الدعاء بعد المكتوبةسنة ام بدعة ادخل واحكم
الدعاء بعد المكتوبةسنة ام بدعة ادخل واحكم
--------------------------------------------------------------------------------
الشيخ محمد أبو جليل الهدار
23_3_2006
الدعاء فرادى بعد المكتوبات
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه " وقال ربكم ادعوني استجب لكم " والقائل سبحانه " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " وصلاة الله وسلامه على نبينا وشفيعنا وقدوتنا محمد بن عبد الله القائل " الدعاء هو العبادة " وجاء في الأدب المفرد للبخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:- " سئل الرسول –صلى الله عليه وسلم - :أي العبادة أفضل ؟ فقال :- دعاء المرء لنفسه " .... ثم أما بعد :-
هناك بعض الناس ينهى من يقوم بدعاء الله بعد الصلاة المكتوبة ويعتبر ذلك غير جائز شرعا دون أن يورد دليلا شرعيا يؤيد ما ذهب إليه، والنهي حكم شرعي ، لا يكون إلا بإيراد النص الدال عليه ، أما أن يقول المرء هذا لا يجوز من دون الدليل الشرعي الدال على عدم الجواز فهذا قول على الله بغير علم وهو مجازفة خطيرة من قائله ، قال الله تعالى :- " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون " . فجعل الله سبحانه القول عليه بغير علم من ضمن المحرمات بل من أخطرها لأنه جاء بعد الإشراك به سبحانه ، كما أنه قال عز من قائل :- " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم " وهذا أيضا تحذير عظيم لأولئك الذين ينهون ويأمرون أو يحللون ويحرمون أو يفتون أو يتكلمون في دين الله من دون علم شرعي مؤصل على وفق الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، فالحذر الحذر من مثل تلك المجازفات التي تحدث من بعض الأخوة الذين يتكلمون من دون علم شرعي مدعوم بالنصوص المستقاة من الكتاب والسنة أو المستنبطة منهما من قبل العلماء المجتهدين .
إن الدعاء عقب الصلوات المكتوبة مرغب فيه شرعا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الترمذي بسند حسن عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه - قال :- " قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع ؟ قال :- جوف الليل الأخير ودبر الصلاة المكتوبة " ومعنى أي الدعاء أسمع أي أقرب للإجابة ، ومعنى دبر الصلاة المكتوبة أي بعد الصلاة المكتوبة كما ذهب إلى ذلك غالب العلماء ، وهذا الحديث نص في هذه المسألة دلالته واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار على جواز الدعاء بعد الصلاة المكتوبة ، بل على الترغيب في الدعاء بعدها .
وقد أخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق قال :- " الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة " ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في الفتح وسكت عنه في أثناء شرحه لكتاب الدعوات في صحيح البخاري ( باب الدعاء بعد الصلاة ) ومما قاله رحمه الله - ابن حجر- في شرحه لهذا الباب :- أي المكتوبة ، وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع ، انتهى كلامه رحمه الله ، وتسمية البخاري رحمه الله لهذا الباب بهذا الاسم يدل على مشروعية الدعاء بعد الصلاة ، هذا وقد قال الإمام الشوكاني في ( تحفة الذاكرين ) :- " قد ورد الإرشاد إلى الأذكار في دبر الصلوات وهي مشتملة على ترغيب عظيم وفيها أن الذاكر يقوم مغفورا له ـ أي بعد الصلاةو الأذكار والدعاء ـ ، وفيها أنه تحل له الشفاعة ، وفيها أنه يكون في ذمة الله عز وجل إلى الصلاة الأخرى ، وفيها أنه لو كانت خطاياه مثل زبد البحر لمحتهن ، وغير ذلك من الترغيبات ، وكل هذا يدل على شرف الوقت وقبول الدعاء فيه " .
وقد أرشد كثيرمن العلماء إلى استحباب الدعاء بعد الصلاة المكتوبة في مصنفاتهم منهم الذين سبق ذكرهم وهم البخاري في جامعه وابن حجر في شرحه لصحيح البخاري والشوكاني في كلامه السابق وفي كتابه نيل الأوطار والإمام ابن الجزري الدمشقي في كتابه ( عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين ) ومنهم الإمام النووي في كتابه ( الأذكار) وكتابه ( المجموع ) شرح المهذب وقد قال فيه :- " فرع قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد وهو مستحب عقب كل الصلوات بلا خلاف " ، فتأملوا رحمكم الله في قوله بلا خلاف .
ومن العلماء الذين نصوا على استحباب الدعاء بعد الصلاة الأمام العلامة الفقيه الحنبلي منصور البهوتي في كتابه ( كشاف القناع على متن الإقناع ) والإمام العلامة محمد صديق خان القنوجي في كتابه ( المطالب العاليه ) والإمام ابن قدامه المقدسي الحنبلي في كتابه ( المغني ) ومنهم الشيخ عبد الله سراج الدين في كتابه ( الدعاء ) ومنهم الإمام الونشريسي في كتابه ( المعيار ) وهو من علماء المالكية ، وغيرهم كثير ، هذا فيما يخص الدعاء على العموم .
أما بالنسبة للدعاء على وجه الخصوص ، فقد وردت كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة التي ترغب في أدعية مخصوصة بعد الصلاة المكتوبة ، منها على سبيل المثال ما رواه البخاري ومسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة قال لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " . ومنها ما رواه البخاري عن سعد بن وقاص ـ رضي الله عنه - أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ من دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات " اللهم إني أعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر " ، ومنها ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم "عن معاذ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ أخذ بيده وقال يا معاذ والله أني لأحبك ثم قال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " ..
وهذه الأدعية الواردة في هذه الأحاديث تستحب عقب كل صلاة مكتوبة من الصلوات الخمس كما يستحب عقب صلاة المغرب وعقب صلاة الصبح خاصة أن يضيف المصلي لما سبق الآتي : روى أبو داود بإسناد حسن " عن مسلم بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - انه أسر أليه فقال إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل : اللهم أجرني من النار سبع مرات ، فإنك إن قلت ذلك ثم مت من ليلتك كتب لك جوار منها ، وإذا صليت الصبح فقل كذلك فإنك إن مت من يومك كتب لك جوار منها " . قال ابن القيم رحمه الله في كتابه ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) :- " لكن الأذكار الواردة بعد المكتوبة يستحب لمن أتى بها أن يصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن يفرغ منها ويدعو بما شاء " ، وقد نقل هذا الكلام عنه ابن حجر في الفتح أيضا ..
بقيت مسألتان تتعلقان بهذا الموضوع :-
المسألة الأولى :- متعلقة برفع اليدين في الدعاء ، فأقول بخصوصها :- جل العلماء الأوائل أن لم يكن كلهم يرون أن الأصل في الدعاء رفع اليدين ، وقد ورد في السنة كثير من الأحاديث ترغب في ذلك منها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في سنن أبي داود " إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها " وفي رواية للطبراني بسند رجاله ثقات " سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها " وروى بعض أصحاب السنن وأحمد بسند صحيح أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :- " إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا " - أي خاليتين - وهذا النص من أعظم المرغبات في الدعاء ورفع اليدين فيه ـ هذا في العموم ـ أما بخصوص رفع اليدين بعد الصلاة تحديدا ، فقد روى الطبراني بسند قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات " أن محمد بن أبي يحي قال رأيت عبد الله بن الزبير رأى رجلا رافعا يديه قبل أن يفرغ من الصلاة فلما فرغ من الصلاة قال له أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من الصلاة " ، وجاء في (العتبية ) أن مالكا سئل عن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة فقال :- " يرفعهما ولكن لا يبالغ " ، قال ابن رشد أجازة مالك ـ رحمه الله ـ في هذه الرواية برفع اليدين في الدعاء عند خاتمة الصلاة هو نحو قوله في ( المدونة ) ، ذكر ذلك صاحب المعيار ؛ وزيادة في إيناس القراء الأفاضل توجد كثير من الفتاوى لكثير من العلماء على كثير من المواقع الإسلامية تقر ذلك وتؤيده .
المسألة الثانية :- تتعلق بالدعاء جماعة بعد الصلوات ، وهي مسالة تنازع الفقهاء فيها قديما وحديثا منهم من أجازها ومنهم من منعها ، ومن الذين قالوا بمنعها الإمام ابن تيميه رحمه الله ، إلا أنه في الاختيارات الفقهية أجازها إذا كانت لعارض كاستسقاء واستنصار وتعليم ، وقد سبقه الإمام الشافعي للتعليم كما في كتابه ( الأم ) وقد ذهب إلى ذلك أيضا ابن الحاج من علماء المالكية كما في كتابه ( المدخل ) ، وقال بالجواز المطلق علامة الحنابلة الإمام منصور البهوتي كما في كتابه ( كشاف القناع ) ووردت فتاوى لبعض علماء المالكية كذلك ذكرها الإمام الونشريسي في كتابه ( المعيار ) ، والمسالة الخلاف فيها قائم بين مانع ومؤيد كما أسلفت ، فلا ينبغي التضييق على الناس في أمر مختلف فيه بين علماء أهل السنة والجماعة ، وهو لا يصادم إجماعا ولا نصا قطعيا ثبوتا ودلالة على المنع ، بل أدلة العموم تؤيد القول بالجواز ، وخصوصا إذا كان هناك عوارض كما ذكر بعض العلماء كما أسلفت وما أكثرها في زماننا ، والله تعالى أعلم وأحكم .
وعليه أقول بعد سرد هذه النصوص قد أضاء الصبح لذي عينين ، وتبين لنا أن الدعاء عقب الصلوات المكتوبة مرغب فيه شرعا على وجه الخصوص وعلى وجه العموم ، ويجوز ويستحب رفع اليدين فيه ، فينبغي الحرص على ذلك لما فيه من الخير والنفع ، ومتابعة السنة المطهرة ..
وأخيرا .. فليتق الله الذين يفتون بغير علم لأنهم بذلك يفترون على الله وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكذب وكفى به إثما مبينا ،، والحمد لله أولا آخرا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
ملاحظة مهمة:
خلاصة ما أردت أن اثبته من خلال هذا المقال أن المسائل التى ذكرت وخصوصا الدعاء الجماعى محل خلاف بين علماء اهل السنة والجماعة قديما وحديثا، وعليه فلتتسع الصدور لذلك.