ام حفصه
28 Jan 2013, 05:29 PM
http://almoslim.net/files/images/2222211111.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. صفية الودغيري
فكرت في الحزن حين يرسم خطوطَه على وجه جميل زانَهُ الحُسْنُ بهاءً، وأورثه الألم مشقَّةً وكُلْفَة، فنالَهُ ما نالَ أوراق الخريف حين تنتحر وتشعر بالاصفرار، وكما الرَّماد العتيق حين يَمُرَّ على النار، وكما البراكين تنفُثُ لهباً، وكما الصَّقيع يرتعش برداً، وكما الغيوم الرَّعديَّة تهُزُّ الأرض هزاًّ وتشُقُّ السماء شقاًّ ..
ونظرت ما بين القلوب والأحداث والخُطوب، ما يشغلها عن كلِّ شيء، ويَصْرِفُها عن كلِّ إنسان، فعلمت بأنَّ المعاناة تحصِّن النفس بحِصْنٍ مُؤشَّب، يعتقلها خلف قضبانٍ شائكة، لا يمتلك أحدٌ أن يكسرها ليشاهد كيف تموج أحاسيس المتألِّمين، والبائسين، والمنكوبين، والمبتلين لحظات الالم، وكيف يحترقون بحِمَم الغضب، ويتصبَّبون عَرَقًا من الوجع، وكيف يثُورون ويهدؤون، ويخافون ويأْمَنون، ويَرْضون ويَسْخَطون ..
وتأَمَّلت في أحوالهم حين يرى أحدهم أهله مُصْبِحًا ومُمْسِيا، ويَلْقونَه غادِيًا ورائِحًا، ويقولون فلا يسمع لقولهم، ويقول لهم ولا يسمعون لقوله، ويُجاذِبونَه أطراف الحديث، ويمُدُّون إليه أيديهم ويمُدُّ إليهم يده، ويردُّون عليه تحِيَّتَه ويرُدُّ عليهم تحيَّتَهُم، ومع ذلك يلقاهم كما يلقى ظِلاًّ مستعارًا، يحدِّقون لشُحوبِه، ويَشْهَدون دموعه تنزل على خَدِّه، ويُتابِعون حَرَكاتِه وتعبيراتِه، ولا يستطيعون أن يقْتَحِموا حِصْنَه، أو يقفزوا خلف أسواره، أو يتجاوزوا ما أُلْقِي بينهم وبينه من حُجُب صفيقَة، وما أُسْدِل بينهم وبينه من أستارٍ كَثيفَة، ولا يسعون لكَشْفِ أسرارِه، وحَلَّ ألغازِه، وفَكَّ رِباطِه، وتحرير عِقالِه، وهَزْمَ خوفه، ورَدْعَ غضبه، وتخفيف ألمِه، ومَسْحَ دموعِه، وشَدِّ عَضُدِه، ولَمِّ جُرْحِه، ولا يقاسمونه حظَّهم من السعادة والفرح، ولا يَنْعَمون معه بالأمن، والهدوء، والاستقرار إن أتيح لهم ذلك، فعلمت بأن ما يكون بينهم وبينه من الصَّدِّ والبعد كما بين الحَرَكَة والإحْساسِ بالحَرَكَة، وكما بين تحريكِ الشَّفَه تحريكًا تلقائيًّا وتحريكِ اللِّسانِ بنبضاتِ القلب، وكما بين اللِّقاء بالحضن الداَّفئ والحلم باللِّقاء ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. صفية الودغيري
فكرت في الحزن حين يرسم خطوطَه على وجه جميل زانَهُ الحُسْنُ بهاءً، وأورثه الألم مشقَّةً وكُلْفَة، فنالَهُ ما نالَ أوراق الخريف حين تنتحر وتشعر بالاصفرار، وكما الرَّماد العتيق حين يَمُرَّ على النار، وكما البراكين تنفُثُ لهباً، وكما الصَّقيع يرتعش برداً، وكما الغيوم الرَّعديَّة تهُزُّ الأرض هزاًّ وتشُقُّ السماء شقاًّ ..
ونظرت ما بين القلوب والأحداث والخُطوب، ما يشغلها عن كلِّ شيء، ويَصْرِفُها عن كلِّ إنسان، فعلمت بأنَّ المعاناة تحصِّن النفس بحِصْنٍ مُؤشَّب، يعتقلها خلف قضبانٍ شائكة، لا يمتلك أحدٌ أن يكسرها ليشاهد كيف تموج أحاسيس المتألِّمين، والبائسين، والمنكوبين، والمبتلين لحظات الالم، وكيف يحترقون بحِمَم الغضب، ويتصبَّبون عَرَقًا من الوجع، وكيف يثُورون ويهدؤون، ويخافون ويأْمَنون، ويَرْضون ويَسْخَطون ..
وتأَمَّلت في أحوالهم حين يرى أحدهم أهله مُصْبِحًا ومُمْسِيا، ويَلْقونَه غادِيًا ورائِحًا، ويقولون فلا يسمع لقولهم، ويقول لهم ولا يسمعون لقوله، ويُجاذِبونَه أطراف الحديث، ويمُدُّون إليه أيديهم ويمُدُّ إليهم يده، ويردُّون عليه تحِيَّتَه ويرُدُّ عليهم تحيَّتَهُم، ومع ذلك يلقاهم كما يلقى ظِلاًّ مستعارًا، يحدِّقون لشُحوبِه، ويَشْهَدون دموعه تنزل على خَدِّه، ويُتابِعون حَرَكاتِه وتعبيراتِه، ولا يستطيعون أن يقْتَحِموا حِصْنَه، أو يقفزوا خلف أسواره، أو يتجاوزوا ما أُلْقِي بينهم وبينه من حُجُب صفيقَة، وما أُسْدِل بينهم وبينه من أستارٍ كَثيفَة، ولا يسعون لكَشْفِ أسرارِه، وحَلَّ ألغازِه، وفَكَّ رِباطِه، وتحرير عِقالِه، وهَزْمَ خوفه، ورَدْعَ غضبه، وتخفيف ألمِه، ومَسْحَ دموعِه، وشَدِّ عَضُدِه، ولَمِّ جُرْحِه، ولا يقاسمونه حظَّهم من السعادة والفرح، ولا يَنْعَمون معه بالأمن، والهدوء، والاستقرار إن أتيح لهم ذلك، فعلمت بأن ما يكون بينهم وبينه من الصَّدِّ والبعد كما بين الحَرَكَة والإحْساسِ بالحَرَكَة، وكما بين تحريكِ الشَّفَه تحريكًا تلقائيًّا وتحريكِ اللِّسانِ بنبضاتِ القلب، وكما بين اللِّقاء بالحضن الداَّفئ والحلم باللِّقاء ..