ام حفصه
30 Dec 2012, 08:05 PM
http://up.ala7ebah.com/img/mAn71367.jpg
السلام عليكم ورحمة الله
إهداء إلى كل محروم من نعمة الولد
إلى كل من اشتاقت نفسه إلى كلمة بابا أ و ماما
إلى أصحاب دموع الليالي وآهات تهز الجبالِ
أهدي لكم هذه القصة الواقعية التي لازمت أحداثها بنفسي لمدة اثنتي عشر سنة
فلعلها تخفف عن وطأة ما تعانون
بل ربما ترسم لكم الأمل من جديد
أخوكم ومحبكم / كرم مبارك
http://up.ala7ebah.com/img/w6d35935.jpg
ولدي كم طال انتظاري
كانت دموعي تشق طريقها كالعادة في شقوق اعتادت عليها وعرفت مجراها على وجنتي ، وأنا مستلق على ظهري فوق سريري الحديدي في مساء يوم إجازة عن العمل المدرسي الشاق وحيداً بين جدران غرفة صغيرة في هذا البلد العربي الذي أعمل فيه بعيداً عن زوجتي وأهلي وأحبابي ..
آه كم أطلت النظر إلى هذا السقف المشقوق فوقي فبرغم الضوء الخافت إلا أني مازلت أرى بوضوح الشقوق التي حفظت مجراها والتي يتخللها قشرات لأصباغ قديمة تتساقط بين حين وآخر على سريري أما الجدران فمصبوغة بألوان الطيف المتداخلة مع بعضها وقد بدأ الملح يزحف إليها بفعل الرطوبة الدائمة حتى أصبح منظره مشمئزاً منفراً ..!!
ولكن ماذا أفعل فهكذا هي حياة العزّاب ..
فمنذ أن رجعت زوجتي إلى وطني قبل سنوات بأمر من الطبيب لكي تكون قريبة إلى تحقيق الأمل المنشود الذي يبدو أنه لن يأتي ، أصبحت وحيداً في هذه الغرفة الوحيدة الكئيبة في هذه العمارة المتهالكة بعد أن تركت الشقة التي كنا نعيش فيها وانتقلت إلى أفقر حي في هذه المدينة
وها أنا أزورهم في كل إجازة صيف ، في زيارة لا أتمناها بل أفضل الغربة عنها !!
كعادتي أنا مستلق على سريري والنوم يأبى إلا أن يعاندني ويجافي عيوني ، ونفس التساؤل يراودني ؟
هل من الممكن أن أرزق بمولود بعد خمسة عشر سنة من الزواج ؟!
وخاصة أن زوجتي تعدت الأربعين سنة وكادت أن تلامس سن اليأس في الإنجاب
أنه هاجس يطاردني ليل نهار ككابوس جاثم على صدري
استبدلت وضعية نومي عل وعسى أن يذهب عني هذا الكابوس ولكن هيهات ، فمن يعرفني يعرف أنه لم ينفك عني منذ السنة الثانية للزواج عندما تسلل هذا الهاجس إلى داخلي بعدما تزوج أخوتي وأصدقائي من بعد ثم أنجبوا
وهكذا تزوج أمة من القوم وأنجبوا أما أنا فقد كان مجرد عطف الناس علي وأسئلتهم المتكررة تقتلني عدة مرات قبل أن أعود إلى الحياة ثانية كجثة متحركة لا تمتلك من هذه الحياة سوى قلباً مازال فيه جبال من الأمل والرجاء
وقدمان تحملان هذه الجثة لتذهبان بها إلى العمل أو إلى المسجد ثم تعود
وعينان تزيدان من بؤسي عندما أنظر إلى الصغار يلعبون هنا وهناك وأسمع صرخاتهم وكأنها أعذب الألحان وأطربها ، ولكم تمنيت هذه الصرخات في بيتي تفسد علي هدوئي القاتل وتصم أذني اللتين لم تسمع إلى الآن كلمة \" أبي \"
لم تكن زوجتي المسكينة بأقل حالاً مني ولكن عزاءها أنها مازالت بين الأهل والأحباب في بلدنا يخففون عنها ألمها ويجبرون مصابها وخاصة إن آمالنا قبل أكثر من سنة قد لامست السحب بعد أن بُلِّغْنا إنها حامل ، ثم بعد أشهر تحطمت هذه الآمال وانكسرت على جبال اليأس فقد كان حملاً كاذباً !
هكذا يقال !!
حتى الحمل يكذب ؟!!
أتراه يسخر من جراحنا ؟!!
أم تراه يتلذذ بآهات البؤساء ودموعهم ؟!
كنا قد تكيفنا مع مصيبتنا لفترة من الوقت وغضّينا الطرف عن الإنجاب فقد أصبح بعيد المنال
وسكت الناس عنا ورفعنا الراية البيضاء ورضينا بالقدر
ولكن هذا الحمل الكاذب جدد الأوجاع ونكّل في الجروح وفتح المواجع ، حتى أصبحت هذه المآسي هاجساً يومياً مريعاً ...
تقتلني الوحدة هنا مع إنني من اختارها ، فقد كانت أعين الأهل والجيران والأصدقاء كأنها سهام تدخل في جسدي لتنتزع روحي ، ومن ثم تحولت النظرات إلى الهمز والغمز واللمز
فآثرتُ الهروب طلباً لراحة الجسد وأمان الألسن والنظرات وكذلك طلباً للمال الذي به يتجدد أمل الإنجاب وتفتح به أبواباً في مستشفيات في بلدي كانت مسدودة علينا نحن الفقراء ، فإذا بي أواجه عدواً جديداً وقاتلاً شرساً بطيئاً آخر يسمى \" الوحدة \"
حتى بت – أستغفر الله - أخشى سماع الآية \" المال والبنون زينة الحياة الدنيا \" أمام الناس ، لأنني بكل بساطة كنت أنهار وتسبقني العبرات وأفقد رباطة جأشي مع إنني دائماً أحاول أن أبدو قوياً راضياً بقدر الله تعالى غير مهتماً إلا بما قدره الله لي
هكذا كنت أمام الناس وهكذا كنت أوحي لهم وبهذا كنت أتمتم ، مع إنني في داخلي عكس ذلك تماماً
كانت كل قطعة في داخلي تبكي بل وتصرخ وتتساءل : أيأتي صباح يحمل إليّ خبراً سعيداً ؟!
أم سيأتي مساءٌ يحمل لي أمل جميلاً ؟؟
وكانت كأنها تجيب نفسها : بعد خمسة عشر سنة ألا تمل أو تكل يا رجل !!
انس يا محمود فليس لك نصيب في الذرية أبداً
كتب عليك أن تموت هكذا وينتهي أثرك
كتب عليك أن تعلم الأطفال وتحنو عليهم وتلاطفهم ولكن دون أن تسمع كلمة \" بابا \" !
ولم أنت قاسية في إجاباتك أيتها النفس ؟
تلطفي بي ، قولي شيئاً يسعدني أو اسكتي على الأقل !!
أو قولي لي اصبر وتجلد ولا تفقد الأمل
أو قولي انتظر فرج الله فإن عطاءه لا ولن ينقطع
قولي لي ما أجمل الصبر وما أجمل الثقة بالله العلي العظيم !
كانت اللحظات شبه السعيدة الوحيدة هي عندما تهاتفني زوجتي أو أهاتفها ولا نتطرق فيها إلى هذه القضية ..
كان الاتفاق بيننا ألا نتطرق إلى هذا الموضوع بتاتاً ، لأنها حتماً ستنتهي إلى البكاء وعدم إكمال الحديث
فكم كانت - أم أحمد - هكذا كنت أناديها منذ بداية زواجنا ولم أكن أدري أن أحمد لن يأتي - تحمل لي الأمل دائماً في مكالماتها
تارة تقول لي : لقد زار بلدنا طبيب عالمي وبشرني أن الحمل قريب
وتارة تقول : لقد رأت فلانة رؤيا وفسرها فلان على إننا سنرزق بمولود !
وتارة تقول : لقد قرأت في مجلة متخصصة أنهم وجدوا علاجاً للعقم وتأخر الإنجاب
كم كنت أتعذب وأنا أسمعها وهي تخفف عني وتريد إدخال السرور إلى نفسي في حين إني أعلم يقيناً إنها داخلياً منهارة أكثر مني وبمجرد أن تغلق الهاتف دوني ستنفجر في البكاء
كم أنت عظيمة يا أم أحمد ،تخففين عني في حين أنا من يجب أن يخفف عنك !
وتحملين همي وهمك معاً
لذا اتفقنا ألا نتطرق إلى هذا الحديث مطلقاً
ولكن هيهات فكل آمالنا وآلامنا تجمعت عند هذه النقطة
حتى صمتنا للحظات يوحي إنه صمت النداء ، نداء الفطرة ، فطرة حب الولد والذرية
ولكننا كنا كأننا نهرب من الجحيم إلى الجحيم
لم نترك طبيباً ، ولا حكيماً ، ولا راقياً ، ولا وسيلة تمكننا من الذرية إلا وطرقناها
ذهبت إلى العمرة ثم إلى الحج وهناك بكيت بكاءً مراً
كل كان يدعو غفران الذنوب إلا أنا كان دعائي مختلفاً
لو كانت أصوات النفوس تُسْمَع لبكي لدعائي كل الذاكرين و الطائفين
ولو كانت دعوات القلوب تفوح لغمرت رائحة حزني جميع الساجدين والراكعين ...
وهنا انتبهت وأنا على سريري فقد أخذتني الأحزان بعيداً
انتبهت وأنا أكثر عزيمة على ألا أترك لليأس سبيلاً عليّ يتحكم بي كيفما شاء
لك وحدك إلهي ألجأ ، نعم لك وحدك يا إلهي يجب أن أتجه بعد أن استنفذت جميع السبل
أنت الرجاء وإليك الملتجأ
قمت وتوضأت حاملاً في نفسي قوة عجيبة من الأمل وقلبي ينبض بشدة وكأني أسمع تلك النبضات تقول \" لك وحدك إلهي \"
لك وحدك إلهي ، ذاك كان دعائي يوم طفت بالبيت
كان تسليماً تاماً إني قد فوضت أمري إليك يا ربي بعد أن استنفذت جميع الأسباب فخذ بيدي يا رب
سجدت وأطلت في السجود ...
لك وحدك يا من تعلم سرى و علانيتي يا من تعلم كربي و همي
لك وحدك دعائي لك وحدك توسلاتي لك وحدك مناجاتي
إلهـــــــي و خالقي وخالق كل الكون لك الحمد و المجد و الكبرياء
إلهــــــي يا من أرجوك في السر والعلن و يا من أجاب نوحًا في قومه ، و نصر إبراهيم على أعدائه ، و رد يوسف إلى يعقوب ، وكشف ضرَّ أيوب ، يا من أجاب دعوةَ زكريا ، و قبل تسبيحَ يونس لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين ..
اللهم من اعتز بك فلن يذل، ومن اهتدى بك فلن يضل، ومن استكثر بك فلن يقل، ومن استقوى بك فلن يضعف، ومن استغنى بك فلن يفتقر، ومن استنصر بك فلن يخذل، ومن استعان بك فلن يغلب، ومن توكل عليك فلن يخيب، ومن جعلك ملاذه فلن يضيع، ومن اعتصم بك فقد هدى إلى صراط مستقيم
اللهم أسألك ذرية صالحة وولداً تقر به عيني ، اللهم لقد طال انتظاري له فما أجمل عطاؤك ، وإني لعطائك منتظر ، فهل من عطاء يفرح عبدك الضعيف ويدخل السرور في قلبه والحبور في نفسه .............
دعوت ليلتها كأنني لم أدعو قط
وبين الدعاء والركوع والسجود والدموع نمت وأنا على سجادتي وبحالتي تلك
ولم أستيقظ إلا على جرس الباب
فتحت عيني يا إلهي الصباح قد انبلج والشمس في كبد السماء ويبدو إنني تأخرت عن حافلة المدرسة وأحد الزملاء جاء ليوقظني
فتحت الباب ويا لها من مفاجأة !! لم تكن في الحسبان
إنها أم أحمد زوجتي تحمل طفلاً جميلاً يبتسم
ذهلت من هول المفاجأة وانخرس لساني للحظات وأنا غير مصدق ما أرى
ما هذه المفاجأة يا أم أحمد ؟!! كيف وصلت إلى هنا ومن هذا الطفل ؟!!
قلتها بكل دهشة وأنا أنظر للطفل الجميل
- إنه أحمد يا محمود لقد أصبحت أباً أخيراً ، خذه يا محمود احضنه وقبله ......
مددت يدي لآخذه إلى حضني فإذا صوت جرس الهاتف يرتفع عالياً
وتختفي أم أحمد مع الطفل !
آه لقد كنت أحلم وأنا نائم على سجادتي ويا له من حلم جميل
لقد قطع علي الجرس هذا الحلم الجميل وهذه الرؤيا السعيدة
اكمل القصه تابع
http://up.ala7ebah.com/img/w6d35935.jpg
السلام عليكم ورحمة الله
إهداء إلى كل محروم من نعمة الولد
إلى كل من اشتاقت نفسه إلى كلمة بابا أ و ماما
إلى أصحاب دموع الليالي وآهات تهز الجبالِ
أهدي لكم هذه القصة الواقعية التي لازمت أحداثها بنفسي لمدة اثنتي عشر سنة
فلعلها تخفف عن وطأة ما تعانون
بل ربما ترسم لكم الأمل من جديد
أخوكم ومحبكم / كرم مبارك
http://up.ala7ebah.com/img/w6d35935.jpg
ولدي كم طال انتظاري
كانت دموعي تشق طريقها كالعادة في شقوق اعتادت عليها وعرفت مجراها على وجنتي ، وأنا مستلق على ظهري فوق سريري الحديدي في مساء يوم إجازة عن العمل المدرسي الشاق وحيداً بين جدران غرفة صغيرة في هذا البلد العربي الذي أعمل فيه بعيداً عن زوجتي وأهلي وأحبابي ..
آه كم أطلت النظر إلى هذا السقف المشقوق فوقي فبرغم الضوء الخافت إلا أني مازلت أرى بوضوح الشقوق التي حفظت مجراها والتي يتخللها قشرات لأصباغ قديمة تتساقط بين حين وآخر على سريري أما الجدران فمصبوغة بألوان الطيف المتداخلة مع بعضها وقد بدأ الملح يزحف إليها بفعل الرطوبة الدائمة حتى أصبح منظره مشمئزاً منفراً ..!!
ولكن ماذا أفعل فهكذا هي حياة العزّاب ..
فمنذ أن رجعت زوجتي إلى وطني قبل سنوات بأمر من الطبيب لكي تكون قريبة إلى تحقيق الأمل المنشود الذي يبدو أنه لن يأتي ، أصبحت وحيداً في هذه الغرفة الوحيدة الكئيبة في هذه العمارة المتهالكة بعد أن تركت الشقة التي كنا نعيش فيها وانتقلت إلى أفقر حي في هذه المدينة
وها أنا أزورهم في كل إجازة صيف ، في زيارة لا أتمناها بل أفضل الغربة عنها !!
كعادتي أنا مستلق على سريري والنوم يأبى إلا أن يعاندني ويجافي عيوني ، ونفس التساؤل يراودني ؟
هل من الممكن أن أرزق بمولود بعد خمسة عشر سنة من الزواج ؟!
وخاصة أن زوجتي تعدت الأربعين سنة وكادت أن تلامس سن اليأس في الإنجاب
أنه هاجس يطاردني ليل نهار ككابوس جاثم على صدري
استبدلت وضعية نومي عل وعسى أن يذهب عني هذا الكابوس ولكن هيهات ، فمن يعرفني يعرف أنه لم ينفك عني منذ السنة الثانية للزواج عندما تسلل هذا الهاجس إلى داخلي بعدما تزوج أخوتي وأصدقائي من بعد ثم أنجبوا
وهكذا تزوج أمة من القوم وأنجبوا أما أنا فقد كان مجرد عطف الناس علي وأسئلتهم المتكررة تقتلني عدة مرات قبل أن أعود إلى الحياة ثانية كجثة متحركة لا تمتلك من هذه الحياة سوى قلباً مازال فيه جبال من الأمل والرجاء
وقدمان تحملان هذه الجثة لتذهبان بها إلى العمل أو إلى المسجد ثم تعود
وعينان تزيدان من بؤسي عندما أنظر إلى الصغار يلعبون هنا وهناك وأسمع صرخاتهم وكأنها أعذب الألحان وأطربها ، ولكم تمنيت هذه الصرخات في بيتي تفسد علي هدوئي القاتل وتصم أذني اللتين لم تسمع إلى الآن كلمة \" أبي \"
لم تكن زوجتي المسكينة بأقل حالاً مني ولكن عزاءها أنها مازالت بين الأهل والأحباب في بلدنا يخففون عنها ألمها ويجبرون مصابها وخاصة إن آمالنا قبل أكثر من سنة قد لامست السحب بعد أن بُلِّغْنا إنها حامل ، ثم بعد أشهر تحطمت هذه الآمال وانكسرت على جبال اليأس فقد كان حملاً كاذباً !
هكذا يقال !!
حتى الحمل يكذب ؟!!
أتراه يسخر من جراحنا ؟!!
أم تراه يتلذذ بآهات البؤساء ودموعهم ؟!
كنا قد تكيفنا مع مصيبتنا لفترة من الوقت وغضّينا الطرف عن الإنجاب فقد أصبح بعيد المنال
وسكت الناس عنا ورفعنا الراية البيضاء ورضينا بالقدر
ولكن هذا الحمل الكاذب جدد الأوجاع ونكّل في الجروح وفتح المواجع ، حتى أصبحت هذه المآسي هاجساً يومياً مريعاً ...
تقتلني الوحدة هنا مع إنني من اختارها ، فقد كانت أعين الأهل والجيران والأصدقاء كأنها سهام تدخل في جسدي لتنتزع روحي ، ومن ثم تحولت النظرات إلى الهمز والغمز واللمز
فآثرتُ الهروب طلباً لراحة الجسد وأمان الألسن والنظرات وكذلك طلباً للمال الذي به يتجدد أمل الإنجاب وتفتح به أبواباً في مستشفيات في بلدي كانت مسدودة علينا نحن الفقراء ، فإذا بي أواجه عدواً جديداً وقاتلاً شرساً بطيئاً آخر يسمى \" الوحدة \"
حتى بت – أستغفر الله - أخشى سماع الآية \" المال والبنون زينة الحياة الدنيا \" أمام الناس ، لأنني بكل بساطة كنت أنهار وتسبقني العبرات وأفقد رباطة جأشي مع إنني دائماً أحاول أن أبدو قوياً راضياً بقدر الله تعالى غير مهتماً إلا بما قدره الله لي
هكذا كنت أمام الناس وهكذا كنت أوحي لهم وبهذا كنت أتمتم ، مع إنني في داخلي عكس ذلك تماماً
كانت كل قطعة في داخلي تبكي بل وتصرخ وتتساءل : أيأتي صباح يحمل إليّ خبراً سعيداً ؟!
أم سيأتي مساءٌ يحمل لي أمل جميلاً ؟؟
وكانت كأنها تجيب نفسها : بعد خمسة عشر سنة ألا تمل أو تكل يا رجل !!
انس يا محمود فليس لك نصيب في الذرية أبداً
كتب عليك أن تموت هكذا وينتهي أثرك
كتب عليك أن تعلم الأطفال وتحنو عليهم وتلاطفهم ولكن دون أن تسمع كلمة \" بابا \" !
ولم أنت قاسية في إجاباتك أيتها النفس ؟
تلطفي بي ، قولي شيئاً يسعدني أو اسكتي على الأقل !!
أو قولي لي اصبر وتجلد ولا تفقد الأمل
أو قولي انتظر فرج الله فإن عطاءه لا ولن ينقطع
قولي لي ما أجمل الصبر وما أجمل الثقة بالله العلي العظيم !
كانت اللحظات شبه السعيدة الوحيدة هي عندما تهاتفني زوجتي أو أهاتفها ولا نتطرق فيها إلى هذه القضية ..
كان الاتفاق بيننا ألا نتطرق إلى هذا الموضوع بتاتاً ، لأنها حتماً ستنتهي إلى البكاء وعدم إكمال الحديث
فكم كانت - أم أحمد - هكذا كنت أناديها منذ بداية زواجنا ولم أكن أدري أن أحمد لن يأتي - تحمل لي الأمل دائماً في مكالماتها
تارة تقول لي : لقد زار بلدنا طبيب عالمي وبشرني أن الحمل قريب
وتارة تقول : لقد رأت فلانة رؤيا وفسرها فلان على إننا سنرزق بمولود !
وتارة تقول : لقد قرأت في مجلة متخصصة أنهم وجدوا علاجاً للعقم وتأخر الإنجاب
كم كنت أتعذب وأنا أسمعها وهي تخفف عني وتريد إدخال السرور إلى نفسي في حين إني أعلم يقيناً إنها داخلياً منهارة أكثر مني وبمجرد أن تغلق الهاتف دوني ستنفجر في البكاء
كم أنت عظيمة يا أم أحمد ،تخففين عني في حين أنا من يجب أن يخفف عنك !
وتحملين همي وهمك معاً
لذا اتفقنا ألا نتطرق إلى هذا الحديث مطلقاً
ولكن هيهات فكل آمالنا وآلامنا تجمعت عند هذه النقطة
حتى صمتنا للحظات يوحي إنه صمت النداء ، نداء الفطرة ، فطرة حب الولد والذرية
ولكننا كنا كأننا نهرب من الجحيم إلى الجحيم
لم نترك طبيباً ، ولا حكيماً ، ولا راقياً ، ولا وسيلة تمكننا من الذرية إلا وطرقناها
ذهبت إلى العمرة ثم إلى الحج وهناك بكيت بكاءً مراً
كل كان يدعو غفران الذنوب إلا أنا كان دعائي مختلفاً
لو كانت أصوات النفوس تُسْمَع لبكي لدعائي كل الذاكرين و الطائفين
ولو كانت دعوات القلوب تفوح لغمرت رائحة حزني جميع الساجدين والراكعين ...
وهنا انتبهت وأنا على سريري فقد أخذتني الأحزان بعيداً
انتبهت وأنا أكثر عزيمة على ألا أترك لليأس سبيلاً عليّ يتحكم بي كيفما شاء
لك وحدك إلهي ألجأ ، نعم لك وحدك يا إلهي يجب أن أتجه بعد أن استنفذت جميع السبل
أنت الرجاء وإليك الملتجأ
قمت وتوضأت حاملاً في نفسي قوة عجيبة من الأمل وقلبي ينبض بشدة وكأني أسمع تلك النبضات تقول \" لك وحدك إلهي \"
لك وحدك إلهي ، ذاك كان دعائي يوم طفت بالبيت
كان تسليماً تاماً إني قد فوضت أمري إليك يا ربي بعد أن استنفذت جميع الأسباب فخذ بيدي يا رب
سجدت وأطلت في السجود ...
لك وحدك يا من تعلم سرى و علانيتي يا من تعلم كربي و همي
لك وحدك دعائي لك وحدك توسلاتي لك وحدك مناجاتي
إلهـــــــي و خالقي وخالق كل الكون لك الحمد و المجد و الكبرياء
إلهــــــي يا من أرجوك في السر والعلن و يا من أجاب نوحًا في قومه ، و نصر إبراهيم على أعدائه ، و رد يوسف إلى يعقوب ، وكشف ضرَّ أيوب ، يا من أجاب دعوةَ زكريا ، و قبل تسبيحَ يونس لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين ..
اللهم من اعتز بك فلن يذل، ومن اهتدى بك فلن يضل، ومن استكثر بك فلن يقل، ومن استقوى بك فلن يضعف، ومن استغنى بك فلن يفتقر، ومن استنصر بك فلن يخذل، ومن استعان بك فلن يغلب، ومن توكل عليك فلن يخيب، ومن جعلك ملاذه فلن يضيع، ومن اعتصم بك فقد هدى إلى صراط مستقيم
اللهم أسألك ذرية صالحة وولداً تقر به عيني ، اللهم لقد طال انتظاري له فما أجمل عطاؤك ، وإني لعطائك منتظر ، فهل من عطاء يفرح عبدك الضعيف ويدخل السرور في قلبه والحبور في نفسه .............
دعوت ليلتها كأنني لم أدعو قط
وبين الدعاء والركوع والسجود والدموع نمت وأنا على سجادتي وبحالتي تلك
ولم أستيقظ إلا على جرس الباب
فتحت عيني يا إلهي الصباح قد انبلج والشمس في كبد السماء ويبدو إنني تأخرت عن حافلة المدرسة وأحد الزملاء جاء ليوقظني
فتحت الباب ويا لها من مفاجأة !! لم تكن في الحسبان
إنها أم أحمد زوجتي تحمل طفلاً جميلاً يبتسم
ذهلت من هول المفاجأة وانخرس لساني للحظات وأنا غير مصدق ما أرى
ما هذه المفاجأة يا أم أحمد ؟!! كيف وصلت إلى هنا ومن هذا الطفل ؟!!
قلتها بكل دهشة وأنا أنظر للطفل الجميل
- إنه أحمد يا محمود لقد أصبحت أباً أخيراً ، خذه يا محمود احضنه وقبله ......
مددت يدي لآخذه إلى حضني فإذا صوت جرس الهاتف يرتفع عالياً
وتختفي أم أحمد مع الطفل !
آه لقد كنت أحلم وأنا نائم على سجادتي ويا له من حلم جميل
لقد قطع علي الجرس هذا الحلم الجميل وهذه الرؤيا السعيدة
اكمل القصه تابع
http://up.ala7ebah.com/img/w6d35935.jpg