ام حفصه
11 Dec 2012, 07:35 PM
بسم الله -والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
وبعد
قال الإمام البخاري في صحيحه ،حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ ،قال:أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ ،عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا
لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي )
هذا نهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد ،
من مرض أو فقر أو خوف ، أو وقوع في شدة ومهلكة ،
أو نحوها من الأشياء ، فإن في تمني الموت لذلك مفاسد .
منها :
أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها ،
وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته .
ومعلوم أن تمني الموت ينافي ذلك .
ومنها :
أنه يضعف النفس ، ويحدث الخور والكسل ،
ويوقع في اليأس .
والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور ،
والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره ،
وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به .
وذلك موجب لأمرين :
- اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها ،
- والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه .
ومنها :
أن تمني الموت جهل وحمق ،
فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت ،
فربما كان كالمستجير من الضر إلى ما هو أفظع منه ،
من عذاب البرزخ وأهواله .
ومنها :
أن الموت يقطع على العبد
الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها والقيام بها ،
وبقية عمر المؤمن لا قيمة له ،
فكيف يتمنى انقطاع عمل الذرة منه خير من الدنيا وما عليها .
وأخص من هذا العموم :
قيامه بالصبر على الضر الذي أصابه ،
فإن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب .
ولهذا قال في آخر الحديث :
( فإن كان لا بد فاعلا فليقل :
اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي )
فيجعل العبد الأمر مفوضا إلى ربه الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له ،
الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد ،
ويريد له من الخير ما لا يريده ،
ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه .
والفرق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم :
( لا يقل أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ، ارحمني
إن شئت ، ارزقني إن شئت ، وليعزم مسألته ، إنه يفعل ما يشاء ، لا مكره له )
الراوي:أبو هريرةالمحدث:البخاري - المصدر:
صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم:7477
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
أن المذكور في الحديث الذي فيه التعليق بعلم الله وإرادته ،
هو في الأمور المعينة التي لا يدري العبد من عاقبتها ومصلحتها .
وأما المذكور في الحديث الآخر :
فهي الأمور التي يعلم مصلحتها بل ضرورتها وحاجة كل عبد إليها ،
وهي مغفرة الله ورحمته ونحوها .
فإن العبد يسألها ويطلبها من ربه طلبا جازما ،
لا معلق بالمشيئة وغيرها .
لأنه مأمور ومحتم عليه السعي فيها ،
وفي جميع ما يتوسل به إليها .
وهذا كالفرق بين فعل الواجبات والمستحبات الثابت الأمر بها ;
فإن العبد يؤمر بفعلها أمر إيجاب أو استحباب ،
وبعض الأمور المعينة التي لا يدري العبد من حقيقتها ومصلحتها ،
فإنه يتوقف حتى يتضح له الأمر فيها .
واستثنى كثير من أهل العلم من هذا ،
جواز تمني الموت خوفا من الفتنة ،
وجعلوا من هذا قول مريم رضي الله عنها :
{ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا }
[ مريم : 23 ] .
كما استثنى بعضهم تمني الموت شوقا إلى الله .
وجعلوا منه قول يوسف صلى الله عليه وسلم :
{ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }
[ يوسف : 101 ] .
وفي هذا نظر ;
فإن يوسف لم يتمن الموت ،
وإنما سأل الله الثبات على الإسلام ،
حتى يتوفاه مسلما ،
كما يسأل العبد ربه حسن الخاتمة . .
والله أعلم .
بهجة قلوب الأبرار للعلامة السعدي رحمه الله
منقول ----
وبعد
قال الإمام البخاري في صحيحه ،حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ ،قال:أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ ،عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا
لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي )
هذا نهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد ،
من مرض أو فقر أو خوف ، أو وقوع في شدة ومهلكة ،
أو نحوها من الأشياء ، فإن في تمني الموت لذلك مفاسد .
منها :
أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها ،
وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته .
ومعلوم أن تمني الموت ينافي ذلك .
ومنها :
أنه يضعف النفس ، ويحدث الخور والكسل ،
ويوقع في اليأس .
والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور ،
والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره ،
وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به .
وذلك موجب لأمرين :
- اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها ،
- والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه .
ومنها :
أن تمني الموت جهل وحمق ،
فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت ،
فربما كان كالمستجير من الضر إلى ما هو أفظع منه ،
من عذاب البرزخ وأهواله .
ومنها :
أن الموت يقطع على العبد
الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها والقيام بها ،
وبقية عمر المؤمن لا قيمة له ،
فكيف يتمنى انقطاع عمل الذرة منه خير من الدنيا وما عليها .
وأخص من هذا العموم :
قيامه بالصبر على الضر الذي أصابه ،
فإن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب .
ولهذا قال في آخر الحديث :
( فإن كان لا بد فاعلا فليقل :
اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي )
فيجعل العبد الأمر مفوضا إلى ربه الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له ،
الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد ،
ويريد له من الخير ما لا يريده ،
ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه .
والفرق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم :
( لا يقل أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ، ارحمني
إن شئت ، ارزقني إن شئت ، وليعزم مسألته ، إنه يفعل ما يشاء ، لا مكره له )
الراوي:أبو هريرةالمحدث:البخاري - المصدر:
صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم:7477
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
أن المذكور في الحديث الذي فيه التعليق بعلم الله وإرادته ،
هو في الأمور المعينة التي لا يدري العبد من عاقبتها ومصلحتها .
وأما المذكور في الحديث الآخر :
فهي الأمور التي يعلم مصلحتها بل ضرورتها وحاجة كل عبد إليها ،
وهي مغفرة الله ورحمته ونحوها .
فإن العبد يسألها ويطلبها من ربه طلبا جازما ،
لا معلق بالمشيئة وغيرها .
لأنه مأمور ومحتم عليه السعي فيها ،
وفي جميع ما يتوسل به إليها .
وهذا كالفرق بين فعل الواجبات والمستحبات الثابت الأمر بها ;
فإن العبد يؤمر بفعلها أمر إيجاب أو استحباب ،
وبعض الأمور المعينة التي لا يدري العبد من حقيقتها ومصلحتها ،
فإنه يتوقف حتى يتضح له الأمر فيها .
واستثنى كثير من أهل العلم من هذا ،
جواز تمني الموت خوفا من الفتنة ،
وجعلوا من هذا قول مريم رضي الله عنها :
{ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا }
[ مريم : 23 ] .
كما استثنى بعضهم تمني الموت شوقا إلى الله .
وجعلوا منه قول يوسف صلى الله عليه وسلم :
{ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }
[ يوسف : 101 ] .
وفي هذا نظر ;
فإن يوسف لم يتمن الموت ،
وإنما سأل الله الثبات على الإسلام ،
حتى يتوفاه مسلما ،
كما يسأل العبد ربه حسن الخاتمة . .
والله أعلم .
بهجة قلوب الأبرار للعلامة السعدي رحمه الله
منقول ----