مهلاً يا عاشق الدنيا ..!!
الحمد لله الذي لا يموت، تفرّد بالديمومة والبقاء، وتفرد بالعزة والكبرياء، وطوّق عباده بطوق الفناء، وفرقهم بما كتب عليهم من السعادة والشقاء، نحمده - سبحانه - ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: «أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت»[حديث صحيح أو حسن].
ولو أنا إذا متنا تُركنا
لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بُعثنا ونُسأل بعدها عن كل شيء
قال - تعالى -: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩].
الموت.. فالقبر.. فالحساب.. فالجزاء.. إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر..
لا دار للمرء بعد المـوت يسكنها *** إلا التي كان قبل المــوت يبنيهـا
تجني الثمار غداً في دار مكرمة *** لا مـنّ فيهــا ولا التكديـر يأتيهـــا
فيـها نعيــمٌ مقـيــمٌ دائمـاً أبـــداً ***بــلا انقطـــاع ولا مــنٍ يدانـيـــهـــا
الأذن والعين لم تسمع ولم تـره ***ولم يدر في قلوب الخلق ما فيها
يقول أحد الشعراء الحكماء المسلمين:
يقول: "في ليلةٍ ذهبت من بيت أهلي إلى بيت جيراني لأنام ليلة، فما أتاني النوم لأنه تغيّر عليّ المنام والمبيت.
فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون
الـقبـــــر أول لـيلــــةٍ *** بالله قل لي ما يكــون؟
كيف شعورك فيه؟
كيف يكون حالك؟
ماذا تقول؟ كيف أؤنسك؟
أين ابنتك؟ أين أبوك؟ أين أهلك؟ أين دارك؟
إذا كان هـذا القبر أول حفـرةٍ... ليوم المعاد والمحبين أكثرُ
فماذا تقول اليوم من بعد حسرةٍ... تلاقي بها المعبود والله أكبرُ
ثبت في الحديث الصحيح عن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان إذا وقف على القبر بكى، وكان إذا ذُكرت له الجنة والنار لم يبكِ كبكائه للقبر.
فقالوا له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي؟!
قال: أخبرني خليلي- صلى الله عليه وسلم - أن القبر أول منزل من منازل الآخرة.
إنها كلمات صادقة من نبي كريم!
القبر أول منزل من منازل الآخرة!
مرّ علي - رضي الله عنه - بالمقابر فقال:
السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وإنا بكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر الموت والمعاد وعمل للحساب.
ثم قال: يا أهل القبور، أما الأزواج فقد نُكحت، وأما الديار فقد سُكنت، وأما الأموال فقد ُقسّمت، هذا خبر من عندنا، فما خبر من عندكم؟
مالي أراكم لا تجيبون؟
ثم التفت إلى أصحابه - رضي الله عنه - فقال:
أما إنهم لو تكلموا لقالوا وجدنا أن خير الزاد التقوى.. فبكى- رضي الله عنه- وأبكى أصحابه.
زيادة المرء في دنياه خسران *** وربحه غير محض الخير خسرانُ
يا عامراً لخــراب الدار مجتهداً *** بالله هل لخــراب الدار عمــرانُ؟
زيّنا الفلل، ركبنا المراكب البهية الرضية، عندنا مناصب ووظائف.. لكن ماذا فعلنا في القبور؟
أتعرف قبر الملك من المملوك؟ أتعرف قبر الغني من الفقير؟
أتيت الـقـبـــــور فناديتهـــا *** أين المعظــم والمحتقـر؟
تفانــوا جميعاً فمــا مخبــرٌ *** وماتوا جميعاً ومات الخبر
فيا سائلي عن أناسٍ مضوا *** أمالك فيما مضى مُعتبَر؟
فيا عجباً ممن آثر الحظ الفاني الخسيس، على الحظ الباقي النفيس، وممن باع جنة عرضها السماوات والأرض بسجنٍ ضيقٍ في هذه الدنيا الفانية!
ويا عجباً ممن باع سماع خطاب الرحمن.. بسماع المعازف والغناء!
فتذكر يا غافلاً عن الآخرة وتفكر في الموت وما بعده
فكفى به قاطعاً للأمنيات، وحارماً للذات، ومفرقاً للجماعات
كيف والقدوم على عقبه لا تدري المهبط بعدها إلى النار أم إلى الجنة؟!
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
موقع طريق الدعوة