ام حفصه
16 Jan 2013, 08:59 AM
http://up.ala7ebah.com/img/mAn71367.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.islamweb.net/PicStore/Random/1354004098_175369.jpg
http://up.ala7ebah.com/img/w6d35935.jpg
جاء في قصة عيسى عليه السلام في القرآن الكريم عددٌ من الآيات التي تستدعي بعض الوقفات للتوضيح والتعليق، نسوق تلك الآيات على النحو التالي:
أولاً: قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} (آل عمران:59).
لسائل أن يسأل هنا: كيف شُبِّه عيسى عليه السلام بآدم عليه السلام، وقد وُجد هو من غير أب، ووجد آدم من غير أب وأم؟.
أجاب الزمخشري على هذا السؤال، فقال: هو مثيله في إحدى الطرفين، فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به؛ لأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف، ولأنه شبه به في أنه وُجد وجوداً خارجاً عن العادة والمألوف، وهما في ذلك نظيران؛ ولأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب، فشبه الغريب بالأغرب؛ ليكون أقطع للخصم، وأحسم لمادة شبهته، إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه. وهذا يسمى بقياس الأولى، وهو من أقوى درجات القياس. قال ابن عاشور: "ومحل التمثيل كون كليهما خُلق من دون أب، ويزيد آدمُ بكونه من دون أم أيضاً، فلذلك احتيج إلى ذكر وجه الشبه بقوله: {خلقه من تراب}، أي: خلقه دون أب ولا أم، بل بكلمة {كن}، مع بيان كونه أقوى في المشبه به على ما هو الغالب".
ثانياً: قوله سبحانه: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} (المائدة:118).
قال ابن كثير معقباً على هذه الآية: "هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل، فإنه الفعال لما يشاء، الذي {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (الأنبياء:23). ويتضمن التبري من النصارى، الذين كذبوا على الله وعلى رسوله، وجعلوا لله نداً وصاحبة وولداً {سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} (الإسراء:43)، وهذه الآية لها شأن عظيم، ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام بها ليلة حتى الصباح يرددها. وقد روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها، ويسجد بها: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}، فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: (إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي، فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا).
وقد اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية؛ فقيل: قال عيسى هذا القول على وجه الاستعطاف لهم، والرأفة بهم، كما يستعطف السيد لعبده؛ ولهذا لم يقل: فإنهم عصوك.
وقيل: قاله على وجه التسليم لأمر الله سبحانه، والاستجارة من عذابه، وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر.
وقيل: الضمير في قوله: {إن تعذبهم} يعود على من مات منهم على الكفر. والضمير في قوله: {وإن تغفر لهم} لمن تاب منهم قبل الموت. قال القرطبي: وهذا حسن.
وقيل: كان عند عيسى أنهم أحدثوا معاصي، وعملوا بعده بما لم يأمرهم به، إلا أنهم على عمود دينه، فقال: وإن تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي.
قال القرطبي: "وأما قول من قال: إن عيسى عليه السلام لم يعلم أن الكافر لا يُغفر له، فقول مجترئ على كتاب الله عز وجل؛ لأن الأخبار من الله عز وجل لا تنسخ".
وقد قال تعالى: {فإنك أنت العزيز الحكيم} ولم يقل: فإنك أنت الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من التسليم لأمره، والتفويض لحكمه. ولو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء بالمغفرة لمن مات على شركه، وذلك مستحيل؛ فالتقدير إن تبقهم على كفرهم حتى يموتوا وتعذبهم فإنهم عبادك، وإن تهدهم إلى توحيدك وطاعتك، فتغفر لهم، {فإنك أنت العزيز} الذي لا يمتنع عليك ما تريده، {الحكيم} فيما تفعله؛ تضل من تشاء، وتهدي من تشاء.
قال بعض أهل العلم: قد طعن على القرآن من قال إن قوله سبحانه: {فإنك أنت العزيز الحكيم} ليس بمشاكل لقوله: {وإن تغفر لهم}؛ لأن الذي يشاكل (المغفرة): (فإنك أنت الغفور الرحيم)، والجواب: أنه لا يحتمل إلا ما أنزله الله، ومتى نُقل إلى الذي نقله إليه ضعف معناه؛ فإن (الغفور الرحيم) ينفرد بالشرط الثاني {وإن تغفر لهم}، فلا يكون له بالشرط الأول تعلق {إن تعذبهم}، وهو على ما أنزله الله عز وجل، واجتمع على قراءته المسلمون مقرون بالشرطين كليهما أولهما وآخرهما؛ إذ تلخيصه {إن تعذبهم} فإنك أنت عزيز حكيم، {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران، فكان {العزيز الحكيم} أليق بهذا المكان لعمومه؛ فإنه يجمع الشرطين {إن تعذبهم} {وإن تغفر لهم}، ولم يصلح (الغفور الرحيم)؛ إذ لم يحتمل من العموم ما احتمله {العزيز الحكيم}، وما شهد بتعظيم الله تعالى وعدله والثناء عليه في الآية كلها والشرطين المذكورين أولى وأثبت معنى في الآية مما يصلح لبعض الكلام دون بعض.
ثالثاً: لسائل أن يسأل : إنه تعالى قال في آية المائدة: {يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} (المائدة:110)، ثم إن جميع ما ذكره تعالى من النعم مختص بعيسى عليه السلام، وليس لأمه بشيء منها تعلق؟.
http://up.ala7ebah.com/img/w6d35935.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.islamweb.net/PicStore/Random/1354004098_175369.jpg
http://up.ala7ebah.com/img/w6d35935.jpg
جاء في قصة عيسى عليه السلام في القرآن الكريم عددٌ من الآيات التي تستدعي بعض الوقفات للتوضيح والتعليق، نسوق تلك الآيات على النحو التالي:
أولاً: قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} (آل عمران:59).
لسائل أن يسأل هنا: كيف شُبِّه عيسى عليه السلام بآدم عليه السلام، وقد وُجد هو من غير أب، ووجد آدم من غير أب وأم؟.
أجاب الزمخشري على هذا السؤال، فقال: هو مثيله في إحدى الطرفين، فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به؛ لأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف، ولأنه شبه به في أنه وُجد وجوداً خارجاً عن العادة والمألوف، وهما في ذلك نظيران؛ ولأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب، فشبه الغريب بالأغرب؛ ليكون أقطع للخصم، وأحسم لمادة شبهته، إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه. وهذا يسمى بقياس الأولى، وهو من أقوى درجات القياس. قال ابن عاشور: "ومحل التمثيل كون كليهما خُلق من دون أب، ويزيد آدمُ بكونه من دون أم أيضاً، فلذلك احتيج إلى ذكر وجه الشبه بقوله: {خلقه من تراب}، أي: خلقه دون أب ولا أم، بل بكلمة {كن}، مع بيان كونه أقوى في المشبه به على ما هو الغالب".
ثانياً: قوله سبحانه: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} (المائدة:118).
قال ابن كثير معقباً على هذه الآية: "هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل، فإنه الفعال لما يشاء، الذي {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (الأنبياء:23). ويتضمن التبري من النصارى، الذين كذبوا على الله وعلى رسوله، وجعلوا لله نداً وصاحبة وولداً {سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} (الإسراء:43)، وهذه الآية لها شأن عظيم، ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام بها ليلة حتى الصباح يرددها. وقد روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها، ويسجد بها: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}، فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: (إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي، فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا).
وقد اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية؛ فقيل: قال عيسى هذا القول على وجه الاستعطاف لهم، والرأفة بهم، كما يستعطف السيد لعبده؛ ولهذا لم يقل: فإنهم عصوك.
وقيل: قاله على وجه التسليم لأمر الله سبحانه، والاستجارة من عذابه، وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر.
وقيل: الضمير في قوله: {إن تعذبهم} يعود على من مات منهم على الكفر. والضمير في قوله: {وإن تغفر لهم} لمن تاب منهم قبل الموت. قال القرطبي: وهذا حسن.
وقيل: كان عند عيسى أنهم أحدثوا معاصي، وعملوا بعده بما لم يأمرهم به، إلا أنهم على عمود دينه، فقال: وإن تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي.
قال القرطبي: "وأما قول من قال: إن عيسى عليه السلام لم يعلم أن الكافر لا يُغفر له، فقول مجترئ على كتاب الله عز وجل؛ لأن الأخبار من الله عز وجل لا تنسخ".
وقد قال تعالى: {فإنك أنت العزيز الحكيم} ولم يقل: فإنك أنت الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من التسليم لأمره، والتفويض لحكمه. ولو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء بالمغفرة لمن مات على شركه، وذلك مستحيل؛ فالتقدير إن تبقهم على كفرهم حتى يموتوا وتعذبهم فإنهم عبادك، وإن تهدهم إلى توحيدك وطاعتك، فتغفر لهم، {فإنك أنت العزيز} الذي لا يمتنع عليك ما تريده، {الحكيم} فيما تفعله؛ تضل من تشاء، وتهدي من تشاء.
قال بعض أهل العلم: قد طعن على القرآن من قال إن قوله سبحانه: {فإنك أنت العزيز الحكيم} ليس بمشاكل لقوله: {وإن تغفر لهم}؛ لأن الذي يشاكل (المغفرة): (فإنك أنت الغفور الرحيم)، والجواب: أنه لا يحتمل إلا ما أنزله الله، ومتى نُقل إلى الذي نقله إليه ضعف معناه؛ فإن (الغفور الرحيم) ينفرد بالشرط الثاني {وإن تغفر لهم}، فلا يكون له بالشرط الأول تعلق {إن تعذبهم}، وهو على ما أنزله الله عز وجل، واجتمع على قراءته المسلمون مقرون بالشرطين كليهما أولهما وآخرهما؛ إذ تلخيصه {إن تعذبهم} فإنك أنت عزيز حكيم، {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران، فكان {العزيز الحكيم} أليق بهذا المكان لعمومه؛ فإنه يجمع الشرطين {إن تعذبهم} {وإن تغفر لهم}، ولم يصلح (الغفور الرحيم)؛ إذ لم يحتمل من العموم ما احتمله {العزيز الحكيم}، وما شهد بتعظيم الله تعالى وعدله والثناء عليه في الآية كلها والشرطين المذكورين أولى وأثبت معنى في الآية مما يصلح لبعض الكلام دون بعض.
ثالثاً: لسائل أن يسأل : إنه تعالى قال في آية المائدة: {يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} (المائدة:110)، ثم إن جميع ما ذكره تعالى من النعم مختص بعيسى عليه السلام، وليس لأمه بشيء منها تعلق؟.
http://up.ala7ebah.com/img/w6d35935.jpg