ام حفصه
19 Feb 2013, 05:25 PM
اتباع الجنازة حكمه وأثره في تحقيق المحبة بين المسلمين
د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان
المراد باتباع الجنازة:
اتباع الجنازة: هو السير معها للصلاة عليها، أو دفنها، أو مجموع الأمرين.[1]
حكم اتباع الجنازة:
قال ابن دقيق العيد: " اتباع الجنائز، يحتمل أن يراد به اتباعها للصلاة عليها، فإن عُبّر به عن الصلاة، فذلك من فروض الكفايات. ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب، لأنه ليس من الغالب أن يصلَّى على الميت ويدفن في محل موته.
ويحتمل أن يراد بالاتباع: الرواح إلى محل الدفن لمواراته. والمواراة ـ أيضاً ـ من فروض الكفايات لا تسقط إلا بمن تتأدى به "[2]
والصلاة على الجنازة، ودفنها، من فروض الكفايات بإجماع المسلمين[3]، وما دام اتباعها وسيلة لذلك، فالوسائل لها أحكام المقاصد، فيكون اتباعها فرض كفاية - أيضاً -[4].
قال النووي: " حمل الجنازة فرض كفاية، ولا خلاف فيه. قال الشافعي والأصحاب: وليس في حملها دناءة وسقوط مروءة، بل هو بر وطاعة، وإكرام للميت. وفعله الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل الفضل والعلم"[5]
وقال ابن تيمية: " ومن ظن أن غيره لا يقوم بأمر الميت تعين عليه. وقاله القاضي وغيره في فرض الكفاية "[6]
وأما ما حكاه النووي من أن اتباع الجنائز مستحب بالإجماع[7]، فمراده - والله أعلم - أحد أمرين:-
الأول: أنه إذا قام بهذا الواجب من يكفي، سقط الوجوب بهم، وبقي - بعد ذلك - مستحباً في حق غيرهم. فهذا لا خلاف فيه، وهو الشأن في جميع فروض الكفايات.
الثاني: أن مراده من ذكر الإجماع على استحبابه، ثبوت استحبابه ومشروعيته، لا نفي وجوبه. وقد سبق نظير هذا في حكم عيادة المريض.[8]
ويدل لصحة هذا التوجيه: ما نقلته عنه آنفاً من أن حمل الجنازة فرض كفاية، بلا خلاف.
أثر اتباع الجنازة في تحقيق المحبة بين المسلمين:
لقد شرع الله اتباع الجنازة، لما يتضمنه اتباعها من الصلاة على الميت، والدعاء له والترحم عليه، ودفنه ومواراته، ولما فيه من التضامن مع أهله، ومواساتهم وتسليتهم، وتخفيف مصابهم، وإدخال السرور عليهم. كما أن فيه تذكيراً بالموت، وحثاً على الاستعداد له. ولهذا قال الفقهاء: ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعاً، متفكراً في مآله، متعظاً بالموت، وبما يصير إليه الميت.[9]
فكان من أهم حكم اتباع الجنارة، إكرام الميت، ونفعه بالدعاء له والصلاة عليه، ومواساة أهله وتسليتهم، وتحقيق التضامن والتواصل والمحبة بين المسلمين.
هذه هي أهم الوسائل التي شرعها الإسلام لتحقيق الأخوة والمحبة بين المؤمنين، وإدخال السرور على نفوسهم، وإشعارهم بالأمن والراحة، والسكينة والطمأنينة.
وقد رتب الإسلام على القيام بهذه الوسائل أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً، مع ما لصاحبها في الدنيا من توفيق وتيسير، وإعانة وهداية، وما يحصّله بذلك من محبة وقبول، وثناء عطر وذكر جميل.
وحقوق المسلم على المسلم ليست مقصورة على هذه الخمسة المذكورة، بل هي كثيرة متنوعة، فمنها ما هو مادي، ومنها ما هو معنوي، ومنها ما يكون بالقلب، وما يكون باللسان، وما يكون بالجوارح.
والأمر الجامع لذلك كله: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، والنصح لكل مسلم، والإحسان إليه بكل قول جميل وفعل حميد.
وقد فصل القول في هذه الحقوق، وجمع أدلتها الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين"[10].
كما فصل القول قبل ذلك في حقوق الصحبة والأخوة الخاصة التي تكون بين شخصين فأكثر، وذكر أن ذلك يجمعه ثمانية حقوق: حق في المال ببذله له، وفي النفس بخدمته وإعانته على حاجته، وفي اللسان بالسكوت مرة والنطق مرة أخرى، وفي القلب بمحبته والإخلاص له، وفي الدعاء له في حياته وبعد مماته، وفي العفو عن زلاته وهفواته، وفي الوفاء معه، وفي التخفيف وترك التكلف والتكليف. فراجعه فإنه كلام نفيس مفيد.[11]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر: فتح الباري 3/193.
[2] إحكام الأحكام 4/218.
[3] انظر: الإفصاح لابن هبيرة، ص: 182، وشرح النووي على مسلم 7/23، والمجموع 5/212، 282، والجامع لأحكام القرآن 8/221، 6/143، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 3/78، 108.
[4] انظر: فتح الباري 3/193، والآداب الشرعية 3/554.
[5] المجموع شرح المهذب 5/270.
[6] الاختيارات الفقهية ص: 86.
[7] قال في شرح صحيح مسلم 14/31: " اتباع الجنائز سنة بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه وقريبه وغيرهما "، وقال في المجموع 5/277: " يستحب للرجال اتباع الجنازة حتى تدفن. وهذا مجمع عليه للأحاديث الصحيحة فيه ".
[8] ص:
[9] انظر: المغني 3/396.
[10] 2/191ـ211.
[11] 2/170ـ190. وانظر كذلك: "الأخوة" لجاسم الياسين ص: 42 فما بعدها، و"جسور المحبة" لعائض القرني، و"وا أخوتاه" لمحمود الطباخ ص: 72 فما بعدها، و "سبعون حقاً للأخوة" له أيضاً، و"مبدأ الأخوة في الله" لمصطفى القضاة ص: 37 فما بعدها.
منقول من موقع الشيخ
د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان
المراد باتباع الجنازة:
اتباع الجنازة: هو السير معها للصلاة عليها، أو دفنها، أو مجموع الأمرين.[1]
حكم اتباع الجنازة:
قال ابن دقيق العيد: " اتباع الجنائز، يحتمل أن يراد به اتباعها للصلاة عليها، فإن عُبّر به عن الصلاة، فذلك من فروض الكفايات. ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب، لأنه ليس من الغالب أن يصلَّى على الميت ويدفن في محل موته.
ويحتمل أن يراد بالاتباع: الرواح إلى محل الدفن لمواراته. والمواراة ـ أيضاً ـ من فروض الكفايات لا تسقط إلا بمن تتأدى به "[2]
والصلاة على الجنازة، ودفنها، من فروض الكفايات بإجماع المسلمين[3]، وما دام اتباعها وسيلة لذلك، فالوسائل لها أحكام المقاصد، فيكون اتباعها فرض كفاية - أيضاً -[4].
قال النووي: " حمل الجنازة فرض كفاية، ولا خلاف فيه. قال الشافعي والأصحاب: وليس في حملها دناءة وسقوط مروءة، بل هو بر وطاعة، وإكرام للميت. وفعله الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل الفضل والعلم"[5]
وقال ابن تيمية: " ومن ظن أن غيره لا يقوم بأمر الميت تعين عليه. وقاله القاضي وغيره في فرض الكفاية "[6]
وأما ما حكاه النووي من أن اتباع الجنائز مستحب بالإجماع[7]، فمراده - والله أعلم - أحد أمرين:-
الأول: أنه إذا قام بهذا الواجب من يكفي، سقط الوجوب بهم، وبقي - بعد ذلك - مستحباً في حق غيرهم. فهذا لا خلاف فيه، وهو الشأن في جميع فروض الكفايات.
الثاني: أن مراده من ذكر الإجماع على استحبابه، ثبوت استحبابه ومشروعيته، لا نفي وجوبه. وقد سبق نظير هذا في حكم عيادة المريض.[8]
ويدل لصحة هذا التوجيه: ما نقلته عنه آنفاً من أن حمل الجنازة فرض كفاية، بلا خلاف.
أثر اتباع الجنازة في تحقيق المحبة بين المسلمين:
لقد شرع الله اتباع الجنازة، لما يتضمنه اتباعها من الصلاة على الميت، والدعاء له والترحم عليه، ودفنه ومواراته، ولما فيه من التضامن مع أهله، ومواساتهم وتسليتهم، وتخفيف مصابهم، وإدخال السرور عليهم. كما أن فيه تذكيراً بالموت، وحثاً على الاستعداد له. ولهذا قال الفقهاء: ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعاً، متفكراً في مآله، متعظاً بالموت، وبما يصير إليه الميت.[9]
فكان من أهم حكم اتباع الجنارة، إكرام الميت، ونفعه بالدعاء له والصلاة عليه، ومواساة أهله وتسليتهم، وتحقيق التضامن والتواصل والمحبة بين المسلمين.
هذه هي أهم الوسائل التي شرعها الإسلام لتحقيق الأخوة والمحبة بين المؤمنين، وإدخال السرور على نفوسهم، وإشعارهم بالأمن والراحة، والسكينة والطمأنينة.
وقد رتب الإسلام على القيام بهذه الوسائل أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً، مع ما لصاحبها في الدنيا من توفيق وتيسير، وإعانة وهداية، وما يحصّله بذلك من محبة وقبول، وثناء عطر وذكر جميل.
وحقوق المسلم على المسلم ليست مقصورة على هذه الخمسة المذكورة، بل هي كثيرة متنوعة، فمنها ما هو مادي، ومنها ما هو معنوي، ومنها ما يكون بالقلب، وما يكون باللسان، وما يكون بالجوارح.
والأمر الجامع لذلك كله: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، والنصح لكل مسلم، والإحسان إليه بكل قول جميل وفعل حميد.
وقد فصل القول في هذه الحقوق، وجمع أدلتها الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين"[10].
كما فصل القول قبل ذلك في حقوق الصحبة والأخوة الخاصة التي تكون بين شخصين فأكثر، وذكر أن ذلك يجمعه ثمانية حقوق: حق في المال ببذله له، وفي النفس بخدمته وإعانته على حاجته، وفي اللسان بالسكوت مرة والنطق مرة أخرى، وفي القلب بمحبته والإخلاص له، وفي الدعاء له في حياته وبعد مماته، وفي العفو عن زلاته وهفواته، وفي الوفاء معه، وفي التخفيف وترك التكلف والتكليف. فراجعه فإنه كلام نفيس مفيد.[11]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر: فتح الباري 3/193.
[2] إحكام الأحكام 4/218.
[3] انظر: الإفصاح لابن هبيرة، ص: 182، وشرح النووي على مسلم 7/23، والمجموع 5/212، 282، والجامع لأحكام القرآن 8/221، 6/143، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 3/78، 108.
[4] انظر: فتح الباري 3/193، والآداب الشرعية 3/554.
[5] المجموع شرح المهذب 5/270.
[6] الاختيارات الفقهية ص: 86.
[7] قال في شرح صحيح مسلم 14/31: " اتباع الجنائز سنة بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه وقريبه وغيرهما "، وقال في المجموع 5/277: " يستحب للرجال اتباع الجنازة حتى تدفن. وهذا مجمع عليه للأحاديث الصحيحة فيه ".
[8] ص:
[9] انظر: المغني 3/396.
[10] 2/191ـ211.
[11] 2/170ـ190. وانظر كذلك: "الأخوة" لجاسم الياسين ص: 42 فما بعدها، و"جسور المحبة" لعائض القرني، و"وا أخوتاه" لمحمود الطباخ ص: 72 فما بعدها، و "سبعون حقاً للأخوة" له أيضاً، و"مبدأ الأخوة في الله" لمصطفى القضاة ص: 37 فما بعدها.
منقول من موقع الشيخ