سحر شعير
ابنتي الحبيبة:
"الدين النصيحة" هكذا أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالمسلم في قانون الإسلام شخص إيجابي مؤثر في مجتمعه، يقوّم الاعوجاج، وينقد ما يراه من عيب أو خلل، يقول ابن القيم رحمه اللهنهاية الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه مكملاً لغيره). (جاسم بن محمد الياسين:الإخوة،ص:75).
وفي المعنى اللغوي لكلمة (النصيحة) وردت الكثير من المعاني الطيبة
قال ابن منظور رحمه الله: "نَصَحَ الشيءُ، خَلَصَ، والنَّاصِحُ: الخالص من العمل وغيره، وكل شيء خَلَصَ، فقد نَصَحَ. والنصح: نقيض الغِش".
وفي الاصطلاح جاء في معنى النصيحة: قال ابن الأثير رحمه الله: «هي إرادةُ الخير للمنصوح له».
قال أبو عمرو بن الصلاح: «النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً».
وهكذا ترين أيتها الحبيبة أن معاني النصيحة كلها تدور حول الصدق والإخلاص في محبة الخير للمنصوح وإرادة إزالة الشر عنه.
أهمية خلق النصيحة للفرد والمجتمع:
إنّ خلق التناصح يعتبر من الأسس المتينة التي تقوم عليها علاقة الفرد المسلم بباقي أفراد الجماعة المسلمة التي يعيش بينها، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع من دخل في الإسلام جديداً على جملة من الأسس الإسلامية المتينة، ويجعل النصيحة للمسلمين إحدى هذه الأسس، فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: بايعت النبي على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" - رواه البخاري في كتاب الإيمان - ، فالنصيحة أساس في حياة البشر، وما بعث الله تعالى الأنبياء عليهم جميعاً السلام إلا ناصحين لخلقه، فهذا نبي الله هود يقول:"وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ"سورة الأعراف68، وذاك نبي الله نوح يقول لقومه: "وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"سورة الأعراف62، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء والمرسلين نصح أمته، فكان خير ناصح لهم، وأرشدهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة.
وعلى الرغم من أنّ إسداء النصح واجب في دين الله تعالى، ومكاشفة الغافل، وتنبيه الناسي من أصول دعوة الإسلام، إلا أن المشكلة التي تواجهنا أن النصيحة غالباً ما تكون شديدة على النفس، وكثير من الناس يرفضون النصيحة أو النقد، إذ ينظر الكثيرون إلى ذواتهم على أنها شيء مصون مقدس لا يجب المساس به. أو أن أسلوب النصيحة قد يكون جارحاً غير لائق في كثير من الأحيان.
يقول أبو العلاء المعري في هذا المعنى:
سمعي موقىً سالمٌ فقـــلِ الصوابَ ولا تصـــحْ
والمرءُ في تركـــــيبهِ غضبٌ يهيجُ إذا نُصـحْ
ابنتي كيف تقدمين النصيحة:
إنّ للنصيحة حتى تؤتي ثمارها علماً نتعلمه، وأدباً نتحلى به إنّ كنا ناصحين، وعليك أن تتعلمي الأساليب واللمسات التي تجعل نصيحتك مقبولة عند الآخرين، فلا أشك في صدق نيتك وأنك تحبين لصديقاتك الخير وتكرهين أن يصدر من أيهنّ ما تعاب به، ولذلك أهديك تلك الباقة المزهرة من آداب النصيحة والتي تمهد لك طريق القبول:
- طريقة النصح قدمي النصيحة سرّاً:
لا أحد منّا يحب أن تظهر عيوبه، أو أن تنكشف سوءاته التي سترها الله عليه، وجعل الناس لا يعلمون عنها شيئاً، وإذا قام أحد بنصحنا على ملأ من الناس فإننا حتماً سنغضب منه وسنشعر بالكثير من الحرج، حتى لو كان يقوم بإسداء النصيحة أمام أحباب لنا، لأنه في الحقيقة يفضح تلك العيوب ويكشف تلك الأخطاء أمام الناس!!!
لذلك - أيتها الحبيبة- لا تنصحي أحداً على الملأ أبداً، فنصيحة العلانية فيها استفزاز للمنصوح يجعله يغلق قلبه وأذنه عنكِ، ولكن اجعلي نصيحتك سرّاً بينك وبين صديقتك أو زميلتك أو حتى أشقائك، فإن ذلك أدعى لقبولها عند المنصوح، إضافة إلى شعوره بالامتنان تجاهك إذ حافظت على مشاعره. يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تعــــطَ طـاعة
- اذكري المحاسن أولاً:
إذا كان لصديقتك التي تنصحيها مزايا، فلماذا لا تثني عليها بها أولا؟ وإذا كان لها حسنات فلماذا لا تبرزيها قبل أن تتعرضي للأخطاء التي تودين التعليق عليها ؟ قال تعالى: "وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ"– سورة الأعراف:85-
فلا يجب أن تهاجميها وكأنها غُمست في بحر من العيوب، بل أثني على ما فيها من خير ثم تعرضي بلطف إلى محل الانتقاد والنصيحة. تماماً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يوجه الصحابي عبد الله بن عمر على الاهتمام بقيام الليل، فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يصلي من الليل"متفق عليه، فلما وصلت هذه الكلمة على الصحابي رضي الله عنه لم يترك قيام الليل أبداً بعد ذلك..!! (كريم الشاذلي:الشخصية الساحرة، ص:145)
- تخيري الوقت المناسب:
هناك أوقات لا يستحب فيها تقديم النصيحة، كوقت الغضب، أو التوتر أو انشغال الذهن في أمر هام، واختيارك للوقت المناسب الذي تتوقعين فيه القبول من الطرف المنصوح عامل هام لنجاح النصيحة وتحقيق أهدافها، فربما كنت على حق ولكن صديقتك غضبت وردت عليكِ نصيحتك لأنك أخطأت في اختيار الوقت لا أكثر.
- كوني ذكية ولمَّاحة:
إذا أهديتِ ورداً لأحبابك فليكن بلا أشواك، وإذا قدمت النصيحة فدققي في انتقاء، واستخدام الكلمات والألفاظ المناسبة التي لا تجرح من تقدمينها لهم.
- لا تنصحي من برج عاجي:
فلا تنصحي وصوتك تعلوه نبرة استعلاء، و كأنك لم تخطئ في حياتك، وليكن أسلوبك هيناً، ونصيحتك حارة صادقة، يروى أن واعظاً قال للخليفة المأمون: إني واعظك، فمغلظ لك القول، فقال المأمون..مهلاً..فإن الله قد أرسل من هو خير منك، وهو موسى عليه السلام وأخيه هارون، إلى من هو شرّ مني، وهو فرعون، وقال لهما: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"سورة طه.
وهكذا فإنّ قدراً من الرفق واللين، والرحمة واللطف لابد أن يتخلل معاملاتك مع الناس، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"رواه مسلم. (د.عدنان حسن باحارث:ملف التربية الاجتماعية للفتاة/شبكة الانترنت).
- كوني قدوة حسنة في تقبل النصيحة:
بل واطلبيها من غيرك؛ لأنّ تطابق القول مع الفعل مما يفتح لكِ القلوب باب القبول نصيحتك، وإذا كنت ممن لا يقبل النقد أو النصيحة ولا يعترف بخطئه فتوقعي ألا يقبل الآخرين نصائحك، فلا يزال قبول النصح من الصفات التي يحمد بها المرء، ورحم الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أدرك إيجابية النصيحة فقال(رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي) أي نصحني وقومني ووجهني إلى الخير.
- لا تنصحي في أمر قد فات وانتهى:
إذا كانت النصيحة تتعلق بأمر قد انتهى، مثال: (رسبت صديقتك في مادة دراسية كانت تهملها وتؤجل مذاكرتها دائما) فالأسلوب الصحيح هنا هو عدم الإسراف في اللوم والتقريع، فالأمر قد انتهى ولن ينفع اللوم ولكن خذي بيدها لتبدأ من جديد في استذكار هذه المادة، وشجعيها لتعوض ما فاتها.
- لا تدققي على كل خطأ.
واحذري أن تكوني كمن يمسك بيده عدسة مكبرة يبحث بها عن ما دقّ وخفيِ من الأخطاء، ولا يريد أن تفوته شاردة ولا واردة قبل أن يعلق عليها؛ فالناس لا يحبون التعامل مع أولئك الباحثين عن الأخطاء المفتشين عن العيوب.
- وقد يغني التلميح والإشارة عن التصريح بالعبارة..!
إن استطعت أن تشيري للخطأ بالتلميح دون التصريح فافعلي، فهذا من كرم الأخلاق،
وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يلمح دون أن يصرح حفاظا على المشاعر
كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى أحد من أصحابه على خطأ يقوم على المنبر، ويقول : "ما بال أقوام يقولون كذا"رواه أبو داود، وحسنه السيوطي والألباني، وأصله في الصحيحين بألفاظ مقاربة، تلميحا لا تصريحاً.
- احرصي على أن تختمي نصيحتك بطريقة ودودة تجعل صديقتك تشكرك على اهتمامك بها، ورعايتك لمصالحها، مثل أن تثني على قبولها لكلامك بصدر رحب، أو الدعاء لها بكل خير. (حنان الطوري:الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة،ج/2،ص:137 بتصرف)
وأخيراً.. ابنتي الغالية
كوني حكيمة في إسداء النصيحة لأخواتك وصديقاتك، وضعي نصيحتك في موضعها الصحيح بالطريقة الصحيحة، فهناك من تفهم مرادك ونقدك إذا لمحت فقط من بعيد، وهناك من يجب أن تصارحيها وتواجهيها، وهناك من ستتقبل منكِ وأخرى ستجادلك.
وهكذا لكلٍ مفتاحها الذي تلجين منه إليها.. حاملة في يديك باقة زهر عاطرة اسمها (النصيحة).
ــــــــــــــــــ
المراجع:
- ملف التربية الأخلاقية للفتاة المسلمة: د.عدنان حسن باحارث/موقع باحارث على شبكة الإنترنت.
- الإخوة: جاسم بن محمد مهلل الياسين.
- الشخصية الساحرة: كريم الشاذلي.
- دور الوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة:حنان عطية الطوري.