كامل
03 Jul 2012, 12:20 AM
لصوصُ الإنترنت وسارِقو الفِكْرِ والإبداعِ...مَنْ يُحَاسِبهم ؟! ماذا تفعلُ إذا أمضيتَ عدة أيامٍ وأنت مُطرقٌ متأمّلٌ , ولك جَفنٌ مؤرَّقٌ , وفكر متّقد , وجَنْبكَ يُجافي الكرى , وعينكَ تهجرُ الوسَنَ ...إلى أنْ انتهيتَ من كتابةِ دراسةٍ فريدةٍ في غاية الإبداع وقمة الإتقان أو مقالةٍ كالشّمسِ وضحاها ......ولكنْ فجأةً , وبينما كنتَ تُقلب صفحاتِ الشّابكة العنكبوتية (الإنترنت)... وجدت أن أحدهم قد سرق تلك الدراسةَ , ونسبها نسباً غيرَ شرعيٍّ إلى نفسه , وليتَه سرقها خُلسةً , وهو يمشي على استحياءٍ كما هي عادة اللصوص, بل سرقها جِهاراَ نهاراَ مُعلناً للملأ أنه السارق , حيث لصق اسمَه بجانب تلك الدراسة , وقام بمسح اسمك.....ثم إن ذلك اللصَّ شعرَ بالإعياء والتعب بعد أن بذل ذلك الجهدَ الجهيدَ في النسخ واللصق...فما كان منه إلا أن رسمَ بسمةَ رضاً صفراءَ على شفتيه , وأقنعَ نفسه بأنه حقاً هو صاحبُ تلك الدراسة الإبداعية..ومن ثَمَّ أسلَم جفونَه للنوم , و ذهب في سبات عميق.. بعد طول سهرٍ , ومعاناةِ سُهد , وتمحيصٍ وتدقيق... ؟!!وماذا تفعل ـ أيّها الشاعرُ المبدعُ ـ إذا سكبتَ أحاسيسك ومشاعرك في بُحور الشعر المفعمةِ بالحب , ومزجتَ عواطفك الحرَّى بدماء دموعك , ومداد يراعِك , ثم غرست فسائلَ إبداعكَ في ضميرك ووحي قلمك , فنبتتْ في بستان فكرك قصيدةٌ مفعَمةٌ بالوجدان , تُبهر الألبابَ , وتُطرب الفؤادَ , وتوقظ الوسنانَ , وتشنِّفُ الآذان ....... وبينما كنتَ تُقلّب صفحاتِ الإنترنت وجدتَ أيضاً أن أحدهم قد قام بسرقة تلك القصيدة منك , سرقها بكلِّ ما تحويه من عواطفك وأحاسيسكَ , ونسَبَ القصيدة نسباً غير شرعيٍّ إلى نفسه , ولم يَرْعَ حُرمة لعِرض الشّعرِ , وشرفِ بناتِ الأفكار , ولم يُخْفِ جرائمَه الشنيعةَ تلك , بل وضع اسمه في نهاية القصيدة , ونسيَ أو تناسى أن الإنسان إذا بُلي بارتكاب المعاصي عليه أن يستترَ ؟! لا ريب ـ أيها المفكرُ والأديبُ والشاعرُ ـ أنك ستشعر بالغضب , بل تكادُ تَمَيّز من الغيظ , وقد تَهمس في سرِّ نفسك , وتناجي طيفَ فكرك : رحم الله لصوصَ تلك الأيام , وما أشدَّ حياءَ لصوصِ الأموال , وسارقي النفائسِ ! , حيث كانوا يتخفَوْن ويسرقون ووجوهُهُم مصفَرّةٌ , وفرائصُهُم ترتعدُ , وأياديهم ترتجفُ خوفاً وقلقاً ...فأحدهم عندما يسرق مالاً أو ذهباً أو كنزاً يحاول جاهداً أنْ لا يتركَ أيَّ أثرٍ يدل على فَعلتِهِ الشنيعةِ تلك , وما رأينا سارقاً وضع قُصاصة ورقيةً بعد عملية السرقة ووضَّح فيها اسْمَه , ونسب السرقة إليه.......أما في الإنترنت فإن اللصوصَ كُثُرٌ , وخاصةً إذا لم يكن هناك رادعٌ من الله يردعهم , وعقوبة من الْخَلْقِ تزجرهم , فسارق المال تُقطعُ يدُه كما قال تعالى في كتابه العزيز : ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) المائدة :38 , أما لصُّ الإنترنت , وسارقُ أفكار البشر ومواهبِهم فمَن يقطع يده ؟ , ومن يحاسبه ؟ , وإذا لم يَخف من الله فمن أيِّ أحد سيخاف ؟! ..هذا مع أننا نعلم أن السرقةَ سرقةٌ , وأن اللص لص سواءٌ أكانت الأشياءُ المسروقةُ مالاً أم فكراً أم أيَّ شيءٍ آخرَ ..بل إن سرقةَ الفكر تكون أشدَّ خطراً من سرقة المال , لأن المال قد يحصل عليه أيُّ شخصٍ , فهو في متناولِ الجميع... أما الإبداعُ السامي , والفكرُ المتألّق , والعاطفةُ المشبوبة بلوعة كاتبها لتخرج قصيدةً كحديقة ذاتِ بهجة, والمقالُ المتجدّد , والدراسةُ الجادّةُ الفريدةُ , فهذه الأشياء لا يستطيع أيُّ شخص أن يحصل عليها , لذلك هي أشياءُ خاصةٌ بالمبدعين والمفكرين , وليست مشاعاً يَرتعُ فيه كلُّ من يريد , ولا شراباً سائغاً لكلّ الشاربين... فبابُ السرقة في الإنترنت مفتوحٌ لكل من لا خوفَ من الله يحجبه , ولا ضميرَ يردعه , لأن الشابكة العنكبوتية مرتع خِصبٌ للأدعياء , وهي في الوقت ذاته مستنقعٌ آسنٌ لكلِّ من يَعُبُّ منه ويردُ أُجَاجَهُ من لصوصِ الفكر, وسارقي المواهب , وقُطّاع طريق النّتاج الأدبي والثقافي والفكري , ففي الإنترنت يَكتب مَن شاء ما شاء , ويسرق مَن يريد لكل من يريد , أما في المجلات العلمية والصحف والكتب فقد نجد في حالات نادرة أن أحدهم قام بسرقة قصيدةٍ أو رواية أو مقالة ونشرها في تلك الصحيفة أو المجلة أو الكِتاب , ولكنْ , حتى وإن نشرها فإنه سرعانَ ما يُفتضح أمرُه , ويردُّ عليه الكثيرون من أنصار رد الحقوق إلى أصحابها , وخاصةً إذا كانت القصيدةُ مشهورةً , وكان السارقُ ـ بالإضافة إلى سرقته ـ مُغفّلاً , ويظن أنْ لا أحدَ يعلم من هو صاحب القصيدة ومبدعُها ... وعلى كل الأحوال , ليست النائحةُ كالثكلى , والخليقةُ التي تكسو صاحبَها مهما حاول أن يُخفيَها فلا بد أن تظهر يوماً ما للملأِ....وعلى المنتحِل والسارق أن يعلم علم اليقين أن كلَّ قصيدةٍ أو مقالة أو دراسةٍ تَرِثُ بالفطرة لغةَ وعواطفَ وفكرَ وأحاسيسَ وأسلوبَ كاتبها , فالمتمرسون بالنقد الأدبي والتذوق الفطري للنصوص يعرفون من النظرة الأولى كاتبَ النتاج الأدبي , وذلك قبل قراءة اسمه , لأن لكل كاتب وشاعر في كتاباته سماتٍ وخصائصَ وُسِمَ بها , ومِيْزاتٍ تُميزه عن غيره من الكُتّاب والأدباء والشعراء , اللهم إلا مَنْ بدأ بكتابته مقلداً للآخرين , وتقمَّص أساليبَهم فإن الأمر قد يلتبس أحياناً على مَن لا خبرة عنده... وكذلك قد يلتبس الأمر إذا كان الكاتبُ في بدايات كتاباته , ولم يقرأ له الناسُ إلا قليلا......أظن أن الرسالةَ والنصيحةَ قد وصلت , وإن كانت تُساورني بعض الشكوك أني قد أجدُ في المستقبل من قام بسرقة هذه المقالة , ومحا اسمي ولصق اسمه !! فأُذَكّرُ كلَّ مَن تسوّل له نفسُه بالسرقة ـ مهما كان نوعُها , وأخصُّ هنا السرقاتِ الأدبيةَ والفكريةَ ـ أن الله مُطّلع عليه , وأنه يعلم السرّ وأخفى , وأذكّره أن يُكرر دائماً قولَ الشاعر :ومـا مـنْ كــاتـبٍ إلا سَـيَفْـنَىويَبقى الـدَّهْـرَ مـا كـتبتْ يـداهُفـلا تكـتـبْ بكـفِّـك غيـرَ شيءٍيَسُــرُّكَ فـي الـقيامـةِ أنْ تـراهُوعليه أن يعلم أن الله يراه , وأن يجعل نصب عينيه قولَ القائل :وإذا خـلوتَ بـريبةٍ فـي ظلمـةٍوالـنـفسُ داعـيةٌ إلى الطغـيانفاستحيِ من نـظر الإله وقـل لها :إن الـذي خلـق الظـلامَ يـرانيوفي الختام حبذا لو وُجد من المفكرين والمثقفين والمبدعين والمنصفين مَنْ يُجَنّد نفسه ليُعيد الحقوق المسروقة إلى أصحابها , ويُظهر عوار السارقين , ويفضحَ سرقاتِهم على رؤوس الأشهاد , وأجرُه وثوابُه على الله . الكاتب مصطفى قاسم عباسمنقول من موقع الألوكة