أبو يوسف
16 Jan 2005, 08:59 AM
فن الدعاء 108
اللهم زك أعمالنا بفضلك ، واقبله عندك ؛ فإنك إن قبلتها نميتها فكانت لنا ذخرا في يومٍ يفر المرء فيه من أخيه ، وصاحبته وبنيه ، وأقرب الناس إليه،،، وليس ينفعه فيه إلا عمله الصالح الذي قبلته منه ؛ يا من هو كريم وغفور ورحيم .
وصل على حبيبك وآله وصحبه ومن سار على نهجه ما تعاقب الليل والنهار والشمس والظلال .
(أحضر قلبك عند قراءة الدعاء وكن موقنا بالإجابة فلعلك ممن يستجاب لهم).
فن توجيه الحدث151*
في حجة النبي صلى الله عليه وسلم( حديث جابر) **
707- عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فسأله عن القوم حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي، وأنا يومئذ غلام شاب فقال: مرحباً بك يا ابن أخي سل عما شئت، فسألته وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة1 ملتحفاً بها، كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه، إلى جنبه على المشجب2 فصلى بنا. فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بيده، فعقد تسعاً، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يتلمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي واستثفري بثوب3وأحرمي))، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين في المسجد ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهل بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شرك لك)) وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئاً منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته. قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) (البقرة: من الآية125).فجعل المقام بينه ببين البيت. (فكان أبي يقول، ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ في الركعتين (قل هو الله أحد) و(قل يا أيها الكافرون)، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (البقرة: من الآية158) أبدأ4 بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طواف5 على المروة قال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: ((دخلت العمرة في الحج، مرتين، لا بل لأبد أبد)) وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً6 على فاطمة للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك، قال: فإن معي الهدي، فلا تحل، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة. قال: فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي. فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر القصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس قال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة كله، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث- كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هزيل- وربا الجاهلية موضوع7 وأول رباً أضع، ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فلعن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح8 ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال9 بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات. ثم أذن ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلى بينهما شيئاً. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة10 بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد شنق11 للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك12 رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة، كلما أتى حبلاً13 من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء، بأذان واحد وإقامتين، لم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن يطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس- وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً- فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت14 به ظعن15 يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن محسر16 فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى، التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف17. رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر18 وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: ((انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)) فناولوه دلواً فشرب منه. (م4/39- 43).
الهوامش -
1- هي صرب من الملاحف منسوجة.
2- هو عيدان تضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب.
3- الاستثفار: أن تشد وسطها شيئاً، تأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم، وتشد طرفها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة، بفتح الفاء.
4- وفي روايته عند مسلم ((ابدؤوا)) وهي رواية شاذة، والصحيح رواية مسلم هذه كما حققناه في ((إرواء الغليل)).
5- وفي نسخة من ((مسلم)): ((طرافه)).
6- التحريش: الاغراء والمراد هنا أن يذكر له ما يقتضي عتابها.
7- الأصل (فضربت) والتصحيح من ((مسلم)). و(نمرة) اسم الجبل الذي عليه أنصاب الحرم بعرفات وليس نمرة من عرفات.
8- الأصل (موضوعة)
9- أي غير شديد ولا شاق.
10- يعني أشار. وفيه دلالة صريحة على أن الله فوق مخلوقاته وأنه يجوز الإشارة إليه تعالى بالإصبع، وأنه ليس في ذلك شيء.
11- أي مجتمعهم.
12- أي ضم وضيق.
13- هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل الركوب.
14- هو المستطيل من الرمل.
15- في الأصل (مر) والتصحيح من ((مسلم)).
16- أي نساء على الإبل، وهو جمع ظعينة. وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ثم تسعى به المرأة مجازاً لملابستها البعير.
17- هو برزخ بين منى ومزدلفة، لا من هذه، ولا من هذه.
18- أي حصى صغار بحيث يمكن أن يرمي باصبعين. وراجع التعليق (83) من كتابنا ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم)) طبع المكتب الإسلامي (ص79).
19- أي نحر ما بقي من الإبل المائة. وهي سبع وثلاثون بدنة.
توجيه
تناول حيث جابر رضي الله عنه معظم مواصفات الحج وسأكتفي بإيراد بعض لمساته التربوية والإعلامية التي تتعلق بالغرض من إيراده كونها معايير عملية للعلاقات العامة الخيّرة على أن تسأنف لمسات أخرى ومعايير -إن شاء الله تعالى مستقبلا ومنها :
الأدب الجم الذي تميزبه النبي صلى اله عليه وسلم ، ومراعاته لمعالم التشريع بأمانة ونظر عميق ، واستغلال الوقت والجمع الغفير حيث كان الحج عبادة وغرس معان وتوجيهات على مدى الزمن ولقد حمله عنه ما يقرب من مائة ألف و كان تحمل جابر لتلك التوجيهات القولية والفعلية أعظم مثال لذلك حيث وعى أكثر أحكام الحج من النبي صلى الله عليه وسلم وما صاحب هذه الأحكام من معايير وموجهات وإثراء للعلاقات الخيرة والتي طار بها الركبان في المشارق والمغارب مما يلفت الانتباه إلى أهمية استغلال التجمع الكبير في الحج لحسن التوجيه والقدوة من قادة الرأي العام وعلى رأسهم العلماء والدعاة والمفكرين بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ...
ــــــــــــ
** شرح غريب الحديث من موقع المسلم .
فن الترويح والتوجيه157
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم
ومن لا يظلم الناس يظلم
هذا البيت من شعر الحكمة ولكن الشاعر الجاهلي انطلق من معايير كانت سائدة في المجتمع فأصاب في بعضه وأخطأ في بعض ؛فأما الشطر الأول فإنه صحيح فإن من لم يكن له قوة تحمي حقوقه تسلب منه وبخاصة إذا لم تسُد المبادئ الخيرة كما هو الواقع الآن ... وأما الشطر الثاني فإنه غير صحيح وليس من الحكمة في شيء فإن الظلم ظلمات وليس صوابا أن من لم يظلم الناس يظلم .
فعذرا أمة الإسلام فإن الوحدة والقوة هي التي ستحمي حقوقك من ذئاب البشر وليس الخنوع والفرقة والاستجداء من المجالس التي تغلب على أمرها من أصحاب القوة ...
اللهم زك أعمالنا بفضلك ، واقبله عندك ؛ فإنك إن قبلتها نميتها فكانت لنا ذخرا في يومٍ يفر المرء فيه من أخيه ، وصاحبته وبنيه ، وأقرب الناس إليه،،، وليس ينفعه فيه إلا عمله الصالح الذي قبلته منه ؛ يا من هو كريم وغفور ورحيم .
وصل على حبيبك وآله وصحبه ومن سار على نهجه ما تعاقب الليل والنهار والشمس والظلال .
(أحضر قلبك عند قراءة الدعاء وكن موقنا بالإجابة فلعلك ممن يستجاب لهم).
فن توجيه الحدث151*
في حجة النبي صلى الله عليه وسلم( حديث جابر) **
707- عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فسأله عن القوم حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي، وأنا يومئذ غلام شاب فقال: مرحباً بك يا ابن أخي سل عما شئت، فسألته وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة1 ملتحفاً بها، كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه، إلى جنبه على المشجب2 فصلى بنا. فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بيده، فعقد تسعاً، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يتلمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي واستثفري بثوب3وأحرمي))، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين في المسجد ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهل بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شرك لك)) وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئاً منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته. قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) (البقرة: من الآية125).فجعل المقام بينه ببين البيت. (فكان أبي يقول، ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ في الركعتين (قل هو الله أحد) و(قل يا أيها الكافرون)، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (البقرة: من الآية158) أبدأ4 بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طواف5 على المروة قال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: ((دخلت العمرة في الحج، مرتين، لا بل لأبد أبد)) وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً6 على فاطمة للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك، قال: فإن معي الهدي، فلا تحل، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة. قال: فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي. فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر القصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس قال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة كله، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث- كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هزيل- وربا الجاهلية موضوع7 وأول رباً أضع، ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فلعن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح8 ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال9 بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات. ثم أذن ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلى بينهما شيئاً. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة10 بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد شنق11 للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك12 رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة، كلما أتى حبلاً13 من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء، بأذان واحد وإقامتين، لم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن يطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس- وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً- فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت14 به ظعن15 يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن محسر16 فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى، التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف17. رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر18 وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: ((انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)) فناولوه دلواً فشرب منه. (م4/39- 43).
الهوامش -
1- هي صرب من الملاحف منسوجة.
2- هو عيدان تضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب.
3- الاستثفار: أن تشد وسطها شيئاً، تأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم، وتشد طرفها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة، بفتح الفاء.
4- وفي روايته عند مسلم ((ابدؤوا)) وهي رواية شاذة، والصحيح رواية مسلم هذه كما حققناه في ((إرواء الغليل)).
5- وفي نسخة من ((مسلم)): ((طرافه)).
6- التحريش: الاغراء والمراد هنا أن يذكر له ما يقتضي عتابها.
7- الأصل (فضربت) والتصحيح من ((مسلم)). و(نمرة) اسم الجبل الذي عليه أنصاب الحرم بعرفات وليس نمرة من عرفات.
8- الأصل (موضوعة)
9- أي غير شديد ولا شاق.
10- يعني أشار. وفيه دلالة صريحة على أن الله فوق مخلوقاته وأنه يجوز الإشارة إليه تعالى بالإصبع، وأنه ليس في ذلك شيء.
11- أي مجتمعهم.
12- أي ضم وضيق.
13- هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل الركوب.
14- هو المستطيل من الرمل.
15- في الأصل (مر) والتصحيح من ((مسلم)).
16- أي نساء على الإبل، وهو جمع ظعينة. وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ثم تسعى به المرأة مجازاً لملابستها البعير.
17- هو برزخ بين منى ومزدلفة، لا من هذه، ولا من هذه.
18- أي حصى صغار بحيث يمكن أن يرمي باصبعين. وراجع التعليق (83) من كتابنا ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم)) طبع المكتب الإسلامي (ص79).
19- أي نحر ما بقي من الإبل المائة. وهي سبع وثلاثون بدنة.
توجيه
تناول حيث جابر رضي الله عنه معظم مواصفات الحج وسأكتفي بإيراد بعض لمساته التربوية والإعلامية التي تتعلق بالغرض من إيراده كونها معايير عملية للعلاقات العامة الخيّرة على أن تسأنف لمسات أخرى ومعايير -إن شاء الله تعالى مستقبلا ومنها :
الأدب الجم الذي تميزبه النبي صلى اله عليه وسلم ، ومراعاته لمعالم التشريع بأمانة ونظر عميق ، واستغلال الوقت والجمع الغفير حيث كان الحج عبادة وغرس معان وتوجيهات على مدى الزمن ولقد حمله عنه ما يقرب من مائة ألف و كان تحمل جابر لتلك التوجيهات القولية والفعلية أعظم مثال لذلك حيث وعى أكثر أحكام الحج من النبي صلى الله عليه وسلم وما صاحب هذه الأحكام من معايير وموجهات وإثراء للعلاقات الخيرة والتي طار بها الركبان في المشارق والمغارب مما يلفت الانتباه إلى أهمية استغلال التجمع الكبير في الحج لحسن التوجيه والقدوة من قادة الرأي العام وعلى رأسهم العلماء والدعاة والمفكرين بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ...
ــــــــــــ
** شرح غريب الحديث من موقع المسلم .
فن الترويح والتوجيه157
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم
ومن لا يظلم الناس يظلم
هذا البيت من شعر الحكمة ولكن الشاعر الجاهلي انطلق من معايير كانت سائدة في المجتمع فأصاب في بعضه وأخطأ في بعض ؛فأما الشطر الأول فإنه صحيح فإن من لم يكن له قوة تحمي حقوقه تسلب منه وبخاصة إذا لم تسُد المبادئ الخيرة كما هو الواقع الآن ... وأما الشطر الثاني فإنه غير صحيح وليس من الحكمة في شيء فإن الظلم ظلمات وليس صوابا أن من لم يظلم الناس يظلم .
فعذرا أمة الإسلام فإن الوحدة والقوة هي التي ستحمي حقوقك من ذئاب البشر وليس الخنوع والفرقة والاستجداء من المجالس التي تغلب على أمرها من أصحاب القوة ...