ام حفصه
17 Mar 2013, 04:21 PM
http://sphotos-e.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-prn1/426398_439414082804348_1731425896_n.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لذة العبادة
وهذه هي الراحة والطمأنينة والسعادة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله - تبارك وتعالى - لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركهم سدىً وهملاً، بل خلقهم لغاية عظيمة: (وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]
وقد تفضل -سبحانه وتعالى- على عباده، ومنحهم لذة في العبادة لا تضاهيها لذة من لذائذ الدنيا الفانية.
وهذه اللذة تتفاوت من شخص لآخر حسب قوة الإيمان وضعفه: (مَنْ عَمِلَ صَالِـحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
وهذه الراحة والطمأنينة والسعادة تكون بعبادة الله وحدَه، وتعلُّق القلـب به، ودوام ذكره.
قال ابن القيم: \"والإقبال على الله -تعالى- والإنابة إليه والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللَّهَج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة\"[1].
وأما من أعرض عن هدى الله، وما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسيعيش عيشة القلق والضنك:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)[طه: 124]. فهو \"لا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيِّق حرج لضلاله وإن تنعَّم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشكٍّ؛ فلا يزال في رَيبه يتردَّد؛ فهذا من ضنك المعيشة\"[2].
فكيف يحصل العبد على لذة العبادة؟ وما صور ذلك؟ وما موانعه؟
هذا ما سيكون حديثنا عنه في هذه الأسطر بمشيئة الله -تعالى-.
ثمة أسباب للحصول على لذة العبادة، منها:
أولاً: مجاهدة النفس على العبادة وتعويدها، مع التدرج في ذلك:
قال ابن القيم: \"السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف، ومشقة العمل لعدم أُنْس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت (أي الصلاة) قرة عين له، وقوة ولذة\"[3]. وقال ثابت البناني: \"كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة\"[4].
وقال أبو يزيد: \"سُقْتُ نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك\"[5]. قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَـمَعَ الْـمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69]. فإذا جاهد العبد نفسه هداه الله وسهل له الوصول إلى ما جاهد نفسه إليه.
ثانياً: الإكثار من النوافل والتنويع فيها على اختلاف صفاتها وأحوالها:
حتى لا تمل النفس، وحتى تُقبِل ولا تدبر؛ فتارة نوافل الصلاة، وتارة نوافل الصوم، وتارة نوافل الصدقة...إلخ؛ فإن ذلك مما يورث محبة الله؛ كما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه أن الله يقول: ((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه... ))[6]. فـ \"من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل قربه إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه؛ حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهَداً له بعين البصيرة\"[7].
ثالثاً: التأمل في سير الصالحين:
قال جعفر بن سليمان: \"كنت إذا وجدت من قلبي قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع كأنه وجه ثكلى\"[8]، وهي التي فقدت ولدها. وكان ابن المبارك يقول: \"إذا نظرت إلى فضيل بن عياض جُدِّد لي الحزن، ومقتُّ نفسي\"[9]، ثم يبكي.
رابعاً: قراءة القرآن وتدبر معانيه، والوقوف عند عجائبه:
فإن في القرآن شفاءً للقلوب من أمراضها، وجلاءً لها من صدئها، وترقيقاً لما أصابها من قسوة، وتذكيراً لما اعتراها من غفلة، مع ما فيه من وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، وبيان أحوال الخلق بطريقَيْهِم (أهل الجنة، وأهل السعير)، ولو تخيل العبد أن الكلام بينه وبين ربه كأنه منه إليه لانخلع قلبه من عَظَمة الموقف، ثم يورثه أُنْسَ قلبه بمناجاة ربه، وَلَوَجَد من النعيم ما لا يصفه لسان أو يوضحه بيان، وخصوصاً تدبُّر ما يتلا في الصلوات.
خامساً: الخلوة بالله - تعالى - والأنس به:
بحيث يتخير العبد أوقاتاً تناسبه في ليله أو نهاره يخلو فيها بربه، ويبتعد فيها عن ضجيج الحياة وصخبها، يناجي فيها ربه يبثه شكواه، وينقل إليه نجواه، ويتوسل فيها إلى سيده ومولاه. فكم لهذه الخلوات من آثار على النفوس، وتجليـات على القلـوب؟ قيـل لمالك بن مغفـل - وهو جالس في بيته وحده -: ألا تستوحش؟ قال: أَوَ يستوحش مع الله أحد؟ وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: \"من لم تقرَّ عينه بك فلا قرت عينه، ومن لم يأنـس بك فلا أَنِـس\"[10]. وقـال ذو النـون - رحمه الله -: \"من علامات المحبين لله أن لا يأنسوا بسواه ولا يستوحشوا معه\"[11].
سادساً: البعد عن الذنوب والمعاصي:
فكم من شهوة ساعة أورثت ذلاً طويلاً، وكم من ذنب حرم قيام الليل سنين، وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة، ويكفي هنا قول وهيب بن الورد حين سئل: \"أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: لا، ولا من همَّ\".
قال ابن الجوزي: \"فرب شخص أطلق بصره فحرمه الله اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرِم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه، فأظلم سره وحُرِم قيام الليل، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك\"[12].
فالذنوب داء القلوب. قال يحيى بن معاذ: \"سَقَمُ الجسد بالأوجاع، وسَقَمُ القلوب بالذنوب؛ فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب\"[13].
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لذة العبادة
وهذه هي الراحة والطمأنينة والسعادة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله - تبارك وتعالى - لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركهم سدىً وهملاً، بل خلقهم لغاية عظيمة: (وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]
وقد تفضل -سبحانه وتعالى- على عباده، ومنحهم لذة في العبادة لا تضاهيها لذة من لذائذ الدنيا الفانية.
وهذه اللذة تتفاوت من شخص لآخر حسب قوة الإيمان وضعفه: (مَنْ عَمِلَ صَالِـحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
وهذه الراحة والطمأنينة والسعادة تكون بعبادة الله وحدَه، وتعلُّق القلـب به، ودوام ذكره.
قال ابن القيم: \"والإقبال على الله -تعالى- والإنابة إليه والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللَّهَج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة\"[1].
وأما من أعرض عن هدى الله، وما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسيعيش عيشة القلق والضنك:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)[طه: 124]. فهو \"لا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيِّق حرج لضلاله وإن تنعَّم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشكٍّ؛ فلا يزال في رَيبه يتردَّد؛ فهذا من ضنك المعيشة\"[2].
فكيف يحصل العبد على لذة العبادة؟ وما صور ذلك؟ وما موانعه؟
هذا ما سيكون حديثنا عنه في هذه الأسطر بمشيئة الله -تعالى-.
ثمة أسباب للحصول على لذة العبادة، منها:
أولاً: مجاهدة النفس على العبادة وتعويدها، مع التدرج في ذلك:
قال ابن القيم: \"السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف، ومشقة العمل لعدم أُنْس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت (أي الصلاة) قرة عين له، وقوة ولذة\"[3]. وقال ثابت البناني: \"كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة\"[4].
وقال أبو يزيد: \"سُقْتُ نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك\"[5]. قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَـمَعَ الْـمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69]. فإذا جاهد العبد نفسه هداه الله وسهل له الوصول إلى ما جاهد نفسه إليه.
ثانياً: الإكثار من النوافل والتنويع فيها على اختلاف صفاتها وأحوالها:
حتى لا تمل النفس، وحتى تُقبِل ولا تدبر؛ فتارة نوافل الصلاة، وتارة نوافل الصوم، وتارة نوافل الصدقة...إلخ؛ فإن ذلك مما يورث محبة الله؛ كما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه أن الله يقول: ((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه... ))[6]. فـ \"من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل قربه إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه؛ حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهَداً له بعين البصيرة\"[7].
ثالثاً: التأمل في سير الصالحين:
قال جعفر بن سليمان: \"كنت إذا وجدت من قلبي قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع كأنه وجه ثكلى\"[8]، وهي التي فقدت ولدها. وكان ابن المبارك يقول: \"إذا نظرت إلى فضيل بن عياض جُدِّد لي الحزن، ومقتُّ نفسي\"[9]، ثم يبكي.
رابعاً: قراءة القرآن وتدبر معانيه، والوقوف عند عجائبه:
فإن في القرآن شفاءً للقلوب من أمراضها، وجلاءً لها من صدئها، وترقيقاً لما أصابها من قسوة، وتذكيراً لما اعتراها من غفلة، مع ما فيه من وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، وبيان أحوال الخلق بطريقَيْهِم (أهل الجنة، وأهل السعير)، ولو تخيل العبد أن الكلام بينه وبين ربه كأنه منه إليه لانخلع قلبه من عَظَمة الموقف، ثم يورثه أُنْسَ قلبه بمناجاة ربه، وَلَوَجَد من النعيم ما لا يصفه لسان أو يوضحه بيان، وخصوصاً تدبُّر ما يتلا في الصلوات.
خامساً: الخلوة بالله - تعالى - والأنس به:
بحيث يتخير العبد أوقاتاً تناسبه في ليله أو نهاره يخلو فيها بربه، ويبتعد فيها عن ضجيج الحياة وصخبها، يناجي فيها ربه يبثه شكواه، وينقل إليه نجواه، ويتوسل فيها إلى سيده ومولاه. فكم لهذه الخلوات من آثار على النفوس، وتجليـات على القلـوب؟ قيـل لمالك بن مغفـل - وهو جالس في بيته وحده -: ألا تستوحش؟ قال: أَوَ يستوحش مع الله أحد؟ وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: \"من لم تقرَّ عينه بك فلا قرت عينه، ومن لم يأنـس بك فلا أَنِـس\"[10]. وقـال ذو النـون - رحمه الله -: \"من علامات المحبين لله أن لا يأنسوا بسواه ولا يستوحشوا معه\"[11].
سادساً: البعد عن الذنوب والمعاصي:
فكم من شهوة ساعة أورثت ذلاً طويلاً، وكم من ذنب حرم قيام الليل سنين، وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة، ويكفي هنا قول وهيب بن الورد حين سئل: \"أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: لا، ولا من همَّ\".
قال ابن الجوزي: \"فرب شخص أطلق بصره فحرمه الله اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرِم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه، فأظلم سره وحُرِم قيام الليل، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك\"[12].
فالذنوب داء القلوب. قال يحيى بن معاذ: \"سَقَمُ الجسد بالأوجاع، وسَقَمُ القلوب بالذنوب؛ فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب\"[13].