ام حفصه
27 Nov 2012, 11:51 AM
http://m002.maktoob.com/alfrasha/ups/u/21723/25776/326923.gif
كعادته استيقظ قبيل الإفطار بعد محاولات زوجته المتتالية، وقد علا وجهه العبوس، وتطايرت منه شحنات الغضب، التي تنذر كل من نظر أو اقترب.
جلس أمام مائدة الإفطار العامرة، نظر إلى زوجته وطفليه دون اكتراث منتظرا بملل انطلاق أذان المغرب، لينهي صياما أمضاه نائمًا مضيعا للصلاة.
لهجت الزوجة بدعاء الإفطار، وردد خلفها الطفلان، قبل أن يتناولوا تمرات اتباعا للسنة، بينما اكتفى الزوج المتململ بكوب من العصير قام على إثره إلى الشرفة ليدخن سيجارة.
لم يكن جائعا أو راغبا في تناول الطعام معهم كالعادة، ولم يعد يستجب لمناشداتها أن يجلس معهم على المائدة حتى يحتفظ الأولاد بصورة جميلة في أذهانهم عن إفطار الأسرة، وذكريات
الشهر الفضيل، فقد تحمل كثيرا طيلة 25 يوما، وها قد أوشك رمضان على الرحيل بعد أن بلغت السآمة منه مبلغها.
أدار التلفاز متنقلا بين محطاته، باحثا عما يلهيه ويقتل وقتا بدا له طويلا خانقًا، وبعد أذان العشاء أعدت له وجبة سريعة تناولها، وأعقبها بسيجارة، قبل أن يغادر البيت مسرعا، ليس
لأداء صلاة العشاء والتراويح، وإنما للحاق بأصدقاء الغفلة.
دخلت الزوجة إلى غرفتها بعد أن توضأت استعدادا للصلاة، وقد اطمأنت على طفليها يمارسان أنشطتهما المفضلة من قراءة وتلوين ولعب مشترك.
صلت العشاء وجلست على سجادتها، تطلعت إلى السماء من شرفة غرفتها المظلمة، خنقتها العبرات، فأجهشت ببكاء اجتهدت أن تكتم نشيجه حتى لا يصل إلى مسامع الصغيرين.
لا.. لم تكن هذه هي الحياة التي تمنتها.
ولم يكن هذا هو شريك العمر الذي حلمت به..
ولا هذا هو بناء الأسرة الذي طالما داعب خيالها..
وضعت وجهها بين كفيها وتداعت الذكريات على خاطرها، لقد تزوجا بعد قصة حب طويلة، كلاهما كان غافلا عن تعاليم الإسلام ومبادئه، ولكنهما حلما معا بأسرة جميلة يسودها الحب
والاحترام والمشاركة، ولكن الحلم تبدد على أرض الواقع.. سحقته أقدام رفقاء السوء، وطغيان الشهوات، وطبع رفيقها الملول.
لم يكن يرفض إقبالها على التدين والالتزام، كان مرحبا مشجعا لصلاتها وحفظها القرآن، مفتخرا بها مقدرا لها، مطمئنا لطريقة تربيتها لابنيهما، ولكنه كان يبتعد كلما أقبلت هي على
الله، يفرح بالتزامها ما دام بعيدا عنه، فدائرته الخاصة هي ملك له فقط .. ممنوع الاقتراب منها أو الأمر بالمعروف أو النصح.
كم تمنت أن يشاركها ما منّ الله به عليها من هداية. أن يذوق حلاوة الإيمان ولذة الصلاة ونعيم القرب من الله، ولكنه كان هناك نائيا بعيدا.. في هذه اللحظة شعرت به بعيدا جدا عنها،
كانت شبه متيقنة من مكانه، إنه يلهث مع أصدقاء السوء خلف التسالي المحرمة، سهرات وخيام مراتع للفجور يظلم أصحابها أنفسهم ويصرون على الاحتراق بالمعاصي والكبائر في شهر تغلق فيه أبواب النيران!
شعرت بضيق في صدرها وهي تتخيل حال زوجها، وقارنت والألم يعتصر فؤادها بين ما هو فيه وما فيه ملايين المسلمين من خشية وإنابة وإقبال على الله، وبالأخص في هذه الليلة.. ليلة السابع والعشرين من رمضان.
كفكفت دموعها ورددت آيات تشفي صدرها دوما.. "ولا تزر وازرة وزر أخرى".. "كل نفس بما كسبت رهينة".. "يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه".. فأقبلت على شأنها، وتشبثت بنجاتها.
أتمت صلاة التراوايح، واطمئنت على صغيريها، ثم عادت إلى غرفتها، وقفت في الشرفة قبل أن تعود إلى الصلاة مجددا، نظرت إلى السماء.. صافية، والجو معتدل، والسكون يغشى الشوارع والبيوت رغم ضجيجها المعتاد!
ابتسمت وارتجف قلبها فرحا ورهبة.. أهي ليلة القدر؟!
رفعت يدها وأخذت تدعو الله: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني..
أحست بنسيم عليل يداعب وجهها، بالسكينة تملأ قلبها، والخشوع يلف كل ذرة من كيانها.. وجدت لسانها وقلبها يتضرعان لله جل في علاه.. أن يهدي ذلك السادر في غيه، أن يصلح
الزوج ويقيل عثرته، أن يحبب إليه الإيمان ويزينه في قلبه، ويكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعله من الراشدين.. سألت ربها بيقين أن يهديه.. أن يجعله خير معين لها على طاعته، وأن يجمعهما في الآخرة في جنته.
طال تضرعها الخفي، وتتابعت دموعها، وامتلات طمأنينة وانشراحا، وقد أذهب الله كل حسرة وحزن من قلبها.
بعد عام.. وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان التالي، لم تستطع أن تدعو أو تسأل الله شيئا، لم يقو لسانها إلا على ترديد" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".. كانت
تطالع الكعبة المشرفة وهي تلهج بحمد الله، تسري في جسدها ارتجافة كلما استحضرت عظمة المكان، وكلما انتبهت لزوجها القانت الباكي من خشية الله على مقربة منها، أين كان منذ
عام؟، وكيف ساق الله إليه الهداية برحمته ولطفه، وكيف استجاب أكرم الأكرمين لدعائها وأتاها سؤلها، فرج همها وأصلح حالها وزوجها، فكأنه ولد من جديد.. {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ...}.
مما راق لي ---
كعادته استيقظ قبيل الإفطار بعد محاولات زوجته المتتالية، وقد علا وجهه العبوس، وتطايرت منه شحنات الغضب، التي تنذر كل من نظر أو اقترب.
جلس أمام مائدة الإفطار العامرة، نظر إلى زوجته وطفليه دون اكتراث منتظرا بملل انطلاق أذان المغرب، لينهي صياما أمضاه نائمًا مضيعا للصلاة.
لهجت الزوجة بدعاء الإفطار، وردد خلفها الطفلان، قبل أن يتناولوا تمرات اتباعا للسنة، بينما اكتفى الزوج المتململ بكوب من العصير قام على إثره إلى الشرفة ليدخن سيجارة.
لم يكن جائعا أو راغبا في تناول الطعام معهم كالعادة، ولم يعد يستجب لمناشداتها أن يجلس معهم على المائدة حتى يحتفظ الأولاد بصورة جميلة في أذهانهم عن إفطار الأسرة، وذكريات
الشهر الفضيل، فقد تحمل كثيرا طيلة 25 يوما، وها قد أوشك رمضان على الرحيل بعد أن بلغت السآمة منه مبلغها.
أدار التلفاز متنقلا بين محطاته، باحثا عما يلهيه ويقتل وقتا بدا له طويلا خانقًا، وبعد أذان العشاء أعدت له وجبة سريعة تناولها، وأعقبها بسيجارة، قبل أن يغادر البيت مسرعا، ليس
لأداء صلاة العشاء والتراويح، وإنما للحاق بأصدقاء الغفلة.
دخلت الزوجة إلى غرفتها بعد أن توضأت استعدادا للصلاة، وقد اطمأنت على طفليها يمارسان أنشطتهما المفضلة من قراءة وتلوين ولعب مشترك.
صلت العشاء وجلست على سجادتها، تطلعت إلى السماء من شرفة غرفتها المظلمة، خنقتها العبرات، فأجهشت ببكاء اجتهدت أن تكتم نشيجه حتى لا يصل إلى مسامع الصغيرين.
لا.. لم تكن هذه هي الحياة التي تمنتها.
ولم يكن هذا هو شريك العمر الذي حلمت به..
ولا هذا هو بناء الأسرة الذي طالما داعب خيالها..
وضعت وجهها بين كفيها وتداعت الذكريات على خاطرها، لقد تزوجا بعد قصة حب طويلة، كلاهما كان غافلا عن تعاليم الإسلام ومبادئه، ولكنهما حلما معا بأسرة جميلة يسودها الحب
والاحترام والمشاركة، ولكن الحلم تبدد على أرض الواقع.. سحقته أقدام رفقاء السوء، وطغيان الشهوات، وطبع رفيقها الملول.
لم يكن يرفض إقبالها على التدين والالتزام، كان مرحبا مشجعا لصلاتها وحفظها القرآن، مفتخرا بها مقدرا لها، مطمئنا لطريقة تربيتها لابنيهما، ولكنه كان يبتعد كلما أقبلت هي على
الله، يفرح بالتزامها ما دام بعيدا عنه، فدائرته الخاصة هي ملك له فقط .. ممنوع الاقتراب منها أو الأمر بالمعروف أو النصح.
كم تمنت أن يشاركها ما منّ الله به عليها من هداية. أن يذوق حلاوة الإيمان ولذة الصلاة ونعيم القرب من الله، ولكنه كان هناك نائيا بعيدا.. في هذه اللحظة شعرت به بعيدا جدا عنها،
كانت شبه متيقنة من مكانه، إنه يلهث مع أصدقاء السوء خلف التسالي المحرمة، سهرات وخيام مراتع للفجور يظلم أصحابها أنفسهم ويصرون على الاحتراق بالمعاصي والكبائر في شهر تغلق فيه أبواب النيران!
شعرت بضيق في صدرها وهي تتخيل حال زوجها، وقارنت والألم يعتصر فؤادها بين ما هو فيه وما فيه ملايين المسلمين من خشية وإنابة وإقبال على الله، وبالأخص في هذه الليلة.. ليلة السابع والعشرين من رمضان.
كفكفت دموعها ورددت آيات تشفي صدرها دوما.. "ولا تزر وازرة وزر أخرى".. "كل نفس بما كسبت رهينة".. "يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه".. فأقبلت على شأنها، وتشبثت بنجاتها.
أتمت صلاة التراوايح، واطمئنت على صغيريها، ثم عادت إلى غرفتها، وقفت في الشرفة قبل أن تعود إلى الصلاة مجددا، نظرت إلى السماء.. صافية، والجو معتدل، والسكون يغشى الشوارع والبيوت رغم ضجيجها المعتاد!
ابتسمت وارتجف قلبها فرحا ورهبة.. أهي ليلة القدر؟!
رفعت يدها وأخذت تدعو الله: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني..
أحست بنسيم عليل يداعب وجهها، بالسكينة تملأ قلبها، والخشوع يلف كل ذرة من كيانها.. وجدت لسانها وقلبها يتضرعان لله جل في علاه.. أن يهدي ذلك السادر في غيه، أن يصلح
الزوج ويقيل عثرته، أن يحبب إليه الإيمان ويزينه في قلبه، ويكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعله من الراشدين.. سألت ربها بيقين أن يهديه.. أن يجعله خير معين لها على طاعته، وأن يجمعهما في الآخرة في جنته.
طال تضرعها الخفي، وتتابعت دموعها، وامتلات طمأنينة وانشراحا، وقد أذهب الله كل حسرة وحزن من قلبها.
بعد عام.. وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان التالي، لم تستطع أن تدعو أو تسأل الله شيئا، لم يقو لسانها إلا على ترديد" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".. كانت
تطالع الكعبة المشرفة وهي تلهج بحمد الله، تسري في جسدها ارتجافة كلما استحضرت عظمة المكان، وكلما انتبهت لزوجها القانت الباكي من خشية الله على مقربة منها، أين كان منذ
عام؟، وكيف ساق الله إليه الهداية برحمته ولطفه، وكيف استجاب أكرم الأكرمين لدعائها وأتاها سؤلها، فرج همها وأصلح حالها وزوجها، فكأنه ولد من جديد.. {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ...}.
مما راق لي ---