أبو فراس
10 Feb 2005, 10:41 PM
’’ بســـــم الله الرحمن الرحيم ‘‘
( فائدة جليلة )
نظرة صائبة في تفسير قوله تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ...)
قوله تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} (الآية: 15 من سورة الملك). أخبر سبحانه أنه جعل الأرض ذلولا منقادة للوطء عليها وحفرها وشقها والبناء عليها، ولم يجعلها مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك منها، وأخبر سبحانه أنه جعلها مهاداً وفرشاً وبساطاً وقراراً وكفاتاً وأخبر أنه دحاها وطحاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها، وثبَّتها بالجبال ونهج فيها الفجاج والطرق، وأجرى فيها الأنهار والعيون، وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، ومن بركتها أن الحيوانات كلها وأرزاقها وأقواتها تخرج منها، ومن بركتها أنك تودع فيها الحب فتخرجه لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها فتوارى منه كل قبيح وتخرج له كل مليح، ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه وتواريها وتضمه وتؤويه، وتخرج له طعامه وشرابه فهي أحمل شيء للأذى وأعوده بالنفع. فلا كان من التراب خير منه وأبعد من الأذى وأقرب إلى الخير.
والمقصود أنه سبحانه جعل لنا الأرض كالجمل الذلول الذي كيفما يقاد ينقاد. وحسن التعبير بمناكبها عن طرقها وفجاجها؛ لما تقدم من وصفها بكونها ذلولاً.
فالماشي عليها يطأ على مناكبها وهو أعلى شيء فيها، ولهذا فسرت المناكب بالجبال، كمناكب الإنسان؛ وهي أعاليه.
قالوا: وذلك تنبيه على أن المشي في سهولها أيسر.
وقالت طائفة: بل المناكب: الجوانب والنواحي، ومنه مناكب الإنسان، لجوانبه.
والذي يظهر: أن المراد بالمناكب الأعالي، وهذا الوجه الذي يمشي عليه الحيوان هو العالي من الأرض دون الوجه المقابل له، فإن سطح الكرة أعلاها، والمشي إنما يقع في سطحها، وحسن التعبير عنه بالمناكب لما تقدم من وصفها بأنها ذلول.
ثم أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها فذللها لهم ووطأها وفتق فيها السبل والطرق التي يمشون فيها وأودعها رزقهم، فذكر تهيئة المسكن للانتفاع والتقليب فيه بالذهاب والمجيء والأكل مما أودع فيه للساكن. ثم نبه بقوله (وإليه النشور ) على أنا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين، بل دخلناه عابري سبيل، فلا يحسن أن نتخذه وطناً ومستقرًّا، وإنما دخلناه لنتزود منه إلى دار القرار، فهو منزل عبور لا مستقر حبور، ومعبر وممر لا وطن ومستقر.
فتضمنت الآية الدلالة على ربوبيته وقدرته وحكمته ولطفه والتذكر بنعمه وإحسانه، والتحذير من الركون إلى الدنيا واتخاذها وطناً ومستقرًّا بل نسرع فيها السير إلى داره وجنته، فلله ما في ضمن هذه الآية من معرفته وتوحيده والتذكير بنعمه، والحث على السير إليه، والاستعداد للقائه والقدوم عليه، والإعلام بأنه سبحانه يطوى هذه الدار كأن لم تكن، وأنه يحيي أهلها بعدما أماتهم وإليه النشور.
من كتــــاب / الفوائد/
للإمام : شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية
( فائدة جليلة )
نظرة صائبة في تفسير قوله تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ...)
قوله تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} (الآية: 15 من سورة الملك). أخبر سبحانه أنه جعل الأرض ذلولا منقادة للوطء عليها وحفرها وشقها والبناء عليها، ولم يجعلها مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك منها، وأخبر سبحانه أنه جعلها مهاداً وفرشاً وبساطاً وقراراً وكفاتاً وأخبر أنه دحاها وطحاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها، وثبَّتها بالجبال ونهج فيها الفجاج والطرق، وأجرى فيها الأنهار والعيون، وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، ومن بركتها أن الحيوانات كلها وأرزاقها وأقواتها تخرج منها، ومن بركتها أنك تودع فيها الحب فتخرجه لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها فتوارى منه كل قبيح وتخرج له كل مليح، ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه وتواريها وتضمه وتؤويه، وتخرج له طعامه وشرابه فهي أحمل شيء للأذى وأعوده بالنفع. فلا كان من التراب خير منه وأبعد من الأذى وأقرب إلى الخير.
والمقصود أنه سبحانه جعل لنا الأرض كالجمل الذلول الذي كيفما يقاد ينقاد. وحسن التعبير بمناكبها عن طرقها وفجاجها؛ لما تقدم من وصفها بكونها ذلولاً.
فالماشي عليها يطأ على مناكبها وهو أعلى شيء فيها، ولهذا فسرت المناكب بالجبال، كمناكب الإنسان؛ وهي أعاليه.
قالوا: وذلك تنبيه على أن المشي في سهولها أيسر.
وقالت طائفة: بل المناكب: الجوانب والنواحي، ومنه مناكب الإنسان، لجوانبه.
والذي يظهر: أن المراد بالمناكب الأعالي، وهذا الوجه الذي يمشي عليه الحيوان هو العالي من الأرض دون الوجه المقابل له، فإن سطح الكرة أعلاها، والمشي إنما يقع في سطحها، وحسن التعبير عنه بالمناكب لما تقدم من وصفها بأنها ذلول.
ثم أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها فذللها لهم ووطأها وفتق فيها السبل والطرق التي يمشون فيها وأودعها رزقهم، فذكر تهيئة المسكن للانتفاع والتقليب فيه بالذهاب والمجيء والأكل مما أودع فيه للساكن. ثم نبه بقوله (وإليه النشور ) على أنا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين، بل دخلناه عابري سبيل، فلا يحسن أن نتخذه وطناً ومستقرًّا، وإنما دخلناه لنتزود منه إلى دار القرار، فهو منزل عبور لا مستقر حبور، ومعبر وممر لا وطن ومستقر.
فتضمنت الآية الدلالة على ربوبيته وقدرته وحكمته ولطفه والتذكر بنعمه وإحسانه، والتحذير من الركون إلى الدنيا واتخاذها وطناً ومستقرًّا بل نسرع فيها السير إلى داره وجنته، فلله ما في ضمن هذه الآية من معرفته وتوحيده والتذكير بنعمه، والحث على السير إليه، والاستعداد للقائه والقدوم عليه، والإعلام بأنه سبحانه يطوى هذه الدار كأن لم تكن، وأنه يحيي أهلها بعدما أماتهم وإليه النشور.
من كتــــاب / الفوائد/
للإمام : شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية