان .. ولمحت في عينيه ، وفي قرنيه الموت الزؤام .. واستعدت في ذهني كل حركات مصارعي الثيران ، وأمسكت بملاءة السرير ، وقبل أن أجرب رشاقتي في الصراع مع (( الخروف )) دخلت ابنة خالتي وهي في حالة انزعاج كامل .. فقد خيل لها أنني سوف أقتله ... وصاحـت - وهي على يقـين من أنني سأصرع :
- حاسب ، هذا خروف (( السيد البدوي)) .
ونادته فتقدّم إليها في دلال ، وكأنه الطفـل المدلّل .. فأمسكت به تُربتُ على رأسه ، وروت لي أنها قدمتْ من الصعيد ، ومعها هذا الخروف البكر الرشيق الذي انفقت في تربيته ثلاثة أعوام هي عمر ابنها؛ لأنها نذرت للسيد البدوي إذا عاش ابنها .. أن تذبح على أعتابه (( خروفاً )) ، وبعد غد يبدأ العام الثالث موعد النذر !..
• كانت تقول كل هذه العبارات وهي سعيدة .. وخرجت إلى الصالة لأجد زوجها ، وهو في ابتهـاج عظيم .. يطلب مني أن أرافقهم إلى (( طنطا )) .. لكي أرى هذا المهرجان العظيم ؛ لأنهم نظراً لبعد المسافة اكتفوا بالخروف .. فأما الذي على مقربة من (( السيد البدوي )) فإنهم يبعثون بِجِمال .. وأصبح عليّ أن أجامل ابنة خالتي لكي يعيش ابنها ، وإلا اعتُبرت قاطعاً للرحم ... لا يهمني أن يعيش ابن خالتي أو يموت، ولا بد أن أذهب معهم إلى مهرجان الشرك ، وفي نفس الوقت كنت أسأل نفسي .. كيف أقنعها بأنهـا في طريقها إلى الكفر .. ؟ وماذا سيحدث حينما أحطم لها الحلم الجميل الذي تعيش فيه منذ ثلاث سنوات ... ؟
وقلت : أبدأ بزوجها أولاً ؛ لأن الرجال قوامون على النساء .. وأخذت الـزوج إلى زاوية في البـيت ، وتعمدت أن يرى في يدي كتاب : (( الإمام محمد بن عبد الوهاب )) .. ومدّ يده فجعل الغـلاف في ناحيته ، وما كاد يقرأ العنوان حتى قفز كأنه أمسك بجمرة نار!..
قرأ زوج ابنة خالتي عنوان الكتاب - الذي يقول : إن في الصفحات قصة (( الشيخ محمـد بن عبد الوهاب )) ودعوته - وهتف صارخاً : ما هذا الذي أقرؤه ...؟ وكيف وصلني هذا الكتاب ..؟ لا بد أن أحدهم دسه عليَّ !!.. فهو يعرف أنني رجل متزن ... أحرص على ديـني ، وعلى زيارة الأضرحة ، وتقديم الشموع ، والنذور ، وأحياناً القرابين المذبوحة والحية ، كما يفعل هو تماماً .. ورأيت في عينيه نظرة رثاء... إلى ما رماني به القدر في تلك النسخة ... وكان عليَّ أن أقف منه موقف الدكتور جميل غازي مني سابقاً .. وشاء الله أن يكون ذلك بمثابة الامتحان لي .. وهل في استطـاعتي أن أطبق ما قـرأت أم لا .. ؟ وهـل استوعبت عن يقين ما قرأت أم لا .. ؟ والأهم من ذلك هو مدى إصراري على عقيدتي وإقناع الآخرين بها - أيضاً - ، فالذي لا يؤثر في المحيط الذي يعيش فيه .. هو صاحب عقيدة سلبـية ... غير إيجابيـة .. فليس من المعقول في شيء .. أن أطوي (( توحيدي )) على نفسي ، وأترك الآخرين يعيشون في ضلالة ؛ لأنهم بعد فترة سوف يغرقونني في خرافاتهم .. وعليه فلا بد أن أجـادلهم بالتي هي أحسن .. لا أتركهم يشعرون أن الأمر هينّ .. لا بد أن أنفرهم من شركهم .. وهم لا بد أن يتراجعوا ؛ لأن (( الخـرافة )) - نظراً لأنها تقوم على ضلالات هشة - لا يكاد الشك يدخلها حتى يهدمها .. والحق في تعقبها إذا كان لحوحاً .. قضى عليها ... أو على أقل تقدير أوقف نموها حتى لا تصيب الآخرين .. ومن أجل ذلك كله قررت أن أتوكل على الله ، وأبدأ الشرح للرجل ... ولم تكن المهمة سهلة .. فلا بد أولاً أن أطمئنه ، وأزيل ما بينه وبين سيرة الشيخ (( محمد بن عبد الوهاب )) .. ثم ما ترسّب في ذهنه من زمن عن ( الوهابية والوهابيين ) .. ففي أول الحديث.. اتهم (( الوهاب )) بعدد من الاتهامات يعلم الله أن دعوة (( التوحيد )) بريئة منها .... براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام !..
ورحت أحاول في حماس شديد .. أشرح له سر حملات الكراهية ، والبغضاء التي يشنها البعض على دعوة (( التوحيد )) .. وكيف أنها أحيت شعائر الشريعة ، وأصول العبادات ، وفي ذلك القضاء على محترفي الدّجل ، وحراس المقابر ، وسدنة الأضرحة ، والذين يُكدّسون الأموال عاماً بعد عام .. من بيع البركات ، وتوزيع الحسنات على طلاب المقاعد في الجنة .. فالمقاعد محدودة والوقت قد أزف ..! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..!
ولمحت على ملامحه بعض سمـات الخير .. نظر في دهشة .. كأنه يفيق من غيبوبة ... ورغم ذلك فقد راح يتشنج ، ويدافع عن أهل الله الذين ينامون في قبورهم لكن يتحكمون بأرواحهم في بقية الكـون ، وأنهـم يدعون كل ليلة جمعة للاجتماع عند قطب من الأقطاب ... وحتى النساء من الشهيرات يلتقين - أيضـاً - مع الرجال الأقطاب ، وينظرون في شؤون الكون ...!
• ولم أكن أطمع في زحزحته عن معتقدات في ضميره عمـرها أكثر من ثلاثين سنة ... فاكتفيت بأن طلبت منه أن ينظر في الأمر .. هل هؤلاء الموتى من أصحاب الأضرحة... أكرم عند الله أم رسول الله ؟!! ثم يفكر طويلاً ، ويجيء إلىَّ بالنتيجة ... دون ما تحيّز أو تعصّب .. ووعدني بأن يُفكّر ، ولكنه فقـط يطلب مني أن أرافقهم في رحلتهم الميمونة إلى (( طنطـا )) ... فقلت له : إن هذا هو المستحيل لن يحدث .. وإذا كان مصمماً على الذهاب هو وزوجته إلى (( السيد البدوي )) حتى يعيش ابنهما .. فالمعنى الوحيد لذلك هو أن الأعمار بيد (( السيد البدوي)).. وحملق فيَّ وصاح :
لا تكفر يا رجل ..؟
فقلت له :
- أينا يكفر الآن .. ؟ أنا الذي أطلب منك أن تتوجه إلى الله .. ؟ أم أنت الذي تُصرّ على أن تتوجه إلى (( السيد البدوي )) ..؟
وسكت واعتبر هذا مني إهانة لضيافته ، وأخذت زوجته والخروف وابنها ، وانصرفـوا من العباسـية في القاهرة إلى (( طنطا )) ، وحيثما وقفت أودعهم ..
همست في أذن الزوج : أنه إذا تفضل بعدم المرور علينا بعد العودة من مهرجان الشرك .. فإنني أكون شاكراً له ما يفعل ... و إلا لقي مني ما يضايقه .. وازداد ذهول الرجل ، ومضى الركب الغريب .. يسوق الخروف نحو (( طنطـا )) ..!
وانثنت زوجتي تلومني ؛ لأنني كنت قاسياً معهم ، وهم الذين يخافون على طفلهم .... الذي عاش لهم بعد أن تقدم بهما العمر ، ومات لهما من الأطفال الكثير .. وصحت في زوجتي ، إن الطفل سيعيش فذلك لأن الله يريد له أن يعيش ، وإن كان سيموت فذلك لأن الله يُريد له ذلك.. ولا شريك لله في أوامره ولا شريك له في إرادته.
علم ودعوة وجهاد
09 Dec 2004, 09:12 AM
وذهبت إلى إدارة الجريدة التي أعمل بها .. وإذا بالدكتور يتصل بي تليفونياً ؛ ليتحدث معي في شأن له، ولم يخطر بباله أن يسألني : ماذا فعل بي الكتاب ؟ أو ماذا فعلت به ؟ واضطـررت أن أقـول له : إنني في حاجة إلى مناقشة بعض ما جاء في الكتاب معه ... والتقينا في الليـل وحدثته عن الكارثة التي جاءتني من الصعيد ، ولم يعلق على محاولتي إقناعهم بالعـدول عن شركهم .. مع أنني منذ أيام فقط .. كنت لا أقل شركًا عنهم ، وقلت له : ألا يلفت نظرك أنني أقول لهم ما كنت تقوله لي ..؟
قال في هدوء يغيظ : إنه كان على يقين من أنني سوف أكون شيئاً مفيداً للدعوة .. وأردت الاحتجاج على أنني من ( الأشياء ) ولست من الآدميين ، لكن الدكتور لم يتوقف ، وقال : لقد صدر منك كل هذا بعد قراءة نصف الكتاب ، فكيف بك إذا قرأت الكتب الأخرى ؟! وأغرق في الضحك!! .
وعلمت بعد أيام أن قريبتي عادت من (( طنطا )) إلى الصعيد مباشرة دون المرور علينا في القاهرة ، وأنها غاضبة مني ، وشكتني لكل شيوخ الأسرة ، وفي الأسبوع الثاني فوجئت بجرس الباب يدقّ .. وذهب ابني الصغير ؛ ليستطلع الأمر .. ثم عاد يقول لي :
- إبراهيم الحران ...
(( الحران )) .. إنه زوج ابنة خالتي .. ماذا حدث ..؟
هل جاءوا بخروف جـديد ، ونذر جديد لضريح جديد ... أم ماذا .. ؟ وقررت أن يخرج غضبي من الصمت إلى العدوان هذه المرة ، ولو بالضرب .. ومشيت في ثورة إلى الباب .. وإذا بهذا (( الحران )) يمـد يده ليصافحني ، ودَعَوْته إلى الدخول فرفض .. إذًا لماذا جاء ..؟ وفيم جاء ؟ ، وابتسم ابتسامة مغتصـبة وهو يقول : إنه يطلب كتاب (( الشيخ محمد بن عبد الوهـاب )) الذي عندي ، وحملقـت فيه طـويلاً ، وجلست على أقرب مقعد ..!
سقطت قلعة من قلا ع الجاهلية .. لكن لماذا ؟ وكيف كان السقوط ؟ جاء صاحـبي إبراهيم يسعى بقدميه .. يطلب ويلحّ في أن يبدأ مسيرة التوحيد .. لا بد أن وراء عودته أمـراً ، ليس من المعقـول أن يحدث ذلك بلا أسباب قوية جعلت أعماقه تتفتح ، وتفيق .. على حقائق غفل عنها طويلاً .. !
ورحمة بي من الذُّهول ، والإغماء الذي أوشك أن يصيبني .. بدأ يتكلم ، وكانت الجملة التي سقطت من فمه ثقيلة كالحجر الذي يهبط من قمة جبل .. صكت سمعي .. ثم ألقت بنفسها تتفجر على الأرض .. تصيب وتدمي شظاياها ، وقال :
- لقد مات ابني عقب عودتنا ... ! إنا لله وإنا إليه راجعـون .. هذا هـو الولد الرابع الذي يموت لإبراهيم تباعاً ، وكلما بلغ الطفل العام الثالث .. لحق بسابقه .. وبدلاً من أن يذهب إلى الأطباء ليعـالج مع زوجته ، بعد التحليلات اللازمة .. فقد يكون مبعث ذلك مرض في دم الأب أو الأم .. اقتنع ، وقنع بأن ينذر مع زوجته مرة للشيخ هذا ، ومرة للضريح ذاك ، وأخرى لمغارة في جبل بني سويف .. إذا عاش طفله ، ولكن ذلك كله لم ينفعه .. ورغم الجهل والظلم الذي يظلمه لنفسه .. إلا أنني حزنت من أجله .. تألمت حقيقة .. أخذته من يده .. أدخلته .. جلست أستمع إلى التفاصيل ..!
لقد عاد من طنطا مع زوجته إلى بلدهما ، وحملا معهما بعض أجزاء من (( الخروف )) الذي كان قد ذبح على أعتاب ضريح (( السيد البدوي )) .. فقد كانت تعاليم الجهالة تقضي بأن يعودا ببعضه .. التماساً لتوزيع البركة على بقية المحبين - وأيضاً - لكي يأكلوا من هذه الأجزاء .. التي لم تتوافر لهـا إجـراءات الحفظ الصالحة ففسدت .. وأصابت كل من أكل منها بنـزلة معوية .. وقد تصدَّى لهـا الكبار وصمدوا .. أما الطفل .. فمرض ، وانتظرت الأم - بجهلها - أن يتدخل (( السيد البدوي )) .. لكن حالة الطفل ساءت .. وفي آخر الأمر .. ذهبت به للطبيـب الذي أذهله أن تترك الأم ابنهـا يتعذب طوال هذه الأيام ... فقد استغرق مرضه أربعة أيام ... وهزَّ الطبيب رأسه ، ولكنه لم ييأس .. وكتب العلاج .. (( أدوية )) وحقـن ، ولكن الطفل .. اشتد عليه المرض ، ولم يقو جسمه على المقاومة .. فمات !
من موت الطفل بدأت المشـاكل .. كانت الصدمة على الأم.. أكبر من أن تتحملها .. ففقدت وعيها .. أصابتها لوثة .. جعلتها تمسك بأي شيء تلقـاه ، وتحمله على كتفها وتهدهده وتداعبه على أنه ابنها .. أما الأب فقد انطوى يفكر في جدية ، بعد أن جعلته الصدمة يبصر أن الأمر كله لله .. لا شـريك له .. وأن ذهابه عاماً بعد عام .. إلى الأضرحة والقبور .. لم يزده إلا خسـارة .. واعترف لي : بأن الحوار الذي دار بيني وبينه .. كان يطنّ في أذنيه .. عقب الكارثة ، ثم صمت .. ! فقلت له: بعض الكلام الذي يُخفّف عنه ، والذي يجب أن يُقال في مثل هذه المناسبات .. ولكن بقي في نفسه شيء من حديثه . فهو لم يكمل .. ماذا حدث للسيدة المنكوبة ، وهل شفيت من لوثتها أم لا ؟
فقلت له : لعل الله قد شفي الأم من لوثتها .؟ !
فأجاب - وهو مطأطئ الرأس - : إن أهلها يصرون على الطواف بها على بعض الأضرحة والكنائس - أيضاً - ويرفضون عرضها على أي طبيب من أطباء الأمراض النفسية والعصبية .. ليس ذلك فحسب .. بل ذهبوا بها إلى (( سيدة )) لها صحبة مع الجن فكتبت لها على طبق أبيض .. وهكذا تزداد العلة عليها في كل يوم وتتفاقم .. وكل ما يفعله الدجالون يذهب مع النقود المدفوعة إلى الفناء..!
وحينما أراد أن يحسم الأمر .. وأصرّ على أن تُعْـرض على طبيب .. أو يطلقهـا لهم ؛ لأنهم سبب إفسادها .. برزت أمها تتحداه ، وركبت رأسها فاضطر إلى طلاقها وهو كاره ...!
* * * * *
• أثارتني قصته ، رغم حرصي على النسخة التي حصلت عليها من (( الدكتور جميل )) إلا أنني أتيته بها وناولتها له .. فأمسك بها وقلبها بين يديه .. وعلى غلافهـا الأخير كان مكتوباً كلام راح يقرؤه بصوت عال .. كأنه يسمع نفسه قبل أن يسمعني (( نواقض الإسلام )) من كلمات شيخ الإسلام (( محمد بن عبد الوهاب )) : { من يُشْرك بالله فقد حرَّم اللهُ عليه الجنّة ومأْواهُ النَّارُ وَما للظَّالمين مِنْ أنصار } [المائدة:72 ] ، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.
ورفع رأسه فحملق في وجهي .. ثم أخذ الكتاب ، وانصرف واشترط أن يعيـده لي بعـد أيام ، وأن أحضر له من الكتب ما يعينه على المضي في طريق (( التوحيد))
انصرف إبراهيم ، والمأساة التي وقعت له تتسرب إلى كياني قطرة بعد قطرة .. فهي ليست مأساة فرد ، ولا جمـاعة ، وإنما هي مأساة بعض المسلمين في كثير من الأمصـار .. الخـرافة أحب إليهم من الحقيقة ، والضلالة أقرب إلى أفئدتهم من الهداية ، والابتداع يجتذبهم بعيداً عن السنة ..!
حاولت الاتصـال تليفونياً (( الدكتور جميل )) .. فقد كنت أريد أن أنهـي إليه أخبار ( إبراهيم ) ولكني لم أجده فبدأت العمل في كتابات لمجلة شهرية تصدر في قطر .. اعتادت أن تنشر لي أبحاثاً عن الجريمة في الأدب العربي ، وصففت أمامي المراجع ، وبدأت مستعيناً بالله على الكتابة ، وإذا بالتليفـون يدق .. كان المتكلم مصدراً رسمياً في وزارة الداخلية ـ يدعوني بحكم مهنتي كصحفي متخصص في الجريمة ـ لحضـور تحقيق في قضية مصرع أحد عمال البلاط ، وكان قد عثر على جثته في جُوال منذ يومين ..!!
تركت كل ما كان يشغلني إلى مكان التحقيق .. والغريب في الأمر .. أن يكون الأساس الذي قامت عليه هذه الجريمة هو السقوط أيضاً .. في هاوية الشرك والدّجل والشعوذة .. بشكل يدعو إلى الإشفاق .. فالقتيل كان يدّعي صحبة الجن ، والقدرة على التوفيق بين الزوجين المتـنافرين ، وشفاء بعض الأمراض وقضاء الحاجات المستعصية ... إلى جانب عمله في مهنة البلاط..!
أمّا المتهم القاتل .. فكان من أبناء الصعيد .. تجـاوز الخمسين من عمـره ،وكان متزوجاً من امرأة لم تنجب .. فطلقها وتزوج بأخرى في السابعة عشرة من عمرها لكنها هي الأخرى لم تنجب ... وبلغه من تحرياته أن مطلقته قامت بعمل سحر له - نكاية فيه - يمنعه من الإنجاب مع زوجته الجديدة . فاتصل بذلك الرجل الذي كان شاباً لم يتجاوز الأربعين .. واتفق معه على أن يقوم له بعمل مضاد .. وتلقف الدجـّال فرصة مواتية ... وذهـب معه إلى البيت .. وكتب له الدجال بعد أن تناول العشاء الدّسم .. بعض مستلزمات حضـور الجن من بخور وشموع وعطور ، وذهب الرجل ليشتريها .. وترك ( الدجّال ) وزوجته الحسناء في البيت ..!
خرج الرجل مسرعاً يشتري البخور الذي سيحرق تمهيدًا لاستحضار الجـن .. وترك الدجـّال الشاب مع الزوجة الحسناء ..وكان لا بد أن يحدث ما يقع في مثل هذه المواقف .. فقد حاول المشعوذ أن يعتدي على الزوجة . إذ راودها في عنف ليفتك بشرفها ، وهي العفيفة الشريفة .. فقامت لتغـادر البيت إلى جارة لها .. حتى يصل زوجها .. وإذا بهـا تجد زوجها على الباب .. فقد نسى أن يأخذ حافظة نقوده وروت له في غضب ما وقع من الدجّال ، وانفعل الزوج الصعيدي ، وحمل عصـاة غليظة ودخل على الدجال في الغرفة ، وانهال عليه بالعصا .. حتى حطم رأسه .. بعدها وجد نفسه أمام جثة لا بد أن يتخلص منها .. فجلس يفكر !
خرج ليلاً فاشترى جُوالاً ، وعـاد فوضع الجثَّة فيه ، وانتظر حتى انتصف الليل .. ثم حمل الجثة على كتفه ، وألقى بها في خلاء على مقربة من الحي الذي يسكنون فيه .. وعاد إلى غرفته يحاول طمس الآثار ومحوها .. وظن أنه تخلص من الدجال الشاب إلى الأبد !
ولكن رجال الشرطة .. بعد عثورهم على الجثة .. بدأوا أبحاثهم عن الجُوال الذي يحتوي على الجثـة .. وما كادوا يعرضونه على البقالين في المنطقة ، حتى قال لهم أحدهم : إن الذي اشتراه منه هو فلان ، وكان ذلك بالأمس فقط ، وألقت الشرطة القبض على الرجل ، وفتشت غرفتـه فوجـدت الآثار الدالة على ارتكاب الجريمة .. وضُيِّقَ عليه الخناق فاعترف بتفاصيل الجريمة!
**********
• لم يكن حضوري هذا التحقيق صدفة، فكل شيء يجري في ملكوت الله بقـدر ..إذ يسـوق لي هذه الجريمة المتعلقة - أيضاً - بفساد العقيدة .. لتجعلني أناقش مع الآخرين.. قضية العقيدة والخرافة من بذورها الأولى .. ولماذا تروج الخرافة ، وتتغلغل في كيانات البشر دون وازع ؟ هل لأن الذين يتاجرون بها أوسع ذكاء من الضحايا ؟
وماذا يجعل الضحايا ـ وهم ملايين ـ يندفعون إلى ممارستها ، والإيمان بها، والتعصب لها... ؟ أم أن (( الوثنية )) التي هي الإيمان بالمحسوس والملموس .. التي ترسبت في أذهان العالمين سنـين طويلة تفرض نفسهـا على الناس من جديد . تساندها الظروف النفسية لبعض البشر . الذين يعجزون عن الوصول إلى تفسير لها!!؟
• فالقاتل والقتيل في هذه الجريمة... كلاهما فاسد العقيدة .. لا يعرفان من الإسلام سـوى اسمه .. فالقتيل مشعوذ يمشي بين عباد الله بالسـوء ، ويكذب عليهم ، ويدّعي أنه على صلة بالجن ، وأنه يُشْفي ويُسْعد ، ويشفي ويمرض بمعـاونة الجن ، وفي ذلك شرك مضـاعف مع الإضرار بالناس .. أما القاتل فهو من فرط جهالته يعتقد أن إنساناً مثله في وسعه أن يجعله ينجب ولدًا أو بنـتاً ! وقد يكون عـذره أنه في لهفته على الإنجاب ألغى عقله ... غير أنه لو أن له عقيدة سليمة .. تُرسِّـخُ في ذهنه أنَّ الله بلا شركاء ، وأن النفع والضر بيد الله فقط ، وتُؤصِّل هذه المفاهيم في أعماقه .. ما كان يمكنه أن يستسلم لدجال .. ولا استطاعت عقيدته أن تحميه من السقوط في أيدي مثل هذا المشعوذ!!
• وفي كثير من الأحيان يصل الأمر... ببعض المتعصبين إلى أن يجعل من نفسه داعية للخرافة .. يروج لها ، ويدافع عنها ، وعلى استعداد للقتال في سبيلها .. فقد نجد من ينبري في المجالس .. فيروي كيف أن الشيخ الفـلاني أنقذه هذه الأيام من ورطة كانت تحيـق به ، وأنه كان لن يحصل على الترقية هذا العام لولا أن الشيخ الفلاني صنع له تحويطة ، وأنه كان على خلاف مع زوجته وضَعَهُما على حافة الطلاق لولا أن الشيخ الفلاني كتب له ورقة وضعها تحت إبطه .. إلخ ..
علم ودعوة وجهاد
09 Dec 2004, 09:16 AM
وتحضرني في هذا المجال قصـة سيدة تخرجت من جامعة القاهرة ، ودرست حتى حصلت على الدكتوراه في علوم الزراعة ، وتشغل الآن وظيفة مديرة مكتب وزير زراعة إحدى الدول العربية ، هذه السيدة حاملة الدكتوراه ... عثر زوجها ذات يوم على حجـاب تحت وسادته ، فسأل زوجته .. فقالت : إنها دفعت فيه ما لا يقل عن خمسين جنيهاً ؛ لكي تستميل قلبه ؛ لأنهـا تشعر بجفوته في الأيام الأخيرة .. وكانت النتيجة أن زوجها طلقها طبعاً .. وراوي قصتها هو محاميها نفسه الذي تولى دعواها التي أقامتها ضد زوجها ...!
• وترتفع الخرافة إلى الذروة ... حينما يعمد المتخصصون فيها إلى تقسيم تخصصات المشايخ والأضرحة... فضريح السيدة فلانة يزار لزواج العوانس ، والشيخ فلان يـزار ضريحه في مسائل الـرزق ، والقـادرة الشاطرة صاحبة الضريح الفلاني يحج إليها في مشـاكل الحب ،والهجر ، والفراق ، والطلاق ، وأخرى في أمراض الأطفال ، والعيون ، وعسر الهضم .. وهكذا... مؤامرة محكمة الحلقات .. تلف خيوطها حول السذَّج والمساكين ، وكأنهم لم يقرأوا في القرآن : { وإن يَمْسسك اللهُ بِضُرٍ فلا كاشف له إلاّ هُو وإن يمسسك بخيرٍ فهُو على كُلِ شيءٍ قدير } [ الأنعام : 17]، وكأنهم لم يسمعوا بالحديث الشريف : (( من تَعَلَّق تميمةً فقد أشرك)) .
إن الانصياع إلى الخرافات ليس وقفاً على عامة الناس أو جهلتهم ، بل من المؤسف أنها تتمتع بسلطان كبير بين المتعلمين ، والذين درسوا في أرقى الجامعات . وإذاً فالأصل فيها هو أنها تتسلل إلى ضمائر الناس، الذين لا يحميهم عقيدة سليمة .. تصد عنهم هذه ( الشركيات ) الشرسة الضارية .. فالذي لا شك فيه ، هو أن الرجل الذي وثّق إيمـانه بالله واقتـنع بأن الله هو مالك كل شيء ، ورب كل شيء لا شريك ولا وسيط له .. هذا الرجل سوف يعيش في مناعة إيمانه .. متحصناً بعقيـدته .. لا تصـل إليه المفاسد ، بل وتنكسر على صخرة إيمانه كل هذه الخزعبلات .. لماذا ؟ لأنه أنهى أمره إلى الله ، ولم تعد المسألة في حسابه قابلة للمناقشة !
فالإيمان بالله ، واعتناق العقيدة السليمة شيء ليس بالضرورة في الكتب أو في الجامعات .. إنه أبسط من ذلك .. فالله سبحانه وتعالى جعله في متناول الجميع حتى لا يحرم منه فقير لفقره ... أو يستأثر به غني لغناه..!
وبينما أنا منهمك أكتب هذه الحلقة إذ بضجيـج تصحبه دقات عنيفة لطبل يمزق سكون الليل ويبدده . وراح هذا الضجيج يعلو ، ويعربد في ليل الحي .. دون أن يتوقف إلا لحظات .. يتغير فيها الإيقاع ثم يعود ضاربًا .. متوحشاً .. يهز الجدران .. وعرفت بخبرتي من الألحان ، والأصوات المنفردة التي تصاحبها أن إحدى المترفات من الجيران تقيم حفلة (( زار )) .. وأنها لا بد أن تكون قد دعت كل صديقاتها المصابات مثلها بمس من الجنّ ... لكي يشهدن حفلها ؛ إذ لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقيم فيها مثل هذه الحفـلة ، فهي تقوم بعملها هذا مرة كل ستة شهور .. حرصاً على إرضاء الجن الذي يسكن جسدها...!
وعبثاً حاولت الوصول إلى وسيلة للهرب من تلك الكارثة التي تقتحم علي أذني .. فتركت الكتابة ، وحاولت أن أقرأ .. وفي خضم المعاناة .. جاء لي صديق لي من كبار علماء الأزهر ، ومن الذين يعملون في وزارة الأوقاف وشئون الأزهر ، ليزورني واستقبلته فرحاً ؛ لأنني أحب النِّقاش معه ، ولأنه سوف يخلصني من عذاب الاستماع إلى الدقات الهمجية.
وشكوت إليه جارتي ، ودخلنا في المناقشة عن (( الجـن )) وشكوى الناس منه ، وادّعاء السيدات أنه يركبهن ، والجيش الجرار من النساء ، والرجال الذين يحترفون عمل حفلات (( الزار )) . وإذا بالرجل الذي يحمل شهادة أزهرية عليا .. يؤكد لي أنه كانت له شقيقة مسَّها الجن عقب معركة نشبت بينها وبين زوجها فعطّل (( الجن )) ذراعها الأيمن عن العمل بضعة أيام .. ولم يتركها الجن إلا بعد أن أقاموا لها حفـلة (( الزار )) ، عقدت الشيخة بينها وبين ( الجن ) معاهدة تعايش سلمي .. وترك ذراعها على أن تقيم هذا الحفل مرة كل عام.
• كان هذا كلام الرجل العالم ... طال صمتي .. فقط كنت أفكر في المسكين إبراهيم الحران ، وزوجته الأمية ... فلا عتاب عليهما ولا لوم .. ما دام هذا هو رأي مثل هذا الرجل في (( الزار )) .. وكانت الدقات العنيفة لا تزال تصل إلى آذاننا ، والصمت المسكين يتلاشى أمام الأصوات المسعورة التي تصرخ في جنون تستجدي رضا الجن ، وتستعطف قلوب العفاريت.. !
انتهت سهرتي مع صديقي العالم الأزهري الخالص .. الذي فجعني فيه إخلاصي فيه .. إذ وجدته من المؤمنين بالخـرافة ، المؤيدين لحكـايات الجن . .. وأحسست بأن وقتي ضاع بين هذا المغلوط العقيدة ، ودقات (( الزار )) التي كانت تقتحم عليَّ نوافذ مكتبي .. دون مجير شهم ينقذني من الاثنين..!
• وفي الصباح استيقظت على جرس التليفون .. يصيح صيحات طويلة ومعناها أنّ مكالمة قادمة من خارج القاهرة ... ورفعت السماعة .. لأجد أن المكالمة من الصعيد ، والمتكلم هو زوج خـالتي ، ووالد زوجة (( إبراهيم الحران )) ..يعلنني أنهم سوف يصلون غداً . وقد اتصل ليتأكد أنني في القاهرة .. خوفاً من أن أكون على سفر .. فهو يريدني لأمر هام .. ورحبت به ، وقلت : إنني في انتظارهم .. ولم يكـن أمامي سوى أن أفعل هذا لألف سبب وسبب !
أولها : أن الرجل الذي اتصل بي أكنّ له كل الاحترام والحب ، وأنني لمست في صوته رقة الرجـاء ، وأنا ضعيف أمام اليائس الذي يلجأ إليَّ في حاجة وفي وسعي أن أقضيهـا له .. أخشى أن أرده - ولـو بالحسنى - وأحاول جاهداً أن أكون من الذين يجري الله الخير على أيديهم للناس .. رغم أن هـذا يسبب لي الكثير من المتاعب ، وضياع الوقت إلا أنني أحتسب كل ذلك عند الله ..!
وفي الغد ومع الركب الحزين ، وكان مؤلفاً من زوج خالتي ، وخالتي أم زوجة (( إبراهيم الحران )) وابنتها التي أصابتها اللوثة بعد وفاة طفلها .. وكانت في حالة يرثى لها . تفاقمت الحالة العقلية عندها ، ودخلت في مرحلة الكآبة العميقة .. رفضت معها الكلام ، وفقدت فيها الشعور بما يدور حولها .. لا تستطيع أن تفرق بين النوم واليقظة ، ولا تجيب عمَّن يحدثها ... انتقلت من دنيا الناس .. إلى دنيا الوهم والكآبة .. حتى زوت ، وصارت هيكلاً عظمياً ليس فيها من علامات الحياة سوى عينين كآلة زجاج يرسلان نظرات بلا معنى .. وقال لي الأب وهو حزين : إنه يريد مني أن أتصل بابني وهو طبيب أمراض عصبية ، ونفسية ، ويعمل في (( دار الاستشفاء للأمراض النفسية والعصبية بالعباسية )) لكي يجد لها مكاناً في الدرجة الأولى ..!
كانت الأم تبكي وهي نادمة تعترف بآثامها .. وكيف أنها بإصرارها على علاج ابنتها عند المشايخ ، وبالجري والطواف حول الأضرحة ، وضياع الوقت - جعلت المرض يستفحل ، ويهدم كل قدرة لابنتها على مقاومته ..واعترفت بأنها أخطأت في حق زوج ابنتها (( إبراهيم الحران )) واستفزته بإصرارها على الخطأ ، ولكن عذرها أنها كانت ضحيةً لجهلها ، ولعشرات السيدات اللاتي كنَّ يؤكدن لها : أن تجاربهن مع المشـايخ ، والأضرحة والدجالين .. تجارب ناجحة ، والمثل يقول : (( اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً))..!
واستطعنا بفضل الله أن نجد لها مكاناً ، وأن نلحقها في نفس اليوم بالدرجة الأولى ، وقال لي ابني : إنها حالة مطمئنة ولا تدعو إلى اليأس .. كل ما في الأمر أن الإهمال جعلها تتفاقم .. وبعد مضي أسبوع واحد من العلاج تحسنت السيدة ، وقد عُولجت بالصدمات الكهربائية .. إلى جانب وسائل علاجيـة أخـرى يعرفها المتخصصون ، وخلال ذلك اتصل بي (( إبراهيم الحران )) فقلت له : إنني أريده في أمر هام ، ولابد أنه يزورني في البيت ... وحينما جاء شرحت له الأمر ، وقلت له : إن الأطباء يرون في استرداده لزوجته جزءاً من العلاج - أيضاً - .. ولكن لفت نظري فيه .. أنه بعد قـراءته للكتب التي حصـلت له عليهـا من ( الدكتور جميل غازي ) في التوحيد أن أصبح إنساناً جديداً ... فالعبارات التي كانت تجري على لسانه .. من الإقسام تارة بالمصحف ، وتارة بالأنبياء ، وتارة ببعض المشايخ قد اختفت نهائياً .. وعاد يمارس حياته بأسلوبه الرجل الذي لا يعبد غير الله ، ولا يخشى إلا الله ، ولا يرجو سوى الله .. وحتى بعد أن حدثته في أن يعيد زوجته .. أصر على أن يجعل هذه العودة مشروطة بأن تقلع أم زوجتـه عن معتقـداتها القديمة ، وكذلك والد زوجته .. أما زوجته .. فقال : إنه كفيل بها ، وعقدت بينهم جميعـاً مجلساً لم ينقصـه إلا الزوجة ؛ لأنها كانت في المستشفى ، وقبلوا شروطه بعد هذا الدرس القاسي!!
كان لزيارته لزوجته في المستشفى... أكبر الأثر في شفائها ، وزادت بهجتها حينما عرفت أنه أعادها إلى عصمته . قال لي ابني الذي كان يشرف على علاجها : إن عودتها إلى زوجها ، وزيارته لها كانت العلاج الحقيقي الذي عجَّل بشفائها ، لأنها وهي وحيدة أبويها .. حطمتها صدمة وفاة ابنها .. ثم قضـت على البقية الباقية من عقلها صدمة طلاقها .. بعد شهر وعشرة أيام تقريباً تقرر خروجها ، وكان يتنظرها زوجها ووالدها ووالدتها في سيارة على الباب رحلت بهم إلى الصعيد فوراً!
• لم أستطع أن أنزع من نفسي بقايا هذه المأساة ، ولم يكن من السهل أن أتغافل عن الخرافة التي تخرب أو تهدم كل يوم بل وكل لحظة عشرات النفوس والبيوت في عشيرتي ، و أبناء ديني .. وعلى امتداد الوطن الإسلامي كله .. ووجدتني أسأل نفسي لما ذا نحن الذين نعيش في الشرق الأوسط .. تمزقنا الخرافة وتجثم على صدر مجتمعنا الخزعبلات، فتمسك بنا وتوقفنا عن ممارسة الحضارة.. ؟
• ومع أن الغرب ، والمجتمع الأوروبي ليس خاليـاً من الخرافات ، وليس خالياً من الخزعبلات ،ومع ذلك فهم يعيشون في حضارة ويمارسونها . تدفع بهم ويدفعون بها دائماً إلى الأمام!
الواقع أن خزعبلاتهم وخرافاتهم في مجموعها معادية للروح ..تدفع بهم إلى الانزلاق أكـثر من الماديات ، وهذا هو ما يتفق وحضارتهم !!
أما هنا في الشرق .. فإن خرافاتنا معادية للعقل ، وللمادة معاً .. ! ولهذا كانت خرافاتنا هي المسئولة عن تدمير حياتنا في الحاضر والمستقبل.
وليس هناك من سبيل لخروجنا من هذا المأزق الاجتماعي ، والحضاري سوى تنقية العقيدة مما ألصق بها وعلق بها من الشوائب التي ليست من الدين في شيء ..!
فحينما يصبح (( التوحيد )) أسلوب حياة ، وثقافة ، وعقيدة ... سوف تختفي من أفقنا وإلى الأبد .. هذه الغيوم .. غيوم الخرافات ، والدجل ، والشعوذة ، والكهانة التي لا تقوى .
• وتلك مسئولية ينبغي أن تقوم بها أجهزة التربية المباشرة ، وغير المباشرة فإن ما نعيشه الآن هو صورة أسوأ مما قرأت في هذه الاعترافات ، ولو أنك اخترت مائة أسرة كعينة عشوائية وبحثت فيها لوجدت أن كل ما رويته لك في هذه الاعترافات لا يمثل إلا أقل القليل .!
{ ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } .
من كتاب كنت قبوبريا
علم ودعوة وجهاد
11 Dec 2004, 08:34 AM
•
هداية الشيخ جعفر إدريس من الطريقة الصوفية إلى الطريقة السنية
أولاً من هو جعفر إدريس؟!
جعفر شيخ إدريس محمد صالح بابكر عبدالرحمن بلل من قبيلة الشايقية بشمال السودان
ولد عام 1932 ميلادية بمدينة بورسودان
والده شيخ إدريس من حفظة القرآن الكريم. انتقل لمدينة بورسودان بشرق السودان ليعمل شرطياً
مراحل الدراسة
في سن السادسة حدث للشيخ حادث بقدمه عوقه عن المشي لمدة ثلاث سنوات تقريباً. لذلك بدأ تعليمه الرسمي متأخرا جدا، لكنه يرى أن هذا ربما كان من أكبر نعم الله عليه، إذ حفزه للجد في الدراسة في المدرسة وخارجها. فكان في المرحلة الأولية يدرس في المدرسة والخلوة (مدرسة تحفيظ القرآن الكريم) معاً. وفي المرحلة المتوسطة في المدرسة وعلى بعض الشيوخ فدرس عليهم الأربعين النووية وبعض كتب المذهب المالكي، وبعض كتب النحو، وكان يحضر مع والده دروس الشيخ أبو طاهر بالمسجد الكبير ببورسودان فسمع عليه قدرا كبيرا من الصحاح ولا سيما صحيح البخاري، كما درس عليه بعض مختصرات أخرى في الحديث والبلاغة والآداب. درس أيضا على بعض العلماء الشناقيط الذين كانوا يمرون على مدينة بورسودان في طريقهم إلى الحج. ولما انضم إلى جماعة أنصار السنة عرف شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وصاحبهما منذ ذلك الحين وحتى الآن.
مرحلة الدراسة الثانوية
قبل بمدرسة حنتوب في سنة 1950 وهي حينئذاك إحدى ثلاث مدارس ثانوية بالسودان وكان لا يُقبل فيها إلا المتفوقون في الدراسة. وفي المدرسة انضم إلى حركة إسلامية ناشئة هي حركة التحرير الإسلامي التي صارت فيما بعد جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكن لها ارتباط تنظيمي بجماعة الإخوان في مصر. ثم صارت جبهة الميثاق الإسلامي واجهة لها إبان الحكم الديمقراطي الذي أعقب نظام عبود العسكري.
مرحلة الدراسة الجامعية والتعليم العالي
التحق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ثم تركها ليذهب للدراسة بمصر، ثم ترك هذه وعاد إلى جامعة الخرطوم ليدرس الفلسفة (قسم الشرف) والاقتصاد، فلم يتخرج فيها إلا عام 1961 فقبل بها معيدا وسجل لدراسة الماجستير، لكن الجامعة ابتعثته في العام التالي للدراسة بجامعة لندن.
بعد سنتين سقط نظام عبود فترك الدراسة واستقال من الجامعة ليشارك في العمل السياسي الإسلامي. وكان مرشح جيهة الميثاق بمدينة بورتسودان.
عاد للجامعة مرة أخرى عام 67 فحول المشرف رسالة الماجستير إلى دكتوراة فأكملها في عام 69 لكنه لم يحصل على الشهادة إلا عام 70 بعد أن ابتعثته الجامعة إلى بريطانيا مرة أخرى.
العمل والتدريس
قسم الفلسفة, جامعة الخرطوم. 1967 - 1973
قسم الثقافة الإسلامية, جامعة الرياض (الملك سعود حالياً )
مركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
كلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
وكان يدرس طلاب الدراسات العليا بالجامعة مواد العقيدة والمذاهب المعاصرة كما أشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه
مدير قسم البحث بمعهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا
مدير الهيئة التأسيسية للجامعة الأمريكية المفتوحة
مستشار لعدد من المؤسسات الإسلامية في أنحاء العالم
شارك في عدة لجان إسلامية عربية وعالمية
النشاط العام والمؤتمرات
ألقى أحاديث ودروس ومحاضرات في كثير من الجامعات والمراكز الإسلامية والمساجد في كثير من بلدان العالم في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية ودول الكاريبي وأمريكا اللاتينية.
شارك في كثير من البرامج التلفازية والإذاعية في عدد من الدول.
اشرف على رسائل علمية لدرجة الدكتوراة والماجستير.
شارك ببحوث قيمة في عدد كبير من المؤتمرات الإسلامية والعالمية
كتب مقالات كثيرة في الصحف السودانية كان من بينها باب أسبوعي في جريدة الميثاق الإسلامي بعنوان جنة الشوك ومقالات في مجلات إسلامية وأكاديمية باللغتين العربية والإنجليزية.
وهو يكتب الآن زاوية شهرية بمجلة البيان التي تصدر في لندن بعنوان: الإسلام لعصرنا.
الكتب والبحوث
للشيخ عدد كبير من البحوث أكثرها مشاركة منه في مؤتمرات. بعض المؤتمرات ينشرون هذه البحوث وبعضهم لا ينشرونها. كما له عدد من الكتيبات المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية.
ولمعرفة المزيد من بحوث وكتب الشيخ تصفح موقع الكتب والمقالات في هذا الموقع.
أفضل من يُعرفكم بالشيخ جعفر هو الشيخ جعفر في نص مقابلة أجرتها معه مجلة العصر الإلكترونية عام 1421 هجرية.
نص المقابلة
http://216.39.197.143/alasr/Interview/article_132.shtml
قصة الهداية يحكيها الشيخ له ولوالديه:
الشيخ جعفر:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
أنا من عائلة سودانية كانت تنتمي كمعظم السودانيين آنذاك إلى طريقة صوفية، وكانت الطريقة التي ينتمي إليها الوالدان هي الختمية، وكما هو معلوم أن الطرق الصوفية ولا سيما المنتشرة في بلادنا الآن، مبتلاة بكثير من المسائل الشركية لكن ربنا سبحانه أنعم عليّ بوالدين أثرا في حياتي الدينية والخلقية، فالوالدة لم تكن امرأة عالمة ولكنها كانت شديدة التدين وحازمة جداً، وقد أثرت علي تأثيرا كبيراً في موضوع الصلاة أكثر من الوالد، فقد كانت حازمة جداً في هذا الموضوع، وأذكر أنها كانت توقظنا أحياناً لتسألنا هل صلينا العشاء؟
وانعم الله سبحانه علينا بالوالد وكان رجلا متسامحاً معنا ، فكان يعاملنا معاملة الكبار آنذاك، ويستشيرنا في بعض أموره، وهذا لم يكن شائعاً في السودان , ولكنهما كانا ينتميا إلى هذه الطائفة، فأول شيء أثر في حياتي تأثيرا كبيرا مازلت أحمد الله عليه وأن أحد أقاربناكان من أول من نشر الدعوة السلفية في السودان، وكان من جماعة أنصار السنة المحمدية في بلدنا ببورسودان، وكنت آنذاك في الثانية عشر حيث تركت انتمائي إلى طائفة والديّ تحت تأثير هذا القريب، مما أحدث مشكلة بيني وبين الوالدين لاسيما أمي، حيث كانت تظن أن هذا نوع من الانحراف فقاطعتني وصارت لا تتكلم معي.
لكن ساعدني أن هؤلاء الذين تأثرت بهم كانوا من الأقارب وكان منهم رجلاً تحترمه الوالدة احتراماً كبيراً، وهو رجل بسيط يعمل خياطاً لكنه كان رجلاً عالماً، فجاء إلى أمي عند حصول هذه المقاطعة وأصلح بيننا، وبعد مدة تغير الوالد -وكان رجلاً يحفظ القرآن –حيث كنت آتي إليه وأقرا عليه بعض الكتب....
العصر: هل تتذكر بعض عناوينها؟
الشيخ جعفر: ……… كانت كتباً صغيرة مؤلفة في مصر، وكان ضمنها كتاب غاب عني اسمه الآن كان له أثراً عظيماً آنذاك، ومازالت أقرأ على الوالد حتى اقتنع وتغيرت بعده الوالدة أيضا وأعد ذلك من نعم الله علي أن كنت السبب في إنقاذهما من الخرافات والشركيّات ولله الحمد سبحانه.حادث في الصغر:
وكان الحادث تعرضت له في الصغر اثر في تأثيراً ليس بالضرورة فكرياً، ولكنّي لمست نتائجه فيما بعد، إذ أصبت آنذاك، وكنت ألعب على صناديق كبيرة كانت لبعض السيارات، فقفزت من فوق إحداها على مسمار يبدو أنّه أحدث كسراً في العظم بالداخل، وتألمت لذلك ألماً شديداً وتعقّدت الأمور –وكنت حينئذ في السادسة من عمري- واستمر المرض إلى السنة التاسعة تقريباً، وكان ذلك في زمن الإنجليز، وعند أن عرضت على الطبيب قرر هذا أن تُقطع رجلي، فوافق الوالد لكن الوالدة رفضت وبحزم شديد، ثم ذهبت تستشير السيد علي الميرغني –وكانت ما تزال في الطائفة حينئذ- فأجابها قائلاً: نعم.. اسمعوا كلام الطبيب.
وما كان يظن أحد أن أمي ستخالف رئيس الطائفة لكنها فعلت ورفضت قوله ذاك فقال لها الطبيب: إما أن تقطع رجله أو يموت فقالت: خلّيه يموت!!!.. يموت برجلين ولا يعيش بواحدة.
فكان من نتائج ذلك أن تأخرت في الالتحاق بالدراسة، لكن هذا التأخير أفادني جداً، إذ جئت إلى الدراسة بعد ذلك بنهم شديد، فأنا ما كنت بدأت أصلاً، وعندما بدأت الدراسة كان زملائي في السنة الرابعة، وأنا في السنة الأولى، وكان لي أخ ضمنهم، وكنا قد ذهبنا سويّة إلى المدرسة فقُبل هو ولم أُقبل لصغر سني، فكان أخي هذا يمازحني بعد ذلك فيقول: احمد الله على هذا الحادث فلولاه ما دخلت الجامعة.
وقد كانت المنافسة في الدخول إلى الثانوية كبيرة جدّاً آنذاك. إذ لم يكن في السودان وقتئذ غير ثلاث مدارس ثانوية فقط، فكان الدخول إلى أحدها في غاية الصعوبة .لكني أتيت إلى المدرسة في مرحلة نضج واجتهاد شديد، فكنت أذهب إلى الكتّاب باختياري إذ يوقظني الوالد لصلاة الفجر وأبقى في الكتّاب إلى السادسة، ثم أعود فأستعد للذهاب إلى المدرسة وعند رجوعي منها أذهب إلى الكتّاب مرة أخرى وبعد ذلك أنال شيئاً من الراحة، أعود بعدها إلى الكتّاب عند المغرب.
حلقات المساجد:
بدأت بعد ذلك دروس كان يلقيها رجل سنّي، فكنت أذهب إليها، ومن الرسائل التي بدأت أقرأها مبكراً وأمارس حفظ بعض الأحاديث منها رسالة الأربعين النووية، ثم لما ذهبنا المدرسة المتوسطة كنت أحضر مع الوالد دروساً في السنة كان يلقيها رجل عالم بالسنة,تخرج بالأزهر وكان مشهوراً في بلدنا، يدرّس كتب السنة فقط، وفي هذه الفترة بدأت أقرأ بعض الرسائل الصغيرة لشيخ الإسلام ابن تيميه....
الشيخ جعفر إدريس: عندما انضممت إلى "الإخوان" كنت لا أقبل ما اعتقد أنه خطأ، وأسارع إلى نقده، ولم يكن هذا شيئاً محبباً عند البعض، وأذكر أن الأخوان كانوا يقرأون "المأثورات" وكان في بدايتها أن الذكر الجماعي لا بأس به، فرفضت ذلك، وأقنعت بعض إخواني الذين كانوا معي آنذاك وكنت أنتقد أشياء في ما كانوا يسمّونه "ورد الرابطة" وكان يُقرأ بعد المغرب، لذا فقد نفعني انتمائي إلى الاتجاه السني عند الانضمام إلى الحركة، وصار النقد عندي طابعاً، ومما كتبت في نقد بعض الظواهر في العمل الإسلامي، رسالة موجودة في كتابي "نظرات في منهج العمل الإسلامي" حيث شاع عند الأخوان، والظن عند بعض الجماعات أيضاً اعتقاد أن جماعتهم هي جماعة المسلمين، وأن الذي يخرج خارج على الجماعة، فانتقدت ذلك، وقلت أننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين وأنه ليس في الإسلام شيئاً اسمه الالتزام الفكري بقرارات التنظيم، وقد ناقشت الشيخ المودودي في ذلك وكنت التقيت به في لندن، كما التقيت بغيره من الدعاة من الباكستان وتونس والمغرب والجزائر خاصة بعد ذهابي إلى السعودية، لذلك أظن أن المعيار النقدي هذا هو الذي جعلني أكشف الترابي في وقت مبكر.
علم ودعوة وجهاد
11 Dec 2004, 08:41 AM
* توبة الشيخ محمد جميل زينو
الشيخ محمد جميل زينو-حفظه الله- عرفناهُ من خلالِ مؤلفاتهِ النافعة التي تُعنى بنشرِ العقيدة السلفيّة النقية،وبيانها بأسلوبٍ واضحٍ بسيط،وقد نفع الله بهذه المؤلفات،وهدى بها من الضلالةِ بإذنهِ ... وللشيخ قصّتهُ مع الهدايةِ إلى هذه العقيدةِ الصحيحةِ،وقد رواها بنفسهِ،[في كتابهِ كيف اهتديت] وقد أطال في ذكرِ قصتهِ والتعليقِ على أحداثها،وقد ذكرتها باختصار وصرّف يسير.
قال:
ولدتُ في مدينةِ حلب بسورية،ولما بلغت العاشرة من عمري التحقتُ بمدرسة خاصة تعلمت فيها القراءة والكتابة،ثم التحقت بمدرسة دار الحفّاظ لمدّة خمس سنين حفظتُ خلالها القرآن الكريم كاملاً ولله الحمد،ثم التحقت بما يسمى آنذاك بالكلية الشرعية التجهيزية –وهي الآن الثانوية الشرعية- وهي تابعة للأوقافِ الإسلامية،وهذه المدرسة تجمع بين تدريس العلوم الشرعية والعصرية.
وأذكر أنّني درست فيها علم التوحيد في كتاب اسمه: "الحصون الحميدية" ،والذي يقرّر فيه مؤلفهُ توحيد الربوبية،وأن لهذا العالم رباً وخالاً! وتبين لي في ما بعد خطأ هذا المنهج في تقرير العقيدة،فإن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ..}،بل إن الشيطان الذي لعنه الله كان مقراً بذلك، {قال رب بما أغويتني ..}،أما توحيد الإله الذي هو الأساس والذي به ينجو المسلم،فلم أدرسه ولا كنت أعلم عنهُ شيئاً.
كنت نقشبندياً:
لقد كنت منذ الصغر أحضر الدروس وحلقات الذكرِ في المساجد،وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية فأخذني إلى زاوية المسجد،وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية؛ولكن لصغر سني لم أستطع أن أقوم بها،لكني كنت أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا،وأستمع إلى ما يردّدونهُ من أناشيد وقصائد،وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوتٍ مرتفعٍ،فيزعجني هذا الصوت المفاجئ،ويسبب لي الرعب والهلع،وعندما تقدمت بي السن بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجدِ الحيّ لأحضر معه ما يسمى بالختمِ،فكنا نجلسُ على شكلِ حلقةٍ فيقوم أحد الشيوخ ويوزع علينا الحصى،ويقول: "الفاتحة الشريفة،الإخلاص الشريف" ،فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة والإخلاص،والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصيغةِ التي يحفظونها،ويجعلون ذلك آخر ذكرهم.ثم يقول الشيخ ذكرهم،لأن الشيخ –بزعمهم- هو الذي يربطهم بالله؛فيهمهمون،ويصيحون،ويعتريهم الخشوع،حتى إن أحدهم ليقفز فوق رؤوس الحاضرين كأنّه البهلوان من شدّة الوجد ... إلى آخر ما كانوا يفعلونهُ من البدعِ المحدثةِ التي ما أنزل الله بها من سلطان.
كيـف اهتديت إلى التوحيد؟
كُنتُ أقرأ على شيخي الصوفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما،وهو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا سألتَ فاسألِ الله،وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله)) .
فأعجبني شرح النووي حين قال:
"ثم إن كانت الحاجة التي يسألها،لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه،كطلبِ الهداية والعلم .. وشفـاء المرض وحصول العافية سأل ربه ذلك.وأما سؤال الخلق والاعتمـاد عليهم فمذموم".
فقلت للشيخ:
هذا الحديث وشرحه يُفيدان عدم جواز الاستعــانة بغير الله فيما لا يقدر عليهِ إلا الله.
فقال لي:
بل تجوز!!
قلت:
وما الدليل؟
فغضب الشيخ وصاح قائلاً:
إن عَمتي تقول يا شيخ سعد (وهو من الأولياء المزعومين الأموات) ،فأقول لها: يا عمتي وهل ينفعك الشيخ سعد؟ فتقول:أدعوه فيتدخل على الله فيشفيني!!
فقلت لهُ:
إنك رجل عالم قضيت عمرك في قراءة الكتب،ثُم تأخذ عقيدتك من عمتك الجاهلة!!
فقال لي:
عندك أفكـار وهابية! (نسبة إلى الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله)
وكُنتُ لا أعرف شيئاً عن الوهابية إلا ما أسمعه من المشايخ:فيقولون عنهم:إنهم مخالفون للناس،لا يؤمنون بالأوليــاء وكراماتهم المزعومة،ولا يحبون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. إلى غير ذلك من التهم الكثيرة الكاذبة التي لا حقيقة لها.
فقلت في نفسي:
إذا كانت الوهابية تؤمن بالاستعــانة بالله وحده،وأن الشافي هو الله وحده،فيجب أن أتعرّف عليها.
وبحثت عن هذه الجماعة،فاهتديت إليها.كان لهم لقاء مساء كل خميس يتدارسون فيه التفسير والفقه والحديث ،فذهبت إليهم بصحبةِ أولادي وبعض الشبــاب المثقّف .. فدخلنا غرفة كبيرة .. وجلسنا ننتظر الدرس .. وبعد برهة من الزمن دخل الشيخ،فسلَّم علينا،ثم جلس على مقعده،ولم يقم لهُ أحد؛فقلتُ في نفسي:هذا الشيخ مُتواضعٌ،لا يُحِب القيام.
بدأ الشيخ درسه بقوله:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره .. إلى آخرِ الخطبة التي كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه ،ثم بدأ يتكلم باللغة العربية الفصحى،ويورد الأحــاديث،ويبين صحتها وراويها،ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلما ذكر اسمه.وفي ختامِ الدرسِ وجهت لهُ الأسئلة؛فكان يُجيبُ عليها بالدليل من القرآن والسنة،ويناقش بعض الحاضرين فلا يرد سائلاً أو متكلماً،ثم قال في آخر درسه:الحمد لله على أننا مسلمون وسلفيون،وبعض الناس يقولون: إننا وهابيون،فهذا تنابز بالألقاب،وقد نهانا الله عن هذا بقوله: {ولا تنابزوا بالألقابِ} .
ولما انتهى الشيخ من درسهِ، خرجنــا ونحن مُعجبين بعلمهِ وتواضعهِ،وسمعت أحد الشبابِ يقول:
هذا هو الشيخ الحقيقي.
ومن هنا بدأت رحلتي إلى التوحيدِ الخالصِ،والدعوةِ إليهِ،ونشرهِ بين الناس اقتداء بسيدِ البشرِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.وإني لأحمد الله –عز وجل- الذي هداني لهذا،وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله،والحمد لله أولاً وآخراً.
نقل هذا الأستاذ محمد المسند في كتابهِ العائدون إلى الله 6 .
أبو عمر
11 Dec 2004, 09:46 AM
أخي الحبيب
بارك الله فيك على هذا النقل الطيب
والله أسال ان يكتب لك الأجر وأن يجزل لك المثوبه
وبانتظار المزيد المزيد من ابداعاتك
علم ودعوة وجهاد
13 Dec 2004, 08:24 AM
عبدالقادر التلمساني
كان الشيخ إبراهيم بن عيسى تاجراً في بيع الأقمشة يتحرى الصدق والأمانة والوفاء بالعهد ، وينتهز الفرص لدعوة وإرشاد من يتعاطى معه التجارة .
قال الشيخ الفاضل محمد نصيف:
وكان –أحمد بن إبراهيم بن عيسى الحنبلي النجدي- يتردد بين جدة ومكة لشراء الأقمشة من الشيخ عبد القادر بن مصطفى التلسماني. كان يدفع له أربعمائة جنيه ويشتري بألف، ويسدد الباقي على أقساط بضمانة مبارك المساعد.
وقد دام التعامل بينه وبين الشيخ التلسماني زمنا طويلا. وكان لصدقه وأمانته ووفائه بوعده اثر طيب في نفس التلسماني.حتى إنه لم ير ضرورة للضامن..
وقال له:
(إني عاملت الناس من أربعين عاما فما أحسن من التعامل معك يا وهابي،فيظهر أن ما يشاع عنكم يا أهل نجد مبالغ فيه من قبل خصومكم السياسيين.... )
فسأله الشيخ أحمد أن يبينها له.
فقال التلسماني:
يقولون إنكم لا تصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحبونه.
فأجابه الشيخ أحمد:
سبحانك هذا بهتان عظيم.كيف ومن لم يصل عليه في التشهد في الصلاة فصلاته باطلة،ومن لا يحبه فكافر.
وإنما نحن أهل نجد ننكر الاستعانة والاستغاثة بالأموات,ولا نستغيث إلا بالله وحده,ولا نستعين إلا به سبحانه,كما كان على ذلك سلف الأمة.
وقد استمر النقاش بينه وبين التلسماني ثلاثة أيام.وأخيرا هدى الله الشيخ التلسماني للحق, وصار موحدا ظاهرا وباطنا.
ثم سأله الشيخ التلسماني أن يوضح بعض أوجه الخلاف بينهم وبين خصومهم يعني في توحيد الأسماء والصفات_
فقال الشيخ أحمد:
إننا نعتقد أن الله فوق سماواته،مستو على عرشه استواء يليق بجلاله, من غير تشبيه ولاتجسيم ولاتأويل,وهكذا في جميع آيات الصفات والأحاديث,كما هي عقيدة السلف الصالح,وكما جاء عن الإمام أبي الحسن الأشعري في كتابيه: الإبانة في أصول الديانة,ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين.
وقدا دامت المناظرة بينهما خمسة عشر يوماً.
لأن الشيخ التلمساني كان أشعرياً,درس في الجامع الأزهر كتب العقائد:السنوسية,وأم البراهين,وشرح الجوهرة,وغيرها.
وقد انتهت هذه المناقشة الطويلة باقتناع الشيخ التلمساني بأن عقيدة السلف هي الأسلم والأحكم والأعلم.
ثم صار الشيخ التلمساني داعياً من دعاة العقيدة السلفيـة ، وطبع كتباً كثيرة ووزعها بالمجان..
علم ودعوة وجهاد
13 Dec 2004, 08:27 AM
الشيخ محمد هاشم الهدية.. رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان:
نشرنا الدعوة السلفية في عموم القارة الأفريقية
داعية مغربي هو الذي أدخل السلفية إلى السودان
اتهمونا بإنكار الكرامات وأننا لا نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم !
صبرنا كثيرا على معاكسات الصوفية
لدينا 700 داعية منتظمون وثمانية معاهد لتخريج الدعاة
----------------------------------------------
أجرى الحوار - إبراهيم رفعت:
محمد هاشم الهدية رجل فقيه سلفي كرس عمره الطويل في خدمة الدعوة مشمرا ساعده لمحاربة الخرافة والبدعة. والرجل يشهد له أبناء وطنه من أتباعه ومن خصوم دعوته بأنه إنسان هادئ الطبع واسع الأفق، عميق النظرة، غزير العلم، لين العريكة يتألف الناس لدعوته، ومع ذلك يمتاز بطلاوة الحديث وترك التكلف مما يضفي على الحوار معه متعة خاصة، عبر هذه الأسطر أجرت المجلة حوارا مع فضيلته طافت فيه معه في كل واد منذ تأسيس جماعته وإلى اليوم. في البداية نترك لفضيلته تعريفنا لشخصه الكريم؟ - بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، أنا محمد هاشم الهدية من مواليد مدينة رفاعة بالجزيرة حيث تلقيت القرآن الكريم وتعاليمه في القرية، عملت موظفا بالدولة لما يزيد عن ثمان وثلاثين عاما إلى أن تقاعدت في يناير 1968م. كنت صوفيا من أسرة صوفية حيث نشأت في بيت صوفي وبقيت صوفيا لأكثر من عشر سنوت وأخيرا عندما ظهرت دعوة التوحيد عندنا بالسودان دخلت فيها بعد نقاش طويل مع أصحابها الأمر الذي أدى لاقتناعي بها وظللت فيها منذ 1956م. تأسيس الجماعة
* أرجو أن تحدثنا عن نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان بدايتها ومراحل تطورها؟
- دعوة أنصار السنة هي دعوة التوحيد أو الدعوة السلفية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي خلاف الدعوات التي نشأت بعد ذلك، وقد كانت السلفية مفقودة عندنا بالسودان، بل لم تكن معروفة إلا في نطاق ضيق في العالم الإسلامي وبدأ ظهورها في السودان بمدينة (النهود) عام 1917م، على يد رجل مغربي اسمه عبدالرحمن بن حجر حيث تلقى على يديه الدعوة ثلاثة من إخواننا الأفاضل وهم الذين شكلوا النواة الحقيقية فيما بعد للدعوة بالسودان. هؤلاء الثلاثة ظلت الدعوة في نفوسهم لم يتمكنوا في الجهر بها لتمكن التصوف والصوفية في البلاد ومؤازرة الحكومة لها ولرجالها ولم يصدع بهذه الدعوة إلا الحاج أحمد حسون وهو أمير الثلاثة الرواد عام 1936م بمدينة أم درمان حيث أخذ يدرس العقيدة السلفية في بيته منذ ذلك الوقت. وزميلي حاول إقناعي كثيرا ولم أستجب له إلا بعد تسع سنوات لم ينقطع فيها عن دعوتي• دخلت الدعوة عام 1948م حيث انتقلت من التصوف إلى العقيدة السلفية على يد الشيخ عبدالباقي يوسف نعمة وهو أحد دعاة السلفية بالسودان في ذلك الوقت وظللت في الدعوة حتى الآن ولله الحمد.
كان العدد قليلا كالعادة حيث لم يتجاوز العدد عام 1948م الألف شخص لأننا كنا محاربين ومن توصية أستاذنا لنا أن لا نجابه السلطة ونحاربها وبالتالي هادنا السلطة نسيا لها لذلك صبرنا كثيرا على معاكسة الصوفية الذين يؤازرهم المستعمر في ذلك الوقت. صبرنا عليهم ولكن أراد الله تبارك وتعالى أن يهيىء من يلتحق بنا من الشباب المتعلم.
علم ودعوة وجهاد
16 Dec 2004, 09:20 AM
أبو إسحاق الحويني حجازي محمد شريف يروي قصة هدايته إلى العقيدة السلفية
ففي صيف عام (1395هـ) كنت أصلي الجمعة في مسجد ((عين الحياة)) ، وكان إمام إذ ذاك ، الشيخ عبد الحميد كشك (4) –حفظه الله تعالي - ، وكان تجار الكتب يعرضون ألواناً شتى من الكتب الدينية أمام المسجد ، فكنت أطوف عليهم و أنتقي ما يعجبني عنوانه ، فوقعت عيني يوما علي كتاب عنوانه (( صفة صلاة النبي صلي الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها )) . تأليف محمد ناصر الدين الألبانى . فراقني اسمه . فتناولته بيدي ، وقلبت صفحاته ، ثم أرجعته إلي مكانه ، لأنه كان باهظ الثمن لمثلي ، وكان إذ ذاك بثلاثين قرشا !
و مضيت أتجول بين بائعي الكتب ، فوقفت علي كتاب لطيف الحجم بعنوان (تلخيص صفة صلاة النبي صلي الله عليه وسلم )) .ففرحت به فرحة طاغية ، ولم تردد في شرائه وكان ثمنه خمسة قروش ، ولم أشتري غيره ، لأنه أتي علي كل ما في جيبى ! ومن فرحتي و إغتباطي به قرأته و أنا أمشى في طريقي إلي مسكني مع خطورة هذا المسلك علي من يمشي في شوارع القاهرة ، ولما أويت إلي غرفتي تصفحت الكتاب بإمعان ، فوجدته يدق بعنف ما ورثته من الصلاة عن آبائي إذ أن كثيرا من هيئتها لا يمت إلي السنة بصلة ،أ فندمت ندامة الكُسعِيِّ (5) اننى لم أشتر الأصل ، وظللت أحلم بيوم الجمعة المقبل – و أدبِّر ثمن الكتاب طوال الأسبوع - ، و أنا خائفٌ وجلٌ أن لا أجده عند البائع ، و كنت أدعو الله أن يطيل في عمرى حتى أقراه ، ومَنَّ الله علىَّ بشرائه فلما تصفحته ؛ ألقيت الألواح ، ولاح لي المصباح ُ من الصباح ! وهزَّنى هزَّا عنيفاً ، لكنه كان لطيفاً ؛ مقدمته الرائعة الماتعة في وجوب اتباع السُّنة ، ونبذ ما يخالفها تعظيماً لصاحبها صلي الله عليه وسلم ، ثُمَّ نقوله الوافيه عن ائمة المسلمين ، إذ تبرأوا من مخالفة السنة أحياء و أمواتا ، فرضي الله عنهم جميعا ، و حشرنا وإياهم مع الصادق المصدوق – بأبى هو و أمى – وقد لفت إنتباهى جدا حواشى الكتاب – مع جهلى التام آنذاك بكتب السنة المشهورة فضلا عن غيرها من المسانيد والمعاجم والمشيخات و كتب التواريخ ، بل لقد ظللت فترة فى مطلع حياتى – لا أدرى طالت أم قصرت – أظن أن البخاريُّ صحابيُّ ، لكثرة ترضى الناس عنه .
وعلى الرغم من عدم فهمى لما فى حواشى الكتاب ، إلا اننى أحسستُ بفحولة وجزالة لم أعهدها فى كل ما قرأتُهُ ، فملك الكتاب على حواسىّ ، وصرت فى كلِّ جمعة أبحث عن مؤلفات الشيخ ناصر الدين الالبانى ، ولم تكن مشهورةً عندنا في ذلك الوقت ، لكساد الحركة العلمية ، فوقفت بعد شهرٍ تقريبا على جزء من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " – المائة حديث الأولى ، فاشتريته في الجمعة التى تليها لاتمكن من تدبير ثمنه .
أمَّا هذا الكتاب فكان قاسمة الظهر التى لا شوى لها ! ، وهو الذى رغَّبنى فى دراسة علوم الحديث .
قلتُ : إنَّ الحركة العلمية كانت هامدةً في ذلك الوقت ، وكل من تصدَّر لوعظ الناس فهو عندنا عالمٌ ، فما بالك بأشهر الواعظين عندنا في ذلك الزمان - وهو الشيخ كشك – الذي كان له بالغ التأثير في الناس بحسن وعظه ، ومتانة لفظه ، وجرأته في الصدع بالحق ، لم ينجُ منحرفٌ من نقدهِ مهما كان منصبه، وكان فى صوته – مع جزالته – نبرة حُزن ، ينتزع بها الدمع من المآقى إنتزاعاً ، حتي من غلاظ الأكباد و قساة القلوب ، فكان هذا الشيخ العالم الأول والأخير عندي ، لا أجاوز قوله . وقد انتفعت به كثيرا في بداية حياتى ، كما انتفع به خلقٌ ، لكننى لما طالعت " السلسلة الضعيفة " وجدت أن كثيراً من الأحاديث التى يحتج بها الشيخ منها ، حتى خيل إِلىَّ أنه يحضر مادَّة خطبه من هذه " السلسلة " ، وسبب ذلك فيما أرى أن الشيخ حفظ أحاديثه من كتاب " إحياء علوم الدين " لأبى حامد الغزالى ، وكان الغزالى – رحمه الله – مزجى البضاعة فى الحديث ، تام الفقر فى هذا الباب !
فعكَّر علىَّ كتاب الشيخ ما كنت أجدهُ من المتعة في سماع خطب الشيخ كشك حتى كان يومٌ ، فذكر الشيخ على المنبر حديثا عن النبى صلي الله عليه وسلم قال : (( إن الله يتجلي يوم القيامة للناس عامة ، ويتجلي لأبى بكر الصديق خاصة (6) )) . فلأول مرة أشك فى حديث أسمعه ، وأسأل نفسى : ترى ! هل هو صحيح أم لا ؟ ومع شكى هذا فقد انفعلت له و تأثرت به بسبب صراخ الجماهير من حولى ، استحساناً و إعجاباً ! .
ولما رجعت الى منزلى ، قلبت " السلسلة الضعيفة " حديثا حديثا أبحث عن الحديث الذي ذكره الشيخ كشك فلم أجده فواصلت بحثي ، فبينما كنت فى بعض المكتبات وقفت على كتاب " المنار المنيف " لابن القيم – رحمه الله – بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقى – رحمه الله – فوجدتُ الحديث فيه ، وقد حكمَ الإمامُ عليهِ بالوضع فيما أذكرُ ، فعزمت على إبلاغ الشيخ بذلك نصيحة لله تعالى ، وقد كان رسخ عندى أن التحذير من هذه الأحاديث واجبٌ أكيدٌ .
وكان للشيخ جلساتٌ فى مسجده بين المغرب والعشاء ، فذهبتُ فى وقتٍ مبكرٍ لألحق بالصف الأول حتي أتمكن من لقائه فى أوائل الناس ، فلما صلينا جلس الشيخُ على كرسيه فى قبلة المسجد ، وكان له عادة غريبةٌ وهي أنه يمدُّ يده ، فيقفُ الناس طابوراً طويلاً ، فيصافحونه ، ويقبِّلون يده وجبهته ، و يُسُّر إليه كل واحد بما يريد ، و كنت العاشرَ فى هذا الطابور ، فقلت في نفسى : وما عاشر عشرة من الشيخ ببعيد !
فلما جاء دوري ، قبَّلتُ يده وجبهته ، وقلت له : إنَّ الحديث الذى ذكرتموه في الجمعة الماضية – وسميتُه – قال عنه ابن القيم أنه موضوع .
فقال لى : بل هو صحيح ، فلما أعدت عليه القول ، قال كلاماً لا أضبطه الأن لكن معناه أن ابن القيم لم يُصِب في حكمه هذا ، ولم يكن هناك وقت للمجادلة ، لأن من فى الطابور ينتظرون دورهم !
ومما حزَّ فى نفسى أن الشيخ سألنى عن العلة فى وضع الحديث فلم يكن عندى جواب ، فقال لى : يابنى ! تعلم قبل أن تعترض ، فمشيت من أمامه مستخذياً ؛ كأنما ديكٌ نقرنى !
وخرجت من مسجد (( عين الحياة )) ولدىَّ من الرغبة في دراسة علم الحديث ما يجلُّ عن تسطير وصفه بنانى ، ويضيق عطنى ، ويكُّل عن نعته لسانى ، وكان هذ العلم آنذاك شديد الغربة ، ولست أبالغ اذا قلت : إنه كان أغرب من فرس بهماء بغلس !!
وطفقت اسأل كل من ألقاه من إخوانى عن أحد من الشيوخ يشرح هذا العلم ، أو يدلني عليه ، فأشار على بعض إخوانى – وكان طالبا في كلية الهندسة – أن أحضر مجالس الشيخ محمد نجيب المطيعى رحمه الله تعالى وكان شيخنا - رحمه الله – يلقى دروسه فى ( بيت طلبة ماليزيا ) بالقرب من ميدان ( عبده باشا ) ناحية العباسية ، وكان يشرح أربع كتب ، وهي ( صحيح البخارى ) و ( المجموع ) للنووى ، و( الاشباه والنظائر ) للسيوطى ، ( إحياء علوم الدين ) للغزالى ، فوجدت في هذه المجالس ضالتى المنشودة ، ودرتى المفقودة ، فلزمته نحو أربع سنوات حتى توقفت دروسه بعد الإعتقالات الجماعية التى أمر بها أنور السادات و أنتهي الامر بمقتله في حادث المنصة الشهير ، و رحل الشيخ - رحمه الله – إلى السودان ، وظل هناك حتى توفى - رحمه الله – بالمدينه ودفن فى البقيع كما قيل لى . رحمه الله تعالي .0
و أتاحت لى هذه المجالس دراسة نبذ كثيرة من علمى أصول الحديث و أصول الفقه ، و والله ! لا أشطط إذا قلت : إننى أبصرت بعد العمى لما درست هذين العلمين الجليلين ، و أقرر هنا أن الجاهل بهذين العلمين لا يكون عالما مهما حفظ من كتب الفروع ، لأن تقرير الحق في موارد النزاع لا يكون الا بهما ، فعلم الحديث يصحح لك الدليل ، و علم أصول الفقه يسدد لك الفهم ، فهما كجناحى الطائر .
ولم يكدر علي متعتي بدروس الشيخ المطيعي رحمه الله إلا حطه علي الشيخ الالباني صاحب الفضل على بعد الله عز وجل ، وكان ذلك بعد حادثة طويلة الزيل ملخصها : أن شيخنا المطيعى - رحمه الله – كان يتكلم عن قضاء الفوائت ، و أن من لم يصل ولو لسنوات ، فيجب عليه القضاء ، و أطال البحث في ذلك . فقلت له – ولم يكن عندي علم بمن يقول بغير هذا المذهب من القدماء – قلت : إن الشيخ الألبانى يقول : ليس هناك دليل على وجوب القضاء . فقال لى بلهجة . علمت بعد ذلك بزمانٍ انه كان يقولها تهكماً : من الألباني ؟ فقلت له : أحد علماء الحديث .
قال : لعله أحد أصحابنا الشافعية ؟
قلت : لا أدري ، لكنه معاصر لنا ، وقد علمت انه لا يزال حيا .
فقال لي حينئذٍ : دعك من المعاصرين .
وكانت هذه أول مرة أسمعه يتكلم عن الألباني ، ثمَّ توالي السيلُ .
ثم جاء الشيخ الألباني الى مصر فى حدود سنه ( 1396هـ) أو بعدها بقليل ، وألقى محاضرة في المركز العام لجماعة أنصار السنة في عابدين ، وكانت محاضرته عن تخصيص السنة لعام القرآن ، وتقيدها لمطلقه ، وذكر من أمثلة ذلك الذهب المحلَّق .
ولم يكن عندي علم بمحاضرة الشيخ ولا وجوده ، فرحل ولم أره ، وكان إحدى أمانىَّ الكبار أن ألتقى به ، ولم يتحقق لى ذلك إلاَّ بعد زمان طويل وذلك فى أول المحرم سنة (1407 هـ) وكان قد طبع لى بعض الكتب منها " فصل الخطاب بنقد المغنى عن الحفظ والكتاب " و كنت فى هذه الفترة أتتبع كل أخبار الشيخ فكانت تصلنى أخبارٌ عن شدته على الطلبة وقسوته عليهم، و اعتذاره عن التدريس بسبب ضيق الوقت و ارهاق الدوله له ، فكدتُ أفقدُ الأملُ حتى قيَّض الله لى أن ألتقي بصهر الشيخ – الأخ نظام سكجّها – فى فندق بحيّ الحسين بالقاهرة ، فسألتُه عن الشيخ و إمكان التتلمُذ عليه ، فأخبرنى أن ذلك متعذرٌ ، ولكن تعال وجرِّبْ !
فكان من خبرى أن سطَّرتُ رسالة للشيخ قلتُ له فيها : إننى علمتُ أنكم تطردون الطلبة عن بابكم ، ولدىَّ أكثر من مائتى سؤال فى علل الأحاديث ومعانيها ، ولا أقنع إلاَّ بجوابكم دون غيركم ، فسأجمع همتى و أسافر إليكم فلا تطردونا عن بابكم ، أو كلاماًَ نحو هذا .
و أخبرنى الأخ نظامٌ بعد ذلك أن الشيخ تألمَّ لما قرأ حكاية " الطرد " هذه .
وسافرت إلى الشيخ فى أول المحرم سنة (1407 هـ) ، و استخرجتُ تصريح العمل الذي يُخوِّل لى السفر بأعجوبةٍ عجيبةٍ ، و أُمضيت ثلاثة أيامٍ فى الطريق كان هوانى فيها شديداً ، ومع ذلك لم أكترث له ، لما كان يحدوني من الأمل الكبير في لقاء الشيخ .
ولما نزلت عمَّان استقبلنى الأخ الكريم أبو الفداء سمير الزهيري جزاه الله خيرا، إذ أعانني في غربتى ، و آوانى فى داره ، و بعد الوصل بقليلٍ ، كلَّمنا الشيخ بالهاتف ، فرحَّب بى غاية الترحيب ، وقال لى : حللت أهلاً ونزلت سهلاً ، ولم أصدق أذنى ! ، فأنا ذاهبٌ اليه وقد هيأت نفسى تماماً على الرضا بالطرد ، إذا فعل الشيخ ذلك .
وقد بدأنى بالسلام ، فرددتُ عليه السلام بمثل ما قال . فقال لى : ما أحسنت الردَّ ! فقلتُ : لما يا شيخنا ؟
فقال لى : إجعل هذا بحثاً بينى وبينك إذا التقينا غداً !
و ظللتُ ليلتى أُُفكر فى هذا الأمر ؛ ترى : ما وجهُ إساءتى الردَّ ، حتى خمنت أن الرادَّ ينبغى له أن يزيد شيئاً في ردِّه نحو : (( و عفوه ، ورضوانه )) ولم أكن وقفتُ على الحديث الذى قوى الشيخ فيه زيادة (( ومغفرته )) في الرد .
وكان الشيخ يصلى الغداة فى (( مسجد الفالوجا )) بجوار منزل أبى الفداء ، ولم أذق طعم النوم ليلتى بسبب تأمُّلى المسألة التي طرحها الشيخ ، و لم تكتحل عينى بنومٍ إلاَّ قبيل الفجر ، وراح علىَّ بسبب ذلك لقاء الفجر مع الشيخ ، وكلمناه فى الصباح ، فأعطانا موعداً عقب صلاة العشاء في منزل أبى الفداء .
يتبع
علم ودعوة وجهاد
16 Dec 2004, 09:24 AM
وكان لقاءً حاراًّ ، بدأنى الشيخ بالعناق ، لأننى لا يمكن أن أبدأه بذلك هيبةً له ، وكان معنا في هذا اللقاء الأخ الفاضل أبو الحارث على الحلبى حفظه الله ، وجلسنا نحو ساعةٍ ونصف الساعة نسألُ ، والشيخ يجيبُ ، فلما تصرمت الجلسة ، وخرجنا من الدار ، إنتحيتُ بالشيخ جانباً ، وشرحتُ له باختصارٍ ما كابدتهُ فى السفر إليه ، ولم يخرجنى من بلدى إلاَّ طلبُ العلم ، فلو أذن لى الشيخ أن أخدمه وأساعده لأتمكن من ملازمته ، فشكرنى و اعتذر لى ، نظراً لضيق وقته . فقلت له : أعطنى ساعة كل يوم أسألك فيها . فاعتذر
فقلت له : أعطنى ما يسمح به وقتك ولو كان قصيراً ، فاعتذر !
فأحسست برغبة حارَّة ٍفى البكاء ، وتمالكت نفسى بعناء بالغٍ ، و أطرقتُ قليلاً ثم قلت للشيخ : قد علم الله أنه لم يكن لى مأربٌ قطُّ إلاَّ لقاؤكم و الإستفادةُ منكم ، فإن كنتُ أخلصتُ نيتى فسيفتح الله لى ، وانْ كانت الأخرى ؛ فحسبى عقاباً عاجلاً أن ارجع إلى بلدى بخفى حنين !
وانا سأدعو الله أن يفتح قلبك لى .
ولست أنسى هذا الموقف ما حييت .
ثم التقيت بالشيخ فى صلاة الغداة من اليوم التالى ، فقبلتُ يده – وهذا دأبى معه – فقال لي : لعلَّ الله استجاب دعاءك ؛ وكان فاتحة الخير . وكنت أكاد وقن أن الله سيستجيبُ لى ، وأن الشيخ سيقبلنى عنده ، لا سيما بعد أن قابلت الأستاذ أحمد عطية – وكان من معظمى الشيخ قبلُ - ، فاستضافنى فى داره وقال لى : لما طبع كتابك (( فصل الخطاب بنقد المغنى عن الحفظ والكتاب )) اشتريت منه نسخة وقرأته فأعجبنى أنه على طريقة الشيخ ، وكان الشيخ يقول : ليس لى تلاميذ – يعنى على طريقته فى التخريج والنقد – قال : فأرسلت هذا الكتاب الى الشيخ وقلت له : وجدنا لك تلميذا ، وراجعتُ الشيخ بعد ثلاثة أيام فقال : نعم .
قلت : لمَّا قصَّ علىَّ الأستاذ أحمد عطية هذه الحكاية ضاعف من أملى أن يقبلنى الشيخ عنده .
ووالله ! لقد عاينت من لطف الشيخ بى ، وتواضعه معى شيئا عظيما ، حتى أنه قال لى يوماً : صحَّ لك ما لم يصحُّ لغيرك ، فحمدت الله عز وجل على جسيم منته ، وبالغ فضله ونعمته .
فمن ذلك أننى كلما التقيتُ به قبلت يده ، فكان ينزعها بشدَّة ، ويأبى علىَّ ، فلما أكثر قلتُ له : قد تلقينا منكم فى بعض أبحاثكم فى " الصحيحة " أن تقبيل يد العالم جائز .
فقال لى : هل رأيت بعينيك عالماً قطُّ ؟
قلت : نعم ، أرى الآن .
فقال : إنما أنا " طويلبُ علمٍ " ، إنما مثلى ومثلكم كقول القائل :
إن البُغَاثَ بِأَرْضنَا يَسْتَنْسِرُ !
وبدأت جلساتى مع الشيخ بعد كل صلاة غداةٍ فى سيارته ، ولمدة ساعة ، ثم زادت المدة حتى وصلت الى ثلاث ساعات .
واستمر هذا الأمر ، حتى جاء يومٌ ولم يُصلِّ الشيخ معنا صلاة الغداة ، فحزنت لذلك لضياع هذا اليوم علىَّ بلا استفادة ، واستشرت من أثق برأيه من إخوانى : هل أذهب الى الشيخ فى بيته أم لا ؟
فكان إجماعهم أن لا أذهب ، لأنك لا تعلم ما ينتظرك هناك ، ولا يذهب أحد الى الشيخ فى بيته إلَّا بموعدٍ سابقٍ ، فلربما ردَّك ، فلا يكون بك لائقًا ، لا سيما بعد المكانة التى صارت لك عند الشيخ .
وتهيبتُ الذهاب ، ولكن قوى من عزمى أمران :
الأول : أن رفيقى آنذاك والذى كان يصحبنى بسيارته الأخ الفاضل الباذل أبو حمزة القيسى جزاه الله خيراً – قد أيدنى فى الذهاب .
الثانى : أننى استحضرت قصةً لابن حبان مع شيخه ابن خزيمة ذكرها ياقوتُ بسنده إلى أبى حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابورى قال : كنا مع أبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فى بعض الطريق من نيسابور ، وكان معنا أبو حاتم البُستى ، وكان يسألُه ويؤذيه ، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة : يا بارد ! تنحَّ عنى ولا تؤذينى ! أو كلمة نحوها ، فكتب أبو حاتم مقالته ، فقيل له : تكتب هذا ؟ قال : أكتب كل شىء يقوله الشيخ )) ا هـ .
فقلتُ فى نفسى : ومالى لا أفعل مثلما فعل ابن حبان ؟ وحتى لو قال لى الشيخ مقالة ابن خزيمة لعددتها من فوائد ذلك اليوم .
وانطلقنا اليه ، وكان من أفضل أيامى التى أمضيتُها فى هذه الرحلة ، فقد استقبلنى الشيخ استقبالا كريما ، وأمضيت معه أكثر من ساعتين ، وكان
يخدمُنا بنفسه ، ويأتينا بالطعام يضعه أمامنا ، فكلما هممت أن أساعده أبى علىَّ ، ويشيُر أن أجلس ، ويقول : (( الإمتثالُ هو الأدبُ بل خيرٌ من الأدبِ ))
ويعنى به : أن الإمتثال لرغبته فى الجلوس خير من سلوكى الذى أظنُّه أدباً ، لأن طاعتى له هى الأدب . وكان يوماً حافلا قص على الشيخ فيه ما جرى بينه وبين الشيخ محمد نسيب (7) الرفاعى حفظه الله .
ولا يفوتنى أن أقول : كنت قابلت الشيخ نسيب الرفاعى بصحبة الأستاذ أحمد عطية المتقدم ذكره فى بيته بحى الهاشمى فى عمان البلقاء ، ولقلما رأت عيناى مثله فى تواضعه وأدبه وحسن خلقه ، وكان معظم كلامه عن الشيخ الألبانى ، وبرغم تقاربهما فى السن الا أنه كان يبالغ فى تعظيم الشيخ ، وقال لى : أنا مدينٌ بالفضل لرجلين : الأول : ابن تيمية ، والثانى : الألبانى .
وقال لى : لقد تآزرنا فى نشر الدعوة السلفية فى سوريا ، وكان الشيخ يزورنا فى حلب ، فدخلت على ابنتى " عائشة " وكانت صغيرة ، فقال لى الشيخُ : لو كانت كبيرة لتزوجتها وكنت منى بمنزلة أبى بكر من محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، فانظر ما كان بينى وبينه من الآصرة .
وقرأ علينا أبو غزوان مقدمته لكتابه : (( التوصل الى حقيقة التوسل )) وقصَّ علىَّ أشياء ذكرتها فى (( طليعة الثمر الدانى فى الذب عن الألبانى )) . وهو القسم الخاص بترجمة الشيخ الألبانى حفظه الله تعالى .
وقد أمضيت نحو شهر فى هذه الرحلة ، ولما علم الشيخ بموعد سفرى دعانى على الغداء عنده فى يوم الرحيل ، وسألنى عن حال السلفيين فى مصر ، وسألته عن الطريقة المثلى لنشرة الدعوة ، وكيف نواجة المخالفين لنا ، وكان يوما حافلا أمضيته مع ( عميد السلفيين ) فى العالم الإسلامى حفظه الله وبارك فى عمره0
--------------------------------------
(1) اقتباس من كلام الإمام الجليل محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ورضي عنه في مقدمته لكتابه ( الرسالة ) تحقيق المحدث النبيل أبي الأشبال أحمد شاكر رحمه الله .
(2) قال النبي صلي الله عليه وسلم لبديل بن ورقاء الخزاعي : ((إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلا فَقَدْ جَمُّوا ، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي ، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ )) فَقَالَ بُدَيْلٌ : سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ .
(3) توفي شيخنا رحمه الله و رضي عنه يوم السبت 22 / جمادي الآخرة / 1420 هـ الموافق 2/ 10/1999 بعد عصر هذا اليوم ، فاللهم ارض عنه و اغفر له و ارحمه كفاء ما قدَّم للمسلمين من تقريب السنة والذب عنها .
(4) ثم ثوفي الشيخ رحمه الله في رجب ( 1417هـ) اللهم اغفر له و ارحمه ، وارض عنه كفاء ما نافح عن دينك ، وما جاهر بكلمة الحق .
(5) و في " لسان العرب " ( 4/3876 ) قال : " والكسعي الذى يضرب به المثل في الندامة ، وهو رجل رام رمي بعد ما أسدف الليل عيرا فأصابه ، و ظن أنه أخطأه فكسر قوسه ، وقيل : وقطع أصبعه ثم ندم من الغد حين نظر إلي العير مقتولا وسهمه فيه ، فصار مثلا لكل نادم علي فعل يفعله ، و اياه عني الفرزدق لما قال:
ندمت ندامة الكسعى لما غدت مني مطلقة نوار
وقول الآخر :
ندمت ندامة الكسعى لما رأت عيناه ما فعلت يداه "
وذكر ابن منظور سببا آخر
(6) وهو حديث باطل كما حققته عند الرقم ( 1529 ) من هذا الكتاب والحمد لله
(7) ثم توفى رحمه الله يوم الأربعاء الرابع عشر جمادى الآخرة سنة ( 1412هـ) فاللهم ارض عنه وتقبله
موقع الشيخ:
http://www.alheweny.com/index2/index.htm
أبو طالب الأنصاري
19 Dec 2004, 11:30 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاك الله خيرا أخى
أخى بارك الله فيك ارى من الافضل إن كان الموضوع طويل أن تقسمه أجزاء حتى يستفيد الجميع
كتب الله أجرك و جعل ما نقلت فى ميزان حسناتك
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir