سيف الرحمن11
17 Mar 2012, 05:48 AM
سم الله الرحمن الرحيم
عمد المحتل البريطاني منذ احتلاله لمصر على زحزحة الشريعة الإسلامية عن الحكم والتحاكم، واتبع في ذلك خطة ذات شقين:
الأول: تربية أجيال تعتنق الفكر الديمقراطي العلماني.
والثاني: سن تشريعات مخالفة لشريعة الإسلام تنظم حياة الناس ليتسنى له السيطرة على بلاد الإسلام وإبقائها تابعة فكريا وثقافيا وقانونيا واقتصاديا وعسكريا له.
وتتبـُع خطوات الشيطان الإنجليزي ومن بعده العلمانيين الذين حكمونا في استبدال التشريعات الإسلامية بالتشريعات الوضعية خارج نطاق هذا البحث، ولكننا هنا سنعرض لمدى المخالفة الواقعة بين التشريعات المعمول بها حاليا في مصر وبين الشريعة الإسلامية ليتبين للقارئ المسلم مدى الانحراف الدستوري والقانوني الذي ذهبت إليه الأنظمة الحاكمة للشعب المسلم في مصر، وأن هذه الحقيقة أصبحت مؤكدة مسلما بها حتى في وثائق النظام نفسه.
ومن أظهر الأمثلة على ذلك ما أقر به القاضي عبد الغفار محمد في القضية (462/81) أمن دولة عليا طوارئ والمعروفة "بقضية الجهاد الكبرى" والتي تعد أكبر قضية في تاريخ القضاء المصري حيث أتهم فيها 302 متهما حضر منهم أكثر من 280 متهما، وتـُعد أيضا من أهم ـ إن لم تكن أهم ـ القضايا في تاريخ القضاء المصري نظرا للقضايا الخطيرة التي فجرتها وسوف نذكر نص كلام القاضي في البحث بإذن الله (1).
سؤال:
من نص المادة الثانية بالدستور المصري:
"ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
فما هي هذه المبادئ؟
بالتأكيد هناك معنى لكلمة "مبادئ !
اسمحوا لي أن أثير هذا السؤال، لأني لا أعرف له إجابة !
درست الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق، وعندي مكتبة إسلامية منذ كنت في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية، وقد بلغت الخمسين عاما، ولا أعرف معنى محدداً لجملة تأخذ نصف مساحة المادة الثانية من دستور بلدي !
ألا ترون معي غرابة ذلك الشيء، المصدر الرئيسي للتشريع في بلد ما، يجب أن يكون محددا، معروفاً، مدروساً !
فما المراجع التي يمكننا الاعتماد عليها لشرح وتحديد: مبادئ الشريعة الإسلامية؟
هل يوجد في مصر، أو في أي مكان بالعالم كتاب عنوانه: مبادئ الشريعة الإسلامية؟ بحيث نقلب صفحاته، فنجده يقول: المبدأ الأول كذا والثاني كذا... إلخ؟
كم شهادة "ماجستير" في جامعات القاهرة والإسكندرية والأزهر، منحت لدارسين تخصصوا في حصر وشرح وتبويب مبادئ الشرعة الإسلامية؟
كم رسالة "دكتوراة"؟
كم قسم في كليات الحقوق والشريعة تخصص في مبادئ الشريعة، التي هي المصدر الرئيسي للتشريع؟
حتى المحكمة الدستورية العليا، لم تجد تعريفاً محدداً غير: "الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، ومبادئها المقطوع بثبوتها ودلالاتها"! فسر الماء بالماء، وفسر المبادئ بالمبادئ !
فهل يتفضل فقهاء المحكمة الدستورية، ويعطوننا أمثلة حصرية لتلك الأصول الكلية، مقطوعة الثبوت والدلالة؟
أرجو أن يتفضل فرد، أو جهة، بإجابة محددة، لها بداية ونهاية :ما هي مبادئ الشريعة؟؟؟(2).
أما الإجابة على هذا السؤال الهام، فنقول وبالله التوفيق:
من المعلوم أن المادة الثانية في الدستور المصري نصت على أن: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
واعلم - وفقني الله وإياك - أن هذا النص قد ورد في كل الدساتير المصرية السابقة على دستور1971م، ما عدا دستور 1958م "دستور الوحدة مع سوريا"، غير أنه لم يكن يتضمن العبارة الأخيرة التي تنص على أن"مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، والتي أضيفت في دستور 1971م دون الألف واللام، ثم أضيف إليها في التعديل الأول للدستور عام 1980م، في عهد السادات، وقد أبقى عليه المجلس العسكري في 30 مارس 2011م في "الإعلان الدستوري" وذلك بعد ثورة 25 يناير والتي أطاحت بحكم حسني مبارك.
واعلم - هداني الله وإياك للصواب - أن هذه المادة المذكورة آنفا هي مادة خاطئة في نصها وملبسة على الناس أمر دينها ومفرغة عن معناها!
أما كونها خاطئة في نصها:
فلأنها نصّت على "مبادئ الشريعة الإسلاميّة"، ولم تنص على "أحكام الشريعة الإسلاميّة".
و"مبادئ الشريعة" كما عرفها عبد الرزاق السنهوري: "كلياتها التي هي ليست محل خلاف بين الفقهاء"، وهو أول من وضع هذا المفهوم في النظام القانوني المصري، وبالتحديد في القانون المدني الذي صدر سنة 1947م والذي لا زال مطبقًا في مصر حتى الآن.
وأنا أختاره هنا كتعريف أدق من ذلك الذي وضعته المحكمة الدستورية العليا في أحكامها بأنها الأحكام الشرعية قطعية الثبوت والدلالة باعتبار أن من الشريعة ما يكون مستمد من طريق الاستقراء التام من نصوص الشريعة (مثل الضروريات الخمس).
والضروريات الخمس من "حفظ الدين" و"حفظ النفس" و"حفظ العرض" و"حفظ العقل" و"حفظ المال" لا خلاف بين البشر عليها، فلا ترى شريعة من الشرائع السماوية أو الوضعية تبيح "السرقة" مثلا، فكلهم متفقين على وجوب "حفظ المال" ولكن الخلاف بينهم وبين الإسلام في في توصيف جريمة السرقة وعقوبتها، وعلى هذا فقس.
وأما على قول السنهوري فمبادئ الشريعة هي: "لا ضرر ولا ضرار"، و"درءُ المفاسد مقدّم على جلب المصالح" و"ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب"، و"الحكم يدور مع العلّة وجودًا وعدمًا"، و"الضرورات تبيح المحظورات"، وبهذا فإنه يمكن أن تشترك فيها كثير من القوانين الوضعيّة مع الشريعة الإسلاميّة، ومع ذلك تختلف معها في الأحكام.
فما هو النزاع بين الإسلام وغيره من الأنظمة غير الإسلامية ؟؟؟
والجواب هو أن الإسلام لا يصطدم مع عقلاء البشر في وجوب جلب المصالح ودفع المفاسد وإنما النزاع في تحديد المصالح وكيفية جلبها وتحديد المفاسد وكيفية دفعها، فبعدما اتفقنا على وجوب جلب المصالح ودفع المفاسد اختلفنا في تحديد معنى المصالح وكيفية تحقيقها ومعنى المفاسد وكيفية دفعها، وتميز الإسلام عنهم بذلك، فالربا مثلا وهو من أعظم المصالح عندهم، هو ذاته من أعظم المفاسد في الإسلام، التي تستوجب محاربة الله سبحانه ورسوله ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون﴾. هذا من حيث تعريف حقائق الأشياء، أما من حيث أحكام المصالح والمفاسد بعد الاتفاق على حقيقتها -أعني المصالح والمفاسد- كالزنا مثلا، فبعد الاتفاق على مفسدتها، تميز الإسلام عن غيره من الأنظمة في الأحكام المتمثلة في كيفية الثبوت وإجراء العقوبات، فالقانون المصري الوضعي في المواد (167، 268، 274، 275، 276، (277 يتنافى ويختلف مع أحكام الشريعة الإسلامية في توصيف جريمة الزنا وعقوبتها.
فمثلا جريمة الزنا لا تعد فاعلته مجرمة إلا إذا وقع في بيت الزوجية وبغير رضا الزوج أو كانت قد اتخذته مهنة. وحتى إذا اتخذته مهنة فإن الفاعل لا يعد مجرما بل يأتي شاهدا عليها. وعقوبة الزوجة الزانية هي الحبس مدة لا تزيد على سنتين، يقول الدكتور محمود محمود مصطفى في شرح قانون العقوبات: "وقد اقتبس الشارع المصري أحكام الزنا من القانون الفرنسي المواد (237،239)"، وقال أيضاً: "تنص المادة (247 عقوبات) على ما يأتي: المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت"، إلى آخر هذه الانحرافات التي تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وصدق الله العظيم ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة﴾.
ب- المواد ( 313، 314، 315 أ، 316، 316 مكرر، 317، 318، 323، 324) تختلف مع حكم الشريعة في جريمة السرقة من حيث توصيف الجريمة وعقوبتها.
ج- المواد (230، 234، 236) تختلف صراحة مع حكم الشريعة في جريمة القتل.
وأما كونها ملبسة على الناس أمر دينها:
فلأنها أوهمت الناس أنهم أمام دستور إسلامي، فقد صيغت بدهاء بحيث تخدع الشعب المسلم، ولا تؤدّي لتطبيق أحكام الإسلام، وقد تنبّه لهذا العجز والقصور في المادة الثانية من الدستور القاضي عبد الغفّارِ محمّد في حكمه في أكبر قضيّة في تاريخ القضاء المصريّ، وأكثرها شهرة، وهي "قضيّة الجهاد الكبرى"، حيث ذكر في حيثيّات حكمه: "بخصوص الموضوع الثاني فالذي استقرّ في ضمير المحكمة، أنّ أحكام الشريعة الإسلاميّة غير مطبّقة في جمهوريّة مصر العربيّة، وهذه حقيقة مستخلصة من الحقيقة الأولى وهي وجوب تطبيق الشريعة".
ثم راح يسرد الأدلّة على غياب الشريعة ومنها: "وجود مظاهر في المجتمع المصريّ لا تتّفق مع أحكام الشريعة الغرّاء، من ملاهٍ ترتكب فيها الموبقات يرخّص بإدارتها من الدولة، إلى مصانع خمور يرخّص بإنشائها من الدولة، إلى محالٍّ لبيع وتقديم الخمور يرخّص بإدارتها من الدولة، إلى وسائل إعلام سمعيّة ومرئيّة ومقروءة تذيع وتنشر ما لا يتّفق على أحكام الشريعة الإسلاميّة، إلى سفورٍ للمرأة يخالف ما نصّ عليه دين الدولة الرسميّ وهو الإسلام".
كما قرّر في موضع آخر: "حقيقةً أنّ المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها نصّت على أنّ الإسلام دين الدولة الرسميّ، واللغة العربيّة لغتها الرسميّة، ومبادئ الشريعة الإسلاميّة المصدر الرئيسيّ للتشريع، إلاّ أنّه يكفي المحكمة تدليلاً على أنّ أحكام الدستور لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلاميّة ما قرّره: "عمر أحمد عبد الرحمن" باعتباره من علماء المسلمين أمام المحكمة بجلسة الثالث من سبتمبر سنة (1983م) من أنّ الدستور يتصادم مع الشريعة الإسلاميّة، ولا يتحاكم إليها، فالمواد: ) 86،107، 108، 109، 112، 113، 189)؛ تعطي لمجلس الشعب حقّ التشريع وسنّ القوانين، وهو في الإسلام لله وحده.
كما أنّ المادة (75) من الدستور لا تشترط الإسلام والذكورة في رئيس الدولة، وهو أمر يخالف إجماع الفقهاء.
والمادة (165) تنصّ على أنّ الحكم في المحاكم بالقانون الذي لا يتفق في أسلوب إصداره ونصوصه مع الشريعة الإسلاميّة".
كما قرّر - في موضعٍ آخر- في معرض بيان حالة المجتمع المصريّ قبل وقوع أحداث القضيّة: "غياب شرع الله عن أرض جمهوريّة مصر العربيّة، وهو ما سبق للمحكمة أن دلّلَت عليه بأدلّة قاطعة لا ترى حاجة لتكرارها ولكنّها تُشير إلى أنّ السلطة التشريعيّة لم تنتهِ بعد من تقنين أحكام الشريعة الإسلاميّة، وكانت قد بدأت في هذا العمل منذ عام (1979م)، هذا إلى وجود مظاهر في المجتمع المصريّ لا تتّفق بأيّ حال مع قواعد الإسلام، فلا يُتَصَوّرُ أنّ دولة دينها الإسلام وتُرخّص لملاهٍ تُرتكَب فيها موبقاتٌ، وتُرخّص لمصانع لإنتاج الخمور، أو محالٍّ لبيعها وشربها، أو تُصرّح لوسائل الإعلام المرئيّة أو السمعيّة أو المقروءة بنشر أو إذاعة ما لا يتّفق مع شرع الله، أو سفور المرأة بصورة تخالف ما نصّ عليه الإسلام".انتهى كلام القاضي عبد الغفّار محمد في أكبر قضيّة في تاريخ القضاء المصريّ وأكثرها شهرة.
ولا يليق أن ينتبه لهذا العجز والقصور القاضي عبد الغفّار محمد وهو القاضي الذي يحكم بالقانون العلمانيّ ولا ينتبه له الكثير من الدعاة والعاملين للإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله!!.
وها هو الواقع يُنبّئنا بأنّ هذه المادة منذ أن صيغت وإلى اليوم والقوانين الوضعيّة المخالفة للإسلام تزيد البلاد والعباد فسادًا إلى فساد.
أمّا الشق الثاني من هذه المادّة
فقد نصت على أنّ الشريعة هي "المصدر الرئيسيّ" وليست "المصدر الوحيد للتشريع"، ومعنى هذا أنّه يمكن أن تكون هناك مصادر إضافيّة للتشريع تُزَاحِم الشريعة الإسلاميّة، وهذا تماماً يماثل من يقول: (لا إله أساسي إلا الله) بدلاً من أن يقول "لا إله إلا الله" -لأن الله هو المشرع الوحيد في الإسلام- فهل تقبل هذه الشهادة من أحد أم يعد قائلها كافرا.
وهذه من حيل واضعي القوانين على الشعوب المسلمة. وهذا هو الواقع الحاليّ حيث أنّ القانون المصريّ مأخوذ أساسًا من القانون الفرنسيّ وغيره من المصادر غير الإسلاميّة.
والجدير بالذكر
أن هذه المادة الثانية من الدستور جاءت بناء على تعديل دستوري وليست اتباعاً لحكم الله ولكنه تعديل صدر لأن أكثر من ثلث أعضاء مجلس الشعب تقدموا بطلب لتعديل بعض أحكام الدستور في 16 يوليو 1979، فأقر مجلس الشعب في جلسته المنعقدة في 30 أبريل 1980 التعديل المقترح ووافق عليه، ثم عرض هذا التعديل حسبما تقضي به المادة (189) من الدستور على الشعب في استفتاء شعبي أجري في يوم 22 مايو 1980 فوافق عليه الشعب، وأصبح هذا التعديل نافذاً من يوم إعلان نتيجة الاستفتاء(3)، أي أن هذا التعديل الدستوري جاء بناء على موافقة أغلبية النواب ثم موافقة أغلبية الشعب الذين يملكون سلطة تعديل القانون والدستور، ولم يجئ لأن الشريعة هي الحاكمة على الدستور والقانون، وبالتالي فإن الشعب يملك أيضاً أن يعدل هذه المادة ويكون بذلك مستخدماً لحقه وليس مجرماً في ميزان الدستور، بينما يعد في ميزان الشريعة آثماً خارجاً على الشريعة، لأن الدستور يعطي السيادة للشعب وحده ولا يعطيها للشريعة، بينما في الإسلام لا يملك أي عدد من الناس ـقل أو كثرـ أن يغير من الشريعة التي يجب أن تطبق سواءً وافق الأكثرون عليها أم رفضوا.
وأما كونها مفرغة عن معناها:
فإن هذه المادة أصلا ليست مفعلة، بل هي من باب ذر الرماد في العيون، ليدجل بها أذناب النظام أن الحكم في مصر إسلامي ولكن عند التحقيق يتبين أن هذه المادة لا أثر لها في الواقع ولا تغير الدستور العلماني المخالف للشريعة الإسلامية، بل حتى أنها لا سلطان لها على القضاة في المحاكم وإنما هي تخاطب المشرعين (كما يسمونهم) في مجلس الشعب (البرلمان) وبهذا أفتت المحكمة الدستورية العليا واستندت إلى المادة (165) في الدستور التي تنص على أن الحكم في المحاكم بالقانون. ولهذا يمنع أي قاضٍ من أن يحكم بالشريعة بدلاً من القانون الوضعي، ولذلك عندما أصدر المستشار محمد محمود غراب (القاضي المصري) حكما بالجلد ثمانين جلدة على رجل ضبط بحالة سكر بين بالطريق العام، لم ينفذ هذا الحكم واعتبر باطلا رغم أنه وافق السنة لأنه خالف القانون بزعمهم.
بل واعتبر هذا الحكم مأخذا قضائيا ضد المستشار محمود غراب وأرسلت إليه الإدارة العامة للتفتيش القضائي بوزارة العدل مأخذا قضائيا رقم ( 5-81-1981 ) تبين فيه بطلان الحكم حيث قالت: "ويؤخذ على هذا الحكم: أنه لما كان من المقرر أنه لا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون، وأن العقوبات قد حصرها وليس من بينها ما قضى به الحكم بجلد المتهم، فإنه يكون قد خالف القانون مما يصمه بالبطلان"
(4).
وقد نُقِلَ القاضي محمد محمود غراب بعد هذا الحكم إلى وظيفة إدارية بعيدة عن القضاء ليكون عبرة لغيره ممن يتجرأ ويخالف النظام العلماني للدولة.
" ويؤكد هذا ما قاله المستشار سعد العيسوي رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، وذلك عندما أصدر المستشار محمود غراب رحمه الله حكما بالجلد على شارب خمر تنفيذا لأحكام الشريعة الإسلامية، فقال العيسوي: "إن من قضى بهذا الحكم وإن صح، فقد خالف الدستور وهو نص المادة (66): لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا يقال في ذلك إن حد السكر شرعا هو الجلد، وأن الشريعة الإسلامية هي الأولى بالتطبيق، ذلك لأن المشرع وحتى الآن يطبق قوانين مكتوبة ومقررة، وليس للقاضي أن يعمل غيرها من لدنه مهما اختلفت مع معتقده الديني أو السياسي، وأفصح المشرع عن ذلك صراحة في المادة الأولى من التقنين المدني بأن القاضي - أي الوضعي - يطبق القانون فإن لم يجد في نصوصه ما ينطبق على الواقعة طبق العرف، وإن لم يجد طبق أحكام الشريعة الإسلامية، وإن لم يجد طبق القانون الطبيعي وقواعد العدالة، فجنائيا لا يجوز ولا يقبل من القاضي أن يجرم فعلا لا ينص القانون على اعتباره جريمة، ولا يجوز له أو يقبل منه أن يقضي بعقوبة لم ينص عليها القانون (جريدة أخبار اليوم19/4/1982م) وقد نقل هذا المقال المستشار محمود غراب رحمه الله في كتابه "أحكام أسلامية إدانة للقوانين الوضعية" اهـ( 5).
ومثال ثاني: زنا فيه الأب بابنته وأنجب منها سفاحاً ولم تجد سلطة الإتهام نصاً تجرمه به لأن القانون المصري يستبيح ذلك، انظر القضية رقم 7362 لسنة 1992 جنح قسم بني سويف والتي زنا فيها الأب بابنته وأنجب منها سفاحاً ولم تجد سلطة الإتهام نصاً يطبق على الواقعة (6).
ومثال ثالث: قضت محكمة النقض أن معاشرة رجل لامرأة معاشرة الأزواج لا تعد من أعمال الفسق والدعارة المأثمة قانوناً إذ أن المقصود بالتأثيم هو المباشرة مع الناس بغير تمييز (7).
وفي حكم الآخر قضت بأنه لا يصح إدانة المتهمة إذا كان ما وقع منها أنها ساكنت رجلاً معيناً في منزل واحد وتكفل بالنفقة عليها مقابل الإتصال الجنسي(8).
وهذا الإستحلال الموجود بالقانون المصري أيدته المحكمة الدستورية العليا إذ أنها رفضت الطعن على استحلال الزنا لكونه يخالف المادة الثانية من الدستور، وهذا نص لقضاء المحكمة الدستورية رفضت فيه الطعن بعدم دستورية المادة 274 و277 من القانون الجنائي المتعلقة بزنا الأزواج والتي تستبيح الزنا، فقد جاء في كتاب "التعليق على قوانين الدعارة والآداب والتشريعات الداخلية والدولية المكملة لها طبقاً لأحدث التعديلات" تأليف القاضي المستشار الدكتور عبد الفتاح مراد رئيس محكمة الإستئناف العالي بالإسكندرية والحاصل على الدكتوراة في القانون المقارن: "قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بجلسة 4/4/2004 بإثبات ترك المدعي للخصومة ورفض الدعوى وذلك بشأن الطعن بعدم دستورية المادتين 274 و277 من قانون العقوبات فيما تضمنته من النص على معاقبة الزوجة الزانية وشريكها بالحبس وتعليق ذلك على طلب من الزوج والأدلة التي يجوز قبولها كحجه على الزنا وإنطوائها بذلك على مخالفة الشريعة الإسلامية تأسيسا على مخالفتها للمادة الثانية من الدستور بعد تعديلها وذلك في القضية رقم 257 لسنة 24 قضائية دستورية" (9) ، وقد دأبت المحكمة الدستورية العليا على رفض الطعن بعدم دستورية القوانيين المبيحه للزنا في القانون المصري وأيدت إباحة الزنا في القانون المصري رغم مخالفته للمادة الثانية وللشريعة الإسلامية من باب أولى، وهذا إقرار للكفر فمن أقره يكفر وتسقط شريعة المحكمة الدستورية بهذا الإقرار إذ أنها بذلك دخلت في الكفر البواح حيث استحلت الحرام القطعي، فكما هو معلوم أن الإجماع منعقد علي كفر من استحل الزنا، وقد دأبت هذه المحكمة على استباحة الزنا أنظر أحكام هذه المحكمة بشأن تأييد إباحة الزنا الواردة في المرجع السابق صفحات 57، 58، 59. فقد أيدت المحكمة إباحة القانون الوضعي للزنا ولم تعتد بالمادة الثانية من الدستور ولا بالشريعة وذلك في قضايا عديدة وجلسات متعددة منها مثلاً:
1- جلسة 3 /2/1990 م وكان مطعوناً فيها علي المواد 273 و274 و 275 و276 وهي مواد تستبيح الزنا ولا تعاقب عليه إنما تعاقب على الخيانة الزوجية فقط وقد أيدت المحكمة الدستورية هذه الإباحية.
2- كما قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بجلسة 4/3/2000 م بعدم قبول الدعوى وذلك بشأن الطعن بعدم دستورية المواد 274 و 275 و 276 من قانون العقوبات وذلك في القضية 221 لسنة 19 قضائية دستورية والمنشورة بالجريدة المصرية العدد 11 في 20/3/2000 م نفس الحال كان في جلسات 3/2/1990م وجلسة 4/3/2000م …….. إلخ (10).
فهذا هو الدستور ينادي بأن المبدأ هو سيادة القانون لا سيادة الشريعة الإسلامية وأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، فلا يمكن التجريم والعقاب بنص شرعي، إذ هذا محال بنص الدستور كما ترون والقوانين تصدر وتنفذ باسم الشعب فلا مكان للشريعة نهائياً وهذه النصوص الدستورية هي الملزمة ولا إلزام للمادة الثانية من الدستور إطلاقاً وإليكم الدليل القاطع:
فقد نص القانون المدني في المادة الأولى على ترتيب مصادر التشريع فقال:
(باب تمهيدي- أحكام عامة- الفصل الأول- القانون وتطبيقه)
1- القانون والحق
مادة 1- (1) تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
(2) فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (11).
فهذا هو الواقع الحقيقي للمادة الثانية للدستور لا قيمة لها مطلقاً في عرف الدستور والقانون حيث نص الدستور على أن المبدأ هو سيادة القانون، ونص القانون المدني على أن القوانين الوضعية التي شرعتها المجالس النيابية هي التي تسري على جميع المسائل التي تتناولها نصوص القانون في لفظها وفحواها فالقانون هو السيد ثم رتب المصادر بشرط ألا يوجد نص من القانون الوضعي، فإذا وجد نص من القانون الوضعي فلا مكان للترتيب، إذاً الترتيب يأتي في حال عدم وجود نص من القانون الوضعي، والقانون لم يترك شئ بغير نصوص ولكن على سبيل الفرض فإذا لم يوجد نص في القانون الوضعي حكم القاضي بالعرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية لا بالشريعة فصار الترتيب على النحو الآتي:
1-القانون الوضعي.
2- العرف.
3- مبادىءالشريعة الإسلامية لا الشريعة.
4- مبادىء القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
وبين القانون المدني أنه لايمكن إلغاء أي نص من القانون الوضعي إلا بتشريع لاحق من المجلس النيابي أو أن ينظم الموضوع المتعلق بالقانون من جديد، فلا يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية بأي حال مع وجود الدستور والقانون الوضعي.
تقول المادة الثانية من القانون المدني "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة علي هذا الإلغاء أو يشتمل علي نص يتعارض مع النص التشريعي القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع" (12).
فهذه المواد الدستورية والقانونية مانعة منعاً تاماً لتطبيق الشريعة الإسلامية، ولا يمكن أن تطبق الشريعة نهائياً إلا إذا تم إلغاء المواد التي ذكرتها من الدستور والقانون، وهذه المواد الدستورية والقانونية هي تمثيل حقيقي للجاهلية الغربية الأوربية.
وقد اعترف واضاعوا المادة (فقهاء الدستور!) بأنه مادة ليس لها قيمة، بل هي من باب ذر الرماد في العيون.
واقر هذا المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق، والمستشار القانونى لمجلس الشعب، وهو الذى صاغ التعديل عام 1981م. في لقاء مع جريدة "الأهرام اليوم" وجاء في هذا الحوار: "
-المحرر: ما هى قصة التعديل، والأزمة التى تسبب فيها؟
-المستشار حامد الجمل: وفقا للائحة الداخلية لمجلس الشعب، كان من المفترض أن يتم عرض تعديلات المادة الثانية على هذه اللجنة، وكانت هذه اللجنة تضم ألبرت برسوم سلامة، وكان وزيرا لشئون مجلس الشعب، ومحام معروف فى مجلس نقابة المحامين اسمه حنا ناروز، وثالث لا أتذكر اسمه الآن، وكنت أحضر اجتماعات اللجنة لإعداد التقرير الذى يتم إرساله إلى مجلس الشعب، لكى تتم الموافقة على التعديلات قبل طرحها للاستفتاء، فاعترض الأقباط الثلاثة على إضافة حرفى (ا ، ل) إلى كلمة مصدر، وبنوا اعتراضهم على مؤلفات، وكتب لبعض الفقهاء ومن بنيهم ابن تيمية، إلى جانب تفاسير قديمة، تتحدث عن أن الأقباط مواطنون من الدرجة الثانية حسب فهم هؤلاء الفقهاء، وأن يحرمون من المناصب العامة، وأن يفرض عليهم زيا معينا لتمييزهم عن المسلمين، كما ذكر البعض من هؤلاء الفقهاء أن الأقباط لابد أن يدفعوا الجزية، وأنه لا تقبل لهم شهادة على المسلمين فى المحاكم، لأنه لا ولاية لمسيحى على مسلم، هذه هى القواعد التى ذكرها بعض الفقهاء فى العصور الماضية. المهم ثار الأقباط الثلاثة، فقال لهم الدكتور صوفى أبو طالب -رحمه الله- وكان وقتها رئيس مجلس الشعب، ورئيس اللجنة العامة للمجلس أنتم تقولون كلاما لا أساس له فى الشريعة، ولا فى الدين الإسلامي، وأن المبدأ هو "لكم ما لنا، وعليكم ما علينا" وما تقولونه لا يطبق عند الأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية، وانسحب الأقباط الثلاثة المعارضين لصيغة التعديل، وحدثت أزمة، ووصل الأمر إلى الرئيس السادات، الذى كلف بدوره اللواء محمد نبوى إسماعيل وزير الداخلية آن ذاك، لبحث الموضوع، وكلفه بجمع معلومات عن سبب الخلاف، وسبل حله، فجاءني، وسألنى هل إضافة (أ، ل) إلى كلمة مصدر فى المادة الثانية من الدستور يترتب عليها المساس بالمركز القانونى والدستورى للأقباط، أم لا؟ قلت هذه الإضافة لا تغير من الأمر شيئا، ذلك أن المبادئ العامة موجودة فى الفقه الإسلامي، وهناك مسألة مهمة ترتكز على أن الشريعة الإسلامية لا تطبق بقوة نصوص الدستور، ولكن تطبق بإرادة المشرع المصري، وعندما يتم إعداد قانون لابد من الرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية فى كل المذاهب، وينتقى منها الأحكام واجبة الانطباق، وتصدر فى صورة قانون مثل قانون المواريث، والوصية، والوقف، وغيرها، وبالتالى فإن مخاوف الأقباط غير مبررة، لأن الشريعة لا تطبق من القضاة ولا غيرهم، وإنما تطبق بقوانين، وقبل صدور هذه القوانين لا توجد مخاطر، ولا مخاوف حقيقية من الاستناد إلى كلام فقهى لا سند له فى القرآن، ولا السنة، كالذى يشكون منه، ويعتقدون خطأً أنه يهددهم، إذن لا توجد جزية، ولا نصوص تحظر على الأقباط تولى أية مناصب فى الدولة، ولا أن شهادة الأقباط غير مقبولة أمام المحاكم وسألنى النبوى إسماعيل: نعمل إيه؟!. قلت أمامنا حل من اثنين: إما أن نضيف للمادة 2 ما يفيد أنها لا تمس المواد الواردة فى نصوص الدستور ومنها مبدأ المساواة بين المصريين أمام القانون، وعدم التمييز بينهم لا بسبب العقيدة، ولا الجنس، ولا اللون، وإما أن يكون هذا هو المقرر، ونكتب تقرير فى هذه المادة يوضح هذا الكلام بصفة قاطعة وواضحة، ونقول أن هذه المادة لا تفسر وحدها منفصلة عن باقى مواد الدستور، وأولها المادة الخاصة بالمساواة، وسيادة القانون، وإلزام الدولة بتطبيقه، ثم سألني: أيهما تفضل؟. قلت: الحل الثاني، لأنه من المفروض أن تقول كلاما مفهوم حتما من النص دون حاجة إلى كتابته، وإن ما تقوله هو الشرح الرسمى لمعنى المادة، ومضمونها، فنقل النبوى إسماعيل كلامى للدكتور صوفى أبو طالب، ومن ثم عرض الأمر على الرئيس السادات، ووافق الرئيس على المبدأ الذى ذكرته، وطلب النبوي، وصوفى منى أن اعد التقرير بالتعديل المذكور، والذى تم فى عام 1980.
- المحرر: إذن ما هو التعديل الذى انتهيت إليه؟
- المستشار حامد الجمل : قلنا "والمبادئ العامة للشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، ولم نقل أنها المصدرالوحيد، وكان التيار الإسلامى يرغب فى أن تكون الصياغة «والمبادئ العامة للشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع" وهذا الكلام غير ممكن فى دولة قانونية، والرئيس السادات رفض ذلك، المهم كتبت التقرير بصفتى مستشارا لمجلس الشعب، وعرضت مسودته، فيما يخص هذه المادة على الأقباط الثلاثة الذى كانوا معترضين على التعديل، وقمت بشرحها، وكذلك قام د. صوفى أبو طالب، وعادوا إلى اللجنة العامة، واقتنعوا، وقبلوا، وأصبح التعديل" الإسلام هو دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع"، وأقول أن مبادئ الشريعة لا تدخل مباشرة فى التطبيق القضائي، ولكنها تدخل فى القانون الوضعي، و المادة الثانية لا يمكن تفسيرها وحدها، بمعزل عن المواد الأخرى فى الدستور، ومنها ما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين، كذلك المواد الأخرى المتعلقة بسيادة القانون، واستقلال القضاء، وأن المحاكم هى التى تتولى الفصل فى المنازعات.
-هل قرر الرئيس السادات تعديل المادة الثانية استجابة لضغوط التيار الإسلامى فى ذلك الوقت؟
-لمستشار حامد الجمل: نعم، لقد أراد الرئيس السادات الاستجابة لطلباتهم لتبرير تعديل المادة الخاصة بمدة الرئاسة، بحيث لا تصبح مدة ولايته 6 سنوات فقط، وإنما أضيف إلى النص عبارة «مدد أخرى»، لكى يبقى فى السلطة كما يشاء، وبالتالى وافق على تعديل المادة الثانية فى مقابل موافقة التيار الإسلامى على تعديل مدة حكمه بحيث لا تقتصر على السنوات الست التى نص عليها الدستور، وهذا هو الغرض حسب ظني، وأعتقد أن تقديرى صحيح، والحقيقة، أن مخاوف الإخوة الأقباط من المادة الثانية وهم كبير، وهى غير مبررة، ولا أساس لها من ناحية التفسير الدستورى الدقيق لأحكام هذه المادة" اهـ (13).
كما اعترف بذلك الأستاذ الدكتور يحيى الجمل في اللقاء مع الإعلامي عمرو الليثي على"قناة التحرير" قال: "حكم المحكمة الدستورية العليا رائع، قال عن المادة الثانية" مبادئ الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت قطعية الدلالة" وهذه قضية طويلة وعريضة، وأنا أنا أقول لإخواني الفقهاء نريد نجلس مع بعضنا ونبحث عن المبادئ قطعية الثبوت والدلالة، وهي محدودة جدا في كل الشرائع الإنسانية من أيام "حمورابي" و"جوستنيان" وإلى ما نحن فيه..." (14).
وكذلك اعترف المستشار أحمد عبده ماهر في مناظرة له مع المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية عبد المنعم الشحات على "القناة الأولى المصرية" في برنامج "أنا المصري" بتاريخ 7/2011م قال "...أنا كرجل قانون أفسر المادة الثانية من الدستور كي لا يصرخ بعض الناس في اتجاه إلغاءها، أو في اتجاه بقائها، المادة الثانية من الدستور جميلة جدا لا تزعج أحد لا المسلمين ولا أي ملة أخرى، تقول أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، هناك فرق بين بين "مبادئ الشريعة الإسلامية" و "أحكام الشريعة الإسلامية" لو "أحكام الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي" سنرى من سنقطع يده ومن سيجلد ومن سنرجمه ومن سنقتله لكن "مبادئ الشريعة الإسلامية" نقصد بها الأخلاق..." وعدلت صياغته ليستقيم عربيا.
واعترف بذلك الدكتور مصطفى الفقي (تحت قبة المجلس التشريعي !!) وكان وقتها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب. كما أوردت "جريدة المصريون" بتاريخ 18/ 3 /2007 م : "أيد الفقي التمسك بالمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وقال إن الحكومة لا تقبل أي جدال حولها وأن هذا يرجع لأسباب غير دينية لأنها ليست مادة دينية. وأكد الفقي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر استلهام تشريعي في العالم كله باعتراف غير معتنقيها، مشيرًا إلى أن القائد الفرنسي نابليون بونابرت أخذ عنها وأن مرجعيات أوروبية عديدة وكذا الأمم المتحدة تعترف بها، موضحًا أن الدستور يتكلم عن مبادئ الشريعة وليس أحكام الشريعة"!!، واعترف غيرهم الكثير مما لا نود بذكرهم إطالة البحث.
وأخيرًا:
على الدعاة والعلماء والمسلمين في مصر وغيرها أن يدعوا لحملةٍ شعبيةٍ للمطالبة بأن تكون الشريعة هي مصدر القوانين، وأن تكون الشريعة حاكمةً لا محكومةً، وأن لا يكتفوا بخداع المادة الثانية من الدستور، وأن يطالبوا بالإصلاح التشريعيّ، ومن أهمّ الإصلاحات المطلوبة تعديل المادة الثانية من الدستور، بحيث تنص على أنّ "أحكام الشريعة الإسلاميّة هي مصدر الوحيد التشريع"، ويبطل كلّ ما يخالفها من مواد الدستور والقانون.
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت
اللهم فشهد، اللهم فشهد، اللهم فشهد
لهوامش:
[1] من كتاب "مصر المسلمة بين سياط الجلادين وعمالة الخائنين" للدكتور أيمن الظواهري حفظه الله وقد استفدت منه كثيرا في بحثي هذا
[2] وجدت هذا السؤال مطروحا في موقع "كتابات مصروي.
[3] الدستور المصري (دستور 1971)، إبراهيم شيحا ص 21،22.
[4 ] "أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية" للمستشار محمد محمود غراب.
[5] تعليق للشيخ عبد الحكيم حسان.
[6] الحماية الجنائية للحق في صيانة العرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي دراسة مقارنة رسالة دكتوراة قدمت لجامعة القاهرة د.أشرف توفيق شمس الدين.
[7] نقض 18/10/1954 مجموعة أحكام محكمة النقض س6 رقم 30صـ85.
[8] نقض 20/12/1948 مجموعة أحكام محكمة النقض س2 . صـ 994) المرجع السابق صـ 146.
[9] المرجع السابق صـ 58.
[10] المرجع السابق.
[11] القانون المدني صـ2.
[12] المرجع السابق.
[13] من حوار مع جريدة "الأهرام اليوم" أجراه معه سيد صالح بتاريخ الجمعة 27 من ربيع الآخر 1432هـ الموافق 1 إبريل 2011م لسنة 153 العدد 45406.
[14] نص كلامه: "شوف الحكم بتاع المحكمة الدستورية رائع، حكم المحكمة الدستورية قال المادة الثانية بتتكلم عن مبادئ الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ديه باقي قضية طويلة وعريضة، أنا عاوز أقول لإخونه بتوع الفقة يجيوا نقعود مع بعض ونشوف أيه هيا المبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة في غير العبادات، العبادات كلها قطعية الثبوت قطعية الدلالة .... المبادئ قطعية الثبوت والدلالة محدودة جدا جدا في كل الشرائع الإنسانية من أيام حمورابي وجوستنيان واللي أحنا فيه" أعدت صياغته ليستقم عربيا.
مراجع البحث
"مصر المسلمة بين سياط الجلادين وعمالة الخائنين" للدكتور أيمن الظواهري حفظه الله.
"الدستور المصري" (دستور 1971)، إبراهيم شيحا ص 21،22. نقلت عنه بواسطة. "حزب النور بين الإسلام والجاهلية الأوربية" للشيخ أحمد عشوش.
"رسالة الأمل والبشر لأهلنا في مصر" للدكتور أيمن الظواهري حفظه الله، وهي رسائل صوتية موجودة على الشبكة العنكبوتية.
"أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية" للمستشار محمد محمود غراب. نقلت عنه بواسطة.
"القانون المدني" نقلت عنه بواسطة.
الحماية الجنائية للحق في صيانة العرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي دراسة مقارنة رسالة دكتوراة قدمت لجامعة القاهرة د.أشرف توفيق شمس الدين. نقلت عنها بواسطة.
حوار مع جريدة "الأهرام اليوم" أجراه معه سيد صالح بتاريخ الجمعة 27 من ربيع الآخر 1432هـ الموافق 1 إبريل 2011م لسنة 153 العدد 4540.
"جريدة المصريون" بتاريخ 18/ 3 /2007 م.
"القناة الأولى المصرية"، برنامج "أنا المصري" مناظرة بين المستشار أحمد عبده ماهر مع المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية عبد المنعم الشحات بتاريخ 7/2011م
"قناة التحرير" لقاء الإعلامي عمرو الليثي مع يحيى الجمل.
للتحميل
http://www.islamup.com/download.php?id=149461
كتبه
المعتز بالله وحده
إسماعيل جاد إسماعيل، أبو عبد القدير
غرة شعبان 1432 هجري
عمد المحتل البريطاني منذ احتلاله لمصر على زحزحة الشريعة الإسلامية عن الحكم والتحاكم، واتبع في ذلك خطة ذات شقين:
الأول: تربية أجيال تعتنق الفكر الديمقراطي العلماني.
والثاني: سن تشريعات مخالفة لشريعة الإسلام تنظم حياة الناس ليتسنى له السيطرة على بلاد الإسلام وإبقائها تابعة فكريا وثقافيا وقانونيا واقتصاديا وعسكريا له.
وتتبـُع خطوات الشيطان الإنجليزي ومن بعده العلمانيين الذين حكمونا في استبدال التشريعات الإسلامية بالتشريعات الوضعية خارج نطاق هذا البحث، ولكننا هنا سنعرض لمدى المخالفة الواقعة بين التشريعات المعمول بها حاليا في مصر وبين الشريعة الإسلامية ليتبين للقارئ المسلم مدى الانحراف الدستوري والقانوني الذي ذهبت إليه الأنظمة الحاكمة للشعب المسلم في مصر، وأن هذه الحقيقة أصبحت مؤكدة مسلما بها حتى في وثائق النظام نفسه.
ومن أظهر الأمثلة على ذلك ما أقر به القاضي عبد الغفار محمد في القضية (462/81) أمن دولة عليا طوارئ والمعروفة "بقضية الجهاد الكبرى" والتي تعد أكبر قضية في تاريخ القضاء المصري حيث أتهم فيها 302 متهما حضر منهم أكثر من 280 متهما، وتـُعد أيضا من أهم ـ إن لم تكن أهم ـ القضايا في تاريخ القضاء المصري نظرا للقضايا الخطيرة التي فجرتها وسوف نذكر نص كلام القاضي في البحث بإذن الله (1).
سؤال:
من نص المادة الثانية بالدستور المصري:
"ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
فما هي هذه المبادئ؟
بالتأكيد هناك معنى لكلمة "مبادئ !
اسمحوا لي أن أثير هذا السؤال، لأني لا أعرف له إجابة !
درست الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق، وعندي مكتبة إسلامية منذ كنت في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية، وقد بلغت الخمسين عاما، ولا أعرف معنى محدداً لجملة تأخذ نصف مساحة المادة الثانية من دستور بلدي !
ألا ترون معي غرابة ذلك الشيء، المصدر الرئيسي للتشريع في بلد ما، يجب أن يكون محددا، معروفاً، مدروساً !
فما المراجع التي يمكننا الاعتماد عليها لشرح وتحديد: مبادئ الشريعة الإسلامية؟
هل يوجد في مصر، أو في أي مكان بالعالم كتاب عنوانه: مبادئ الشريعة الإسلامية؟ بحيث نقلب صفحاته، فنجده يقول: المبدأ الأول كذا والثاني كذا... إلخ؟
كم شهادة "ماجستير" في جامعات القاهرة والإسكندرية والأزهر، منحت لدارسين تخصصوا في حصر وشرح وتبويب مبادئ الشرعة الإسلامية؟
كم رسالة "دكتوراة"؟
كم قسم في كليات الحقوق والشريعة تخصص في مبادئ الشريعة، التي هي المصدر الرئيسي للتشريع؟
حتى المحكمة الدستورية العليا، لم تجد تعريفاً محدداً غير: "الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، ومبادئها المقطوع بثبوتها ودلالاتها"! فسر الماء بالماء، وفسر المبادئ بالمبادئ !
فهل يتفضل فقهاء المحكمة الدستورية، ويعطوننا أمثلة حصرية لتلك الأصول الكلية، مقطوعة الثبوت والدلالة؟
أرجو أن يتفضل فرد، أو جهة، بإجابة محددة، لها بداية ونهاية :ما هي مبادئ الشريعة؟؟؟(2).
أما الإجابة على هذا السؤال الهام، فنقول وبالله التوفيق:
من المعلوم أن المادة الثانية في الدستور المصري نصت على أن: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
واعلم - وفقني الله وإياك - أن هذا النص قد ورد في كل الدساتير المصرية السابقة على دستور1971م، ما عدا دستور 1958م "دستور الوحدة مع سوريا"، غير أنه لم يكن يتضمن العبارة الأخيرة التي تنص على أن"مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، والتي أضيفت في دستور 1971م دون الألف واللام، ثم أضيف إليها في التعديل الأول للدستور عام 1980م، في عهد السادات، وقد أبقى عليه المجلس العسكري في 30 مارس 2011م في "الإعلان الدستوري" وذلك بعد ثورة 25 يناير والتي أطاحت بحكم حسني مبارك.
واعلم - هداني الله وإياك للصواب - أن هذه المادة المذكورة آنفا هي مادة خاطئة في نصها وملبسة على الناس أمر دينها ومفرغة عن معناها!
أما كونها خاطئة في نصها:
فلأنها نصّت على "مبادئ الشريعة الإسلاميّة"، ولم تنص على "أحكام الشريعة الإسلاميّة".
و"مبادئ الشريعة" كما عرفها عبد الرزاق السنهوري: "كلياتها التي هي ليست محل خلاف بين الفقهاء"، وهو أول من وضع هذا المفهوم في النظام القانوني المصري، وبالتحديد في القانون المدني الذي صدر سنة 1947م والذي لا زال مطبقًا في مصر حتى الآن.
وأنا أختاره هنا كتعريف أدق من ذلك الذي وضعته المحكمة الدستورية العليا في أحكامها بأنها الأحكام الشرعية قطعية الثبوت والدلالة باعتبار أن من الشريعة ما يكون مستمد من طريق الاستقراء التام من نصوص الشريعة (مثل الضروريات الخمس).
والضروريات الخمس من "حفظ الدين" و"حفظ النفس" و"حفظ العرض" و"حفظ العقل" و"حفظ المال" لا خلاف بين البشر عليها، فلا ترى شريعة من الشرائع السماوية أو الوضعية تبيح "السرقة" مثلا، فكلهم متفقين على وجوب "حفظ المال" ولكن الخلاف بينهم وبين الإسلام في في توصيف جريمة السرقة وعقوبتها، وعلى هذا فقس.
وأما على قول السنهوري فمبادئ الشريعة هي: "لا ضرر ولا ضرار"، و"درءُ المفاسد مقدّم على جلب المصالح" و"ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب"، و"الحكم يدور مع العلّة وجودًا وعدمًا"، و"الضرورات تبيح المحظورات"، وبهذا فإنه يمكن أن تشترك فيها كثير من القوانين الوضعيّة مع الشريعة الإسلاميّة، ومع ذلك تختلف معها في الأحكام.
فما هو النزاع بين الإسلام وغيره من الأنظمة غير الإسلامية ؟؟؟
والجواب هو أن الإسلام لا يصطدم مع عقلاء البشر في وجوب جلب المصالح ودفع المفاسد وإنما النزاع في تحديد المصالح وكيفية جلبها وتحديد المفاسد وكيفية دفعها، فبعدما اتفقنا على وجوب جلب المصالح ودفع المفاسد اختلفنا في تحديد معنى المصالح وكيفية تحقيقها ومعنى المفاسد وكيفية دفعها، وتميز الإسلام عنهم بذلك، فالربا مثلا وهو من أعظم المصالح عندهم، هو ذاته من أعظم المفاسد في الإسلام، التي تستوجب محاربة الله سبحانه ورسوله ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون﴾. هذا من حيث تعريف حقائق الأشياء، أما من حيث أحكام المصالح والمفاسد بعد الاتفاق على حقيقتها -أعني المصالح والمفاسد- كالزنا مثلا، فبعد الاتفاق على مفسدتها، تميز الإسلام عن غيره من الأنظمة في الأحكام المتمثلة في كيفية الثبوت وإجراء العقوبات، فالقانون المصري الوضعي في المواد (167، 268، 274، 275، 276، (277 يتنافى ويختلف مع أحكام الشريعة الإسلامية في توصيف جريمة الزنا وعقوبتها.
فمثلا جريمة الزنا لا تعد فاعلته مجرمة إلا إذا وقع في بيت الزوجية وبغير رضا الزوج أو كانت قد اتخذته مهنة. وحتى إذا اتخذته مهنة فإن الفاعل لا يعد مجرما بل يأتي شاهدا عليها. وعقوبة الزوجة الزانية هي الحبس مدة لا تزيد على سنتين، يقول الدكتور محمود محمود مصطفى في شرح قانون العقوبات: "وقد اقتبس الشارع المصري أحكام الزنا من القانون الفرنسي المواد (237،239)"، وقال أيضاً: "تنص المادة (247 عقوبات) على ما يأتي: المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت"، إلى آخر هذه الانحرافات التي تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وصدق الله العظيم ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة﴾.
ب- المواد ( 313، 314، 315 أ، 316، 316 مكرر، 317، 318، 323، 324) تختلف مع حكم الشريعة في جريمة السرقة من حيث توصيف الجريمة وعقوبتها.
ج- المواد (230، 234، 236) تختلف صراحة مع حكم الشريعة في جريمة القتل.
وأما كونها ملبسة على الناس أمر دينها:
فلأنها أوهمت الناس أنهم أمام دستور إسلامي، فقد صيغت بدهاء بحيث تخدع الشعب المسلم، ولا تؤدّي لتطبيق أحكام الإسلام، وقد تنبّه لهذا العجز والقصور في المادة الثانية من الدستور القاضي عبد الغفّارِ محمّد في حكمه في أكبر قضيّة في تاريخ القضاء المصريّ، وأكثرها شهرة، وهي "قضيّة الجهاد الكبرى"، حيث ذكر في حيثيّات حكمه: "بخصوص الموضوع الثاني فالذي استقرّ في ضمير المحكمة، أنّ أحكام الشريعة الإسلاميّة غير مطبّقة في جمهوريّة مصر العربيّة، وهذه حقيقة مستخلصة من الحقيقة الأولى وهي وجوب تطبيق الشريعة".
ثم راح يسرد الأدلّة على غياب الشريعة ومنها: "وجود مظاهر في المجتمع المصريّ لا تتّفق مع أحكام الشريعة الغرّاء، من ملاهٍ ترتكب فيها الموبقات يرخّص بإدارتها من الدولة، إلى مصانع خمور يرخّص بإنشائها من الدولة، إلى محالٍّ لبيع وتقديم الخمور يرخّص بإدارتها من الدولة، إلى وسائل إعلام سمعيّة ومرئيّة ومقروءة تذيع وتنشر ما لا يتّفق على أحكام الشريعة الإسلاميّة، إلى سفورٍ للمرأة يخالف ما نصّ عليه دين الدولة الرسميّ وهو الإسلام".
كما قرّر في موضع آخر: "حقيقةً أنّ المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها نصّت على أنّ الإسلام دين الدولة الرسميّ، واللغة العربيّة لغتها الرسميّة، ومبادئ الشريعة الإسلاميّة المصدر الرئيسيّ للتشريع، إلاّ أنّه يكفي المحكمة تدليلاً على أنّ أحكام الدستور لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلاميّة ما قرّره: "عمر أحمد عبد الرحمن" باعتباره من علماء المسلمين أمام المحكمة بجلسة الثالث من سبتمبر سنة (1983م) من أنّ الدستور يتصادم مع الشريعة الإسلاميّة، ولا يتحاكم إليها، فالمواد: ) 86،107، 108، 109، 112، 113، 189)؛ تعطي لمجلس الشعب حقّ التشريع وسنّ القوانين، وهو في الإسلام لله وحده.
كما أنّ المادة (75) من الدستور لا تشترط الإسلام والذكورة في رئيس الدولة، وهو أمر يخالف إجماع الفقهاء.
والمادة (165) تنصّ على أنّ الحكم في المحاكم بالقانون الذي لا يتفق في أسلوب إصداره ونصوصه مع الشريعة الإسلاميّة".
كما قرّر - في موضعٍ آخر- في معرض بيان حالة المجتمع المصريّ قبل وقوع أحداث القضيّة: "غياب شرع الله عن أرض جمهوريّة مصر العربيّة، وهو ما سبق للمحكمة أن دلّلَت عليه بأدلّة قاطعة لا ترى حاجة لتكرارها ولكنّها تُشير إلى أنّ السلطة التشريعيّة لم تنتهِ بعد من تقنين أحكام الشريعة الإسلاميّة، وكانت قد بدأت في هذا العمل منذ عام (1979م)، هذا إلى وجود مظاهر في المجتمع المصريّ لا تتّفق بأيّ حال مع قواعد الإسلام، فلا يُتَصَوّرُ أنّ دولة دينها الإسلام وتُرخّص لملاهٍ تُرتكَب فيها موبقاتٌ، وتُرخّص لمصانع لإنتاج الخمور، أو محالٍّ لبيعها وشربها، أو تُصرّح لوسائل الإعلام المرئيّة أو السمعيّة أو المقروءة بنشر أو إذاعة ما لا يتّفق مع شرع الله، أو سفور المرأة بصورة تخالف ما نصّ عليه الإسلام".انتهى كلام القاضي عبد الغفّار محمد في أكبر قضيّة في تاريخ القضاء المصريّ وأكثرها شهرة.
ولا يليق أن ينتبه لهذا العجز والقصور القاضي عبد الغفّار محمد وهو القاضي الذي يحكم بالقانون العلمانيّ ولا ينتبه له الكثير من الدعاة والعاملين للإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله!!.
وها هو الواقع يُنبّئنا بأنّ هذه المادة منذ أن صيغت وإلى اليوم والقوانين الوضعيّة المخالفة للإسلام تزيد البلاد والعباد فسادًا إلى فساد.
أمّا الشق الثاني من هذه المادّة
فقد نصت على أنّ الشريعة هي "المصدر الرئيسيّ" وليست "المصدر الوحيد للتشريع"، ومعنى هذا أنّه يمكن أن تكون هناك مصادر إضافيّة للتشريع تُزَاحِم الشريعة الإسلاميّة، وهذا تماماً يماثل من يقول: (لا إله أساسي إلا الله) بدلاً من أن يقول "لا إله إلا الله" -لأن الله هو المشرع الوحيد في الإسلام- فهل تقبل هذه الشهادة من أحد أم يعد قائلها كافرا.
وهذه من حيل واضعي القوانين على الشعوب المسلمة. وهذا هو الواقع الحاليّ حيث أنّ القانون المصريّ مأخوذ أساسًا من القانون الفرنسيّ وغيره من المصادر غير الإسلاميّة.
والجدير بالذكر
أن هذه المادة الثانية من الدستور جاءت بناء على تعديل دستوري وليست اتباعاً لحكم الله ولكنه تعديل صدر لأن أكثر من ثلث أعضاء مجلس الشعب تقدموا بطلب لتعديل بعض أحكام الدستور في 16 يوليو 1979، فأقر مجلس الشعب في جلسته المنعقدة في 30 أبريل 1980 التعديل المقترح ووافق عليه، ثم عرض هذا التعديل حسبما تقضي به المادة (189) من الدستور على الشعب في استفتاء شعبي أجري في يوم 22 مايو 1980 فوافق عليه الشعب، وأصبح هذا التعديل نافذاً من يوم إعلان نتيجة الاستفتاء(3)، أي أن هذا التعديل الدستوري جاء بناء على موافقة أغلبية النواب ثم موافقة أغلبية الشعب الذين يملكون سلطة تعديل القانون والدستور، ولم يجئ لأن الشريعة هي الحاكمة على الدستور والقانون، وبالتالي فإن الشعب يملك أيضاً أن يعدل هذه المادة ويكون بذلك مستخدماً لحقه وليس مجرماً في ميزان الدستور، بينما يعد في ميزان الشريعة آثماً خارجاً على الشريعة، لأن الدستور يعطي السيادة للشعب وحده ولا يعطيها للشريعة، بينما في الإسلام لا يملك أي عدد من الناس ـقل أو كثرـ أن يغير من الشريعة التي يجب أن تطبق سواءً وافق الأكثرون عليها أم رفضوا.
وأما كونها مفرغة عن معناها:
فإن هذه المادة أصلا ليست مفعلة، بل هي من باب ذر الرماد في العيون، ليدجل بها أذناب النظام أن الحكم في مصر إسلامي ولكن عند التحقيق يتبين أن هذه المادة لا أثر لها في الواقع ولا تغير الدستور العلماني المخالف للشريعة الإسلامية، بل حتى أنها لا سلطان لها على القضاة في المحاكم وإنما هي تخاطب المشرعين (كما يسمونهم) في مجلس الشعب (البرلمان) وبهذا أفتت المحكمة الدستورية العليا واستندت إلى المادة (165) في الدستور التي تنص على أن الحكم في المحاكم بالقانون. ولهذا يمنع أي قاضٍ من أن يحكم بالشريعة بدلاً من القانون الوضعي، ولذلك عندما أصدر المستشار محمد محمود غراب (القاضي المصري) حكما بالجلد ثمانين جلدة على رجل ضبط بحالة سكر بين بالطريق العام، لم ينفذ هذا الحكم واعتبر باطلا رغم أنه وافق السنة لأنه خالف القانون بزعمهم.
بل واعتبر هذا الحكم مأخذا قضائيا ضد المستشار محمود غراب وأرسلت إليه الإدارة العامة للتفتيش القضائي بوزارة العدل مأخذا قضائيا رقم ( 5-81-1981 ) تبين فيه بطلان الحكم حيث قالت: "ويؤخذ على هذا الحكم: أنه لما كان من المقرر أنه لا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون، وأن العقوبات قد حصرها وليس من بينها ما قضى به الحكم بجلد المتهم، فإنه يكون قد خالف القانون مما يصمه بالبطلان"
(4).
وقد نُقِلَ القاضي محمد محمود غراب بعد هذا الحكم إلى وظيفة إدارية بعيدة عن القضاء ليكون عبرة لغيره ممن يتجرأ ويخالف النظام العلماني للدولة.
" ويؤكد هذا ما قاله المستشار سعد العيسوي رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، وذلك عندما أصدر المستشار محمود غراب رحمه الله حكما بالجلد على شارب خمر تنفيذا لأحكام الشريعة الإسلامية، فقال العيسوي: "إن من قضى بهذا الحكم وإن صح، فقد خالف الدستور وهو نص المادة (66): لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا يقال في ذلك إن حد السكر شرعا هو الجلد، وأن الشريعة الإسلامية هي الأولى بالتطبيق، ذلك لأن المشرع وحتى الآن يطبق قوانين مكتوبة ومقررة، وليس للقاضي أن يعمل غيرها من لدنه مهما اختلفت مع معتقده الديني أو السياسي، وأفصح المشرع عن ذلك صراحة في المادة الأولى من التقنين المدني بأن القاضي - أي الوضعي - يطبق القانون فإن لم يجد في نصوصه ما ينطبق على الواقعة طبق العرف، وإن لم يجد طبق أحكام الشريعة الإسلامية، وإن لم يجد طبق القانون الطبيعي وقواعد العدالة، فجنائيا لا يجوز ولا يقبل من القاضي أن يجرم فعلا لا ينص القانون على اعتباره جريمة، ولا يجوز له أو يقبل منه أن يقضي بعقوبة لم ينص عليها القانون (جريدة أخبار اليوم19/4/1982م) وقد نقل هذا المقال المستشار محمود غراب رحمه الله في كتابه "أحكام أسلامية إدانة للقوانين الوضعية" اهـ( 5).
ومثال ثاني: زنا فيه الأب بابنته وأنجب منها سفاحاً ولم تجد سلطة الإتهام نصاً تجرمه به لأن القانون المصري يستبيح ذلك، انظر القضية رقم 7362 لسنة 1992 جنح قسم بني سويف والتي زنا فيها الأب بابنته وأنجب منها سفاحاً ولم تجد سلطة الإتهام نصاً يطبق على الواقعة (6).
ومثال ثالث: قضت محكمة النقض أن معاشرة رجل لامرأة معاشرة الأزواج لا تعد من أعمال الفسق والدعارة المأثمة قانوناً إذ أن المقصود بالتأثيم هو المباشرة مع الناس بغير تمييز (7).
وفي حكم الآخر قضت بأنه لا يصح إدانة المتهمة إذا كان ما وقع منها أنها ساكنت رجلاً معيناً في منزل واحد وتكفل بالنفقة عليها مقابل الإتصال الجنسي(8).
وهذا الإستحلال الموجود بالقانون المصري أيدته المحكمة الدستورية العليا إذ أنها رفضت الطعن على استحلال الزنا لكونه يخالف المادة الثانية من الدستور، وهذا نص لقضاء المحكمة الدستورية رفضت فيه الطعن بعدم دستورية المادة 274 و277 من القانون الجنائي المتعلقة بزنا الأزواج والتي تستبيح الزنا، فقد جاء في كتاب "التعليق على قوانين الدعارة والآداب والتشريعات الداخلية والدولية المكملة لها طبقاً لأحدث التعديلات" تأليف القاضي المستشار الدكتور عبد الفتاح مراد رئيس محكمة الإستئناف العالي بالإسكندرية والحاصل على الدكتوراة في القانون المقارن: "قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بجلسة 4/4/2004 بإثبات ترك المدعي للخصومة ورفض الدعوى وذلك بشأن الطعن بعدم دستورية المادتين 274 و277 من قانون العقوبات فيما تضمنته من النص على معاقبة الزوجة الزانية وشريكها بالحبس وتعليق ذلك على طلب من الزوج والأدلة التي يجوز قبولها كحجه على الزنا وإنطوائها بذلك على مخالفة الشريعة الإسلامية تأسيسا على مخالفتها للمادة الثانية من الدستور بعد تعديلها وذلك في القضية رقم 257 لسنة 24 قضائية دستورية" (9) ، وقد دأبت المحكمة الدستورية العليا على رفض الطعن بعدم دستورية القوانيين المبيحه للزنا في القانون المصري وأيدت إباحة الزنا في القانون المصري رغم مخالفته للمادة الثانية وللشريعة الإسلامية من باب أولى، وهذا إقرار للكفر فمن أقره يكفر وتسقط شريعة المحكمة الدستورية بهذا الإقرار إذ أنها بذلك دخلت في الكفر البواح حيث استحلت الحرام القطعي، فكما هو معلوم أن الإجماع منعقد علي كفر من استحل الزنا، وقد دأبت هذه المحكمة على استباحة الزنا أنظر أحكام هذه المحكمة بشأن تأييد إباحة الزنا الواردة في المرجع السابق صفحات 57، 58، 59. فقد أيدت المحكمة إباحة القانون الوضعي للزنا ولم تعتد بالمادة الثانية من الدستور ولا بالشريعة وذلك في قضايا عديدة وجلسات متعددة منها مثلاً:
1- جلسة 3 /2/1990 م وكان مطعوناً فيها علي المواد 273 و274 و 275 و276 وهي مواد تستبيح الزنا ولا تعاقب عليه إنما تعاقب على الخيانة الزوجية فقط وقد أيدت المحكمة الدستورية هذه الإباحية.
2- كما قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بجلسة 4/3/2000 م بعدم قبول الدعوى وذلك بشأن الطعن بعدم دستورية المواد 274 و 275 و 276 من قانون العقوبات وذلك في القضية 221 لسنة 19 قضائية دستورية والمنشورة بالجريدة المصرية العدد 11 في 20/3/2000 م نفس الحال كان في جلسات 3/2/1990م وجلسة 4/3/2000م …….. إلخ (10).
فهذا هو الدستور ينادي بأن المبدأ هو سيادة القانون لا سيادة الشريعة الإسلامية وأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، فلا يمكن التجريم والعقاب بنص شرعي، إذ هذا محال بنص الدستور كما ترون والقوانين تصدر وتنفذ باسم الشعب فلا مكان للشريعة نهائياً وهذه النصوص الدستورية هي الملزمة ولا إلزام للمادة الثانية من الدستور إطلاقاً وإليكم الدليل القاطع:
فقد نص القانون المدني في المادة الأولى على ترتيب مصادر التشريع فقال:
(باب تمهيدي- أحكام عامة- الفصل الأول- القانون وتطبيقه)
1- القانون والحق
مادة 1- (1) تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
(2) فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (11).
فهذا هو الواقع الحقيقي للمادة الثانية للدستور لا قيمة لها مطلقاً في عرف الدستور والقانون حيث نص الدستور على أن المبدأ هو سيادة القانون، ونص القانون المدني على أن القوانين الوضعية التي شرعتها المجالس النيابية هي التي تسري على جميع المسائل التي تتناولها نصوص القانون في لفظها وفحواها فالقانون هو السيد ثم رتب المصادر بشرط ألا يوجد نص من القانون الوضعي، فإذا وجد نص من القانون الوضعي فلا مكان للترتيب، إذاً الترتيب يأتي في حال عدم وجود نص من القانون الوضعي، والقانون لم يترك شئ بغير نصوص ولكن على سبيل الفرض فإذا لم يوجد نص في القانون الوضعي حكم القاضي بالعرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية لا بالشريعة فصار الترتيب على النحو الآتي:
1-القانون الوضعي.
2- العرف.
3- مبادىءالشريعة الإسلامية لا الشريعة.
4- مبادىء القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
وبين القانون المدني أنه لايمكن إلغاء أي نص من القانون الوضعي إلا بتشريع لاحق من المجلس النيابي أو أن ينظم الموضوع المتعلق بالقانون من جديد، فلا يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية بأي حال مع وجود الدستور والقانون الوضعي.
تقول المادة الثانية من القانون المدني "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة علي هذا الإلغاء أو يشتمل علي نص يتعارض مع النص التشريعي القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع" (12).
فهذه المواد الدستورية والقانونية مانعة منعاً تاماً لتطبيق الشريعة الإسلامية، ولا يمكن أن تطبق الشريعة نهائياً إلا إذا تم إلغاء المواد التي ذكرتها من الدستور والقانون، وهذه المواد الدستورية والقانونية هي تمثيل حقيقي للجاهلية الغربية الأوربية.
وقد اعترف واضاعوا المادة (فقهاء الدستور!) بأنه مادة ليس لها قيمة، بل هي من باب ذر الرماد في العيون.
واقر هذا المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق، والمستشار القانونى لمجلس الشعب، وهو الذى صاغ التعديل عام 1981م. في لقاء مع جريدة "الأهرام اليوم" وجاء في هذا الحوار: "
-المحرر: ما هى قصة التعديل، والأزمة التى تسبب فيها؟
-المستشار حامد الجمل: وفقا للائحة الداخلية لمجلس الشعب، كان من المفترض أن يتم عرض تعديلات المادة الثانية على هذه اللجنة، وكانت هذه اللجنة تضم ألبرت برسوم سلامة، وكان وزيرا لشئون مجلس الشعب، ومحام معروف فى مجلس نقابة المحامين اسمه حنا ناروز، وثالث لا أتذكر اسمه الآن، وكنت أحضر اجتماعات اللجنة لإعداد التقرير الذى يتم إرساله إلى مجلس الشعب، لكى تتم الموافقة على التعديلات قبل طرحها للاستفتاء، فاعترض الأقباط الثلاثة على إضافة حرفى (ا ، ل) إلى كلمة مصدر، وبنوا اعتراضهم على مؤلفات، وكتب لبعض الفقهاء ومن بنيهم ابن تيمية، إلى جانب تفاسير قديمة، تتحدث عن أن الأقباط مواطنون من الدرجة الثانية حسب فهم هؤلاء الفقهاء، وأن يحرمون من المناصب العامة، وأن يفرض عليهم زيا معينا لتمييزهم عن المسلمين، كما ذكر البعض من هؤلاء الفقهاء أن الأقباط لابد أن يدفعوا الجزية، وأنه لا تقبل لهم شهادة على المسلمين فى المحاكم، لأنه لا ولاية لمسيحى على مسلم، هذه هى القواعد التى ذكرها بعض الفقهاء فى العصور الماضية. المهم ثار الأقباط الثلاثة، فقال لهم الدكتور صوفى أبو طالب -رحمه الله- وكان وقتها رئيس مجلس الشعب، ورئيس اللجنة العامة للمجلس أنتم تقولون كلاما لا أساس له فى الشريعة، ولا فى الدين الإسلامي، وأن المبدأ هو "لكم ما لنا، وعليكم ما علينا" وما تقولونه لا يطبق عند الأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية، وانسحب الأقباط الثلاثة المعارضين لصيغة التعديل، وحدثت أزمة، ووصل الأمر إلى الرئيس السادات، الذى كلف بدوره اللواء محمد نبوى إسماعيل وزير الداخلية آن ذاك، لبحث الموضوع، وكلفه بجمع معلومات عن سبب الخلاف، وسبل حله، فجاءني، وسألنى هل إضافة (أ، ل) إلى كلمة مصدر فى المادة الثانية من الدستور يترتب عليها المساس بالمركز القانونى والدستورى للأقباط، أم لا؟ قلت هذه الإضافة لا تغير من الأمر شيئا، ذلك أن المبادئ العامة موجودة فى الفقه الإسلامي، وهناك مسألة مهمة ترتكز على أن الشريعة الإسلامية لا تطبق بقوة نصوص الدستور، ولكن تطبق بإرادة المشرع المصري، وعندما يتم إعداد قانون لابد من الرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية فى كل المذاهب، وينتقى منها الأحكام واجبة الانطباق، وتصدر فى صورة قانون مثل قانون المواريث، والوصية، والوقف، وغيرها، وبالتالى فإن مخاوف الأقباط غير مبررة، لأن الشريعة لا تطبق من القضاة ولا غيرهم، وإنما تطبق بقوانين، وقبل صدور هذه القوانين لا توجد مخاطر، ولا مخاوف حقيقية من الاستناد إلى كلام فقهى لا سند له فى القرآن، ولا السنة، كالذى يشكون منه، ويعتقدون خطأً أنه يهددهم، إذن لا توجد جزية، ولا نصوص تحظر على الأقباط تولى أية مناصب فى الدولة، ولا أن شهادة الأقباط غير مقبولة أمام المحاكم وسألنى النبوى إسماعيل: نعمل إيه؟!. قلت أمامنا حل من اثنين: إما أن نضيف للمادة 2 ما يفيد أنها لا تمس المواد الواردة فى نصوص الدستور ومنها مبدأ المساواة بين المصريين أمام القانون، وعدم التمييز بينهم لا بسبب العقيدة، ولا الجنس، ولا اللون، وإما أن يكون هذا هو المقرر، ونكتب تقرير فى هذه المادة يوضح هذا الكلام بصفة قاطعة وواضحة، ونقول أن هذه المادة لا تفسر وحدها منفصلة عن باقى مواد الدستور، وأولها المادة الخاصة بالمساواة، وسيادة القانون، وإلزام الدولة بتطبيقه، ثم سألني: أيهما تفضل؟. قلت: الحل الثاني، لأنه من المفروض أن تقول كلاما مفهوم حتما من النص دون حاجة إلى كتابته، وإن ما تقوله هو الشرح الرسمى لمعنى المادة، ومضمونها، فنقل النبوى إسماعيل كلامى للدكتور صوفى أبو طالب، ومن ثم عرض الأمر على الرئيس السادات، ووافق الرئيس على المبدأ الذى ذكرته، وطلب النبوي، وصوفى منى أن اعد التقرير بالتعديل المذكور، والذى تم فى عام 1980.
- المحرر: إذن ما هو التعديل الذى انتهيت إليه؟
- المستشار حامد الجمل : قلنا "والمبادئ العامة للشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، ولم نقل أنها المصدرالوحيد، وكان التيار الإسلامى يرغب فى أن تكون الصياغة «والمبادئ العامة للشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع" وهذا الكلام غير ممكن فى دولة قانونية، والرئيس السادات رفض ذلك، المهم كتبت التقرير بصفتى مستشارا لمجلس الشعب، وعرضت مسودته، فيما يخص هذه المادة على الأقباط الثلاثة الذى كانوا معترضين على التعديل، وقمت بشرحها، وكذلك قام د. صوفى أبو طالب، وعادوا إلى اللجنة العامة، واقتنعوا، وقبلوا، وأصبح التعديل" الإسلام هو دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع"، وأقول أن مبادئ الشريعة لا تدخل مباشرة فى التطبيق القضائي، ولكنها تدخل فى القانون الوضعي، و المادة الثانية لا يمكن تفسيرها وحدها، بمعزل عن المواد الأخرى فى الدستور، ومنها ما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين، كذلك المواد الأخرى المتعلقة بسيادة القانون، واستقلال القضاء، وأن المحاكم هى التى تتولى الفصل فى المنازعات.
-هل قرر الرئيس السادات تعديل المادة الثانية استجابة لضغوط التيار الإسلامى فى ذلك الوقت؟
-لمستشار حامد الجمل: نعم، لقد أراد الرئيس السادات الاستجابة لطلباتهم لتبرير تعديل المادة الخاصة بمدة الرئاسة، بحيث لا تصبح مدة ولايته 6 سنوات فقط، وإنما أضيف إلى النص عبارة «مدد أخرى»، لكى يبقى فى السلطة كما يشاء، وبالتالى وافق على تعديل المادة الثانية فى مقابل موافقة التيار الإسلامى على تعديل مدة حكمه بحيث لا تقتصر على السنوات الست التى نص عليها الدستور، وهذا هو الغرض حسب ظني، وأعتقد أن تقديرى صحيح، والحقيقة، أن مخاوف الإخوة الأقباط من المادة الثانية وهم كبير، وهى غير مبررة، ولا أساس لها من ناحية التفسير الدستورى الدقيق لأحكام هذه المادة" اهـ (13).
كما اعترف بذلك الأستاذ الدكتور يحيى الجمل في اللقاء مع الإعلامي عمرو الليثي على"قناة التحرير" قال: "حكم المحكمة الدستورية العليا رائع، قال عن المادة الثانية" مبادئ الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت قطعية الدلالة" وهذه قضية طويلة وعريضة، وأنا أنا أقول لإخواني الفقهاء نريد نجلس مع بعضنا ونبحث عن المبادئ قطعية الثبوت والدلالة، وهي محدودة جدا في كل الشرائع الإنسانية من أيام "حمورابي" و"جوستنيان" وإلى ما نحن فيه..." (14).
وكذلك اعترف المستشار أحمد عبده ماهر في مناظرة له مع المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية عبد المنعم الشحات على "القناة الأولى المصرية" في برنامج "أنا المصري" بتاريخ 7/2011م قال "...أنا كرجل قانون أفسر المادة الثانية من الدستور كي لا يصرخ بعض الناس في اتجاه إلغاءها، أو في اتجاه بقائها، المادة الثانية من الدستور جميلة جدا لا تزعج أحد لا المسلمين ولا أي ملة أخرى، تقول أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، هناك فرق بين بين "مبادئ الشريعة الإسلامية" و "أحكام الشريعة الإسلامية" لو "أحكام الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي" سنرى من سنقطع يده ومن سيجلد ومن سنرجمه ومن سنقتله لكن "مبادئ الشريعة الإسلامية" نقصد بها الأخلاق..." وعدلت صياغته ليستقيم عربيا.
واعترف بذلك الدكتور مصطفى الفقي (تحت قبة المجلس التشريعي !!) وكان وقتها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب. كما أوردت "جريدة المصريون" بتاريخ 18/ 3 /2007 م : "أيد الفقي التمسك بالمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وقال إن الحكومة لا تقبل أي جدال حولها وأن هذا يرجع لأسباب غير دينية لأنها ليست مادة دينية. وأكد الفقي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر استلهام تشريعي في العالم كله باعتراف غير معتنقيها، مشيرًا إلى أن القائد الفرنسي نابليون بونابرت أخذ عنها وأن مرجعيات أوروبية عديدة وكذا الأمم المتحدة تعترف بها، موضحًا أن الدستور يتكلم عن مبادئ الشريعة وليس أحكام الشريعة"!!، واعترف غيرهم الكثير مما لا نود بذكرهم إطالة البحث.
وأخيرًا:
على الدعاة والعلماء والمسلمين في مصر وغيرها أن يدعوا لحملةٍ شعبيةٍ للمطالبة بأن تكون الشريعة هي مصدر القوانين، وأن تكون الشريعة حاكمةً لا محكومةً، وأن لا يكتفوا بخداع المادة الثانية من الدستور، وأن يطالبوا بالإصلاح التشريعيّ، ومن أهمّ الإصلاحات المطلوبة تعديل المادة الثانية من الدستور، بحيث تنص على أنّ "أحكام الشريعة الإسلاميّة هي مصدر الوحيد التشريع"، ويبطل كلّ ما يخالفها من مواد الدستور والقانون.
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت
اللهم فشهد، اللهم فشهد، اللهم فشهد
لهوامش:
[1] من كتاب "مصر المسلمة بين سياط الجلادين وعمالة الخائنين" للدكتور أيمن الظواهري حفظه الله وقد استفدت منه كثيرا في بحثي هذا
[2] وجدت هذا السؤال مطروحا في موقع "كتابات مصروي.
[3] الدستور المصري (دستور 1971)، إبراهيم شيحا ص 21،22.
[4 ] "أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية" للمستشار محمد محمود غراب.
[5] تعليق للشيخ عبد الحكيم حسان.
[6] الحماية الجنائية للحق في صيانة العرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي دراسة مقارنة رسالة دكتوراة قدمت لجامعة القاهرة د.أشرف توفيق شمس الدين.
[7] نقض 18/10/1954 مجموعة أحكام محكمة النقض س6 رقم 30صـ85.
[8] نقض 20/12/1948 مجموعة أحكام محكمة النقض س2 . صـ 994) المرجع السابق صـ 146.
[9] المرجع السابق صـ 58.
[10] المرجع السابق.
[11] القانون المدني صـ2.
[12] المرجع السابق.
[13] من حوار مع جريدة "الأهرام اليوم" أجراه معه سيد صالح بتاريخ الجمعة 27 من ربيع الآخر 1432هـ الموافق 1 إبريل 2011م لسنة 153 العدد 45406.
[14] نص كلامه: "شوف الحكم بتاع المحكمة الدستورية رائع، حكم المحكمة الدستورية قال المادة الثانية بتتكلم عن مبادئ الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ديه باقي قضية طويلة وعريضة، أنا عاوز أقول لإخونه بتوع الفقة يجيوا نقعود مع بعض ونشوف أيه هيا المبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة في غير العبادات، العبادات كلها قطعية الثبوت قطعية الدلالة .... المبادئ قطعية الثبوت والدلالة محدودة جدا جدا في كل الشرائع الإنسانية من أيام حمورابي وجوستنيان واللي أحنا فيه" أعدت صياغته ليستقم عربيا.
مراجع البحث
"مصر المسلمة بين سياط الجلادين وعمالة الخائنين" للدكتور أيمن الظواهري حفظه الله.
"الدستور المصري" (دستور 1971)، إبراهيم شيحا ص 21،22. نقلت عنه بواسطة. "حزب النور بين الإسلام والجاهلية الأوربية" للشيخ أحمد عشوش.
"رسالة الأمل والبشر لأهلنا في مصر" للدكتور أيمن الظواهري حفظه الله، وهي رسائل صوتية موجودة على الشبكة العنكبوتية.
"أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية" للمستشار محمد محمود غراب. نقلت عنه بواسطة.
"القانون المدني" نقلت عنه بواسطة.
الحماية الجنائية للحق في صيانة العرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي دراسة مقارنة رسالة دكتوراة قدمت لجامعة القاهرة د.أشرف توفيق شمس الدين. نقلت عنها بواسطة.
حوار مع جريدة "الأهرام اليوم" أجراه معه سيد صالح بتاريخ الجمعة 27 من ربيع الآخر 1432هـ الموافق 1 إبريل 2011م لسنة 153 العدد 4540.
"جريدة المصريون" بتاريخ 18/ 3 /2007 م.
"القناة الأولى المصرية"، برنامج "أنا المصري" مناظرة بين المستشار أحمد عبده ماهر مع المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية عبد المنعم الشحات بتاريخ 7/2011م
"قناة التحرير" لقاء الإعلامي عمرو الليثي مع يحيى الجمل.
للتحميل
http://www.islamup.com/download.php?id=149461
كتبه
المعتز بالله وحده
إسماعيل جاد إسماعيل، أبو عبد القدير
غرة شعبان 1432 هجري