ام حفصه
18 Mar 2013, 11:18 AM
فضيلة الشيخ
السلام عليكم ورحمة الله
ذكر أحد الشيوخ أن حديث " ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار " مطلق يُقيّد بحديث " من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " وبحديث " إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء "
وقال : إن إسبال الإزار لغير خيلاء غير داخل في النهي وذلك بحمل المطلق على المقيد...
فما رأيكم في هذا التأصيل لهذه الأحاديث ؟
وجزاكم الله خيرا
الجواب
هذا التنظير غير صحيح ، وهو مُخالف لقواعد أصول الفقه .
فقواعد الأصول في هذا الجانب تنصّ على :
أنه إذا اختلف الحكم واتحد السبب لا يُحمل المُطلق على المقيّد .
وأحاديث الإسبال لم يتّحد فيها السبب ، وهو الإسبال ، بل اختلف السبب والحُـكم .
فالسبب ليس هو الإسبال فحسب ، بل السبب في بعض الأحاديث هو : الإسبال
وفي بعضها السبب : هو الخيلاء والبَطَر مع الإسبال .
والحكم مختلف أيضا :
فالأحاديث التي فيها الإسبال فيها الوعيد بالنار .
والأحاديث التي فيها الخيلاء فيها الوعيد بالإعراض عن فاعله وعدم النظر إليه .
فاختلف الحكم والسبب ، فلا يُحمل المُطلق على المقيد قولا واحداً .
ثم لو فرضنا أن السبب هو الإسبال فقط ، فإن الحُـكم مختلف ، لأن أحاديث الإسبال المجرّد جاء فيها الوعيد بالنار ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار . رواه البخاري .
والأحاديث التي جاء فيها ذِكر الخيلاء جاء فيها تشديد العقوبة ، كما في قوه صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . رواه البخاري .
وقوله صلى الله عليه وسلم : لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا . رواه البخاري .
وفقه الإمام البخاري في تبويبه ، ولذا بوّب على أحاديث الإسبال بقوله :
باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار .
وبوّب على الأحاديث الأخرى التي فيها التشديد بقوله :
باب من جر ثوبه من الخيلاء .
ولو كان يُحمل المطلق على المقيّد هنا لما فرّق بين الأحاديث .
والحديث الذي استدلّ به على جواز الإسبال ليس فيه مستمسك له لعدة اعتبارات :
الأول : أن الحديث رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه ، بلفظ : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . فقال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء.
ثانياً : هذه تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ، فمن يُزكِّي غيره على أنه لا يفعله خيلاء ؟
ثالثاً : فرق بين من يتعمّد إرخاء ثوبه وإطالة ثيابه أو سراويله تحت الكعبين ، وبين من يسترخي إزاره ، ثم يتعاهده ويرفعه .
وأبو بكر رضي الله عنه إنما حصل ذلك منه لأنه كان نحيل الجسم فلا يتماسك الإزار على حقويه ، وهو مع ذلك يتعاهد إزاره ، كلما استرخى رفعه .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة ، فإن أبَيْتَ فأسفل ، فإن أبَيْتَ فمن وراء الساق ، ولا حقّ للكعبين في الإزار . رواه الإمام أحمد والنسائي .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن سليم وقد أسلم لتوّه : وإياك وإسبال الإزار ، فإن إسبال الإزار من المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يُخبر أن إسبال الإزار من الخيلاء ، فمن يقول إنه لا يفعله خُيلاء فهو يردّ على النبي صلى الله عليه وسلم قوله هذا ، فليُتنبّه .
كما أن من يُسبل إزاره ويقول : لا أفعله خيلاء ، فيه تزكية لنفسه بقوله هذا ، والله عز وجل يقول : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) مع ما فيه من مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدّم .
وابن عمر رضي الله عنهما وهو سيد من سادات المسلمين وعالِم من علماء الأمة يخاف على نفسه الخيلاء .
روى الإمام الذهبي بإسناده إلى هلال بن خباب عن قزعة قال : رأيت على ابن عمر ثيابا خشِنة أو جَشبة ، فقلت له : إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقرّ عيناي أن أراه عليك . قال : أرنيه ، فلمسه ، وقال : أحرير هذا ؟ قلت : لا ، إنه من قطن . قال : إني أخاف أن ألبسه ، أخاف أكون مختالا فخورا ، ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) .
ثم عقّب الإمام الذهبي رحمه الله بقوله :
كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخراً فتركه متعيّن ولو كان من غير ذهب ولا حرير ، فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف بِفَرْوٍ من أثمان أربع مئة درهم ونحوها ، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر ، فإن نصحته ولُمْتَه بِرِفْقٍ كابر ، وقال : ما فيَّ خيلاء ولا فخر ! وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه ، وكذلك ترى الفقيه المترف إذا لِيمَ في تفصيل فرجية تحت كعبيه ، وقيل له : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار .
يقول : إنما قال هذا فيمن جرّ إزاره خيلاء ، وأنا لا أفعل خيلاء ، فتراه يُكابر ويُبرّىء نفسه الحمقاء ! ويَعمد إلى نص مستقل عام فيخصّه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء ، ويترخّص بقول الصديق : إنه يا رسول الله يسترخي إزاري ، فقال : لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء . فقلنا : أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشدّ إزاره مسدولا على كعبيه أولاً ، بل كان يشدّه فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين . ومثل هذا في النهي لمن فصّل سراويل مغطّياً لِكعابه . ومنه طول الأكمام زائداً ، وتطويل العَذَبَة . وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس ، وقد يُعذر الواحد منهم بالجهل ، والعالِم لا عذر له في تركه الإنكار على الجَهَلَة ... فرضي الله عن ابن عمر وأبيه وأين مثل ابن عمر في دينه وورعه وعلمه وتألهه وخوفه. اهـ .
السلام عليكم ورحمة الله
ذكر أحد الشيوخ أن حديث " ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار " مطلق يُقيّد بحديث " من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " وبحديث " إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء "
وقال : إن إسبال الإزار لغير خيلاء غير داخل في النهي وذلك بحمل المطلق على المقيد...
فما رأيكم في هذا التأصيل لهذه الأحاديث ؟
وجزاكم الله خيرا
الجواب
هذا التنظير غير صحيح ، وهو مُخالف لقواعد أصول الفقه .
فقواعد الأصول في هذا الجانب تنصّ على :
أنه إذا اختلف الحكم واتحد السبب لا يُحمل المُطلق على المقيّد .
وأحاديث الإسبال لم يتّحد فيها السبب ، وهو الإسبال ، بل اختلف السبب والحُـكم .
فالسبب ليس هو الإسبال فحسب ، بل السبب في بعض الأحاديث هو : الإسبال
وفي بعضها السبب : هو الخيلاء والبَطَر مع الإسبال .
والحكم مختلف أيضا :
فالأحاديث التي فيها الإسبال فيها الوعيد بالنار .
والأحاديث التي فيها الخيلاء فيها الوعيد بالإعراض عن فاعله وعدم النظر إليه .
فاختلف الحكم والسبب ، فلا يُحمل المُطلق على المقيد قولا واحداً .
ثم لو فرضنا أن السبب هو الإسبال فقط ، فإن الحُـكم مختلف ، لأن أحاديث الإسبال المجرّد جاء فيها الوعيد بالنار ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار . رواه البخاري .
والأحاديث التي جاء فيها ذِكر الخيلاء جاء فيها تشديد العقوبة ، كما في قوه صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . رواه البخاري .
وقوله صلى الله عليه وسلم : لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا . رواه البخاري .
وفقه الإمام البخاري في تبويبه ، ولذا بوّب على أحاديث الإسبال بقوله :
باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار .
وبوّب على الأحاديث الأخرى التي فيها التشديد بقوله :
باب من جر ثوبه من الخيلاء .
ولو كان يُحمل المطلق على المقيّد هنا لما فرّق بين الأحاديث .
والحديث الذي استدلّ به على جواز الإسبال ليس فيه مستمسك له لعدة اعتبارات :
الأول : أن الحديث رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه ، بلفظ : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . فقال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء.
ثانياً : هذه تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ، فمن يُزكِّي غيره على أنه لا يفعله خيلاء ؟
ثالثاً : فرق بين من يتعمّد إرخاء ثوبه وإطالة ثيابه أو سراويله تحت الكعبين ، وبين من يسترخي إزاره ، ثم يتعاهده ويرفعه .
وأبو بكر رضي الله عنه إنما حصل ذلك منه لأنه كان نحيل الجسم فلا يتماسك الإزار على حقويه ، وهو مع ذلك يتعاهد إزاره ، كلما استرخى رفعه .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة ، فإن أبَيْتَ فأسفل ، فإن أبَيْتَ فمن وراء الساق ، ولا حقّ للكعبين في الإزار . رواه الإمام أحمد والنسائي .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن سليم وقد أسلم لتوّه : وإياك وإسبال الإزار ، فإن إسبال الإزار من المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يُخبر أن إسبال الإزار من الخيلاء ، فمن يقول إنه لا يفعله خُيلاء فهو يردّ على النبي صلى الله عليه وسلم قوله هذا ، فليُتنبّه .
كما أن من يُسبل إزاره ويقول : لا أفعله خيلاء ، فيه تزكية لنفسه بقوله هذا ، والله عز وجل يقول : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) مع ما فيه من مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدّم .
وابن عمر رضي الله عنهما وهو سيد من سادات المسلمين وعالِم من علماء الأمة يخاف على نفسه الخيلاء .
روى الإمام الذهبي بإسناده إلى هلال بن خباب عن قزعة قال : رأيت على ابن عمر ثيابا خشِنة أو جَشبة ، فقلت له : إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقرّ عيناي أن أراه عليك . قال : أرنيه ، فلمسه ، وقال : أحرير هذا ؟ قلت : لا ، إنه من قطن . قال : إني أخاف أن ألبسه ، أخاف أكون مختالا فخورا ، ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) .
ثم عقّب الإمام الذهبي رحمه الله بقوله :
كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخراً فتركه متعيّن ولو كان من غير ذهب ولا حرير ، فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف بِفَرْوٍ من أثمان أربع مئة درهم ونحوها ، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر ، فإن نصحته ولُمْتَه بِرِفْقٍ كابر ، وقال : ما فيَّ خيلاء ولا فخر ! وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه ، وكذلك ترى الفقيه المترف إذا لِيمَ في تفصيل فرجية تحت كعبيه ، وقيل له : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار .
يقول : إنما قال هذا فيمن جرّ إزاره خيلاء ، وأنا لا أفعل خيلاء ، فتراه يُكابر ويُبرّىء نفسه الحمقاء ! ويَعمد إلى نص مستقل عام فيخصّه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء ، ويترخّص بقول الصديق : إنه يا رسول الله يسترخي إزاري ، فقال : لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء . فقلنا : أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشدّ إزاره مسدولا على كعبيه أولاً ، بل كان يشدّه فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين . ومثل هذا في النهي لمن فصّل سراويل مغطّياً لِكعابه . ومنه طول الأكمام زائداً ، وتطويل العَذَبَة . وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس ، وقد يُعذر الواحد منهم بالجهل ، والعالِم لا عذر له في تركه الإنكار على الجَهَلَة ... فرضي الله عن ابن عمر وأبيه وأين مثل ابن عمر في دينه وورعه وعلمه وتألهه وخوفه. اهـ .