طريق الشروق
11 Dec 2004, 03:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، وعلى آله وصحبهِ ، ومن سار على نهجه وهَدْيِه :
أما بعدُ :
فإن الناظر في أحوال هذه الأمة – اليوم – يجد أموراً عجيبة مُنْكَرةً !! ذلك أنَّ الإنحراف في حياة هذه الأمة مُتذبْذِبٌ بين الارتفاع والإنخفاض ، بحسب بعدها أو قربها من الألتزام الجاد بهذا الدين العظيم .
وأمراض هذه الأمة كثيرة موجعة ! وما لم يشخص المرض فلن ينجح الطبيب في وصف العلاج الناجع ، ومن ثم تتفاقم الأمور حتى تصل إلى نتائج لا تحمد عقباها .
ومن الأمراض الخطيرة في حياة الأمة ، مرض (( الإستهزاء بالدين وأهله )) سواء جاءت جرثومة هذا المرض من خارج هذه الأمة أو من داخلها – وكلا الأمرين واقع – فالنتيجة واحدة في خطورته إذ يكفي فيه أنه مخرج من الملة بالكلية .
تأمل – أخي القارئ – حياة وأحوال المستهزئين والساخرين في واقعنا – اليوم – تجد عجباَ ؛ وتحس بألم وحسرة يعتصر قلبك الذي أشرق عليه نور الإيمان .
أنظر – مثلاً – إلى كلام ينشر ويقرأ لشعراء الحداثة اليوم ، حَرِيٌّ أن يسمى بـ (( الإسهال العقلي )) تجد فيه كفراً بواحاً من خلال سخريتهم بالله واستهزائهم به وبرسوله وبدينه ، تعالى ربنا وتقدس عن ذلك علواً كبيراً .
ثم تأمل أحوال كثير من الأعلاميين – وقد أصبح الإعلام اليوم سلاحاً من أخطر الأسلحة – تجد صنوفاً من السخرية والإستهزاء والضحك على ثوابتنا وقيمنا الشرعية .
خطورة الاستهزاء
الاستهزاء خُلق من أخلاق أعداء الله ، تخلق به الكفار والمشركون ، وتخلق به المنافقون الذين احترقت أحشاؤهم على دين الله وأهله .
ولذلك كشف الله – تعالى – هذا الخُلُقَ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ووردت آيات كثيرة في كتاب الله تبين موقف الأنبياء والرسل من هذا الخلق الرديء وأصحابه ، بل صرحت هذه الآيات بكفر هؤلاء الهازلين المستهزئين .
وثابت من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرحم الناس بالناس ، وأقبل الناس عذراً للناس ، ومع ذلك كله لم يقبل عذراً لمستهزئ ، ولم يلتفت لحجة ساخر ضاحك ، فحين سخر به وبأصحابه من سخر في مسيره لمعركة تبوك – كما سيأتي تفصيل ذلك – وجاء الهازلون يقولون : إنما كنا نخوض ونلعب : لم يقبل صلى الله عليه وسلم لهم عذراً ، بل أخذ يتلو عليهم الحكم الرباني الذي نزل من فوق سبع سماوات : (( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم )) سورة التوبة آية : 65 ، 66 .
ولكي ندرك خطورة وفداحة ما أرتكبوه : ننظر إلى ملابسات حالهم ، فنجد أنهم قد خرجوا في الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا الأهل والأزواج والأولاد والأوطان ، وكان خروجهم في فصل الصيف ، وشدة حرارته معلومة ! وتعرضوا للجوع الشديد والعطش الأليم ، ومع هذ1 كله لم يشفع لهم حال من هذه الأحوال حين أستهزأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة الأجلاء .
أما علماء الأمة المحمدية فقد انعقد إجماعهم – رحمهم الله – في الماضي والحاضر على أن الإٍستهزاء بالله وبدينه وبرسوله كفر بواح ، يخرج من الملة بالكلية ، ولكي يتضح لك هذا الأمر جلياً : تأمل حال المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار تجد أنهم من أشد الناس هزءاً وسخرية بالله وآياته ورسوله والمؤمنين ، وذلك أمر مخرج لهم عن الدين بالكلية قال – تعالى – عنهم :
(( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون * الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * أولئك الذين أشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )) سورة البقرة آية : 13 – 16 .
ومن أجل خطورة الاستهزاء فقد أبرزه العلماء – رحمهم الله – في كتاب الردة من كتب الفقه الإسلامي ، ولا شك أن الردة أعظم كفراً من الكفر الأصلي كما هو معلوم عند أهل العلم .
يقول أبن قدامة المقدسي – رحمه الله - : من سب الله – تعالى – كفر سواء مازحاً أو جاداً ، وكذلك من أستهزأ بالله – تعالى – أو بآياته أو برسله أو كتبه (1) .
وقال النووي – رحمه الله - : والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن عمد واستهزاء بالدين صريح (2) .
ونقل القرطبي – رحمه الله – عن القاضي ابن العربي – وهو يشرح موقف المستهزئين في غزوة تبوك – قوله : لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جاداً أو هزلاً ، وهو كيفما كان كفر ، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة ، فإن التحقيق أخو العلم والحق ، والهزل أخو الباطل والجهل (3) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر ، يكفر به صاحبه بعد إيمانه (4) .
أما الإمام المجدد ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – فقد عقد باباً في كتابه القيم كتاب التوحيد عنونه بقوله : باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول أي فقد كفر (5) .
ولعل الإمام محمد بن عبد الوهاب أبرز علماء الأمة في جعل الإستهزاء ناقضاً صريحاً من نواقض الإسلام العشرة ذكر أن الناقض السادس هو الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه(6) .
هذا وممن قال بكفر المستهزئ بالدين ، سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله - ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - ، وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله - (7) .
فقد اتفقت فتاويهم على أنه كافر خارج من الملة .
ولما كان كتاب الله هو كتاب التربية الإسلامية الحقة ، فقد حذر الله – سبحانه وتعالى – المؤمنين ونهاهم عن خلق السخرية والاستهزاء ، لكي يقوم المجتمع المسلم على الصدق والحق والاحترام والجدية ، بعيداً عن عيوب الجاهلية وأخلاقها ، يقول – سبحانه - : (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ، ولا تنابزوا بالألقاب ، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )) . سورة الحجرات آية : 11 .
يقول ابن كثير – رحمه الله – في تفسيرها ( ينهى – تعالى – عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت ذلك في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( الكبر بطر الحق وغمط الناس . ويروى (( وغمط الناس )) ، المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم ، وهذا حرام ) (8) .
ويقول الإستاذ سيد قطب – رحمه الله – في تفسير هذه الآية : ( إن المجتمع الفاضل الذي يُقيمُهُ الإسلام بهدْي القرآن ، مجتمع له أدب رفيع ، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس ، وهي من كرامة المجموع ، ولمز أي فرد هو لمز للنفس ذاتها ، لأن الجماعة كلها وحدة ، كرامتها واحدة ، والقرآن في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب : (( ياأيها الذين آمنوا )) وينهاهم أن يسخر قوم من قوم أي رجال من رجال ، فلعلهم خير منهم عند الله ، أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله .
وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير ، والرجل القوي من الرجل الضعيف ، وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخامل ، وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم ، وذو العصبية من اليتيم ، وقد تسخر الجميلة من القبيحة ، والشابة من العجوز ، والمعتدلة من المشوهة ، والغنية من الفقيرة ، ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس ، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين .
ومن السخرية واللمز : التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها ، ويحسون فيها سخرية وعيباً ، ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به ) (9) .
وخلاصة القول : إن الاستهزاء بالدين وأهله ناقض للإيمان ، سواء كان هذا الاستهزاء خفياً أم ظاهراً .
يقول ابن تيمية – رحمه الله - : ( الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده ، والاستهزاء باللسان ينافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك ) (10) .
يتابع الموضوع للأهمية
.
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، وعلى آله وصحبهِ ، ومن سار على نهجه وهَدْيِه :
أما بعدُ :
فإن الناظر في أحوال هذه الأمة – اليوم – يجد أموراً عجيبة مُنْكَرةً !! ذلك أنَّ الإنحراف في حياة هذه الأمة مُتذبْذِبٌ بين الارتفاع والإنخفاض ، بحسب بعدها أو قربها من الألتزام الجاد بهذا الدين العظيم .
وأمراض هذه الأمة كثيرة موجعة ! وما لم يشخص المرض فلن ينجح الطبيب في وصف العلاج الناجع ، ومن ثم تتفاقم الأمور حتى تصل إلى نتائج لا تحمد عقباها .
ومن الأمراض الخطيرة في حياة الأمة ، مرض (( الإستهزاء بالدين وأهله )) سواء جاءت جرثومة هذا المرض من خارج هذه الأمة أو من داخلها – وكلا الأمرين واقع – فالنتيجة واحدة في خطورته إذ يكفي فيه أنه مخرج من الملة بالكلية .
تأمل – أخي القارئ – حياة وأحوال المستهزئين والساخرين في واقعنا – اليوم – تجد عجباَ ؛ وتحس بألم وحسرة يعتصر قلبك الذي أشرق عليه نور الإيمان .
أنظر – مثلاً – إلى كلام ينشر ويقرأ لشعراء الحداثة اليوم ، حَرِيٌّ أن يسمى بـ (( الإسهال العقلي )) تجد فيه كفراً بواحاً من خلال سخريتهم بالله واستهزائهم به وبرسوله وبدينه ، تعالى ربنا وتقدس عن ذلك علواً كبيراً .
ثم تأمل أحوال كثير من الأعلاميين – وقد أصبح الإعلام اليوم سلاحاً من أخطر الأسلحة – تجد صنوفاً من السخرية والإستهزاء والضحك على ثوابتنا وقيمنا الشرعية .
خطورة الاستهزاء
الاستهزاء خُلق من أخلاق أعداء الله ، تخلق به الكفار والمشركون ، وتخلق به المنافقون الذين احترقت أحشاؤهم على دين الله وأهله .
ولذلك كشف الله – تعالى – هذا الخُلُقَ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ووردت آيات كثيرة في كتاب الله تبين موقف الأنبياء والرسل من هذا الخلق الرديء وأصحابه ، بل صرحت هذه الآيات بكفر هؤلاء الهازلين المستهزئين .
وثابت من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرحم الناس بالناس ، وأقبل الناس عذراً للناس ، ومع ذلك كله لم يقبل عذراً لمستهزئ ، ولم يلتفت لحجة ساخر ضاحك ، فحين سخر به وبأصحابه من سخر في مسيره لمعركة تبوك – كما سيأتي تفصيل ذلك – وجاء الهازلون يقولون : إنما كنا نخوض ونلعب : لم يقبل صلى الله عليه وسلم لهم عذراً ، بل أخذ يتلو عليهم الحكم الرباني الذي نزل من فوق سبع سماوات : (( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم )) سورة التوبة آية : 65 ، 66 .
ولكي ندرك خطورة وفداحة ما أرتكبوه : ننظر إلى ملابسات حالهم ، فنجد أنهم قد خرجوا في الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا الأهل والأزواج والأولاد والأوطان ، وكان خروجهم في فصل الصيف ، وشدة حرارته معلومة ! وتعرضوا للجوع الشديد والعطش الأليم ، ومع هذ1 كله لم يشفع لهم حال من هذه الأحوال حين أستهزأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة الأجلاء .
أما علماء الأمة المحمدية فقد انعقد إجماعهم – رحمهم الله – في الماضي والحاضر على أن الإٍستهزاء بالله وبدينه وبرسوله كفر بواح ، يخرج من الملة بالكلية ، ولكي يتضح لك هذا الأمر جلياً : تأمل حال المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار تجد أنهم من أشد الناس هزءاً وسخرية بالله وآياته ورسوله والمؤمنين ، وذلك أمر مخرج لهم عن الدين بالكلية قال – تعالى – عنهم :
(( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون * الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * أولئك الذين أشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )) سورة البقرة آية : 13 – 16 .
ومن أجل خطورة الاستهزاء فقد أبرزه العلماء – رحمهم الله – في كتاب الردة من كتب الفقه الإسلامي ، ولا شك أن الردة أعظم كفراً من الكفر الأصلي كما هو معلوم عند أهل العلم .
يقول أبن قدامة المقدسي – رحمه الله - : من سب الله – تعالى – كفر سواء مازحاً أو جاداً ، وكذلك من أستهزأ بالله – تعالى – أو بآياته أو برسله أو كتبه (1) .
وقال النووي – رحمه الله - : والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن عمد واستهزاء بالدين صريح (2) .
ونقل القرطبي – رحمه الله – عن القاضي ابن العربي – وهو يشرح موقف المستهزئين في غزوة تبوك – قوله : لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جاداً أو هزلاً ، وهو كيفما كان كفر ، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة ، فإن التحقيق أخو العلم والحق ، والهزل أخو الباطل والجهل (3) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر ، يكفر به صاحبه بعد إيمانه (4) .
أما الإمام المجدد ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – فقد عقد باباً في كتابه القيم كتاب التوحيد عنونه بقوله : باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول أي فقد كفر (5) .
ولعل الإمام محمد بن عبد الوهاب أبرز علماء الأمة في جعل الإستهزاء ناقضاً صريحاً من نواقض الإسلام العشرة ذكر أن الناقض السادس هو الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه(6) .
هذا وممن قال بكفر المستهزئ بالدين ، سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله - ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - ، وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله - (7) .
فقد اتفقت فتاويهم على أنه كافر خارج من الملة .
ولما كان كتاب الله هو كتاب التربية الإسلامية الحقة ، فقد حذر الله – سبحانه وتعالى – المؤمنين ونهاهم عن خلق السخرية والاستهزاء ، لكي يقوم المجتمع المسلم على الصدق والحق والاحترام والجدية ، بعيداً عن عيوب الجاهلية وأخلاقها ، يقول – سبحانه - : (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ، ولا تنابزوا بالألقاب ، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )) . سورة الحجرات آية : 11 .
يقول ابن كثير – رحمه الله – في تفسيرها ( ينهى – تعالى – عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت ذلك في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( الكبر بطر الحق وغمط الناس . ويروى (( وغمط الناس )) ، المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم ، وهذا حرام ) (8) .
ويقول الإستاذ سيد قطب – رحمه الله – في تفسير هذه الآية : ( إن المجتمع الفاضل الذي يُقيمُهُ الإسلام بهدْي القرآن ، مجتمع له أدب رفيع ، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس ، وهي من كرامة المجموع ، ولمز أي فرد هو لمز للنفس ذاتها ، لأن الجماعة كلها وحدة ، كرامتها واحدة ، والقرآن في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب : (( ياأيها الذين آمنوا )) وينهاهم أن يسخر قوم من قوم أي رجال من رجال ، فلعلهم خير منهم عند الله ، أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله .
وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير ، والرجل القوي من الرجل الضعيف ، وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخامل ، وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم ، وذو العصبية من اليتيم ، وقد تسخر الجميلة من القبيحة ، والشابة من العجوز ، والمعتدلة من المشوهة ، والغنية من الفقيرة ، ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس ، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين .
ومن السخرية واللمز : التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها ، ويحسون فيها سخرية وعيباً ، ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به ) (9) .
وخلاصة القول : إن الاستهزاء بالدين وأهله ناقض للإيمان ، سواء كان هذا الاستهزاء خفياً أم ظاهراً .
يقول ابن تيمية – رحمه الله - : ( الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده ، والاستهزاء باللسان ينافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك ) (10) .
يتابع الموضوع للأهمية
.