ام حفصه
01 Dec 2012, 08:56 AM
نصيحة بن الجوزي:
لما رأى الإمام أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله ،من ابنه أبى القاسم تكاسلا في طلب العلم كتب له نصيحة
سماها "لفتة الكبد ،إلى نصيحة الولد
اعلم يا بني -وفقك الله للصواب - أنك مخلوق مكلف ،وأن عليك فرائض أنت مطالب بها ،وأن الملكين
يحصيان ألفاظك ونظراتك ،وأن أنفاس الحي خطاه إلى أجله ،ومقدار اللبث في الدنيا قليل ،والحبس في القبر
طويل ،والعذاب على موافقة الهوى وبيل ،فأين لذة أمس ؟رحلت وأبقت ندما !وأين شهوة النفس ؟كم نكست
رأسا وأزلت قدما !وما أسعد من سعد إلا بخلاف هواه ،ولا شقي من شقي إلا بإيثار دنياه ،فاعتبر بمن مضى
من الملوك والزهاد ،أين لذة هؤلاء،وأين تعب أولائك؟بقى الثواب الجزيل ،والذكر الجميل للصالحين ،والقالة
القبيحة والعقاب الوبيل للعاصين ،وكأنه ما جاع من جاع ،وما شبع من شبع 0
والكسل عن الفضائل بئس الرفيق ،وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة ، فانتبه واتعب لنفسك .
واعلم أن أداء الفرائض،واجتناب المحارم لازم، فمتى تعدى الإنسان فالنار النار 0
ثم اعلم أن طلب الفضائل نهاية مراد المجتهدين ،"وإنما تكمل الفضائل بالجمع بين العلم والعمل ،فإذا حصلا
رفعا صاحبهما إلى معرفة الله تعالى ،وحركاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه ""وعلى قدر أهل العزم تأتى
العزائم ""وعلى العبد الإجتهاد ،وكلٌ ميسر لما خلق له ،والله المستعان"0
واعلم يا بني أن الهمة مولودة مع الآدمي ،وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات ،فإذا حثت سارت
،ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم ،أو كسلا فالجأ إلى الموفق ،فلن تنال خيرا إلا بطاعته ، ولا يفوتك
خير إلا بمعصيته ، فمن الذي أقبل عليه فلم ينل زاده ،ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة أو حظي بشيء
من أعراضه؟
فانتبه يا بني لنفسك ،واندم على ما مضى من تفريطك واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة
،واسق غصنك ما دامت فيه رطوبة ،واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى بها عظة ذهبت فيها لذة التكاسل
،وفاتت مراتب الفضائل ولا يو أيسك يا بني من الخير ، ما مضى من التفريط ، فإنه قد انتبه خلق كثير بعد
الرقاد الطويل فعملوا فلحقوا ثم سبقوا 0
*واجتهد يا بني في صيانة عرضك من التعرض لطلب الدنيا والذل لأهلها ،واقنع تعز ،فقد قيل:من قنع بالخبز
والزيت لم يستعبده أحد ،ومر أعرابي على البصرة ،فقال:من سيد هذه البلدة؟قيل له :الحسن البصري ،قال
:وبم سادهم؟قالوا:استغنى عن دنياهم وافتقروا إلى علمه
*واعلم يا بني أن من حفظ حدود الله حفظه الله ،وأن أوفى ما يدخره المتقون مراعاة حدود الله ،وإيثاره
سبحانه على هوى النفس ،وغض الطرف عن المحارم ،وإمساك اللسان عن فضول الكلام
*وأد يا بني إلى كل ذي حق حقه ،وأولى الناس بالحقوق بعد ربك أهلك 0
*وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب ، فلا تضعها إلا في أشرف ما يمكن ولا تهمل نفسك، وعودها
أشرف العمل وأحسنه ،وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم وصولك إليه ،كما قيل: يا من بدنياه اشتغل قد
غره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل*وراع عواقب الأمور يهن عليك الصبر ،عن كل ما
تشتهي وما تكره وإن وجدت من نفسك غفلة فاحملها إلى المقابر ،وذكرها قرب الرحيل
*ودبر أمرك -والله المدبر-في إنفاقك من غير تبذير ولا تقتير 0،لئلا تحتاج إلى الناس ،فإن حفظ المال من
الدين ،ولأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن يحتاجوا إلى الخلق
*فاجتهد أن تخيب ظني فيما رجوته فيك ولك ،وقد أسلمتك إلى الله سبحانه ،وإياه أسأل أن يوفقك للعلم
والعمل ،وهذا قدر اجتهادي في وصيتي ،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
المصدر :الجزء الأول من كتاب "طعم الإيمان " لفضيلة الشيخ (عبد الرحمن يعقوب)
منقول---
لما رأى الإمام أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله ،من ابنه أبى القاسم تكاسلا في طلب العلم كتب له نصيحة
سماها "لفتة الكبد ،إلى نصيحة الولد
اعلم يا بني -وفقك الله للصواب - أنك مخلوق مكلف ،وأن عليك فرائض أنت مطالب بها ،وأن الملكين
يحصيان ألفاظك ونظراتك ،وأن أنفاس الحي خطاه إلى أجله ،ومقدار اللبث في الدنيا قليل ،والحبس في القبر
طويل ،والعذاب على موافقة الهوى وبيل ،فأين لذة أمس ؟رحلت وأبقت ندما !وأين شهوة النفس ؟كم نكست
رأسا وأزلت قدما !وما أسعد من سعد إلا بخلاف هواه ،ولا شقي من شقي إلا بإيثار دنياه ،فاعتبر بمن مضى
من الملوك والزهاد ،أين لذة هؤلاء،وأين تعب أولائك؟بقى الثواب الجزيل ،والذكر الجميل للصالحين ،والقالة
القبيحة والعقاب الوبيل للعاصين ،وكأنه ما جاع من جاع ،وما شبع من شبع 0
والكسل عن الفضائل بئس الرفيق ،وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة ، فانتبه واتعب لنفسك .
واعلم أن أداء الفرائض،واجتناب المحارم لازم، فمتى تعدى الإنسان فالنار النار 0
ثم اعلم أن طلب الفضائل نهاية مراد المجتهدين ،"وإنما تكمل الفضائل بالجمع بين العلم والعمل ،فإذا حصلا
رفعا صاحبهما إلى معرفة الله تعالى ،وحركاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه ""وعلى قدر أهل العزم تأتى
العزائم ""وعلى العبد الإجتهاد ،وكلٌ ميسر لما خلق له ،والله المستعان"0
واعلم يا بني أن الهمة مولودة مع الآدمي ،وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات ،فإذا حثت سارت
،ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم ،أو كسلا فالجأ إلى الموفق ،فلن تنال خيرا إلا بطاعته ، ولا يفوتك
خير إلا بمعصيته ، فمن الذي أقبل عليه فلم ينل زاده ،ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة أو حظي بشيء
من أعراضه؟
فانتبه يا بني لنفسك ،واندم على ما مضى من تفريطك واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة
،واسق غصنك ما دامت فيه رطوبة ،واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى بها عظة ذهبت فيها لذة التكاسل
،وفاتت مراتب الفضائل ولا يو أيسك يا بني من الخير ، ما مضى من التفريط ، فإنه قد انتبه خلق كثير بعد
الرقاد الطويل فعملوا فلحقوا ثم سبقوا 0
*واجتهد يا بني في صيانة عرضك من التعرض لطلب الدنيا والذل لأهلها ،واقنع تعز ،فقد قيل:من قنع بالخبز
والزيت لم يستعبده أحد ،ومر أعرابي على البصرة ،فقال:من سيد هذه البلدة؟قيل له :الحسن البصري ،قال
:وبم سادهم؟قالوا:استغنى عن دنياهم وافتقروا إلى علمه
*واعلم يا بني أن من حفظ حدود الله حفظه الله ،وأن أوفى ما يدخره المتقون مراعاة حدود الله ،وإيثاره
سبحانه على هوى النفس ،وغض الطرف عن المحارم ،وإمساك اللسان عن فضول الكلام
*وأد يا بني إلى كل ذي حق حقه ،وأولى الناس بالحقوق بعد ربك أهلك 0
*وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب ، فلا تضعها إلا في أشرف ما يمكن ولا تهمل نفسك، وعودها
أشرف العمل وأحسنه ،وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم وصولك إليه ،كما قيل: يا من بدنياه اشتغل قد
غره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل*وراع عواقب الأمور يهن عليك الصبر ،عن كل ما
تشتهي وما تكره وإن وجدت من نفسك غفلة فاحملها إلى المقابر ،وذكرها قرب الرحيل
*ودبر أمرك -والله المدبر-في إنفاقك من غير تبذير ولا تقتير 0،لئلا تحتاج إلى الناس ،فإن حفظ المال من
الدين ،ولأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن يحتاجوا إلى الخلق
*فاجتهد أن تخيب ظني فيما رجوته فيك ولك ،وقد أسلمتك إلى الله سبحانه ،وإياه أسأل أن يوفقك للعلم
والعمل ،وهذا قدر اجتهادي في وصيتي ،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
المصدر :الجزء الأول من كتاب "طعم الإيمان " لفضيلة الشيخ (عبد الرحمن يعقوب)
منقول---