ام حفصه
24 Nov 2012, 08:26 AM
كيف كان حال السلف مع القرآن؟ وكيف أصبحت حالنا معه؟ ولماذا
ضعفت منزلة القرآن في نفوسنا وصارت صلتنا به أقل من صلتنا
بالجرائد ووسائل الإعلام؟
ما الذي تغيَّر حتى صرنا إلى هذه الحال؟ هل تغيَّر القرآن؟ أم تغيرنا
نحن في عيشنا وحياتنا مع القرآن؟ وما مقياس الأمم في رِفعَتِها
وضَعَتِها وفي عزَّتها وذُلِّها؟
روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله - تعالى - يرفع بهذا الكتاب
أقواماً، ويضع به آخرين».
وهذا يشمل الفرد، والقوم، ويشمل أيضاً الأمة، فمن أقبل على القرآن
من هؤلاء نال الرفعة والمكانة، ومن أعرض عنه عوقب بالذلة
والمهانة.
وبهـذا الميـزان النبـوي للقـرآن عـرف سـلفنا الصـالح - رحمهم الله
تعالى - مكانة القرآن ومنزلته وأثره، فجعلوا القرآن عماد حياتهم، تلاوةً
وتعلُّماً وتعليماً وعملاً؛ فالصغير ينشأ بتعلُّم القرآن، والأسرة تُربَّى
بالقرآن، والعلم يُفتَتَح بتعلُّم القرآن وحِفْظِه، ومدارس العلم كلها
أساسها وعمادها القرآن، ومساجدهم معمورة بالقرآن، وعباداتهم
وصلواتهم، ومجالسهم وسَمَرهم، وأسفارهم وتنقلاتهم، وجهادهم
وفتوحاتهم... كل ذلك إنما عماده القرآن، أما أحكامهم وقضاياهم
وعلاقاتهم، فلا تخرج عنه أبداً.
لقد كانت - حقاً - أمة تعيش وتحيا بالقرآن؛ فكان من أمرها ما كان،
وهذه بعض صور تعامل سلفنا الكرام مع هذا الكتاب العزيز:
1 - عــن أبي موسى - رضي الله عنه - قــال: قــال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين
يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل؛ وإن كنت لم أرَ
منازلهم حين نزلوا بالنهار»(البخاري ومسلم).
2 - وعن أبي الأحوص الجشمي قال: إن كان الرجل ليطرق الفسطاط
طروقاً - أي يأتيه ليلاً - فيسمع لأهله دوياً كدوي النحل (أي بالقرآن).
قال: «فما بال هؤلاء يأمنون، ما كان أولئك يخافون؟»( رواه ابن
المبارك في الزهد بإسناد صحيح).
فهذه حالهم وصفتهم مع القرآن، وهي صفة عامة لأمصار المسلمين؛
ولذا كانوا يأمنون ولا يخافون. قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «إن
هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن».
3 - وعن الحسن البصري - رحمه الله - أنه قال: «إن من كان قبلكم
رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفِّذونها بالنهار».
وهكذا القرآن: عبادة وذكر لله - تعالى - مع تدبر وتفهُّم يعقبه تطبيق
وعمل.
4 - وحامل القرآن هو حامل لراية الإسلام في كل ما تحتاجه هذه
الراية من عزم وقوة، وجِدٍّ وفتوة. قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -:
«حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو،
ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيماً للقرآن».
5 - أما أحوال السلف مع القرآن تدبراً وخشوعاً فأمر معروف؛ حتى إن
الإمام التابعي الثقة قاضي البصرة زرارة بن أوفى العامري الحرشي
(أبو حاجب البصري) الذي روى له الجماعة وكان من العباد، روى بَهز
بن حكيم قصة وفاته فذكر أنه أمَّهم في الفجر في مسجد بني قشير
فقرأ حتى بلغ قوله - تعالى -: {فَإذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ . فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ
عَسِيرٌ} [المدثر: 8 - 9] فخرَّ ميتاً. قال بهز: فكنت فيمن حمله.
لقد كان القرآن عند سلفنا أساسَ الحياة، وأساس المناهج لا يزاحمه
أي علم أو أي منهج آخر، وكانت العلوم الأخرى كلها تأتي بعده تبعاً.
فالذي يدخل في الإسلام كان أوَّل ما يتعلمه القرآن.
والوفود التي كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت
تتعلم القرآن وتأخذ معها ما تستطيعه منه.
وكان مقياس الرجال ومعرفة أقدارهم تبدأ بمدى معرفتهم وحفظهم
للقرآن.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدِّم الشاب الصغير عمرو بن
سلمة على مشيخة قومه وكبارهم ؛ حيث أمرهم أن يؤمهم أقرؤهم،
فنظروا، فلم يكن أحد أكثر منه قرآناً من الركبان فقدموه بين أيديهم
وهو ابن ست أو سبع سنين... الحديث.
وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو خليفة جعل شُوَّاره من
القراء، وأدخل معهم عبد الله بن عباس - على صغره - لتميُّزه بحفظ
القرآن والعلم به؛ فعن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: «كان القراء
أصحابَ مجلس عمر - رضي الله عنه - ومشاورته كهولاً كانوا أو
شباباً»(البخاري).
وحِفْظُ القرآن كان أول ما يُبدَأ به في تعليم الصغار. وحِلَق الشيوخ
كانت تبدأ بالقرآن بالنسبة لطلاب العلم. وعيب كبير أن يبدأ طالب علم
بفن من الفنون الشرعية قبل تعلُّم القرآن وحفظه. ومحفوظات
الطلاب كانت تتركز في البداية على القرآن.
والخلاصة: أن التعليم في الأمة الإسلامية كلها كان أساسه وعماده
القرآن وعلومه وتفسيره.
هذا حال سلفنا مع القرآن؛ فقارِنوه بأحوال أمة الإسلام في عصرها
الحاضر، فستجدون سؤالاً يثور في نفوسكم: ولكن كيف ضعفت هيبة
القرآن في نفوسنا وحياتنا ومعاملاتنا؟ وهل هناك وسيلة أو وسائل
يمكن أن تعود بها تلك المنزلة لهذا القرآن العظيم؟
والجواب: نعم! هناك وسائل كثيرة؛ لأنَّ القرآن باقٍ ومحفوظٌ لم يتغير
ولن يتغير مهما تغيرنا نحن أو حاول أعداؤنا أن يغيرونا أو يصرفونا عنه.
وإنِّي ذاكرٌ عدداً من المسائل والقضايا حول هذا الموضوع الكبير: كيف
نحيا وأمةَ الإسلامِ بالقرآنِ؟
أولاً: المعرفةُ والإدراكُ الحقيقي لمنزلةِ هذا القرآنِ، وأنه كلامُ الله -
تعالى - لا يُقاسُ بكلام البشرِ مهما كانوا، وينبني على هذا أمرٌ مهمٌّ،
ألا وهو الثقةُ بنصوصِهِ ثقةً مطلقةً، والتصديقُ الجازمُ بكلِّ ما جاء به
من حقائقَ وأحكام، تتعلق بالفرد وبالأمة في جميع شؤونها العبادية
والأخلاقية والاجتماعية والنفسية والتشريعية...
ضعفت منزلة القرآن في نفوسنا وصارت صلتنا به أقل من صلتنا
بالجرائد ووسائل الإعلام؟
ما الذي تغيَّر حتى صرنا إلى هذه الحال؟ هل تغيَّر القرآن؟ أم تغيرنا
نحن في عيشنا وحياتنا مع القرآن؟ وما مقياس الأمم في رِفعَتِها
وضَعَتِها وفي عزَّتها وذُلِّها؟
روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله - تعالى - يرفع بهذا الكتاب
أقواماً، ويضع به آخرين».
وهذا يشمل الفرد، والقوم، ويشمل أيضاً الأمة، فمن أقبل على القرآن
من هؤلاء نال الرفعة والمكانة، ومن أعرض عنه عوقب بالذلة
والمهانة.
وبهـذا الميـزان النبـوي للقـرآن عـرف سـلفنا الصـالح - رحمهم الله
تعالى - مكانة القرآن ومنزلته وأثره، فجعلوا القرآن عماد حياتهم، تلاوةً
وتعلُّماً وتعليماً وعملاً؛ فالصغير ينشأ بتعلُّم القرآن، والأسرة تُربَّى
بالقرآن، والعلم يُفتَتَح بتعلُّم القرآن وحِفْظِه، ومدارس العلم كلها
أساسها وعمادها القرآن، ومساجدهم معمورة بالقرآن، وعباداتهم
وصلواتهم، ومجالسهم وسَمَرهم، وأسفارهم وتنقلاتهم، وجهادهم
وفتوحاتهم... كل ذلك إنما عماده القرآن، أما أحكامهم وقضاياهم
وعلاقاتهم، فلا تخرج عنه أبداً.
لقد كانت - حقاً - أمة تعيش وتحيا بالقرآن؛ فكان من أمرها ما كان،
وهذه بعض صور تعامل سلفنا الكرام مع هذا الكتاب العزيز:
1 - عــن أبي موسى - رضي الله عنه - قــال: قــال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين
يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل؛ وإن كنت لم أرَ
منازلهم حين نزلوا بالنهار»(البخاري ومسلم).
2 - وعن أبي الأحوص الجشمي قال: إن كان الرجل ليطرق الفسطاط
طروقاً - أي يأتيه ليلاً - فيسمع لأهله دوياً كدوي النحل (أي بالقرآن).
قال: «فما بال هؤلاء يأمنون، ما كان أولئك يخافون؟»( رواه ابن
المبارك في الزهد بإسناد صحيح).
فهذه حالهم وصفتهم مع القرآن، وهي صفة عامة لأمصار المسلمين؛
ولذا كانوا يأمنون ولا يخافون. قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «إن
هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن».
3 - وعن الحسن البصري - رحمه الله - أنه قال: «إن من كان قبلكم
رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفِّذونها بالنهار».
وهكذا القرآن: عبادة وذكر لله - تعالى - مع تدبر وتفهُّم يعقبه تطبيق
وعمل.
4 - وحامل القرآن هو حامل لراية الإسلام في كل ما تحتاجه هذه
الراية من عزم وقوة، وجِدٍّ وفتوة. قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -:
«حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو،
ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيماً للقرآن».
5 - أما أحوال السلف مع القرآن تدبراً وخشوعاً فأمر معروف؛ حتى إن
الإمام التابعي الثقة قاضي البصرة زرارة بن أوفى العامري الحرشي
(أبو حاجب البصري) الذي روى له الجماعة وكان من العباد، روى بَهز
بن حكيم قصة وفاته فذكر أنه أمَّهم في الفجر في مسجد بني قشير
فقرأ حتى بلغ قوله - تعالى -: {فَإذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ . فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ
عَسِيرٌ} [المدثر: 8 - 9] فخرَّ ميتاً. قال بهز: فكنت فيمن حمله.
لقد كان القرآن عند سلفنا أساسَ الحياة، وأساس المناهج لا يزاحمه
أي علم أو أي منهج آخر، وكانت العلوم الأخرى كلها تأتي بعده تبعاً.
فالذي يدخل في الإسلام كان أوَّل ما يتعلمه القرآن.
والوفود التي كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت
تتعلم القرآن وتأخذ معها ما تستطيعه منه.
وكان مقياس الرجال ومعرفة أقدارهم تبدأ بمدى معرفتهم وحفظهم
للقرآن.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدِّم الشاب الصغير عمرو بن
سلمة على مشيخة قومه وكبارهم ؛ حيث أمرهم أن يؤمهم أقرؤهم،
فنظروا، فلم يكن أحد أكثر منه قرآناً من الركبان فقدموه بين أيديهم
وهو ابن ست أو سبع سنين... الحديث.
وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو خليفة جعل شُوَّاره من
القراء، وأدخل معهم عبد الله بن عباس - على صغره - لتميُّزه بحفظ
القرآن والعلم به؛ فعن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: «كان القراء
أصحابَ مجلس عمر - رضي الله عنه - ومشاورته كهولاً كانوا أو
شباباً»(البخاري).
وحِفْظُ القرآن كان أول ما يُبدَأ به في تعليم الصغار. وحِلَق الشيوخ
كانت تبدأ بالقرآن بالنسبة لطلاب العلم. وعيب كبير أن يبدأ طالب علم
بفن من الفنون الشرعية قبل تعلُّم القرآن وحفظه. ومحفوظات
الطلاب كانت تتركز في البداية على القرآن.
والخلاصة: أن التعليم في الأمة الإسلامية كلها كان أساسه وعماده
القرآن وعلومه وتفسيره.
هذا حال سلفنا مع القرآن؛ فقارِنوه بأحوال أمة الإسلام في عصرها
الحاضر، فستجدون سؤالاً يثور في نفوسكم: ولكن كيف ضعفت هيبة
القرآن في نفوسنا وحياتنا ومعاملاتنا؟ وهل هناك وسيلة أو وسائل
يمكن أن تعود بها تلك المنزلة لهذا القرآن العظيم؟
والجواب: نعم! هناك وسائل كثيرة؛ لأنَّ القرآن باقٍ ومحفوظٌ لم يتغير
ولن يتغير مهما تغيرنا نحن أو حاول أعداؤنا أن يغيرونا أو يصرفونا عنه.
وإنِّي ذاكرٌ عدداً من المسائل والقضايا حول هذا الموضوع الكبير: كيف
نحيا وأمةَ الإسلامِ بالقرآنِ؟
أولاً: المعرفةُ والإدراكُ الحقيقي لمنزلةِ هذا القرآنِ، وأنه كلامُ الله -
تعالى - لا يُقاسُ بكلام البشرِ مهما كانوا، وينبني على هذا أمرٌ مهمٌّ،
ألا وهو الثقةُ بنصوصِهِ ثقةً مطلقةً، والتصديقُ الجازمُ بكلِّ ما جاء به
من حقائقَ وأحكام، تتعلق بالفرد وبالأمة في جميع شؤونها العبادية
والأخلاقية والاجتماعية والنفسية والتشريعية...