ام حفصه
17 Feb 2013, 04:42 PM
http://saaid.net/Minute/img/hd-h-25.gif
بقلم/ هديل الحضيف
حطام عمُر
تناهى إلى سمعي بكاؤها وأنا خارج ، أغلقت الباب بقوة ، وهبطت الدرجات مسرعاً ،
محاولاً دفن صوتها في اللا شعور . .
ركبت السيارة وبقيت لمدة دون أن أشغلها . .
ثم أرخيت رأسي على المقود . .
كان صوتها يتردد داخلي ، كنت أحاول تجاهله دون جدوى ، فقد أحكم الحصار . .
- ليس ذنبي إن كنت لا أحبك . . تذكري أني تزوجتك من أجل رضا (الوالد) . .
لم ترد حينها ، لم تبك ، ولم تتحرك . . فقط تجمدت في مكانها دون أن يرتسم
على وجهها أي تعبير . .
تمنيت لو أني لم أقلها، وخرجت مسرعاً حتى لا أعذب نفسي برؤيتها..
في غمرة الإحباط الذي كان يكتنفني، أتى رنين الجوال ليردني إلى واقعي لم يكن بي رغبة ولا حتى إلى رؤية المتصل، كنت في حال لا تسمح لي بالحديث.
استمر الرنين وكأنه يجبرني على الرد..
- نعم.. لا.. لم أنس.. لكن قد أتأخر وقد لا آتي البتة!!.. أعذرني مزاجي ليس على ما يرام اليوم.. طابت سهرتكم..
أشغلت السيارة، ثم تحركت ببطء، رفعت رأسي لأرى نافذة الغرفة، أحسست أنها ما زالت تبكي، أدرت المقود ومشيت دون أن أحدد هدفاً..
لا أعلم كم هو الوقت الذي مضى وأنا أسير على غير هدى..
- ستتزوج ابنة عمك.. إن لم تتزوجها من يأخذها؟.. أتتركها للغريب؟!!
- أبي لكن هيا لا تناسبني.. كما أني لا أحبها..
- إذن من هي التي تناسبك؟.. هذا أنتم يا جيل (هالوقت) أثرت بكم المسلسلات والأفلام حتى أفسدتكم.. إني آمرك.. ستتزوج هيا.. وكلامي هذا لا رجعة فيه.. أتسمع؟!!
أبي.. ليتك تعلم ما الذي فعلته، هيا لا تستحقني، وأنا لا أستحقها، نحن كماء وزيت.. جمعنا في إناء واحد.. دون أن نختلط..
تنبهت إلى خزان الوقود الذي شارف على الانتهاء، انحرفت إلى أقرب محطة، لم يكن بها سوى عامل واحد، كان شكلي داعياً للشك.. مظهري لم يكن لائقاً.. فقد أخذ مني التفكير كل مأخذ.. كما أن وجودي في هذه الساعة ، وحده يبعث على كل ريبة..
- عشرون ريالاً يا سيدي..
دون أي شعور.. مددت مئتين، وأشغلت السيارة لأمضي دون أن أنتظر الباقي، أخذ العامل الورقة وتفحصها، ثم حدق في رقم سيارتي وانطلق للهاتف..
لم أستوعب ما يفعله.. ومضيت لحال سبيلي..
قدت سيارتي لخارج المدينة، كنت بحاجة ماسة للهدوء، أردت أن تكون الليلة ليلة اتخاذ قرار.. سأتخذ قراري الذي يحدد مصير هذا الزواج البائس..
لاحت لي من بعيد سيارات شرطة، لم أعبأ بها، كانت تقترب أكثر فأكثر.. حتى وقفت أحدها أمامي ونزل من بها طالباً مني أن أبرز بطاقتي..
أعطيته إياها، فنظر إلي متهكماً:
لا وتزور بطاقات أيضاً؟؟!!
فغرت فاي:
ماذا تقصد يا سيدي؟!
- أقصد أنك تنتحل شخصيات أناس لهم وزنهم..
- لم أفهم؟؟!!
- حسناً ستفهم هناك.. تستطيع مرافقتي لأفهمك..
كنت قد وصلت لحال من اليأس، تأكدت أن كل هذا بسبب زواجي (المنحوس).. منذ أن تزوجت لم أهنأ يوماً كاملاً، وها هي تكتمل اليوم بأن أساق إلى مركز الشرطة كمجرم.. عندما وصلنا للمركز.. رمي بي رمياً في التوقيف.. التفت إلى الشرطي:
لو سمحت.. إعرف من تتعامل معه..
طالعني بوجه لم يدخر وسعاً في جعله ينطق بكل التحقير لي.. ثم مضى..
أدرت بصري، كان كل ما حولي كئيباً.. جدران صفراء خط عليها كلام كثير بخطوط مشوهه.. وجوه كالحة وأعين غائرة..
اتخذت الزاوية البعيدة، وأسندت رأسي على ركبتي، ورحت أنشج نشيجاً خافتاً..
طالعت ساعتي التي كانت تحاول عبثاً أن تقنعني أنه قد مضى خمس ساعات على خروجي من المنزل..
عاد بكاء هيا إلى خاطري مرة أخرى.. كان يستفزني بقوة، أحسست بمزيج من الشفقة والكراهية، كنت أعتقد أنها سبب البلاء الذي أنا فيه، ثم أعود وأقول أنني أنا الذي ظلمتها دون وجه حق.
منذ ستة أشهر، وهي فترة زواجنا، لم أعاملها بلطف.. كنت جافاً غليظاً معها، لا أذكر أني ابتسمت لها ولا حتى يوم زفافنا.
- هيه أيها الصغير.. لم تعطك أمك وجبتك هذه الليلة؟؟!! وزلزل المكان ضحكات هستيرية..
لم ألق له بالاً، تجاهلته تماماً، حالتي لم تكن تسمح لي سوى بالتركيز على شيء واحد، وهو:
لِمَ أنا هنا؟
كان الليل يزحف ببطء، كل ثانية تعني لي ألف سنة، الجدران الصفراء تقترب وتقترب.. حتى خنقتني، صرخت بقوة، ثم فقدت وعيي..
بقلم/ هديل الحضيف
حطام عمُر
تناهى إلى سمعي بكاؤها وأنا خارج ، أغلقت الباب بقوة ، وهبطت الدرجات مسرعاً ،
محاولاً دفن صوتها في اللا شعور . .
ركبت السيارة وبقيت لمدة دون أن أشغلها . .
ثم أرخيت رأسي على المقود . .
كان صوتها يتردد داخلي ، كنت أحاول تجاهله دون جدوى ، فقد أحكم الحصار . .
- ليس ذنبي إن كنت لا أحبك . . تذكري أني تزوجتك من أجل رضا (الوالد) . .
لم ترد حينها ، لم تبك ، ولم تتحرك . . فقط تجمدت في مكانها دون أن يرتسم
على وجهها أي تعبير . .
تمنيت لو أني لم أقلها، وخرجت مسرعاً حتى لا أعذب نفسي برؤيتها..
في غمرة الإحباط الذي كان يكتنفني، أتى رنين الجوال ليردني إلى واقعي لم يكن بي رغبة ولا حتى إلى رؤية المتصل، كنت في حال لا تسمح لي بالحديث.
استمر الرنين وكأنه يجبرني على الرد..
- نعم.. لا.. لم أنس.. لكن قد أتأخر وقد لا آتي البتة!!.. أعذرني مزاجي ليس على ما يرام اليوم.. طابت سهرتكم..
أشغلت السيارة، ثم تحركت ببطء، رفعت رأسي لأرى نافذة الغرفة، أحسست أنها ما زالت تبكي، أدرت المقود ومشيت دون أن أحدد هدفاً..
لا أعلم كم هو الوقت الذي مضى وأنا أسير على غير هدى..
- ستتزوج ابنة عمك.. إن لم تتزوجها من يأخذها؟.. أتتركها للغريب؟!!
- أبي لكن هيا لا تناسبني.. كما أني لا أحبها..
- إذن من هي التي تناسبك؟.. هذا أنتم يا جيل (هالوقت) أثرت بكم المسلسلات والأفلام حتى أفسدتكم.. إني آمرك.. ستتزوج هيا.. وكلامي هذا لا رجعة فيه.. أتسمع؟!!
أبي.. ليتك تعلم ما الذي فعلته، هيا لا تستحقني، وأنا لا أستحقها، نحن كماء وزيت.. جمعنا في إناء واحد.. دون أن نختلط..
تنبهت إلى خزان الوقود الذي شارف على الانتهاء، انحرفت إلى أقرب محطة، لم يكن بها سوى عامل واحد، كان شكلي داعياً للشك.. مظهري لم يكن لائقاً.. فقد أخذ مني التفكير كل مأخذ.. كما أن وجودي في هذه الساعة ، وحده يبعث على كل ريبة..
- عشرون ريالاً يا سيدي..
دون أي شعور.. مددت مئتين، وأشغلت السيارة لأمضي دون أن أنتظر الباقي، أخذ العامل الورقة وتفحصها، ثم حدق في رقم سيارتي وانطلق للهاتف..
لم أستوعب ما يفعله.. ومضيت لحال سبيلي..
قدت سيارتي لخارج المدينة، كنت بحاجة ماسة للهدوء، أردت أن تكون الليلة ليلة اتخاذ قرار.. سأتخذ قراري الذي يحدد مصير هذا الزواج البائس..
لاحت لي من بعيد سيارات شرطة، لم أعبأ بها، كانت تقترب أكثر فأكثر.. حتى وقفت أحدها أمامي ونزل من بها طالباً مني أن أبرز بطاقتي..
أعطيته إياها، فنظر إلي متهكماً:
لا وتزور بطاقات أيضاً؟؟!!
فغرت فاي:
ماذا تقصد يا سيدي؟!
- أقصد أنك تنتحل شخصيات أناس لهم وزنهم..
- لم أفهم؟؟!!
- حسناً ستفهم هناك.. تستطيع مرافقتي لأفهمك..
كنت قد وصلت لحال من اليأس، تأكدت أن كل هذا بسبب زواجي (المنحوس).. منذ أن تزوجت لم أهنأ يوماً كاملاً، وها هي تكتمل اليوم بأن أساق إلى مركز الشرطة كمجرم.. عندما وصلنا للمركز.. رمي بي رمياً في التوقيف.. التفت إلى الشرطي:
لو سمحت.. إعرف من تتعامل معه..
طالعني بوجه لم يدخر وسعاً في جعله ينطق بكل التحقير لي.. ثم مضى..
أدرت بصري، كان كل ما حولي كئيباً.. جدران صفراء خط عليها كلام كثير بخطوط مشوهه.. وجوه كالحة وأعين غائرة..
اتخذت الزاوية البعيدة، وأسندت رأسي على ركبتي، ورحت أنشج نشيجاً خافتاً..
طالعت ساعتي التي كانت تحاول عبثاً أن تقنعني أنه قد مضى خمس ساعات على خروجي من المنزل..
عاد بكاء هيا إلى خاطري مرة أخرى.. كان يستفزني بقوة، أحسست بمزيج من الشفقة والكراهية، كنت أعتقد أنها سبب البلاء الذي أنا فيه، ثم أعود وأقول أنني أنا الذي ظلمتها دون وجه حق.
منذ ستة أشهر، وهي فترة زواجنا، لم أعاملها بلطف.. كنت جافاً غليظاً معها، لا أذكر أني ابتسمت لها ولا حتى يوم زفافنا.
- هيه أيها الصغير.. لم تعطك أمك وجبتك هذه الليلة؟؟!! وزلزل المكان ضحكات هستيرية..
لم ألق له بالاً، تجاهلته تماماً، حالتي لم تكن تسمح لي سوى بالتركيز على شيء واحد، وهو:
لِمَ أنا هنا؟
كان الليل يزحف ببطء، كل ثانية تعني لي ألف سنة، الجدران الصفراء تقترب وتقترب.. حتى خنقتني، صرخت بقوة، ثم فقدت وعيي..