رونق الامل
05 Nov 2012, 02:03 PM
تحديات الإنترنت كيف ينبغي أن نواجهها
شكَّل تطور وسائل الاتصال المعلوماتي باستخدام الإنترنت - على نحو لم يكن مألوفًا من قبلُ، وبالسرعة الفائقة التي نشهدها اليوم - ثورة كبرى في عالم الاتصال الرقمي، غَزَت كل مناحي الحياة المعاصرة تقريبًا.
ولاشك أن الشبكة العنكبوتية - كمنجز حضاري عصري - قد وفرت للجمهور خدمات كثيرة ومتنوعة؛ حيث أصبح بالإمكان الآن: دفع فواتير الحساب عن طريق الإنترنت، وكذلك القيام بعمليات التسوق، والمتاجرة الإلكترونية، ومشاهدة مقاطع الفيديو، والاستماع إلى الموسيقا، والدردشة بالصوت والصورة، واستخدام خدمة البريد الإلكتروني لتبادل الرسائل بين الأفراد بشكل سريع، تجاوز كل حدود الحدود الجغرافية، والحواجز الطبيعية الأخرى.
وهي إيجابيات تحسب للفضاء المعلوماتي يقينًا، إذا ما تم استخدمه على نحو رشيد، يوظف لصالح ترسيخ قِيَم المجتمع الفاضلة والمعاني النبيلة.
ومع غزو الإنترنت لفضاءات مجتمعنا، وتغلغها في مختلف مفاصله،بدأنا نفقد تدريجيًّا آصرة اللقاء المباشر وجهًا لوجه، مع مَن نخاطبهم من الناس، واستبدلنا لقاءاتنا المباشرة الحميمة بغرف الدردشة، والمشاركة بالتغريد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكلما ترسَّخت ظاهرة الالتصاق بالإنترنت، وطال أمد جلوس المتصفح في غرف الدردشة والتواصل الاجتماعي، بأسلوب يقترب من حالة الإدمان على التعاطي مع تلك الكينونات المعلوماتية - تفاقمت لديه ظاهرة الانعزال، وتعمَّق لديه سلوك الوحدة المُوحِش؛ حيث يحصل له انفصال اجتماعي حقيقي؛ سواء على مستوى الأسرة الواحدة في المنزل الواحد، أو على مستوى المجتمع في البيئة الجمعية؛ فلا يكون هناك حوار، أو مناقشة، أو تبادل آراء ملموس، بل نجد أن كل شخص مشغول مع الجهاز الذي يخصه، ولا يتحدث مع مَن معه في المكان الواحد.
وواضح للجميع ما لهذه السلبيات من انعكاسات اجتماعية سلبية على البيئة المجتمعية، في المدَيَيْن: القريب والبعيد.
وبهذه السلبيات الحادة، شكَّل الإنترنت- كمنفذ مضاف لدخول الغزو الغربي إلى بيئتنا -تحديًا تكنولوجيًّا معرفيًّا جديدًا، يضاف إلى تحديات الغزو الحضاري المُعَوْلَم لبيئتنا؛ فنشأت بذلك التحدي الجديد ثقافة جديدة، بمعطيات طارئة ودخيلة، وبمصطلحات جديدة، وهذا بالطبع سيؤثر بشكل كبير على ثقافة الجيل الجديد؛حيث سيبدؤون بالانسلاخ التدريجي من فضاءات الأبوة التقليدية، ويغادرون مدارات الأمومة البيتية والاجتماعية؛ إذ مع وجود الإنترنت، ستعزز لديهم سلوكيات العزلة عن هُوِيَّة الأسرة؛لأنهم سيتبنون عناصر الثقافة الجديدة بكل منعكساتها.
ومن هنا سيكون الإنترنت قد اكتسح المكانة الروحية والاعتبارية للأب والأم، كأحد أهم دعامات الأصالة، الأمر الذي يحمل في طياته مخاطر مسخ الهُوِيَّة الوطنية، وإشاعة القيَم الغربية العالمية بدلاً منها.
ويأتي تدفُّق الصور الإباحية الجامح، عبر هذا الفضاء المعلوماتي المفتوح في كل الاتجاهات بلا قيود، ليضيف عنصرًا جديدًا من التحدي الخطير لثقافة الجيل، يتمثل في جذب الأبناء الذين يجدون أن ما كان يتعذر عليهم مشاهدته من محظورات سابقًا، قد أصبح الآن متاحًا لهم بحرية مطلقة، بمجرد "نقرة زِر" لا أكثر.
ولعل الجميع بات يشعر بعمق التحدي وخطورته، بعد أن اكتشفوا أن هناك قوة افتراضية تريد انتزاع أبنائهم منهم عَنْوَة، لاسيما بعدما تبيَّن لهم أن الإنترنت بسرعة تدفق موارده، وسهولة إتاحته للاستخدام الميسر -لا يحتاج إلى مقص الرقيب، وبالتالي فإن المستخدمين من الشباب أو الفتيات، لم يعد يقف أمام دخولهم من المنزل إلى شبكة الإنترنت مباشرة، سوى ثقافة الأهل والمجتمع، كحاجز أخلاقي وقيمي ينظم هذا الدخول، ويرسم الحدود الخضراء المسموح بها، والحمراء غير المسموح بالاقتراب منها، التي ينبغي ألا يغالي في تضييقها بشكل مبالغ فيه، إلى الحد الذي يحرمهم من العوائد الإيجابية لهذا الوافد الحضاري المتدفق، ويستنبت -بذريعة الحرص على القيم الموروثة -أمية معلوماتية، لا يقل خطر تفشِّيها بينهم عن سلبيات الاستخدام المفتوح بدون ضوابط.
ومع أنه لا توجد في الوقت الحاضر دراسات علمية كافية حول الآثار السلبية على الصحة العامة للمستخدمين؛ نظرًا لحداثة هذه المنتجات المعلوماتية، وبالتالي فإنه ليس بالإمكان التأكد من تلك الأضرار إلا بعد مرور زمن من الاستخدام الزائد لهذه التقنية، إلا أن الآثار السلبية للإنترنت في المجال الصحي -كما تشير المعلومات المتاحة عنها من كتالوكات المنتجين أنفسهم حتى الآن -تكمُن في التأثير التراكمي الضار للأشعة التي تصدر عن هذه الأجهزة الرقمية على أعضاء الجسم مع الزمن، ولاسيما لدى الأطفال، كما لوحظ أنها قد تؤثر على حاسة السمع، والبصر، من خلال الإجهاد المستمر للعينين، ولفترات استخدام طويلة، إضافة إلى تأثيراتها على عضلات الرقبة واليدين؛ نتيجة للشد والتحمس الذي يمارسه المستخدم عند استعماله لهذه الأجهزة.
والسؤال المطروح الآن هو: ما هي الإجراءات الوقائية التي ينبغي أن نقوم بها في مجتمعنا العربي، لمواجهة ذلك التحدي الجديد الذي فرض علينا بعولمة الفضاء المعلوماتي من خلال الشبكة العنكبوتية، والذي يبدو أنه لا مناص لنا من خوضه، والتعامل معه، شئنا أم أبينا؟
لاشك أن المطلوب الآن، هو: المبادرة لوضع ضوابط للاستخدام، تراعي الاعتبارات القِيَمية والأخلاقية للمجتمع، والتركيز على وضع ضوابط تنظم سياسات الخصوصية، بشكل يمنع التجاوز على خصوصيات الأفراد، ويمنع التجاوز على معتقداتهم، والإساءة إلى مشاعرهم.
كما أن المطلوب هو الحد من تدفُّق الصور الماجنة، ومقاطع الجنس الإباحية، التي تهدم أخلاقيات المجتمع، وتخلخل معتقداته، وتؤدي بالمحصلة إلى التحلُّل القِيَمي، والانحدار الأخلاقي.
ولعل التركيز على ثقافة احترام القيم، والمُثل الدينية للإسلام الحنيف، ومراعاة قيم التراث، وتشجيع التوسع في نشرها، والحفاظ عليها من المسخ والتشويه، وحمايتها من الانقراض بانتشار الثقافة المتحللة وغير المسؤولة، التي أسقطتها عولمة الفضاء المعلوماتي بدخول الإنترنت إلى كل مفاصل حياتنا المعاصرة -يصبح ضرورة اجتماعية لتحصين الجيل من هذه المخاطر المحدقة بهم، بعد أن أصبحت هذه الأجهزة -بواقعها الافتراضي المُعَوْلَم-تشارك الحواضن التقليدية للتربية، وعلى رأسها: الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والمسجد، في تشكيل سلوكيات وثقافة الجيل، والتي يلاحظ أنها لا تتوافق في الغالب الأعم مع السلوكيات السائدة والمقبولة في مجتمعنا العربي والإسلامي.
ولا جَرم أن هضْم هذه التكنولوجيات عند مسألة التعامل مع نقلها، اختيارًا واستيعابًا، والعمل على تكييفها مع متطلبات خصوصية بيئتنا المحلية، عتادًا وبرامجيات -يأتي في مقدمة أولويات إستراتيجية مواجهة تلك التحديات.
م/ن
شكَّل تطور وسائل الاتصال المعلوماتي باستخدام الإنترنت - على نحو لم يكن مألوفًا من قبلُ، وبالسرعة الفائقة التي نشهدها اليوم - ثورة كبرى في عالم الاتصال الرقمي، غَزَت كل مناحي الحياة المعاصرة تقريبًا.
ولاشك أن الشبكة العنكبوتية - كمنجز حضاري عصري - قد وفرت للجمهور خدمات كثيرة ومتنوعة؛ حيث أصبح بالإمكان الآن: دفع فواتير الحساب عن طريق الإنترنت، وكذلك القيام بعمليات التسوق، والمتاجرة الإلكترونية، ومشاهدة مقاطع الفيديو، والاستماع إلى الموسيقا، والدردشة بالصوت والصورة، واستخدام خدمة البريد الإلكتروني لتبادل الرسائل بين الأفراد بشكل سريع، تجاوز كل حدود الحدود الجغرافية، والحواجز الطبيعية الأخرى.
وهي إيجابيات تحسب للفضاء المعلوماتي يقينًا، إذا ما تم استخدمه على نحو رشيد، يوظف لصالح ترسيخ قِيَم المجتمع الفاضلة والمعاني النبيلة.
ومع غزو الإنترنت لفضاءات مجتمعنا، وتغلغها في مختلف مفاصله،بدأنا نفقد تدريجيًّا آصرة اللقاء المباشر وجهًا لوجه، مع مَن نخاطبهم من الناس، واستبدلنا لقاءاتنا المباشرة الحميمة بغرف الدردشة، والمشاركة بالتغريد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكلما ترسَّخت ظاهرة الالتصاق بالإنترنت، وطال أمد جلوس المتصفح في غرف الدردشة والتواصل الاجتماعي، بأسلوب يقترب من حالة الإدمان على التعاطي مع تلك الكينونات المعلوماتية - تفاقمت لديه ظاهرة الانعزال، وتعمَّق لديه سلوك الوحدة المُوحِش؛ حيث يحصل له انفصال اجتماعي حقيقي؛ سواء على مستوى الأسرة الواحدة في المنزل الواحد، أو على مستوى المجتمع في البيئة الجمعية؛ فلا يكون هناك حوار، أو مناقشة، أو تبادل آراء ملموس، بل نجد أن كل شخص مشغول مع الجهاز الذي يخصه، ولا يتحدث مع مَن معه في المكان الواحد.
وواضح للجميع ما لهذه السلبيات من انعكاسات اجتماعية سلبية على البيئة المجتمعية، في المدَيَيْن: القريب والبعيد.
وبهذه السلبيات الحادة، شكَّل الإنترنت- كمنفذ مضاف لدخول الغزو الغربي إلى بيئتنا -تحديًا تكنولوجيًّا معرفيًّا جديدًا، يضاف إلى تحديات الغزو الحضاري المُعَوْلَم لبيئتنا؛ فنشأت بذلك التحدي الجديد ثقافة جديدة، بمعطيات طارئة ودخيلة، وبمصطلحات جديدة، وهذا بالطبع سيؤثر بشكل كبير على ثقافة الجيل الجديد؛حيث سيبدؤون بالانسلاخ التدريجي من فضاءات الأبوة التقليدية، ويغادرون مدارات الأمومة البيتية والاجتماعية؛ إذ مع وجود الإنترنت، ستعزز لديهم سلوكيات العزلة عن هُوِيَّة الأسرة؛لأنهم سيتبنون عناصر الثقافة الجديدة بكل منعكساتها.
ومن هنا سيكون الإنترنت قد اكتسح المكانة الروحية والاعتبارية للأب والأم، كأحد أهم دعامات الأصالة، الأمر الذي يحمل في طياته مخاطر مسخ الهُوِيَّة الوطنية، وإشاعة القيَم الغربية العالمية بدلاً منها.
ويأتي تدفُّق الصور الإباحية الجامح، عبر هذا الفضاء المعلوماتي المفتوح في كل الاتجاهات بلا قيود، ليضيف عنصرًا جديدًا من التحدي الخطير لثقافة الجيل، يتمثل في جذب الأبناء الذين يجدون أن ما كان يتعذر عليهم مشاهدته من محظورات سابقًا، قد أصبح الآن متاحًا لهم بحرية مطلقة، بمجرد "نقرة زِر" لا أكثر.
ولعل الجميع بات يشعر بعمق التحدي وخطورته، بعد أن اكتشفوا أن هناك قوة افتراضية تريد انتزاع أبنائهم منهم عَنْوَة، لاسيما بعدما تبيَّن لهم أن الإنترنت بسرعة تدفق موارده، وسهولة إتاحته للاستخدام الميسر -لا يحتاج إلى مقص الرقيب، وبالتالي فإن المستخدمين من الشباب أو الفتيات، لم يعد يقف أمام دخولهم من المنزل إلى شبكة الإنترنت مباشرة، سوى ثقافة الأهل والمجتمع، كحاجز أخلاقي وقيمي ينظم هذا الدخول، ويرسم الحدود الخضراء المسموح بها، والحمراء غير المسموح بالاقتراب منها، التي ينبغي ألا يغالي في تضييقها بشكل مبالغ فيه، إلى الحد الذي يحرمهم من العوائد الإيجابية لهذا الوافد الحضاري المتدفق، ويستنبت -بذريعة الحرص على القيم الموروثة -أمية معلوماتية، لا يقل خطر تفشِّيها بينهم عن سلبيات الاستخدام المفتوح بدون ضوابط.
ومع أنه لا توجد في الوقت الحاضر دراسات علمية كافية حول الآثار السلبية على الصحة العامة للمستخدمين؛ نظرًا لحداثة هذه المنتجات المعلوماتية، وبالتالي فإنه ليس بالإمكان التأكد من تلك الأضرار إلا بعد مرور زمن من الاستخدام الزائد لهذه التقنية، إلا أن الآثار السلبية للإنترنت في المجال الصحي -كما تشير المعلومات المتاحة عنها من كتالوكات المنتجين أنفسهم حتى الآن -تكمُن في التأثير التراكمي الضار للأشعة التي تصدر عن هذه الأجهزة الرقمية على أعضاء الجسم مع الزمن، ولاسيما لدى الأطفال، كما لوحظ أنها قد تؤثر على حاسة السمع، والبصر، من خلال الإجهاد المستمر للعينين، ولفترات استخدام طويلة، إضافة إلى تأثيراتها على عضلات الرقبة واليدين؛ نتيجة للشد والتحمس الذي يمارسه المستخدم عند استعماله لهذه الأجهزة.
والسؤال المطروح الآن هو: ما هي الإجراءات الوقائية التي ينبغي أن نقوم بها في مجتمعنا العربي، لمواجهة ذلك التحدي الجديد الذي فرض علينا بعولمة الفضاء المعلوماتي من خلال الشبكة العنكبوتية، والذي يبدو أنه لا مناص لنا من خوضه، والتعامل معه، شئنا أم أبينا؟
لاشك أن المطلوب الآن، هو: المبادرة لوضع ضوابط للاستخدام، تراعي الاعتبارات القِيَمية والأخلاقية للمجتمع، والتركيز على وضع ضوابط تنظم سياسات الخصوصية، بشكل يمنع التجاوز على خصوصيات الأفراد، ويمنع التجاوز على معتقداتهم، والإساءة إلى مشاعرهم.
كما أن المطلوب هو الحد من تدفُّق الصور الماجنة، ومقاطع الجنس الإباحية، التي تهدم أخلاقيات المجتمع، وتخلخل معتقداته، وتؤدي بالمحصلة إلى التحلُّل القِيَمي، والانحدار الأخلاقي.
ولعل التركيز على ثقافة احترام القيم، والمُثل الدينية للإسلام الحنيف، ومراعاة قيم التراث، وتشجيع التوسع في نشرها، والحفاظ عليها من المسخ والتشويه، وحمايتها من الانقراض بانتشار الثقافة المتحللة وغير المسؤولة، التي أسقطتها عولمة الفضاء المعلوماتي بدخول الإنترنت إلى كل مفاصل حياتنا المعاصرة -يصبح ضرورة اجتماعية لتحصين الجيل من هذه المخاطر المحدقة بهم، بعد أن أصبحت هذه الأجهزة -بواقعها الافتراضي المُعَوْلَم-تشارك الحواضن التقليدية للتربية، وعلى رأسها: الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والمسجد، في تشكيل سلوكيات وثقافة الجيل، والتي يلاحظ أنها لا تتوافق في الغالب الأعم مع السلوكيات السائدة والمقبولة في مجتمعنا العربي والإسلامي.
ولا جَرم أن هضْم هذه التكنولوجيات عند مسألة التعامل مع نقلها، اختيارًا واستيعابًا، والعمل على تكييفها مع متطلبات خصوصية بيئتنا المحلية، عتادًا وبرامجيات -يأتي في مقدمة أولويات إستراتيجية مواجهة تلك التحديات.
م/ن