طيف المدينة
16 Jul 2012, 03:32 PM
http://www.almoslim.net/files/images/thumb/allah2-thumb2.jpg
سورة النُّور، سورة عظيمة جداً، قال الله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:1]. يُشير إلى عظمتها هذا المطلع القويٌّ، وكلُّ سور القرآن عظيمة، ولا خيار لنا سوى العمل بالقرآن كلِّه، جملةً وتفصيلاً، ولكن اختيار سورة دون سورة، يكون مراعاةً لمناسبة ما، أو حالةٍ معينة، كما أنّ الاستشهاد بآيةٍ دون آية، يكون بحسب ما تقتضيه المناسبة، وكما هو معروف لدى الجميع، أنَّ القرآن نزل للسَّماء الدُّنيا دفعةً واحدةً، ثمَّ نزل منجَّماً على النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، حسب الأحوال والوقائع.
وهذه السُّورة تناقش وتعالج قضايا ومعاني عدَّة، منها:
1- أنّها تضمّنت فيما يتعلقُ بتزكية قلب المؤمن، معانٍ دقيقة، لا نجدها في السُّور الأخرى التي تناولت التزكية.
2- أنّها وقفت عند بيان الطَّيب والخبيث.
3- أنها ذكرت المنافقين وأعمالهم ومواقفهم المخزية، تجاه الإسلام وأهله.
4- أنّها ضبطت شؤون الأسرة، وخاصّةً أمر حجاب المرأة المسلمة، حيث المعركة دائرةٌ الآن؛ لتحرير المرأة من عفَّتها وطهارتها.
5- أنها وقفت عند قضايا التَّثبت في الشَّهادة، كما ورد في حادثة الإفك.
وفوق كلّ ذلك: يجيء في هذه السورة شرح معنى نورِ الله تعالى، وذلك عن طريق ضرب المثل، فيقول الله عزّ وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور:35]. فنور الله يغمر السَّموات والأرض.
وقد يقول قائل: مادام نور الله في السَّموات والأرض، فلماذا نجدُ بعض القلوب قاتمة ومظلمة!
نقول: إنَّ السَّبب هو وجود حجابٍ من قبل معاصي العبد، يحجب نور الله، فكما أنَّ الشَّمس في رابعة النَّهار، قد يحجب ضوءها سحب وغيوم، ولله المثل الأعلى، كذلك تحجب المعاصي والذنوبُ نور الله عزّ وجل من أن يلِجَ إلى قلبه، وفي قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} نجد كما قالوا: تشبيهاً للرُّؤية بالرُّؤية، لا تشبيهاً للمرئيِّ بالمرئيِّ، وهذه قاعدة معروفة، ذلك أنه لمَّا سأل الصحابةُ الرُّسول صلّى الله عليه وسلَّم، عن رؤية الله– جلَّ وعلا- يوم القيامة، كيف تكون؟ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: "هل ترونَ القمر ليلة البدر؟ وهل تُضامُون في رؤيته؟" فقالوا: لا. فقال: "هو كذلك" متفق عليهٍ، فذلك من باب تشبيه الرُّؤية بالرُّؤية، لا من باب تشبيه المرئيِّ بالمرئيِّ، لأنَّه لا يمكن تشبيهُ الله -جلَّ وعلا- بشيء من مخلوقاته.
الشَّاهد: أنَّ من وجد في قلبه قسوةً، وبغياً، وظلماً، فقد حُجب عن نور الله، وإلا فالله نور السَّموات والأرض، وكما أنّ الشَّمس في وسط النَّهار، قد يُحجب ضوؤها بشيءٍ ما عن بعض النّاس، رغم كونها تغمر كلّ أرجاء الأرض في كل مكان، كذلك قد يحول حجاب الذّنوب والمعاصي بين نور الله عزّ وجلّ وقلب الإنسان!
فهذا المعنى الكبير الّذي تتضمنه سورة النور، يُشيع النور وروح التفاؤل في السورة كلّها، رغم أنها تناولت حادث الإفك، وواجهت مكايد المنافقين، وسعيهم لإشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلاميّ، وهي قضايا حدثت في زمن النبوة، ونعيشها الآن، واجهتها السورة وعالجتها بأحكامٍ قابلة للتجدُّد، وهذا يدلُّ دلالة واضحة، على أنَّ هذا القرآن مصلح لكلِّ زمان ومكان.
وسُمِّيت السُّورة باسمٍ واحدٍ هو سورة النُّور، فلذا يجب ألا يفارق النُّور أعمالنا وتفكيرنا، وهذا هو التَّفاؤل المطلوب من المسلم، لأنَّ نور الإيمان الموجود في قلب المؤمن، يرشح على وجهه وجوارحه ومشاعره، فينتشر النُّور فيمن حوله، وفيمن يلوذ به. والنُّور مقابل الظَّلام، كيف نحوِّله إلى واقع، وليس مجرَّد تنظير؟ هذا ما ترسمه سورة النُّور من خلال آياتها؛ فنسأل الله ألا يحرمنا من هذا النُّور في الدُّنيا والآخرة.
هذه السُّورةُ تُقيِّم حياتنا، وتدلُّنا على الطَّريق المستقيم، قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. وقد شدَّد بعض العلماء في هذا المعنى، مستدلاً بهذه الآية، على لزوم النَّص الحرفيِّ لكتاب الله، وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، في المسائل الخلافيَّة، حرصاً على أمر الله الوارد في آية سورة النُّور.
نسأل الله التَّوفيق والعون والسَّداد.
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر
سورة النُّور، سورة عظيمة جداً، قال الله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:1]. يُشير إلى عظمتها هذا المطلع القويٌّ، وكلُّ سور القرآن عظيمة، ولا خيار لنا سوى العمل بالقرآن كلِّه، جملةً وتفصيلاً، ولكن اختيار سورة دون سورة، يكون مراعاةً لمناسبة ما، أو حالةٍ معينة، كما أنّ الاستشهاد بآيةٍ دون آية، يكون بحسب ما تقتضيه المناسبة، وكما هو معروف لدى الجميع، أنَّ القرآن نزل للسَّماء الدُّنيا دفعةً واحدةً، ثمَّ نزل منجَّماً على النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، حسب الأحوال والوقائع.
وهذه السُّورة تناقش وتعالج قضايا ومعاني عدَّة، منها:
1- أنّها تضمّنت فيما يتعلقُ بتزكية قلب المؤمن، معانٍ دقيقة، لا نجدها في السُّور الأخرى التي تناولت التزكية.
2- أنّها وقفت عند بيان الطَّيب والخبيث.
3- أنها ذكرت المنافقين وأعمالهم ومواقفهم المخزية، تجاه الإسلام وأهله.
4- أنّها ضبطت شؤون الأسرة، وخاصّةً أمر حجاب المرأة المسلمة، حيث المعركة دائرةٌ الآن؛ لتحرير المرأة من عفَّتها وطهارتها.
5- أنها وقفت عند قضايا التَّثبت في الشَّهادة، كما ورد في حادثة الإفك.
وفوق كلّ ذلك: يجيء في هذه السورة شرح معنى نورِ الله تعالى، وذلك عن طريق ضرب المثل، فيقول الله عزّ وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور:35]. فنور الله يغمر السَّموات والأرض.
وقد يقول قائل: مادام نور الله في السَّموات والأرض، فلماذا نجدُ بعض القلوب قاتمة ومظلمة!
نقول: إنَّ السَّبب هو وجود حجابٍ من قبل معاصي العبد، يحجب نور الله، فكما أنَّ الشَّمس في رابعة النَّهار، قد يحجب ضوءها سحب وغيوم، ولله المثل الأعلى، كذلك تحجب المعاصي والذنوبُ نور الله عزّ وجل من أن يلِجَ إلى قلبه، وفي قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} نجد كما قالوا: تشبيهاً للرُّؤية بالرُّؤية، لا تشبيهاً للمرئيِّ بالمرئيِّ، وهذه قاعدة معروفة، ذلك أنه لمَّا سأل الصحابةُ الرُّسول صلّى الله عليه وسلَّم، عن رؤية الله– جلَّ وعلا- يوم القيامة، كيف تكون؟ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: "هل ترونَ القمر ليلة البدر؟ وهل تُضامُون في رؤيته؟" فقالوا: لا. فقال: "هو كذلك" متفق عليهٍ، فذلك من باب تشبيه الرُّؤية بالرُّؤية، لا من باب تشبيه المرئيِّ بالمرئيِّ، لأنَّه لا يمكن تشبيهُ الله -جلَّ وعلا- بشيء من مخلوقاته.
الشَّاهد: أنَّ من وجد في قلبه قسوةً، وبغياً، وظلماً، فقد حُجب عن نور الله، وإلا فالله نور السَّموات والأرض، وكما أنّ الشَّمس في وسط النَّهار، قد يُحجب ضوؤها بشيءٍ ما عن بعض النّاس، رغم كونها تغمر كلّ أرجاء الأرض في كل مكان، كذلك قد يحول حجاب الذّنوب والمعاصي بين نور الله عزّ وجلّ وقلب الإنسان!
فهذا المعنى الكبير الّذي تتضمنه سورة النور، يُشيع النور وروح التفاؤل في السورة كلّها، رغم أنها تناولت حادث الإفك، وواجهت مكايد المنافقين، وسعيهم لإشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلاميّ، وهي قضايا حدثت في زمن النبوة، ونعيشها الآن، واجهتها السورة وعالجتها بأحكامٍ قابلة للتجدُّد، وهذا يدلُّ دلالة واضحة، على أنَّ هذا القرآن مصلح لكلِّ زمان ومكان.
وسُمِّيت السُّورة باسمٍ واحدٍ هو سورة النُّور، فلذا يجب ألا يفارق النُّور أعمالنا وتفكيرنا، وهذا هو التَّفاؤل المطلوب من المسلم، لأنَّ نور الإيمان الموجود في قلب المؤمن، يرشح على وجهه وجوارحه ومشاعره، فينتشر النُّور فيمن حوله، وفيمن يلوذ به. والنُّور مقابل الظَّلام، كيف نحوِّله إلى واقع، وليس مجرَّد تنظير؟ هذا ما ترسمه سورة النُّور من خلال آياتها؛ فنسأل الله ألا يحرمنا من هذا النُّور في الدُّنيا والآخرة.
هذه السُّورةُ تُقيِّم حياتنا، وتدلُّنا على الطَّريق المستقيم، قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. وقد شدَّد بعض العلماء في هذا المعنى، مستدلاً بهذه الآية، على لزوم النَّص الحرفيِّ لكتاب الله، وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، في المسائل الخلافيَّة، حرصاً على أمر الله الوارد في آية سورة النُّور.
نسأل الله التَّوفيق والعون والسَّداد.
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر