ام حفصه
17 Jan 2013, 05:02 PM
http://up.ala7ebah.com/img/uIZ71466.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علي بن جابر الفيفي
إن للمؤمنين سبيلا قويما ، ومنهجا واضحا ، ليس دربا مشقوقا ، أو طريقا مطروقا ، بل سبيلا دكّته أقدام السابلة ، ممتلئ بحشود المؤمنين الغفيرة ، وبجماعات الصالحين الوفيرة ، طريق مكتظ بالزحام ، شبيه بالسبل الموصلة إلى الجنّة ، التي يتزاحم عليها العباد .
والله تعالى يكره أمورا ، ولكنه يحبّها في مواطن : فيكره القتل ، وإزهاق الدم ، ولكنّه يحبّها في سبيله ! ويكره الخيلاء ، ومشية التغطرس ، ولكنّها يحبها عند التقاء الصفوف .
ويكره سبحانه العجلة ، لأنه يحب الأناة ، ولكنّه يحب العجلة للخير ، والتي تعني المسارعة ، والمسابقة في أعمال البر .
ويكره سبحانه المزاحمة ، ويحب اللين بأيدي الضعفاء ، ولكنّه يحب الزحام على أبواب الخير ، يحب الزحام عند الحجر ، وعند أبواب الجنة ، ويحب الزحام في سبيل المؤمنين ! لذلك فقد آوى من أوى إلى حلقة الذكر ، مع الزحام الحاصل فيها ، فقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : " رجل أوى إلى الله فآواه الله " ، ثم قال : " هم القوم لا يشقى بهم جليسهم " .
فعلى المؤمن أن يأطر نفسه على هذا السبيل القويم ، وأن يتتبع مواطن زحام المؤمنين ، فإنْ تزاحم السلف والخلف على حكم شرعي ، وتلقّته جمهرتهم بالقبول ، فهو بإذن الله من مواطن المزاحمة المحبوبة لدى الله ، لأنه سبحانه لن يهدي خير أمّة إلى خير رسول ، وخير كتاب ، وخير هدي ، ثم يجعل غالبيّتهم يتنكّبون الحق القويم ولو في مسألة قص ظفر ، أو تشميت عاطس ، فكيف بمسائل عظام ، تدور حولها مصالح الفئام .
سيأتي متفيهق ليقول : لم يتعبّدنا الله إلا بما في كتابه أو سنّة رسوله ، وكأن السير على نهج المؤمنين لم يأت في كتاب ولا سنّة ! وهذا والعلم عند أهل العلم من ضرب الكتاب بعضه ببعض ، والدخول إلى الحق بنيّة الخروج منه.
ورحم الله أبا تراب ، علي بن أبي طالب عندما جعلها حكمة سائرة ، وحجة ظاهرة فقال لمن قال لا نحكم إلا كتاب الله : " كلمة حق أريد بها باطل " بل للمؤمنين نهج مضيء ، وهدي وضيء ، سمّاه الحق سبحانه في سورة الفاتحة بــ" صراط الذين أنعمت عليهم " فأمرنا أن نسأل المولى الهداية لهذا الصراط المستقيم ، في صلاتنا سبعة عشرة مرّة وأكثر ، لأننا سنواجه سبعة عشر شبهة وأكثر تحاول صدّنا عن هذا الصراط .
يشعر سالك هذا النهج ، والعامل بهذا الهدي بانشراح ، وكأنه حين يسير مع السائرين في خُرفة من خرف الجنة ، يستروح نسائمها ، ويجد ريحها دون عمل الخير الذي يقوم به ، وكأن الحق المطلق أقرب إلى أحدهم من شراك نعله .
يكاد السائر في هذا الطريق أن يسمع صوت رسول الله ، ويلمح طيف أبي بكر ، ويرى هيئة عمر ، ويشعر بهيبة ابن المسيب ، ويلمس كف الزهري ، ويسمع همس ابن حنبل ، ويحسّ بحضور ابن تيمية ، نعم فهو يستنشق عبير الأتقياء ، ويسمع خفق نعالهم في هذا السبيل القويم ، وهذا الصراط المستقيم .
لا يجوز لإنسان علم عن هذا السبيل ولو بالظن أن يغادره ، أو يتنكّبه ، أو يتردد في السير عليه ، لأن عاقبة هذا التردد وخيمة ، وأثرها على القلب شديد ! إن كل انصرافة ينصرفها قلب المؤمن عن سبيل المؤمنين ، تجلب له قشّة من هشيم المنافقين ، إلى أن يمتلئ ذلك القلب بالهشيم ، فتأكله النار .
إن من يذهب اليوم إلى القول بجواز الاختلاط المحرّم ، ويقول في الغد بجواز الغناء ، ثم يتسامح بعد غد مع المنافقين ، ثم يزعم أن الإصلاح السياسي أولى من العقدي ، ثم يمسي على لمز صالح ، ويصبح على طعن عالم ، إن هذا الإنسان لم ينتهج سبيل المؤمنين ، ولم يتولّهم ، ومن لم يتوّلهم يولّه الله ما تولّى.
إن من حقوق هؤلاء المؤمنين الموالاة ، وهي تقتضي المحبة والنصرة ، ولا والله ما تولّى المؤمنين من قسم لهم من قلبه البغض ، ولمن لسانه المعاداة تلو المعاداة ، والتي تبدأ بالسخرية ، وتثنّي بتشويه السمعة ، وتثلّث بالاستعداء الثقافي.
إن من أعظم أبواب الخير التي يرزقها العبد ، الذلة لإخوته المؤمنين ، واستشعار أن رحمة ما تحف به إن كان بحضرتهم ، حتى لقد صرّح الأول بأن خطأ الجماعة أحب إليه من صواب الفرد .
إنك عند الله عظيم عندما ترى مؤمنا قد أعفى لحيته ، أو قصّر ثوبه ، أو تمسّك بما صرنا نظنّه من قشور الدين ، في زمن كل ما فيه يدعوا إلى ترك ذلك التمسّك ، زمن صار إعلامه ، وصحفه ، ومثقفوه ، وأستاذته ، وحتى بعض علمائه ، يدعون إلى التخفف من مظاهر الالتزام الظاهري ، بحجّة التركيز على الالتزام الباطني ، وكأنّهما ضدّان.
أقول إنك عند الله عظيم عندما ترى هذا المتمسّك ، فتخضع خضوعا ما لا لشخصه ، بل لتلك السنّة التي ارتضاها رب العالمين لسيّد المرسلين ، فتخضع وتذل ، حتى وإن كنت مقصرا ، ولكنّ قلبك يكبر هذا الرجل المتمسّك بالسنّة .
بل لو تدبّرنا أمر الله تعالى للنبي الكريم بأن يعامل المؤمنين معاملة خاصة فقال سبحانه "واخفض جناحك للمؤمنين " ! لعلمنا أين مكان أولئك الذين صارت أعراض أهل الخير غبوقهم وصبوحهم ، والله المستعان على ما يصفون .
حاصل الكلام ، هو أنّ للمؤمنين سبيلا ، أُمرنا بالسير عليه ، بل توعّدنا بالإضلال إن لم نسر عليه ، فيجب علينا أن نبحث عنه ، وهو في الحقيقة لا يحتاج إلى بحث ، بل هو ما عليه عامّة المؤمنين ، وما ارتضته قلوب روّاد المساجد ، وما ذربت به ألسنة أهل العلم ، هذا هو سبيل المؤمنين ، يقول الحق سبحانه : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الحق ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرا
http://up.ala7ebah.com/img/EsH36748.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علي بن جابر الفيفي
إن للمؤمنين سبيلا قويما ، ومنهجا واضحا ، ليس دربا مشقوقا ، أو طريقا مطروقا ، بل سبيلا دكّته أقدام السابلة ، ممتلئ بحشود المؤمنين الغفيرة ، وبجماعات الصالحين الوفيرة ، طريق مكتظ بالزحام ، شبيه بالسبل الموصلة إلى الجنّة ، التي يتزاحم عليها العباد .
والله تعالى يكره أمورا ، ولكنه يحبّها في مواطن : فيكره القتل ، وإزهاق الدم ، ولكنّه يحبّها في سبيله ! ويكره الخيلاء ، ومشية التغطرس ، ولكنّها يحبها عند التقاء الصفوف .
ويكره سبحانه العجلة ، لأنه يحب الأناة ، ولكنّه يحب العجلة للخير ، والتي تعني المسارعة ، والمسابقة في أعمال البر .
ويكره سبحانه المزاحمة ، ويحب اللين بأيدي الضعفاء ، ولكنّه يحب الزحام على أبواب الخير ، يحب الزحام عند الحجر ، وعند أبواب الجنة ، ويحب الزحام في سبيل المؤمنين ! لذلك فقد آوى من أوى إلى حلقة الذكر ، مع الزحام الحاصل فيها ، فقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : " رجل أوى إلى الله فآواه الله " ، ثم قال : " هم القوم لا يشقى بهم جليسهم " .
فعلى المؤمن أن يأطر نفسه على هذا السبيل القويم ، وأن يتتبع مواطن زحام المؤمنين ، فإنْ تزاحم السلف والخلف على حكم شرعي ، وتلقّته جمهرتهم بالقبول ، فهو بإذن الله من مواطن المزاحمة المحبوبة لدى الله ، لأنه سبحانه لن يهدي خير أمّة إلى خير رسول ، وخير كتاب ، وخير هدي ، ثم يجعل غالبيّتهم يتنكّبون الحق القويم ولو في مسألة قص ظفر ، أو تشميت عاطس ، فكيف بمسائل عظام ، تدور حولها مصالح الفئام .
سيأتي متفيهق ليقول : لم يتعبّدنا الله إلا بما في كتابه أو سنّة رسوله ، وكأن السير على نهج المؤمنين لم يأت في كتاب ولا سنّة ! وهذا والعلم عند أهل العلم من ضرب الكتاب بعضه ببعض ، والدخول إلى الحق بنيّة الخروج منه.
ورحم الله أبا تراب ، علي بن أبي طالب عندما جعلها حكمة سائرة ، وحجة ظاهرة فقال لمن قال لا نحكم إلا كتاب الله : " كلمة حق أريد بها باطل " بل للمؤمنين نهج مضيء ، وهدي وضيء ، سمّاه الحق سبحانه في سورة الفاتحة بــ" صراط الذين أنعمت عليهم " فأمرنا أن نسأل المولى الهداية لهذا الصراط المستقيم ، في صلاتنا سبعة عشرة مرّة وأكثر ، لأننا سنواجه سبعة عشر شبهة وأكثر تحاول صدّنا عن هذا الصراط .
يشعر سالك هذا النهج ، والعامل بهذا الهدي بانشراح ، وكأنه حين يسير مع السائرين في خُرفة من خرف الجنة ، يستروح نسائمها ، ويجد ريحها دون عمل الخير الذي يقوم به ، وكأن الحق المطلق أقرب إلى أحدهم من شراك نعله .
يكاد السائر في هذا الطريق أن يسمع صوت رسول الله ، ويلمح طيف أبي بكر ، ويرى هيئة عمر ، ويشعر بهيبة ابن المسيب ، ويلمس كف الزهري ، ويسمع همس ابن حنبل ، ويحسّ بحضور ابن تيمية ، نعم فهو يستنشق عبير الأتقياء ، ويسمع خفق نعالهم في هذا السبيل القويم ، وهذا الصراط المستقيم .
لا يجوز لإنسان علم عن هذا السبيل ولو بالظن أن يغادره ، أو يتنكّبه ، أو يتردد في السير عليه ، لأن عاقبة هذا التردد وخيمة ، وأثرها على القلب شديد ! إن كل انصرافة ينصرفها قلب المؤمن عن سبيل المؤمنين ، تجلب له قشّة من هشيم المنافقين ، إلى أن يمتلئ ذلك القلب بالهشيم ، فتأكله النار .
إن من يذهب اليوم إلى القول بجواز الاختلاط المحرّم ، ويقول في الغد بجواز الغناء ، ثم يتسامح بعد غد مع المنافقين ، ثم يزعم أن الإصلاح السياسي أولى من العقدي ، ثم يمسي على لمز صالح ، ويصبح على طعن عالم ، إن هذا الإنسان لم ينتهج سبيل المؤمنين ، ولم يتولّهم ، ومن لم يتوّلهم يولّه الله ما تولّى.
إن من حقوق هؤلاء المؤمنين الموالاة ، وهي تقتضي المحبة والنصرة ، ولا والله ما تولّى المؤمنين من قسم لهم من قلبه البغض ، ولمن لسانه المعاداة تلو المعاداة ، والتي تبدأ بالسخرية ، وتثنّي بتشويه السمعة ، وتثلّث بالاستعداء الثقافي.
إن من أعظم أبواب الخير التي يرزقها العبد ، الذلة لإخوته المؤمنين ، واستشعار أن رحمة ما تحف به إن كان بحضرتهم ، حتى لقد صرّح الأول بأن خطأ الجماعة أحب إليه من صواب الفرد .
إنك عند الله عظيم عندما ترى مؤمنا قد أعفى لحيته ، أو قصّر ثوبه ، أو تمسّك بما صرنا نظنّه من قشور الدين ، في زمن كل ما فيه يدعوا إلى ترك ذلك التمسّك ، زمن صار إعلامه ، وصحفه ، ومثقفوه ، وأستاذته ، وحتى بعض علمائه ، يدعون إلى التخفف من مظاهر الالتزام الظاهري ، بحجّة التركيز على الالتزام الباطني ، وكأنّهما ضدّان.
أقول إنك عند الله عظيم عندما ترى هذا المتمسّك ، فتخضع خضوعا ما لا لشخصه ، بل لتلك السنّة التي ارتضاها رب العالمين لسيّد المرسلين ، فتخضع وتذل ، حتى وإن كنت مقصرا ، ولكنّ قلبك يكبر هذا الرجل المتمسّك بالسنّة .
بل لو تدبّرنا أمر الله تعالى للنبي الكريم بأن يعامل المؤمنين معاملة خاصة فقال سبحانه "واخفض جناحك للمؤمنين " ! لعلمنا أين مكان أولئك الذين صارت أعراض أهل الخير غبوقهم وصبوحهم ، والله المستعان على ما يصفون .
حاصل الكلام ، هو أنّ للمؤمنين سبيلا ، أُمرنا بالسير عليه ، بل توعّدنا بالإضلال إن لم نسر عليه ، فيجب علينا أن نبحث عنه ، وهو في الحقيقة لا يحتاج إلى بحث ، بل هو ما عليه عامّة المؤمنين ، وما ارتضته قلوب روّاد المساجد ، وما ذربت به ألسنة أهل العلم ، هذا هو سبيل المؤمنين ، يقول الحق سبحانه : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الحق ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرا
http://up.ala7ebah.com/img/EsH36748.jpg