ثمانون مسألة في أحكام الأضحيةعقيل بن سالم الشمري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فإنَّ تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، ولأن شعيرة الأضاحي تتكرر في كل موسم فقد أحببت أن أجمع مسائلها، وقد يسَّر الله أن جمعت سبع وسبعين مسألة مما ذكرها أهل العلم في كتبهم، أو أجابوا السائلين عنها، فرحمهم الله رحمة واسعة؛ فقد سهَّلوا لنا عناء العلم فقربوا المسائل وبسطوها، فنالهم عناء البحث، ونالنا عناء الجمع!.
ولم أراعِ في جمعي لهذه المسائل الترتيب؛ لأني جمعتها على زمن متفاوت، كما أني لم أعتنِ بالعزو كثيرًا؛ لأني لم أجمعها على صفة البحث العلمي الموثق من المصادر والمراجع، وإنما جمعتها تذكرة للخطيب، وتسهيلاً لعموم المسلمين، سائلا الله أن يتقبَّل هذه الأحرف مني، وأن يجعلها في ميزان حسنات والدي، وإلى المسائل:
المسألة الأولى: تعريف الأضحية:
هي: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى تقرُّباً لله.
المسألة الثانية: سبب تسميتها:
قيل في ذلك نسبة لوقت الضحى لأنه هو الوقت المشروع لبداية الأضحية.
المسألة الثالثة: الأدلة على مشروعيتها:
يدل على مشروعيتها ما يلي:
1- الأدلة من الكتاب العزيز:
أ- قوله تعالى "فصلِّ لربك وانحر" فقد فسرها ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: والنحر: النسك والذبح يوم الأضحى، وعليه جمهور المفسرين كما حكاه ابن الجوزي في زاد المسير (9/249).
2-الأدلة من السنة:
يدل على مشروعيتها ما يلي:
أ- حديث أنس رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمي ويكبِّر فذبحهما بيده " متفق عليه.
ب- عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا " مسلم (5232).
ج- عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين». رواه البخاري(5225) .
3- الإجماع:
وقد أجمع العلماء على مشروعيتها، كما حكاه ابن قدامة في المغني (11/95)، واختلفوا في حكمها كما سيأتي.
المسألة الرابعة: حكمها:
بعد الاتفاق على مشروعيتها اختلف أهل العلم في حكمها على قولين:
القول الأول: الجمهور إلى أنها سنة مؤكدة، واستدلوا بما يلي:
1- حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا" مسلم (5232).
ووجهة الدلالة: قوله (أراد) فتعليق الأضحية على الإرادة دليل على عدم الوجوب.
2- صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس أنها واجبة.
القول الثاني: ذهب أبو حنيفة والأوزاعي إلى أنها واجبة على القادر، ورجَّحه فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، واستدلوا:
1- فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل الاقتداء به.
2- قوله صلى الله عليه وسلم: "من وجد سَعَةً لأن يضحي فلم يضحِ فلا يحضر مصلانا " أخرجه ابن ماجه وأحمد، ورجح الحافظ وقفه ( الفتح 16/3).
والذي يظهر –والله أعلم– أنها سنة مؤكدة، وأدلة الوجوب لا تدل على الوجوب، إما لعدم صحتها أو أنها مجرد فعل، والفعل لا يصل للوجوب بذاته كما هو مقرر في علم الأصول، إلا أنه لا ينبغي للقادر تركها لما فيها من العبودية لله سبحانه وتعالى، ولاتفاق أهل العلم على مشروعيتها.
المسألة الخامسة: مشروعة لكل أهل بيت:
الأضحية مشروعة لأهل البيت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً) رواه أحمد (20207) وقال الترمذي: حسن غريب، وقال عبد الحق:إسناده ضعيف، وضعَّفه الخطابي.
فعلى هذا فيدخل فيها أهل البيت جميعاً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم (5203) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – على أضحيته -: "باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمَّة محمد" فدلَّ ذلك على أن دخول أهل البيت في الأضحية جائز.
المسألة السادسة: حكمتها:
للأضحية حِكم كثيرة، منها:
1- التقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره، ومنها إراقة الدم، ولهذا كان ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها –عند جميع العلماء- وكلما كانت الأضحية أغلى وأسمن وأتم كانت أفضل، ولهذا كان الصحابة –رضوان الله عليهم- يسمنون الأضاحي، فقد أخرج البخاري معلقاً في صحيحه: قال يحيى بن سعيد سمعت أبا أمامة بن سهل قال: "كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون".
2- التربية على العبودية .
3- إعلان التوحيد، وذكر اسم الله عز وجل عند ذبحها.
4- إطعام الفقراء والمحتاجين بالصدقة عليهم .
5- التوسعة على النفس والعيال بأكل اللحم الذي هو أعظم غذاء للبدن، وكان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يسميه شجرة العرب، أخرجه سعيد بن منصور في سننه.
6- شكر نعمة الله على الإنسان بالمال.
المسألة السابعة: التقسيم:
جاء في ذلك عدة أقوال، منها:
- ورد عن ابن عباس "يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث ".
- وقيل: يأكل النصف ويتصدق بالنصف.
- والراجح أن يأكل ويهدي ويتصدق ويفعل ما يشاء، وكلما تصدق فهو أفضل.
المسألة الثامنة: إهداء الكافر منها:
يجوز أن يهدي منها كافراً غير مقاتل للمسلمين، خاصة إن كان يُرجى إسلامه، وعلى هذا فيجوز أن تهدي عاملاً أو خادمةً أو راعياً ولو كان كافراً، قاله ابن عثيمين رحمه الله.
المسألة التاسعة: إذا تعيبت الأضحية بعد شرائها:
من اشترى أضحية ثم أثناء تنزيلها انكسرت أو تعيبت فإنه يضحي بها، ولا حرج لأنه غير مفرط، فهو معذور في الشريعة.
المسألة العاشرة: شراء الأضحية دَيْناً:
يجوز شراء الأضحية دَيْناً لمن قدر على السداد، وإذا تزاحم الدَيْن مع الأضحية قدم سداد الدين لأنه أبرأ للذمة.
المسألة الحادية عشرة: الأضحية عن الغير:
يجوز أن تضحي عن غيرك العاجز بشرط إذنه، فإن لم يكن عاجزاً فالأصل أن الوجوب متعلق برقبته.
المسألة الثانية عشرة: هبة الأضاحي للمحتاجين ليضحوا بها:
قسم النبي صلى الله عليه وسلم ضحايا بين أصحابه" رواه البخاري.
ففيه الدلالة على أن أهل الغنى يوزعون ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها.
المسألة الثالثة عشرة: مستحبات الأضحية:
المستحبات: أفضلها أسمنها وأغلاها ثمنا، وأنفسُها عند أهلها، وعليه أن يتفحص الأضحية.
المسألة الرابعة عشرة: المرأة تمسك عن شعرها وأظفارها:
المرأة إن كانت صاحبة أضحية فإنها تمسك عن شعرها وأظفارها لحديث أم سلمة رضي الله عنها، وهو عام فيمن أراد أن يضحي فيشمل الرجال والنساء.
المسألة الخامسة عشرة: البقرة والبعير:
البقرة والبعير يشترك فيه سبعة أو أقل، أما أكثر من سبعة فلا، وقد صح بذلك الدليل.
المسألة السادسة عشرة: هل يشترك في الجزور من يريد اللحم؟
يجوز أن يدخل مع المشتركين في البقرة أو البعير من لا يريد الأضحية لكن يريد اللحم.
المسألة السابعة عشرة: بيع جلد الأضحية:
لا يجوز للمضحي أن يبيع جلد أضحيته؛ لأنها بالذبح تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعيّن لله لم يجز أخذ العوض عنه، ولهذا لا يعطى الجزار منها شيئا على سبيل الأجرة.
وقد روى البخاري (1717)، ومسلم (1317) واللفظ له عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا.
وقال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (5/153): "اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذا الجلود. وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو وجه عند الشافعية قالوا: ويصرف ثمنه مصرف الأضحية.
المسألة الثامنة عشرة: التصدق بالجلد:
يجوز أن يتصدق بالجلد على فقيرٍ، أو يهب لمن يشاء .
المسألة التاسعة عشرة: الفقير يبيع ما يصله من لحم الأضحية:
يجوز للفقير أن يبيع ما يصله من لحم الأضاحي.
المسألة العشرون: إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية:
يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لصرفها على الفقراء، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها، فإن إظهار الشعيرة من مقاصد الأضاحي وهي عبودية لله.
المسألة الحادية والعشرون: ما يقال عند ذبح الأضحية:
يتلفظ الذابح بقوله: "اللهم هذا عني وعن أهل بيتي" كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية والعشرون: اجتماع الأضحية مع العقيقة:
إذا اجتمعت الأضحية مع العقيقة فقد اختلف العلماء في إجزاء إحداهما عن الأخرى، وأجازه الحنابلة ومحمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية في زمانه.
المسألة الثانية والعشرون: اجتماع النذر مع الأضحية:
لا يجمع بين النذر والأضحية؛ لأن كلاً منهما مستقل عن الآخر، وباب النذر يتشدد فيه ما لا يتشدد في غيره؛ لأن الإنسان ألزم به نفسه ولم يلزمه الله به.
المسألة الثالثة والعشرون: الأضحية تكفي عن أهل البيت:
الأضحية الواحدة تكفي عن أهل البيت كلهم مهما كان العدد.
المسألة الرابعة والعشرون: من كان متزوجاً زوجتين:
إن كان الرجل متزوجاً زوجتين أو أكثر فأضحية واحدة تكفي أيضاً كما أجزأت أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجاته جميعاً.
المسألة الخامسة والعشرون: إن كان معه في البيت من ليس من أولاده:
من معه يتيم أو ابن لابنته أو ابن لابنه، ويأكل ويعيش معهم في البيت، فأضحية صاحب البيت تكفي عنه.
المسألة السادسة والعشرون: إن كان في البيت إخوة:
ففيه تفصيل:
1- إن كانا مستقلين عن بعضهما في البيوت فالأصل أن لكل واحد أضحية تخصه.
2- إن كانا مشتركين في بيت واحد فأضحية واحدة تكفي على الصحيح.
المسألة السابعة والعشرون: إن كان الأولاد متزوجين ففي أضحيتهم تفصيل:
1- إن كان الأولاد مع أبيهم في بيته: فتكفي أضحيته.
2- إن كان الابن معزولاً: فيضحي عن نفسه أفضل إن كان قادراً، فإن رأى أن هذا يؤثر على شعور والده، وقد يشعر والده بالألم، فلا بأس أن يكتفي بأضحية والده، فهم جميعا أهل بيتٍ واحد.
المسألة الثامنة والعشرون: أضحية تارك الصلاة:
تارك الصلاة لا تحل ذبيحته ولا تؤكل، وعلى مبني على القول بكفر تارك الصلاة سواء جحودا باتفاق العلماء، أو تهاونا على الصحيح من أقوالهم.
المسألة التاسعة والعشرون: التسمية والتكبير على الأضحية:
يشترط أن يسمي، ويستحب أن يكبر، ثم يذكر من يريد من أهله باسمه، ولو شملهم بقوله: وعن أهل بيتي فلا بأس بذلك.