المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقــــــــــــرأ



سنا البرق
24 Dec 2004, 12:15 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



يذكرُ العلاّمةُ الأديبُ بديعُ هذا الزمانِ : عليٌّ الطنطاويُّ – برّدَ اللهُ مضجعهُ – في أحدِ أجزاءِ كتابهِ " ذكريات" أنّهُ أحصى مجموعَ ما قرأهُ في حياتهِ إلى سنةِ 1405 هـ - أي قبلَ وفاتهِ بأكثرَ من 15 سنةً – فبلغَ 2500000 صفحةً تقريباً ، وذلك لأنّهُ شغلَ ليلهُ ونهارهُ في المطالعةِ والنظرِ ، وأصبحَ يقرأ ما يزيدُ على 100 صفحةٍ يوميّاً .

فكم يا تُرى يبلغُ المجموعُ لو أضفنا عليها السنواتِ الباقيةَ ، وهي 15 سنةً تامّةً وافيةً ، تلكَ السنواتُ التي تفرّغَ فيها للمكثِ في البيتِ ، وانقطعَ عن النّاسِ ، وصارتِ المكتبةُ ملاذهُ وأنسهُ ؟ .

هؤلاءِ هم الرّجالُ حقّاً .

لا بُدَّ لنا من وقفةٍ جادّةٍ صادقةٍ مع هذا العمرِ الذي نُبدّدُهُ شذرَ مذرَ ، دونَ أن نُضيفَ إلى رصيدِنا المعرفيِّ شيئاً يُذكرُ ، تُسرقُ بهجةُ الحياةِ من بينِ أيدِنا بأيدينِا ! ، فمن نُحاكمُ ونحنُ الجناةُ والمجنيُّ عليهم ؟ .

القراءةُ والعلمُ والبحثُ من أجملِ ما في الحياةِ ، حينَ تُنقّلُ فكركَ وعقلكَ في عصورٌ خلتْ ، وأقوامٍ بادتْ وانتهتْ ، تجوبُ الديارَ وتقطعُ المسافاتِ ، وأنتَ قابعٌ في بيتكَ ومكتبكَ ، فتستلهمُ العبرَ وتأخذُ الدروسَ ، وتطربُ طوراً وتحزنُ أخرى ، وتبكي وتضحكُ ، تجمعُ ما تناقضَ من حالكَ في جلسةٍ واحدةٍ ، وتستدعي عباقرةَ العلمِ ودهاقنةَ السياسةِ في مكانٍ واحدٍ ، فتأمرَ هذا بأن يُبينَ وتُخرسُ ذاكَ ، وهكذا دواليكَ .

نعتقدُ أو يعتقدُ بعضُنا أنّهُ سوفَ يبلغُ المجدَ بالكسلِ والتواني ، أو أنّهُ سوفَ يظفرُ بالعلياءِ وهو حِلسُ الجهالةِ أو سميرُ اللعبِ أو نديمُ الفراغِ ، كلاّ وربّي ، لا بُدَّ من الكدِّ والجُهدِ والنصبِ ، حتّى تقطفَ ثمرةَ ذلكَ كلّهُ نجاحاً وفلاحاً .

لا يستوي من أنفقَ دهرهُ علماً وبحثاً ونظراً ، وآخرُ أنفقهُ سهراً وضياعاً ولعباً ، لا يستوي من يقرأ ليلهُ ونهارهُ ، وآخرُ يقضي وقتهُ في الكلامِ ، ويُشتّتُ عمرهُ في ما لا فائدةَ من وراءهِ .

ادفعْ من عمركَ ما شئتَ للجدِّ والمُستقبلِ ، تنلْ مقدارهُ من الحظِّ والمكانةِ والسموِّ ، وادفعْ مثلهُ في اللعبِ والمضيعةِ والتوافهِ ، تنلْ مقدارهُ وأزيدَ من الضعةِ والهوانِ والخمولِ ، لا يستوي عندَ اللهِ ولا عندَ النّاسِ من جدَّ واجتهدَ ، وآخرُ نامَ حتّى نفخَ ، وأكلَ حتّى بشمَ ، وجهلَ حتّى سقطَ .

يذكرُ البروفيسور : مُصطفى فقي – أسعدَ اللهُ أيّامهُ - أنّهُ يقرأ كلُّ أسبوعٍ سبعةَ كُتبٍ ، هكذا ألزمَ نفسهُ وأوجبَ عليها ، لا بُدَّ أن يقرأ ، ولا بُدَّ أن يتثقّفَ ، مع أنّهُ رجلٌ قد ملأ الدّنيا وشغلَ النّاسَ ، وأصبحَ من الأفذاذِ الذين يُشارُ إليهم بالبنانِ .

وهذا العلاّمةُ الكبيرُ : محمودُ شاكر – برّدَ اللهُ مضجعهُ - مكثَ في عزلةٍ فرضها على نفسهِ 40 سنةً يقرأ ويبحثُ ، وأعرضَ في فترتهِ تلكَ عن رِفاقهِ وصحبهِ ، وكانتْ بدايةَ تلكَ العُزلةِ مسألةٌ أثارها الدكتورُ : طه حُسين ، حدت بمحمود شاكر أن يقرأ ويقرأ ، فقرأ جميعَ ما وقعتْ عينهُ عليهِ من كتابٍ في مكتبةِ أبيهِ العامرةِ ، ولهُ في ذلكَ خبرٌ وقصّةٌ مليئةٌ بالعبرِ والعِظاتِ ، مذكورةٌ في مقالاتهِ التي طُبعتْ أخيراً .

ونالَ ما تمنّى ! ، وصارَ أعلمَ أهلِ الأرضِ بالعربيّةِ والتُراثِ ، بل قيلَ : إنّهُ لم يأتِ بعدَ الجاحظِ رجلٌ وسِعَ علمَ العربيّةِ أو كادَ مثلَ محمودٍ – رحمهُ اللهُ - .

تخيّلوا لو كنّا في زمنِ المخطوطاتِ والخطوطِ الدقيقةِ ، هل كنّا سنقرأ شيئاً ؟ ، نحنُ في زمانِ الكُتبِ المزركشةِ والمزخرفةِ ، والمطبوعةِ بأجودِ الورقِ وأفضلِ الألوانِ ، لا نقرأ إلا لماماً ! ، وإذا قرأنا أصابَ الكثيرَ منّا ما أصابهُ من الدّوارِ والصّداعِ ، كأنّما يُساقُ إلى الموتِ وهو ينظرُ ! .

هل يصحُّ أن نسألَ هذه الأيّامَ : كم ساعةً تقرأ في اليومِ ؟ ، خاصّةً وأنّي أعرفُ صديقاً يقرأ من يومهِِ ما يزيدُ على 15 ساعةً ، ولا ينامُ إلا قليلاً .

أكثرُنا لا يعرفُ الكتابَ إلا في الشهرِ مرّةً ، هذا فيما لو عرفهُ ، و يجلسُ بالساعاتِ الطوالِ على قناةِ الجزيرةِ ، أو الإنترنت ، أو على الأحاديثِ العابرةِ في مجلسِ السمرِ والسهرِ ، ولكنّهُ لا يُكلّفُ نفسهُ عناءَ القراءةِ في كتابٍ واحدٍ ، يختمهُ من الجلدةِ إلى الجلدةِ .

وهل أصبحتِ القراءةُ عناءً حتّى أقولَ : يكلّفُ نفسهُ عناءَ القراءةِ ! ، لقد تغيّرَ الزمانُ ، وصارتْ أدواتُ المعرفةِ والبحثِ ضرباً من الجنونِ ، ينفرُ عنها النّاسُ ، ويشعرونَ بالغربةِ حينَ النظرِ فيها ، وترى الكتبَ تغبرُّ ثمَّ تهترىءُ وتتفتتُ ، وهي تجأرُ إلى اللهِ بالدّعاءِ ، أن يُغيثها بمن ينظرُ فيها .

إنَّ قيمةَ كلِّ إنسانٍ هو ما يُحسنهُ ويُتقنهُ ، والعلمُ أشرفُ الأشياءِ ، ويكفيهِ شرفاً أنَّ الكلِّ يدعيهِ ولو عروا عنهُ وخلوا منهُ ، ويكفي الجهلَ سُبّةً وعاراً أنَّ الجميعَ ينفرُ منهُ ولا يرضى أن يُنسبُ له ، حتّى لو كانَ من أهلهِ .

نحنُ – المسلمينَ – أمّةُ المعرفةِ والعلمِ والقراءةِ : (( اقرأ باسمِ ربّكَ الذي خلقَ ، خلقَ الإنسانَ من علقٍ ، اقرأ وربُّكَ الأكرمُ ، الذي علّمَ بالقلمِ ، علّمَ الإنسانَ ما لم يعلمْ )) ، هذه هي بدايةُ الدّينِ ، إنّها المعرفةُ والعلمُ ، وأساسُها القراءةُ والنظرُ ، وبقدرِ ما يعظمُ شأنُ العلمِ وأثرهُ في النفسِ ، يكونُ سموُّ الإنسانِ وارتفاعهُ وعلوّهُ .

وإذا كانَ هذا هو دينُنا وهذه دعوتهُ إلى العلمِ والمعرفةِ ، فما بالُ أكبرِ مكتبةٍ في العالمِ توجدُ عندَ غيرِ المُسلمينَ ، وهي مكتبةُ الكونغرس ! ، أليسَ فينا من يقضي حقَّ العلمِ ويُقيمُ مكتبةً تُشدُّ إليها الرحالُ من جميعِ الأقطارِ ، ويقصدُها طُلاّبُ العلمِ ؟ ، أولا تجدُ المعرفةُ والحِكمةُ من ينفقُ عليها شيئاً من المالِ ، كما يُنفقُ على اللعبِ والمجونِ من الكثيرِ من النّاسِ ؟ .

لماذا لا ننشئُ جامعاتٍ ومراكزَ بحثٍ ودراسةٍ كما في هارفرد وكامبردج ويال وبرنستون و MIT ، وغيرِها من مراكزِ البحثِ والجامعاتِ الشهيرةِ في العالمِ الغربيِّ ؟ ، ألسنا ألصقَ بالعلمِ والمعرفةِ والبحثِ منهم ؟ ، فلماذا ورثوا عنّا العلمَ والتقدّمَ والقراءةَ ، ونحنُ ورثنا عنهم الركودَ والتخلّفَ ، الذي ناموا عليهِ زماناً من عمرهم ؟ .

يؤسفُني أن أقولَ أنَّ الغربَ أيضاً سبقنا في القراءةِ والكتبِ ، وأصبحوا يتنافسونَ في تحصيلِ الكِتابِ وإقامةِ معارضهِ ، ويدعونَ إليها النّاسَ شرقاً وغرباً ، مع أنّهم أكثرُ النّاسِ ترفيهاً ، وأضيعهم لأوقاتِهم ، ولا يرجونَ موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .

هذه الكاتبةُ المغمورةُ " J . K . ROWLING " رولنج ، تكتبُ مجموعةً من الرواياتِ الخاصّةِ بالأطفالِ ، أسمتها " HARRY POTTER " هاري بوتر ، وتنشرُ إبداعاتِها في الغربِ والشرقِ ، ويتوافدُ الصِغارُ على شراءِ رواياتِها ، فتُصبحُ كاتبةً مشهورةٌ بينَ عشيّةٍ وضُحاها ، ولم يقفِ الأمرُ على ذلكَ ، بل أصبحتْ من أثرياءِ العالمِ وباتتْ تُنافسُ بيل قيتس وغيرهُ .

سُبحانَ اللهِ ! ، مُثقفةٌ وكاتبةٌ تكتبُ للأطفالِ ، تُصبحُ من أغنياءِ العالمِ العشرةِ ، والمُثقفُ في عالمِنا العربيِّ والإسلاميِّ ينامُ ويصحو وهو كما هوَ ! ، لا يعرفهُ جارهُ ولا ضجيعهُ ، وإذا أرادَ نشرَ كتابٍ أو طِباعةً مؤلّفٍ ، بذلَ ماءَ وجههِ وأخذَ يستجدي النّاسَ ! .

أمّةٌ بطولِها وعرضِها لا تقومُ بحقِّ أديبٍ أو عالمٍ أو مُثقفٍ ! ، وهي لا تعجزُ – في ذاتِ الوقتِ - أن تُقيمَ الحفلاتِ والسهراتِ للسقطةِ من المغنّيينَ والمُغنيّاتِ ! .

رُحماكَ يا ربِّ .

لن نقومُ إلا بالمعرفةِ والعلمِ ، واللهِ لن تُغنيَ عنّا الجموعُ الكاثرةُ ، ولا الأموالُ الطائلةُ ، وإنّما الذي يُجدي وينفعُ هو المعرفةُ والتحصيلُ ، والتهامُ الكتبِ وافتراسُ البحوثِ ، والغيابُ عن النّاسِ والعالمِ ، والخلودُ إلى واحةِ المعرفةِ ، هذه هي نقطةُ التصحيحِ الأولى ، وما سِوى ذلكَ ضربٌ من الوهمِ والخيالِ .

دمتم جميعاً بخيرٍ .

أخوكم : فتى الأدغال .

IIJURII
24 Dec 2004, 01:06 AM
أولا جزاك الله عنا خير الجزاء على هذه النقلة النوعية في طرح هذا الموضوع الرائع





في بناء الذهن ...





إن ما نواجهه عامة هو عدم أخذ عملية القراءة كجزء من متطلبات العقل لنموه والرقى به ,





و يستوقفني





حديث الدكتور / عادل الحسون عندما كان يحث الحضور على القراءة








وكيف أنك ستملك أكثر من عقل عند








قراءتك لهذا الكتاب وذاك المؤلف كما عقلك سيظل يعمل وان خلدت إلى النوم .








رحمك الله يا شيخنا الفاضل على الطنطاوي فكم أتحفنا بنصحه وحثه لنا على القراءة








وكيف أن ما تقع عينه على







قصاصة من ورقة إلا أن تطاولها في القراءة بنهم .








نعم لابد من تهذيب النفس وتغذيتها وإلزامها ببرنامج للقراءة كل يوم , حتى نسمو بها إلى المعالي ,









كما أجد مؤلفات الكاتبة رولنغ التي سبق لي الإطلاع عليها ,








لا تستحق التهويل من عظمة إنجازها ووصولها








إلى العالمية , فروايات هاري بورتر أجدها ضرب من الخيال الخرافي العقدي








أو ممكن تسميته ما شئتم







... بالنهاية ما توصلت إليه * رولنغ * سببه القراءة ثم القراءة ثم القراءة









ختاما , أتمنى وضع رابط مشاركات أخيكم فتى الأدغال ... ولكم منا جزيل الشكر

أبو بدر 1
25 Dec 2004, 02:12 PM
سنا البرق



جزاك الله خيرا

على هذا النقل الذي يدعو لزيادة القراءة وتغذية العقل وبالتالي تحصل الفائدة

ورحم الله الشيخ الأديب علي الطنطاوي

uwLw71
25 Dec 2004, 09:52 PM
همة عجيبة . .

الشكر لك ايه الغالي سنا البرق على هذا الموضوع الموفق والذي نحن بحاجة ماسة

اليه وخصوصا في هذا الزمن والذي يسر كل شي حتى الهمة

مت بخير وعافية

ALnebras2
25 Dec 2004, 10:23 PM
جزاك الرحمن خيرا سنا البرق
موضوع بجد يستحق كل التقدير
احسـنت

سنا البرق
25 Dec 2004, 10:56 PM
السلام عليكم

أختي الكريمة جوري كماترين كان نقلاً عن نقل فالمسألة بعيدة ولاأعرف أين هذا الفتى

حيث أن إنضمامه وانضمام مقالاته للملتقى بالتأكيد شرف !

فالمعـــــــــذرة !


أخي الكريم أبو بدر حماك الله كلامك مختصر لكن في الصميم .. :thumbs_up


أخي الكريم إحساس العفــــــــــــــو ..


أخي الكريم النبراس شكراً لك .