طيف المدينة
26 Dec 2012, 08:52 PM
حديث: لا يحل دم امرئ مسلم.. إلا بإحدى ثلاث
http://www.al-eman.com/aleman/others/recommendation-image/13793.JPG
متن الحديث.. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري ومسلم.
الشرح:
ابتعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالدين الخاتم، الذي يخرج الناس من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد.
ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام، فإذا دخل الإنسان حياض هذا الدين، والتزم بأحكامه، صار فردا من أفراد المجتمع الإسلامي، يتمتع بكافة الحقوق المكفولة له، ومن جملة هذه الحقوق، عصمة دمه وماله وعرضه.
وإعطاء المسلم هذه الحقوق له دلالته الخاصة، فالحديث عن العصمة بكافة صورها هو حديث عن حرمة المسلم، ومكانته في هذا المجتمع، وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق يوم حجة الوداع فقال:
(إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) رواه مسلم، وقال أيضا: (من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله) رواه البخاري.
والشريعة الإسلامية - بما تكفله من هذه الحقوق - تسعى إلى تحقيق الوحدة بين لبنات المجتمع المسلم، وتعميق الروابط بين المؤمنين، وبهذا يتحقق لهذا المجتمع أمنه، وسلامة أفراده.
ولكن المشكلة تكمن في أولئك الأفراد، الذين يشَّكل وجودهم خطرا يهدد صرح الأمة، ولم تكن هذه الخطورة مقتصرة على فسادهم الشخصي، أو وقوعهم في بعض المحرمات وتقصيرهم في حقوق ربهم.
إنما تعدت إلى انتهاك حقوق الآخرين، وتهديد حياة الاستقرار التي يعيشها هذا المجتمع، فمن هنا رفع الإسلام عن هؤلاء المنعة الشرعية، وأسقط حقهم في الحياة.
وفي الحديث الذي بين أيدينا بيان لتلك الأمور التي من شأنها أن تزيل العصمة عن فاعلها، وتجعله مهدر الدم، وهي في قوله صلى الله عليه وسلم: (الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) .
فأما الزاني المحصن، فإن الحكم الشرعي فيه هو الرجم حتى الموت، ولعل في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، دلالة واضحة على هذا الحكم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (. . والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم) رواه مسلم.
وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا و الغامدية رضي الله عنهما في عهده، وأجمع المسلمون على هذا الحكم، وكان فيما نزل من القرآن، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه: " والشيخ والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم " - انظر مجموع الفتاوى 20/ 399 - .
وليس ثمة شك في أن هذا الحكم الذي شرعه الله تعالى في حق الزاني المحصن، هو غاية العدل، وهو الدواء الوحيد لقطع دابر هذه الظاهرة، فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بعباده، وهو الذي خلقهم، فهو أدرى بما يصلحهم وينفهم، لأنه أحكم الحاكمين.
ولكنا إذا أردنا أن نتلمس الحكمة في تشريع الله تعالى لهذا النوع من العقوبة، بحيث اختصت في هذا الحد من الحدود ولم تشرع في غيره، فنقول: إذا أردنا أن نعرف ذلك فعلينا أن نتأمل الآثار المدمرة التي يخلفها مثل هذا الفعل الشنيع على جميع المستويات.
فهو ليس انتهاكا لحقوق الآخرين واعتداء على أعراضهم فحسب، بل هو جريمة في حق الإنسانية، وإفساد للنسل والذرية، وسبب في اختلاط الأنساب، فلهذا وغيره، جاء حكم الله تعالى في الزاني المحصن على هذا النحو.
ويجدر بنا أن نشير إلى أن هذه العقوبة لا تتم إلا عندما يقرّ الزاني بما فعله من تلقاء نفسه، أو بشهادة أربعة شهود على حصول ذلك منه، وهذا في الحقيقة قد يكون متعذراً، ومن ناحية أخرى دعت الشريعة من زلت قدمه بهذه الخطيئة أن يستر على نفسه ولا يفضحها، ويتوب إلى الله عزوجل.
ولا داعي لفضح نفسه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يراجع من يعترف بفعله مرات ومرات، لعله يتراجع عن اعترافه هذا، ونلمس ذلك جليا في قوله صلى الله عليه وسلم:
(لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) البخاري، ومن هنا نرى أن الشريعة وضعت هذا الحد ضمن قيود واضحة، وضوابط محددة؛ حتى لا يطبق إلا في نطاق لازم، وفي الموضع الصحيح.
إن ذلك يعطينا تصورا واضحة بأن هذه العقوبة ليست غاية أو هدفا في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لاستئصال هذه الظاهرة والقضاء عليها، وهذا ما أثبته التاريخ في العهد النبوي، فإن كتب السير لم تنقل لنا حصول هذه الجريمة الخلقية إلا في عدد محدود للغاية.
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمرا آخر يحل به دم المسلم وهو: (النفس بالنفس) أي: قتل العمد، وقد أجمع العلماء أن قاتل النفس المعصومة عمدا مستحق للقتل إذا انطبقت عليه الشروط، انطلاقا من قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (المائدة: 45).
وهذا يشمل أن يكون المقتول أو القاتل ذكرا أم أنثى، وهذا العموم مفهوم من الآية السابقة، يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أمر بقتل يهودي قصاصا من امرأة.
وإذا نظرنا إلى قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} (البقرة: 179) ، لأدركنا عظم الحكمة التي لأجلها شرع القصاص في الإسلام، فالقصاص بحد ذاته ليس انتقاما شخصيا، أو إرواء لغليل النفوس المكلومة.
بل هو أمر أعظم من ذلك، إنه حياة للأمم والشعوب، فإن القاتل إذا علم أن حياته ستكون ثمنا لحياة الآخرين، فسوف يشكّل ذلك أكبر رادع له عن فكرة القتل، وبهذا تستقيم الحياة، وتعيش المجتمعات في أمن وطمأنينة.
وثالث الأمور التي تهدر الدم وتسقط العصمة، الردة عن دين الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (والتارك لدينه المفارق للجماعة) أي: المفارق لجماعة المسلمين، ويعضده ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه) .
والردة قد تكون بالقول الصريح: كأن يكفر بالله صراحة، أو بالاعتقاد: كأن يجحد شيئا معلوما من الدين بالضرورة، أوإنكار النبوة أو البعث، أو تكون باستحلال ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، كما قد تكون بالفعل: كمن رمى المصحف في مكان القاذورات - والعياذ بالله - أو سجد لصنم، فهذه أمثلة على بعض ما يخرج المرء من دين الله.
وينبغي أن نشير هنا إلى أنه قد ورد في أحاديث أخرى القتل بغير هذه الثلاث، فقد ورد قتل اللوطي، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود والترمذي.
كما ورد الأمر بقتل الساحر، وقتل من أراد أن يشق عصا المسلمين، ومن أراد الإفساد في الأرض وقطع الطريق، ولعلنا نلاحظ أن هذه الأصناف المذكورة تندرج ضمنا تحت الأنواع الثلاثة التي تناولها الحديث.
إن هذه التشريعات التي أحكمها الله سبحانه وتعالى هي صمام الأمان الذي يحفظ للأمة أمنها واستقرارها، وبها تصان حقوق الفرد والمجتمع
، فحري بنا أن نعقلها ونتدبرها، وأن نطبقها على واقعنا كما سطرناها في كتبنا.
المصدر: موقع يا له من دين
http://www.al-eman.com/aleman/others/recommendation-image/13793.JPG
متن الحديث.. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري ومسلم.
الشرح:
ابتعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالدين الخاتم، الذي يخرج الناس من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد.
ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام، فإذا دخل الإنسان حياض هذا الدين، والتزم بأحكامه، صار فردا من أفراد المجتمع الإسلامي، يتمتع بكافة الحقوق المكفولة له، ومن جملة هذه الحقوق، عصمة دمه وماله وعرضه.
وإعطاء المسلم هذه الحقوق له دلالته الخاصة، فالحديث عن العصمة بكافة صورها هو حديث عن حرمة المسلم، ومكانته في هذا المجتمع، وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق يوم حجة الوداع فقال:
(إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) رواه مسلم، وقال أيضا: (من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله) رواه البخاري.
والشريعة الإسلامية - بما تكفله من هذه الحقوق - تسعى إلى تحقيق الوحدة بين لبنات المجتمع المسلم، وتعميق الروابط بين المؤمنين، وبهذا يتحقق لهذا المجتمع أمنه، وسلامة أفراده.
ولكن المشكلة تكمن في أولئك الأفراد، الذين يشَّكل وجودهم خطرا يهدد صرح الأمة، ولم تكن هذه الخطورة مقتصرة على فسادهم الشخصي، أو وقوعهم في بعض المحرمات وتقصيرهم في حقوق ربهم.
إنما تعدت إلى انتهاك حقوق الآخرين، وتهديد حياة الاستقرار التي يعيشها هذا المجتمع، فمن هنا رفع الإسلام عن هؤلاء المنعة الشرعية، وأسقط حقهم في الحياة.
وفي الحديث الذي بين أيدينا بيان لتلك الأمور التي من شأنها أن تزيل العصمة عن فاعلها، وتجعله مهدر الدم، وهي في قوله صلى الله عليه وسلم: (الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) .
فأما الزاني المحصن، فإن الحكم الشرعي فيه هو الرجم حتى الموت، ولعل في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، دلالة واضحة على هذا الحكم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (. . والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم) رواه مسلم.
وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا و الغامدية رضي الله عنهما في عهده، وأجمع المسلمون على هذا الحكم، وكان فيما نزل من القرآن، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه: " والشيخ والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم " - انظر مجموع الفتاوى 20/ 399 - .
وليس ثمة شك في أن هذا الحكم الذي شرعه الله تعالى في حق الزاني المحصن، هو غاية العدل، وهو الدواء الوحيد لقطع دابر هذه الظاهرة، فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بعباده، وهو الذي خلقهم، فهو أدرى بما يصلحهم وينفهم، لأنه أحكم الحاكمين.
ولكنا إذا أردنا أن نتلمس الحكمة في تشريع الله تعالى لهذا النوع من العقوبة، بحيث اختصت في هذا الحد من الحدود ولم تشرع في غيره، فنقول: إذا أردنا أن نعرف ذلك فعلينا أن نتأمل الآثار المدمرة التي يخلفها مثل هذا الفعل الشنيع على جميع المستويات.
فهو ليس انتهاكا لحقوق الآخرين واعتداء على أعراضهم فحسب، بل هو جريمة في حق الإنسانية، وإفساد للنسل والذرية، وسبب في اختلاط الأنساب، فلهذا وغيره، جاء حكم الله تعالى في الزاني المحصن على هذا النحو.
ويجدر بنا أن نشير إلى أن هذه العقوبة لا تتم إلا عندما يقرّ الزاني بما فعله من تلقاء نفسه، أو بشهادة أربعة شهود على حصول ذلك منه، وهذا في الحقيقة قد يكون متعذراً، ومن ناحية أخرى دعت الشريعة من زلت قدمه بهذه الخطيئة أن يستر على نفسه ولا يفضحها، ويتوب إلى الله عزوجل.
ولا داعي لفضح نفسه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يراجع من يعترف بفعله مرات ومرات، لعله يتراجع عن اعترافه هذا، ونلمس ذلك جليا في قوله صلى الله عليه وسلم:
(لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) البخاري، ومن هنا نرى أن الشريعة وضعت هذا الحد ضمن قيود واضحة، وضوابط محددة؛ حتى لا يطبق إلا في نطاق لازم، وفي الموضع الصحيح.
إن ذلك يعطينا تصورا واضحة بأن هذه العقوبة ليست غاية أو هدفا في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لاستئصال هذه الظاهرة والقضاء عليها، وهذا ما أثبته التاريخ في العهد النبوي، فإن كتب السير لم تنقل لنا حصول هذه الجريمة الخلقية إلا في عدد محدود للغاية.
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمرا آخر يحل به دم المسلم وهو: (النفس بالنفس) أي: قتل العمد، وقد أجمع العلماء أن قاتل النفس المعصومة عمدا مستحق للقتل إذا انطبقت عليه الشروط، انطلاقا من قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (المائدة: 45).
وهذا يشمل أن يكون المقتول أو القاتل ذكرا أم أنثى، وهذا العموم مفهوم من الآية السابقة، يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أمر بقتل يهودي قصاصا من امرأة.
وإذا نظرنا إلى قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} (البقرة: 179) ، لأدركنا عظم الحكمة التي لأجلها شرع القصاص في الإسلام، فالقصاص بحد ذاته ليس انتقاما شخصيا، أو إرواء لغليل النفوس المكلومة.
بل هو أمر أعظم من ذلك، إنه حياة للأمم والشعوب، فإن القاتل إذا علم أن حياته ستكون ثمنا لحياة الآخرين، فسوف يشكّل ذلك أكبر رادع له عن فكرة القتل، وبهذا تستقيم الحياة، وتعيش المجتمعات في أمن وطمأنينة.
وثالث الأمور التي تهدر الدم وتسقط العصمة، الردة عن دين الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (والتارك لدينه المفارق للجماعة) أي: المفارق لجماعة المسلمين، ويعضده ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه) .
والردة قد تكون بالقول الصريح: كأن يكفر بالله صراحة، أو بالاعتقاد: كأن يجحد شيئا معلوما من الدين بالضرورة، أوإنكار النبوة أو البعث، أو تكون باستحلال ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، كما قد تكون بالفعل: كمن رمى المصحف في مكان القاذورات - والعياذ بالله - أو سجد لصنم، فهذه أمثلة على بعض ما يخرج المرء من دين الله.
وينبغي أن نشير هنا إلى أنه قد ورد في أحاديث أخرى القتل بغير هذه الثلاث، فقد ورد قتل اللوطي، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود والترمذي.
كما ورد الأمر بقتل الساحر، وقتل من أراد أن يشق عصا المسلمين، ومن أراد الإفساد في الأرض وقطع الطريق، ولعلنا نلاحظ أن هذه الأصناف المذكورة تندرج ضمنا تحت الأنواع الثلاثة التي تناولها الحديث.
إن هذه التشريعات التي أحكمها الله سبحانه وتعالى هي صمام الأمان الذي يحفظ للأمة أمنها واستقرارها، وبها تصان حقوق الفرد والمجتمع
، فحري بنا أن نعقلها ونتدبرها، وأن نطبقها على واقعنا كما سطرناها في كتبنا.
المصدر: موقع يا له من دين