فاروق الأمة وأميرها العادل عمر بن الخطاب يتفقد أحوال الرعية ويتلمس أخبارهم بعد عودته من بلاد الشام إلى المدينة المنورة
وكما جاء في [سمط النجوم العوالي لعبد الملك العاصمي المكي 2/470 ].
لما رجع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -من الشام إلى المدينة انفرد عن الناس ليتعرّف أخبار رعيته , فمرّ بعجوز لها خباء فقصدها .
فقالت: يا هذا ما فعل عمر؟
قال: قد أقبل من الشام سالما .
فقالت: لا جزاه الله عني خيرا .
قال لها :ولم ؟
قالت: لأنه ما فاتني من عطائه منذ وليّ أمر المسلمين دينار , ولا درهم .
فقال: وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع؟
فقالت: سبحان الله ما ظننت أن أحدا يلي على الناس , ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها؟
فبكى عمر فقال: واعمراه بك أتدافعه منك حتى العجائز !.ثم قال لها:
يا أمة الله بكم تبيعيني ظلامتك من عمر فإنّي أرحمه من النار .
فقالت :لا تهزأ بي يرحمك الله.
فقال عمر: لست بهزاء .
فلم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين دينارا .
فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب ,وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما -فقالا :السلام عليك يا أمير المؤمنين .
فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت :واسوأتاه شتمت أمير المؤمنين في وجهه .
فقال: لا عليك يرحمك الله
ثم طلب رقعة فلم يجده, فقطع قطعة من مرقعته وكتب فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما اشترى عمر ظلامتها منذ وليّ إلى يوم كذا بخمسة وعشرين دينارا , فما تدعيه عند وقوفه في المحشر بين يدي الله تعالى فهو منه بريء. شهد على ذلك من فلانة علي بن أبي طالب ,وعبد الله بن مسعود
قال أبو طلحة ثم دفع الكتاب إليّ وقال:
( إذا مت فاجعله في كفني ألقى به ربي عز وجل ) .
ترى هل يكفينا مالنا كلّه لنشتري به ظلامة من حولنا !!؟؟؟...
أين نحن أمام تلك الصورة النظيفة الخالية من الكره والحسد والضغينة!!؟؟...
أين نحن أمام تلك الصورة الندية الوضيئة التي عاشها أصحاب المدرسة المحمدية !!؟؟...
أين نحن من صفاء الروح , وخشية القلب, والخوف من الجليل المنتقم الجبار الذي لا تأخذه سنة ولا نوم !!؟؟؟..
لو عدنا إلى سير هؤلاء العظماء , واقتدينا بنهجهم لوصلنا إلى أرفع وأكرم القيم والفضائل الإنسانية !!؟؟؟....
لنتأمل معا ونسأل أنفسنا :
هل نحن عباد الله إخوانا متحابين في الله ولله !!؟؟...
هل سمعنا حديث النبي الأمي ومعلم البشرية محمد – صلى الله عليه وسلم - :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا - وأشار إلى صدره - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة.
أم أننا نظلم ونخذل بعضنا البعض, ونتحاسد ونتباغض , ونخوض في الحرمات وهتك الأعراض ولم نعد نكترث لظلامة من حولنا !!؟؟...
هل لنا أن نحاسب ونزن أعمالنا وننظر ما قدمت أنفسنا لغد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب طاهر نظيف سليم !!؟؟....
نداء رباني قدسي سماوي موجه إلينا يا أمة الحبيب :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحشر