المشهد الرابع والثلاثون:
المعجزة العجيبة والبشارة الجامعة
أول ما يظهر للمشاهد في هذا المشهد لقطتان : اللقطة الأولى صورة العير وهي تخرج من مصر ،أو أنها كانت قد دخلت فلسطين، وأضحت عند مفترق الطريق من أرض كنعان، متجهة صوب محلة يعقوب عليه السلام،( ) والذي يترجح عندي أن فصال العير كان من مصر لأن يعقوب عليه السلام نبي وهذه معجزة له ويؤيد هذا:
1-قول يعقوب كماحكى الله تعالى عنه( لولا أن تفندون) فإ ن معناه :لولا أن تقولوا : شيخ خرف ( )
2- قولهم له:إنك لفي ظلالك القديم ، فإنه استبعاد أن يحصل هذا لأمرين:
الأمر الأول أنهم لم يشموا الرائحة التي شمها يعقوب عليه السلام من بعيد .
الأمر الثاني أن الزمن الذي غاب فيه يوسف عليه السلام عن الأنظار ليس زمنا قصيرا يرجى فيه رجوع الغائب .( ) فدل هذا على أن فصال العير كان من مصر وأن ما وقع ليعقوب من باب المعجزات ،ثم تتالت صور المشهد فبينما جلساؤه يتهمونه بالضلال فيما يقول؛ إذا بالبشير يلقي القميص على وجهه فيرتد بصيرا ، ويبشر بيوسف عليهما السلام . ثم يلتفت يعقوب إلى من اتهموه بالتخريف فيقول لهم ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون !؟ ) ثم يلتف أولاده حوله يسألونه ان يستغفر لهم ، فيعدهم بذلك إما لأن نفسه ماتزال لم ترض عنهم بعد ، أو لعله أراد أن يؤخر الاستغفار إلى آخر الليل لأنه مضنة الإجابة.( )
قال تعالى{ وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ(94)قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ(95)فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(96)قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ(97)قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(98)}( )
وكما هو معروف في أن يفصل بين المشهدين قنطرة يتمتع الذ هن بها، لئلا يصاب بالتبلد؛ فقد أعرضت النصوص عن تفاصيل سفر الأخوة من مصر إلى فلسطين .
وينتهي المشهد وقد سجل في أذهان المشاهدين عددا من الأفياء واللمسات التربوية منها:
أن الإيمان بالله تعالى، والاتصال به سبحانه وتعالى يجعل النفس مستأنسة به تعالى ، مطمئنة إلى عدله ورحمته . لاتيأس من رحمته يوم ييأس الناس ، ولاتنساه لحظة واحدة مهما لاقت من مصاعب في طريقها، لماذا؟ لأنها فهمت طبيعة الحياة الدنيا على حقيقتها ، وفهمت الحياة الآخرة على حقيقتها، فلم تحفل كثيرا بما يصيبها في الحياة ،مادام أنها سائرة إلى الله تعالى بخطى ثابتة،وسليمة ، ترضي ربها ، وتؤمِّن مستقبلها فى الحياة الأخرى.