رونق الامل
05 Mar 2013, 09:23 AM
صلاح عامر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ،وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال تعالى:\"الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32){النحل:32}
وقال تعالى:\"وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)\"{الزخرف:72}
وقال تعالى:\"وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58){العنكبوت:58}
حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته بأن لا يتركوا العمل :
عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:\" كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ ،فَقَالَ:\" يَا مُعَاذُ !هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ،وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ،قَالَ، فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ،وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ،أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا\" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا\"(1)
وفي رواية عند أحمد:\"قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ. قَالَ:\" دَعْهُمْ يَعْمَلُوا\".(2)
و عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ ،فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ، فَقَالَ:\" مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ ،وَمَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ ،قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ. قَالَ:\" اعْمَلُوا ، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ،أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ ،فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ،وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ ،فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ:\" فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ\"(3)
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ:\" يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ! قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ،قَالَ:\" يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا، قَالَ:\" مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا، قَالَ:\" إِذًا يَتَّكِلُوا \"وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا.(4)
وفي رواية :\"مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ\" قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ،قَالَ:\" لَا ،إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا\".(5)
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ \"وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ\"
قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا :\"اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ،لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ،يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ،وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ،سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا\" (6)
يقول الإمام ابن حجر-رحمه الله- في\"فتح الباري\":فَقَوْله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك )عَامّ فِيمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن ؛ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ الرَّهْط الْمُخْلَصِينَ تَنْوِيهًا بِهِمْ وَتَأْكِيدًا ، وَاسْتَدَلَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث \" يَا فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد ، سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْت ، لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّه شَيْئًا \" أَنَّ النِّيَابَة لَا تَدْخُل فِي أَعْمَال الْبِرّ ، إِذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ يَتَحَمَّل عَنْهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُخَلِّصهَا ، فَإِذَا كَانَ عَمَله لَا يَقَع نِيَابَة عَنْ اِبْنَته فَغَيْره أَوْلَى بِالْمَنْعِ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمهُ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُ يَشْفَع فِيمَنْ أَرَادَ وَتُقْبَل شَفَاعَته ، حَتَّى يُدْخِل قَوْمًا الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ، وَيَرْفَع دَرَجَات قَوْم آخَرِينَ ، وَيُخْرِج مِنْ النَّار مَنْ دَخَلَهَا بِذُنُوبِهِ ، أَوْ كَانَ الْمَقَام مَقَام التَّخْوِيف وَالتَّحْذِير أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَة فِي الْحَضّ عَلَى الْعَمَل ، وَيَكُون فِي قَوْله : \" لَا أُغْنِي شَيْئًا \" إِضْمَار إِلَّا إِنْ أَذِنَ اللَّه لِي بِالشَّفَاعَةِ .(7)
فقه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذه المسألة :
عن أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:قَالَ: كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ،وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ ،فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ -وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ- فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ ،فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:\" أَبُو هُرَيْرَةَ! ،فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ:\" مَا شَأْنُكَ\" قُلْتُ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا ،فَفَزِعْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مِنْ فَزِعَ ،فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ ،وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي. فَقَالَ:\" يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ ،قَالَ:\" اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ ،فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ ،فَقَالَ:\" مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِهِمَا ،مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ،فَخَرَرْتُ لِاسْتِي ،فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ،فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً ،وَرَكِبَنِي عُمَرُ ،فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي ،فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\" مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ !قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي ،قَالَ: ارْجِعْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ:\" يَا عُمَرُ !مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ ؟قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ،أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ ،مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ:\" نَعَمْ\"قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ ،فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\" فَخَلِّهِمْ \"(8)
وقال تعالى :\"وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3){العصر:1-3}
يقول الإمام السعدي –رحمه الله- في تفسيره :أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح.
والخسار مراتب متعددة متفاوتة:
قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة.
والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويُرغّبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره.
وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح [العظيم].(9)
تعليمه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها أن تسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل
والاستعاذة من النار وما قرب إليها من قول أو عمل :
عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يُكَلِّمَهُ وَعَائِشَةُ تُصَلِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :\"عَلَيْكِ بِالْكَوَامِلِ\" أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى ،فَلَمَّا انْصَرَفَتْ عَائِشَةُ سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا:\" قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ،مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ،مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ،وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ،وَأَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ ،وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ ،وَأَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا\".(10)
نقص العمل من علامات الساعة:
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:\" يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ ،وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ ،وَيُلْقَى الشُّحُّ ،وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ ،وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ\" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّمَ هُوَ؟قَالَ:\" الْقَتْلُ الْقَتْلُ\".(11)
أهمية العمل عند الموت وفي الآخرة :
عن أنَس بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\" يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ،وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ ،يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ،فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ،وَيَبْقَى عَمَلُهُ\"(12)
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :\"مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ،لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ،وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ ،وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ،فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ\".(13)
كيفية الحساب على الأعمال يوم القيامة:
عَن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:\" أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا، قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ:\" انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ ،ثُمَّ الزَّكَاةُ ،ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ\".(14)
التحذير من زلة بعض أهل العلم في هذه المسألة :
التأويل الخاطئ لقوله صلى الله عليه وسلم في آخر من يخرجون من النار :\" لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ \"
في حديث الشفاعة عن أبي سعيد الخدري قوله صلى الله عليه وسلم:\"فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ\" شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ ،وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ،وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ ،وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ،فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ ،فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ ،يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ،أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ ،مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ ،وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ \"فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ، قَالَ:\" فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ ،الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ :ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ،فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ ،فَيَقُولُونَ :رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ ،فَيَقُولُ:\" لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ،فَيَقُولُونَ :يَا رَبَّنَا! أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ،فَيَقُولُ:\" رِضَايَ، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا\"(15)
وفي حديث أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم:\"حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ،وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ،فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ ،يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ مِنْ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ ،حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ وَقَدْ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ،وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ ، آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ ،فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ ،اصْرِفْ وَجْهِي عَن النَّارِ\".(16)
والدليل على بطلان من فسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :\"لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ\"على إطلاقه بيانه صلى الله عليه وسلم ووصفه لهم في حديث أبي هريرة \" يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ \"، فهذا دليلي سمعي قطعي لا يرده قول كائنًا من كان على أنهم كانوا يصلون ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:\" وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ \"(17)
والدليل على ذلك أيضًا ،عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:\" مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، يُصَلِّي الْخَمْسَ ،وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، غُفِرَ لَهُ ،قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:\" دَعْهُمْ يَعْمَلُوا\".(18)
ويقول فضيلة الشيخ/عبد الرحمن بن محمد الدوسري :هذا الحديث يؤَكِّد حديث معاذ السابق ويُفَسِّره؛ حيث أضاف إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فِعْل الصلاة والصوم،واقتصاره عليهما تعظيمٌ لشأنهما، وتأكيد على الاهتمام بهما، فالله - سبحانه وتعالى - أمَر عبادَه في كتابه أن يستعينوا بالصبر والصلاة على تحمُّل رسالته، وتنفيذ وصاياه، والجهاد في سبيله للقضاء على الفتَن، وجعل الحاكمية له في الأرض، والصبر يتمثل بشكل واضح في الصيام الصادق الصحيح.
ولو استقبل الناس مثْل هذه الأحاديث استقبالاً حسنًا، لاستبدلوا برجائهم الكاذب خوفًا صحيحًا صادقًا يدفعهم إلى الأعمال المرضية لله؛ لينالوا مدده ونصرته في الدنيا، ومغفرته في الآخرة ودخول الجنة؛ ذلك أن المتدبر لمعاني النصوص يعلم أن الممتنع عن إقامة الصلاة قد أشرك بالله باتباع هواه ،بل آثره وفضَّله على طاعة الله، فأين هو التوحيد؟ مع أن إضاعة الصلاة يكون معها اتباع الشهوات على اختلاف أنواعها.(19)
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه †قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:\" بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، تَرْكَ الصَّلَاةِ\".(20)
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :\" بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلاَةِ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ.(21)
وفي رواية : الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ\".
وعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:\" لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ ،فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ \".(22)
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيُّ ،قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ مِنْ الْأَعْمَالِ شَيْئًا تَرْكُهُ كُفْرٌ إلَّا الصَّلَاةَ.
ولدحض الاستدلال بتلك اللفظة من الحديث قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- في كتاب \"التوحيد وإثبات صفات الرب\": هذه اللفظة: \" لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ \" من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل:\" لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا\" على التمام و الكمال، لا على ما أُوجب عليه، وأُمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي.(23).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- :كلام العرب المستفيض عندنا غير مستنكر في إزالة العمل عن عامله ، إذا عمله على غير حقيقة، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئًا ، و لا عملت شيئًا، و إنما وقع معناه هاهنا على نفي التجويد لا على الصنعة نفسها، فهو عامل عندهم بالاسم، و غير عامل بالإتقان.(24)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ،وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال تعالى:\"الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32){النحل:32}
وقال تعالى:\"وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)\"{الزخرف:72}
وقال تعالى:\"وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58){العنكبوت:58}
حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته بأن لا يتركوا العمل :
عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:\" كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ ،فَقَالَ:\" يَا مُعَاذُ !هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ،وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ،قَالَ، فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ،وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ،أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا\" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا\"(1)
وفي رواية عند أحمد:\"قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ. قَالَ:\" دَعْهُمْ يَعْمَلُوا\".(2)
و عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ ،فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ، فَقَالَ:\" مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ ،وَمَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ ،قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ. قَالَ:\" اعْمَلُوا ، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ،أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ ،فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ،وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ ،فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ:\" فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ\"(3)
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ:\" يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ! قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ،قَالَ:\" يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا، قَالَ:\" مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا، قَالَ:\" إِذًا يَتَّكِلُوا \"وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا.(4)
وفي رواية :\"مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ\" قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ،قَالَ:\" لَا ،إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا\".(5)
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ \"وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ\"
قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا :\"اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ،لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ،يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ،وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ،سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا\" (6)
يقول الإمام ابن حجر-رحمه الله- في\"فتح الباري\":فَقَوْله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك )عَامّ فِيمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن ؛ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ الرَّهْط الْمُخْلَصِينَ تَنْوِيهًا بِهِمْ وَتَأْكِيدًا ، وَاسْتَدَلَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث \" يَا فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد ، سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْت ، لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّه شَيْئًا \" أَنَّ النِّيَابَة لَا تَدْخُل فِي أَعْمَال الْبِرّ ، إِذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ يَتَحَمَّل عَنْهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُخَلِّصهَا ، فَإِذَا كَانَ عَمَله لَا يَقَع نِيَابَة عَنْ اِبْنَته فَغَيْره أَوْلَى بِالْمَنْعِ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمهُ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُ يَشْفَع فِيمَنْ أَرَادَ وَتُقْبَل شَفَاعَته ، حَتَّى يُدْخِل قَوْمًا الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ، وَيَرْفَع دَرَجَات قَوْم آخَرِينَ ، وَيُخْرِج مِنْ النَّار مَنْ دَخَلَهَا بِذُنُوبِهِ ، أَوْ كَانَ الْمَقَام مَقَام التَّخْوِيف وَالتَّحْذِير أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَة فِي الْحَضّ عَلَى الْعَمَل ، وَيَكُون فِي قَوْله : \" لَا أُغْنِي شَيْئًا \" إِضْمَار إِلَّا إِنْ أَذِنَ اللَّه لِي بِالشَّفَاعَةِ .(7)
فقه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذه المسألة :
عن أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:قَالَ: كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ،وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ ،فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ -وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ- فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ ،فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:\" أَبُو هُرَيْرَةَ! ،فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ:\" مَا شَأْنُكَ\" قُلْتُ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا ،فَفَزِعْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مِنْ فَزِعَ ،فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ ،وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي. فَقَالَ:\" يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ ،قَالَ:\" اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ ،فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ ،فَقَالَ:\" مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِهِمَا ،مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ،فَخَرَرْتُ لِاسْتِي ،فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ،فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً ،وَرَكِبَنِي عُمَرُ ،فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي ،فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\" مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ !قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي ،قَالَ: ارْجِعْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ:\" يَا عُمَرُ !مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ ؟قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ،أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ ،مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ:\" نَعَمْ\"قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ ،فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\" فَخَلِّهِمْ \"(8)
وقال تعالى :\"وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3){العصر:1-3}
يقول الإمام السعدي –رحمه الله- في تفسيره :أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح.
والخسار مراتب متعددة متفاوتة:
قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة.
والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويُرغّبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره.
وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح [العظيم].(9)
تعليمه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها أن تسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل
والاستعاذة من النار وما قرب إليها من قول أو عمل :
عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يُكَلِّمَهُ وَعَائِشَةُ تُصَلِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :\"عَلَيْكِ بِالْكَوَامِلِ\" أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى ،فَلَمَّا انْصَرَفَتْ عَائِشَةُ سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا:\" قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ،مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ،مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ،وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ،وَأَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ ،وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ ،وَأَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا\".(10)
نقص العمل من علامات الساعة:
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:\" يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ ،وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ ،وَيُلْقَى الشُّحُّ ،وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ ،وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ\" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّمَ هُوَ؟قَالَ:\" الْقَتْلُ الْقَتْلُ\".(11)
أهمية العمل عند الموت وفي الآخرة :
عن أنَس بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\" يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ،وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ ،يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ،فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ،وَيَبْقَى عَمَلُهُ\"(12)
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :\"مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ،لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ،وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ ،وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ،فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ\".(13)
كيفية الحساب على الأعمال يوم القيامة:
عَن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:\" أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا، قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ:\" انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ ،ثُمَّ الزَّكَاةُ ،ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ\".(14)
التحذير من زلة بعض أهل العلم في هذه المسألة :
التأويل الخاطئ لقوله صلى الله عليه وسلم في آخر من يخرجون من النار :\" لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ \"
في حديث الشفاعة عن أبي سعيد الخدري قوله صلى الله عليه وسلم:\"فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ\" شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ ،وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ،وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ ،وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ،فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ ،فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ ،يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ،أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ ،مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ ،وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ \"فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ، قَالَ:\" فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ ،الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ :ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ،فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ ،فَيَقُولُونَ :رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ ،فَيَقُولُ:\" لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ،فَيَقُولُونَ :يَا رَبَّنَا! أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ،فَيَقُولُ:\" رِضَايَ، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا\"(15)
وفي حديث أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم:\"حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ،وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ،فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ ،يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ مِنْ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ ،حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ وَقَدْ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ،وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ ، آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ ،فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ ،اصْرِفْ وَجْهِي عَن النَّارِ\".(16)
والدليل على بطلان من فسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :\"لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ\"على إطلاقه بيانه صلى الله عليه وسلم ووصفه لهم في حديث أبي هريرة \" يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ \"، فهذا دليلي سمعي قطعي لا يرده قول كائنًا من كان على أنهم كانوا يصلون ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:\" وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ \"(17)
والدليل على ذلك أيضًا ،عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:\" مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، يُصَلِّي الْخَمْسَ ،وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، غُفِرَ لَهُ ،قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:\" دَعْهُمْ يَعْمَلُوا\".(18)
ويقول فضيلة الشيخ/عبد الرحمن بن محمد الدوسري :هذا الحديث يؤَكِّد حديث معاذ السابق ويُفَسِّره؛ حيث أضاف إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فِعْل الصلاة والصوم،واقتصاره عليهما تعظيمٌ لشأنهما، وتأكيد على الاهتمام بهما، فالله - سبحانه وتعالى - أمَر عبادَه في كتابه أن يستعينوا بالصبر والصلاة على تحمُّل رسالته، وتنفيذ وصاياه، والجهاد في سبيله للقضاء على الفتَن، وجعل الحاكمية له في الأرض، والصبر يتمثل بشكل واضح في الصيام الصادق الصحيح.
ولو استقبل الناس مثْل هذه الأحاديث استقبالاً حسنًا، لاستبدلوا برجائهم الكاذب خوفًا صحيحًا صادقًا يدفعهم إلى الأعمال المرضية لله؛ لينالوا مدده ونصرته في الدنيا، ومغفرته في الآخرة ودخول الجنة؛ ذلك أن المتدبر لمعاني النصوص يعلم أن الممتنع عن إقامة الصلاة قد أشرك بالله باتباع هواه ،بل آثره وفضَّله على طاعة الله، فأين هو التوحيد؟ مع أن إضاعة الصلاة يكون معها اتباع الشهوات على اختلاف أنواعها.(19)
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه †قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:\" بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، تَرْكَ الصَّلَاةِ\".(20)
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :\" بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلاَةِ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ.(21)
وفي رواية : الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ\".
وعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:\" لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ ،فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ \".(22)
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيُّ ،قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ مِنْ الْأَعْمَالِ شَيْئًا تَرْكُهُ كُفْرٌ إلَّا الصَّلَاةَ.
ولدحض الاستدلال بتلك اللفظة من الحديث قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- في كتاب \"التوحيد وإثبات صفات الرب\": هذه اللفظة: \" لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ \" من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل:\" لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا\" على التمام و الكمال، لا على ما أُوجب عليه، وأُمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي.(23).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- :كلام العرب المستفيض عندنا غير مستنكر في إزالة العمل عن عامله ، إذا عمله على غير حقيقة، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئًا ، و لا عملت شيئًا، و إنما وقع معناه هاهنا على نفي التجويد لا على الصنعة نفسها، فهو عامل عندهم بالاسم، و غير عامل بالإتقان.(24)