ام حفصه
21 Jan 2013, 07:57 PM
https://encrypted-tbn3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSDyUDco5K1fmsbS7oAYEKIBa9SojcOB v7yoRa7zhd7u4NMBxr-
بقلم جليلة بنت معلام
يتلمس طريقه في الظلام الحالك، وهو يتذكر كم مر بهذا الطريق أياما وليالي. ينحني عند بعض المنعطفات ليلمس هذه النبتة أو يتعرف على ذلك الحجر، ومع كل انحناءة يستنشق بمليء رئتيه عبير أرض افتقدها وافتقدته . ثمة شعور طاغ يغمره ويكاد يجعله يقفز صارخا: إنني أسلك الطريق الصحيح لأول مرة. إن كل الطرق والدروب التي مررت بها في الماضي القريب لم تقدني إلا إلى التيه والضياع ... وسط هذا الظلام الحالك الذي يلفه يحس أن دفئا عاطفيا وشعورا خالصا بالمودة والتصالح قد بدأ يسري بينه وبين هذه الأرض الحبيبة، التي لا يميز ملامحها من شدة الظلام لكنها تعرفه وهو يعرفها منذ كان يافعا.*** يصل محمود إلى مجموعة من الأعرشة القائمة فوق تلة رملية صغيرة يغطيها السكون، ويلفها الظلام الدامس . ويتجه نحو العريش الأقرب. يبدو المكان خاليا للوهلة الأولى لكن المظاهر خادعة. يلقي السلام، فيرد عليه بشكل فوري من صوت نسائي يبدو من نبراته أن الكرى قد بدأ يداعب أجفانه. تعود به الذاكرة قليلا إلى الوراء، فهو يعرف لمن هذا العريش ومن صاحبة هذا الصوت، إن العريش هو عريش خديجة والصوت هو صوتها، من جديد يتردد الصوت بثقة أكبر :http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif أليس هذا صوت أخي محمود ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif بلى أو ليست المتحدثة هي أختي خديجة ؟ قفزت المرأة خارج العريش وطوقته بذراعين قويتين، ومن فمها خرج صوت قوي يمثل هجينا من البكاء والصراخ والزغردة، وفجأة وجد نفسه وسط عاطفة من الحنان والمشاعر الدافقة التي افتقدها منذ سنوات، تدب الحياة في العريش فجأة، فيخرج صغار شبه عراة. من الأعرشة المجاورة ترتفع الأصوات وتتحرك أشباح أشخاص عديدين نحو عريش خديجة ونحو محمود المطوق بذراعين قويتين. ينسى محمود نفسه لبرهة ولا يتذكر إلا أنه بين ذراعي أخته وان دمعها الساخن على وجهه وصوتها المختنق وجلبة الجارات والأقارب ورائحة الأرض وأشباح الأعرشة التي يلفها الظلام كلها تذكره بأنه عاد .لا يدري كم دامت لحظة اللقاء تلك، لكنه لا يزال أسيرا لتلك اللحظة . تفاصيلها تذكره بمرارة كم كان عنيدا، كم كان أنانيا، وكم ركب رأسه دون أن يعي حجم المرارة والمأساة للتين سيتسبب فيهما لمن حوله من الأحبة . يفيق من جديد على أصوات بكاء ونحيب وصراخ فيميز من بينها - عدا صوت المرأة التي لا تزال تطوقه بذراعيها- صوت خالته وبنات خالته وقريبات وجارات، فكان كمن فتح عينيه على نور الحياة، وكانوا هم ضمن ملامح الصورة التي شاهد وأبصر .لم تعد الأعرشة المتجمعة فوق التلة الصغيرة تبدو مهجورة وخالية كما بدت قبل لحظات ، فمع جلبة الأصوات بدأت الحركة وبدأت الحياة تستعيد وجودها وفجأة ارتفع صوت عجوز من المحلقات بمحمود لتقول أمرا :http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif لكنكم تقتلون محمود دعوه يجلس ويرتاح . تراخت قبضة خديجة من حول عنق محمود، لكن صوتها المختنق ودموعها الحارة التي لا تزال تبلل وجهه، كلها شواهد تؤكد لها أنه قد عاد .سارعت إحدى النسوة فبسطت حصيرا ورمت عليه بعض المخدات، أسرعت أخرى فأضرمت النار في كومة من أعواد الحطب الموجود أمام العريش، وعلى لهيب عيدان الحطب الملتهبة بدأ محمود يرى لأول مرة وجوه المحلقين من حوله بعد طول فراق . لم يكن الكل من النساء إنما كان هناك رجال بدأوا يقتربون ويحيون القادم الجديد مصافحين أو معانقين، بعد أن بدأت الحلقة النسائية تنفك من حوله. أحد هؤلاء الرجال شد محمودا من وقفته بلباقة وأجلسه على الحصير المعد سلفا، فجلس الحاضرون القريبون منه بشكل تلقائي، بينما انحنى الحضور البعيد مشكلا حلقة ثانية، في حين ظل الجمهور الأبعد واقفا مشكلا دائرة أوسع حول الحلقات التي يمثل محمود مركزها.انهالت الأسئلة عليه كالسهام، بدا أنها لا تنتظر إجابات إنما كانت سياطا تجلد جسمه :http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif أين كنت طوال كل هذه السنين ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif لِم لَم تأتي عندما توفي والدك ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif وعندما توفيت والدتك ؟ ميز صوت خالته مبروكة.
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif هل كنت على إطلاع بأخبار أهلك طول هذه المدة ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif من أتى معك ؟ بأي وسيلة أتيت ؟ أين متاعك؟ تنحنح محمود وحار من أين يبدأ . وأخيرا اختار أن يبدأ الإجابة على الأسئلة من حيث انتهت، فلعلها الأسئلة الأقل حرجا : - لم يأت معي أحد , و قد نزلت من سيارة نقل عمومي على الطريق البعيد و قطعت باقي المسافة راجلا، لم أجلب معي متاعا، لا أريد شايا أو طعاما إنما نوما عميقا . في الصباح سأشبع فضولكم بالإجابة على كل أسئلتكم. ثم بدأت يداه تبحثان عن مخدة ليضعها تحت رأسه محاولا إقناع الحضور بالأفعال مع الكلام.- دعوا محمود حتى الصباح . دعوه ينام . عودوا إلى أعرشتكم, وأنت يا خديجة اجلبي لحافا وغطيه به، و لننتظر الصباح . كان لصوت هذه العجوز التي غطت التجاعيد وجهها مفعول السحر، فإذا بالحلقات من حول محمود تتفكك، و إذا بالرجال و النساء يعودون بصمت وهدوء عجيبين إلى أعرشتهم . وفى لحظات لم يبقى من حول محمود سوى أخته خديجة واقفة حائرة لا تدرى ما تفعل. لكنها في الأخير انحنت على الأخ المستلقي على الحصير والمتلفع باللحاف:http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif حمدا لله على عودتك يا أخي، فأنا وعريش أهلك وحقلك نفتقدك ونحتاج إليك. نم في رعاية الله وحفظه، ثم استدارت نحو عريشها وفي طريقها إليه حثت حفنة تراب على النار التي بدأت توشك على الانطفاء، ودخلت عريشها وساد الصمت.***هل يلامس الكرى هذه الأجفان المسهدة ؟ وهل يرحم النوم هذا القلب المعذب؟ آوى الناس إلى مضاجعهم يا محمود وجنبوك سياط أسئلتهم المحرجة ولو إلي حين . لكن الذكرى تأبى أن تتركك وشأنك . تغمض عينيك تحاول أن لا تفكر . أن تكون في اللازمان اللامكان . تشد اللحاف عليك . تحاول أن تكون في عريشك لا في تلك المدينة البعيدة . لكن عبثا تحاول، فالذكرى تهاجمك، والمشكلة أنها تستمد قوتها من الظلام الحالك ومن عبير الأرض التي كنت بعيدا عنها كل هذه السنين، فتصبح جبالا من الهم تجثم علي صدرك المتعب، فلتطلق لها العنان،علها أخيرا تريحك وتترك قلبك المعذب يهدأ ولو إلى حين .نعم ! تتذكر يا محمود يوم كنت في الحقل قبل5 سنوات تلامس يداك بحنان سنابل الذرة الناضجة، تفكر في يوم الحصاد القريب وفي ما ستخزنه أسرتك من محصول وفير،يرد عنها غائلة الجوع ، وما ستبيعه أنت في السوق الأسبوعية من فائض ذلك المحصول لتشتري منه لباسا وأدوات لك ولباقي أسرتك . كان والداك قد غادرا الحقل قبل ساعة،أما أنت فقد أصررت علي البقاء حتى تهدأ حركة المواشي وتأوي الطيور إلي أعشاشها . في خلوتك السعيدة تلك وفي فكرك الهني ذاك يطرق سمعك صوت مختار رفيق الصبا،الذي سافر منذ سنين إلي المدينة وعاد يرتدي ثيابا جديدة ويحمل مذياعا في يده ويتفوه أحيانا بكلمات غريبة علي سمعك،والأكثر من ذلك لا ينفك يحدثك عن المشاهد العجيبة والغريبة التي رآها وسمع بها في المدينة البعيدة ثم يعود متلفعا برداء النصيحة ليقول لك :- أخرج يا محمود من هذا الوسط الضيق الخامل وشاهد ما شاهدت وعش ما عشت !صوت مختار أثار في قلبك شعورا بالفرح والخوف معا،فقلبك لاشك سيطرب لما سيذكره من صور ومشاهد لكن عقلك يحزن عندما يدعوك إلي ترك ريفك الحبيب والسير في ركابه . في حمرة مغيب الشمس القانية تتذكر كيف جلس مختار بالقرب منك علي التلة الصغيرة التي كنت تراقب منها المواشي الهائمة وتكافح منها الطيور المغيرة علي حقلكم ، ثم خفض صوت مذياعه دون أن يغلقه وبدأ الحديث :
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif لا بد أن فكرك مشغول ببيع الذرة في السوق الموسمية . أليس كذلك ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif بلى! وعلي أن أتفق مع الآخرين حول ثمن البيع قبل الذهاب إلي السوق .
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif قل لي بكم تقدر ما تحصل عليه من بيع محصولك ؟ وددت أن تبالغ كاذبا لكن فطرتك خانتك ، فخرجت الإجابة رغما عنك :
بقلم جليلة بنت معلام
يتلمس طريقه في الظلام الحالك، وهو يتذكر كم مر بهذا الطريق أياما وليالي. ينحني عند بعض المنعطفات ليلمس هذه النبتة أو يتعرف على ذلك الحجر، ومع كل انحناءة يستنشق بمليء رئتيه عبير أرض افتقدها وافتقدته . ثمة شعور طاغ يغمره ويكاد يجعله يقفز صارخا: إنني أسلك الطريق الصحيح لأول مرة. إن كل الطرق والدروب التي مررت بها في الماضي القريب لم تقدني إلا إلى التيه والضياع ... وسط هذا الظلام الحالك الذي يلفه يحس أن دفئا عاطفيا وشعورا خالصا بالمودة والتصالح قد بدأ يسري بينه وبين هذه الأرض الحبيبة، التي لا يميز ملامحها من شدة الظلام لكنها تعرفه وهو يعرفها منذ كان يافعا.*** يصل محمود إلى مجموعة من الأعرشة القائمة فوق تلة رملية صغيرة يغطيها السكون، ويلفها الظلام الدامس . ويتجه نحو العريش الأقرب. يبدو المكان خاليا للوهلة الأولى لكن المظاهر خادعة. يلقي السلام، فيرد عليه بشكل فوري من صوت نسائي يبدو من نبراته أن الكرى قد بدأ يداعب أجفانه. تعود به الذاكرة قليلا إلى الوراء، فهو يعرف لمن هذا العريش ومن صاحبة هذا الصوت، إن العريش هو عريش خديجة والصوت هو صوتها، من جديد يتردد الصوت بثقة أكبر :http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif أليس هذا صوت أخي محمود ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif بلى أو ليست المتحدثة هي أختي خديجة ؟ قفزت المرأة خارج العريش وطوقته بذراعين قويتين، ومن فمها خرج صوت قوي يمثل هجينا من البكاء والصراخ والزغردة، وفجأة وجد نفسه وسط عاطفة من الحنان والمشاعر الدافقة التي افتقدها منذ سنوات، تدب الحياة في العريش فجأة، فيخرج صغار شبه عراة. من الأعرشة المجاورة ترتفع الأصوات وتتحرك أشباح أشخاص عديدين نحو عريش خديجة ونحو محمود المطوق بذراعين قويتين. ينسى محمود نفسه لبرهة ولا يتذكر إلا أنه بين ذراعي أخته وان دمعها الساخن على وجهه وصوتها المختنق وجلبة الجارات والأقارب ورائحة الأرض وأشباح الأعرشة التي يلفها الظلام كلها تذكره بأنه عاد .لا يدري كم دامت لحظة اللقاء تلك، لكنه لا يزال أسيرا لتلك اللحظة . تفاصيلها تذكره بمرارة كم كان عنيدا، كم كان أنانيا، وكم ركب رأسه دون أن يعي حجم المرارة والمأساة للتين سيتسبب فيهما لمن حوله من الأحبة . يفيق من جديد على أصوات بكاء ونحيب وصراخ فيميز من بينها - عدا صوت المرأة التي لا تزال تطوقه بذراعيها- صوت خالته وبنات خالته وقريبات وجارات، فكان كمن فتح عينيه على نور الحياة، وكانوا هم ضمن ملامح الصورة التي شاهد وأبصر .لم تعد الأعرشة المتجمعة فوق التلة الصغيرة تبدو مهجورة وخالية كما بدت قبل لحظات ، فمع جلبة الأصوات بدأت الحركة وبدأت الحياة تستعيد وجودها وفجأة ارتفع صوت عجوز من المحلقات بمحمود لتقول أمرا :http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif لكنكم تقتلون محمود دعوه يجلس ويرتاح . تراخت قبضة خديجة من حول عنق محمود، لكن صوتها المختنق ودموعها الحارة التي لا تزال تبلل وجهه، كلها شواهد تؤكد لها أنه قد عاد .سارعت إحدى النسوة فبسطت حصيرا ورمت عليه بعض المخدات، أسرعت أخرى فأضرمت النار في كومة من أعواد الحطب الموجود أمام العريش، وعلى لهيب عيدان الحطب الملتهبة بدأ محمود يرى لأول مرة وجوه المحلقين من حوله بعد طول فراق . لم يكن الكل من النساء إنما كان هناك رجال بدأوا يقتربون ويحيون القادم الجديد مصافحين أو معانقين، بعد أن بدأت الحلقة النسائية تنفك من حوله. أحد هؤلاء الرجال شد محمودا من وقفته بلباقة وأجلسه على الحصير المعد سلفا، فجلس الحاضرون القريبون منه بشكل تلقائي، بينما انحنى الحضور البعيد مشكلا حلقة ثانية، في حين ظل الجمهور الأبعد واقفا مشكلا دائرة أوسع حول الحلقات التي يمثل محمود مركزها.انهالت الأسئلة عليه كالسهام، بدا أنها لا تنتظر إجابات إنما كانت سياطا تجلد جسمه :http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif أين كنت طوال كل هذه السنين ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif لِم لَم تأتي عندما توفي والدك ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif وعندما توفيت والدتك ؟ ميز صوت خالته مبروكة.
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif هل كنت على إطلاع بأخبار أهلك طول هذه المدة ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif من أتى معك ؟ بأي وسيلة أتيت ؟ أين متاعك؟ تنحنح محمود وحار من أين يبدأ . وأخيرا اختار أن يبدأ الإجابة على الأسئلة من حيث انتهت، فلعلها الأسئلة الأقل حرجا : - لم يأت معي أحد , و قد نزلت من سيارة نقل عمومي على الطريق البعيد و قطعت باقي المسافة راجلا، لم أجلب معي متاعا، لا أريد شايا أو طعاما إنما نوما عميقا . في الصباح سأشبع فضولكم بالإجابة على كل أسئلتكم. ثم بدأت يداه تبحثان عن مخدة ليضعها تحت رأسه محاولا إقناع الحضور بالأفعال مع الكلام.- دعوا محمود حتى الصباح . دعوه ينام . عودوا إلى أعرشتكم, وأنت يا خديجة اجلبي لحافا وغطيه به، و لننتظر الصباح . كان لصوت هذه العجوز التي غطت التجاعيد وجهها مفعول السحر، فإذا بالحلقات من حول محمود تتفكك، و إذا بالرجال و النساء يعودون بصمت وهدوء عجيبين إلى أعرشتهم . وفى لحظات لم يبقى من حول محمود سوى أخته خديجة واقفة حائرة لا تدرى ما تفعل. لكنها في الأخير انحنت على الأخ المستلقي على الحصير والمتلفع باللحاف:http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif حمدا لله على عودتك يا أخي، فأنا وعريش أهلك وحقلك نفتقدك ونحتاج إليك. نم في رعاية الله وحفظه، ثم استدارت نحو عريشها وفي طريقها إليه حثت حفنة تراب على النار التي بدأت توشك على الانطفاء، ودخلت عريشها وساد الصمت.***هل يلامس الكرى هذه الأجفان المسهدة ؟ وهل يرحم النوم هذا القلب المعذب؟ آوى الناس إلى مضاجعهم يا محمود وجنبوك سياط أسئلتهم المحرجة ولو إلي حين . لكن الذكرى تأبى أن تتركك وشأنك . تغمض عينيك تحاول أن لا تفكر . أن تكون في اللازمان اللامكان . تشد اللحاف عليك . تحاول أن تكون في عريشك لا في تلك المدينة البعيدة . لكن عبثا تحاول، فالذكرى تهاجمك، والمشكلة أنها تستمد قوتها من الظلام الحالك ومن عبير الأرض التي كنت بعيدا عنها كل هذه السنين، فتصبح جبالا من الهم تجثم علي صدرك المتعب، فلتطلق لها العنان،علها أخيرا تريحك وتترك قلبك المعذب يهدأ ولو إلى حين .نعم ! تتذكر يا محمود يوم كنت في الحقل قبل5 سنوات تلامس يداك بحنان سنابل الذرة الناضجة، تفكر في يوم الحصاد القريب وفي ما ستخزنه أسرتك من محصول وفير،يرد عنها غائلة الجوع ، وما ستبيعه أنت في السوق الأسبوعية من فائض ذلك المحصول لتشتري منه لباسا وأدوات لك ولباقي أسرتك . كان والداك قد غادرا الحقل قبل ساعة،أما أنت فقد أصررت علي البقاء حتى تهدأ حركة المواشي وتأوي الطيور إلي أعشاشها . في خلوتك السعيدة تلك وفي فكرك الهني ذاك يطرق سمعك صوت مختار رفيق الصبا،الذي سافر منذ سنين إلي المدينة وعاد يرتدي ثيابا جديدة ويحمل مذياعا في يده ويتفوه أحيانا بكلمات غريبة علي سمعك،والأكثر من ذلك لا ينفك يحدثك عن المشاهد العجيبة والغريبة التي رآها وسمع بها في المدينة البعيدة ثم يعود متلفعا برداء النصيحة ليقول لك :- أخرج يا محمود من هذا الوسط الضيق الخامل وشاهد ما شاهدت وعش ما عشت !صوت مختار أثار في قلبك شعورا بالفرح والخوف معا،فقلبك لاشك سيطرب لما سيذكره من صور ومشاهد لكن عقلك يحزن عندما يدعوك إلي ترك ريفك الحبيب والسير في ركابه . في حمرة مغيب الشمس القانية تتذكر كيف جلس مختار بالقرب منك علي التلة الصغيرة التي كنت تراقب منها المواشي الهائمة وتكافح منها الطيور المغيرة علي حقلكم ، ثم خفض صوت مذياعه دون أن يغلقه وبدأ الحديث :
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif لا بد أن فكرك مشغول ببيع الذرة في السوق الموسمية . أليس كذلك ؟
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif بلى! وعلي أن أتفق مع الآخرين حول ثمن البيع قبل الذهاب إلي السوق .
http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif قل لي بكم تقدر ما تحصل عليه من بيع محصولك ؟ وددت أن تبالغ كاذبا لكن فطرتك خانتك ، فخرجت الإجابة رغما عنك :