<div align="center"> بسم الله الرحمن الرحيم
الأحبة يتدارسون كتاب الله ( حزب المفصل )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ..
أما بعد فلنبدأ أيها الإخوة بما اتفقنا عليه من تدارس كتاب الله العظيم ..
اللهم إننا نسألك التوفيق والإعانة ..
تقديم :
الأصل نص تفسير ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ) للشيخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي ( ولد في 12/1/1307هـ وتوفي رحمه الله عام 1376هـ ) .
وهو من العلماء المحققين ، فقد بلغ مرحلة من العلم جعلته يخرجون عن التقليد المذهبي بالدليل ، فكانت له اختيارت علمية متميزة .
وقد أكمل الشيخ رحمه الله تأليف هذا التفسير عام 1344هـ .
تنبيه :
أضفت نوعين من الإضافات ، ولكي يمكن تمييز الإضافات عن كلام ابن سعدي ، فقد قدمت للإضافة التي تكون خارج نص التفسير ، بجملة : ( قال مقيده عفى الله عنه ) ؛ وأما الإضافة التي تكون ضمن نص التفسير فإنني أميزها بوضعها بين معكوفتين هكذا [ ... ] لأكتب داخلها ما يوضح جملة المؤلف وأوضح باللون الأزرق .
قال مقيده عفى الله عنه :
سورة ( ق ) أول حزب المفصل ، وسمي حزب المفصل لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحزبون القرآن ( يقسمون قراءته لختمه ) سبعة أحزاب : الأول : ثلاث سور ( البقرة - النساء ) ؛ والثاني : خمس سور ( المائدة – براءة ) ؛ والثالث : سبع سور ( يونس – النحل ) ؛ والرابع : تسع سور ( الإسراء – الفرقان ) ؛ والخامس : إحدى عشرة سورة ( الشعراء – يس ) ؛ والسادس : ثلاث عشرة سورة ( الصافات – الحجرات ) ؛ والسابع : المفصل ، وهو خمس وستون سورة ، من سورة ق إلى أخر القرآن .
تفسير سورة ق
الحلقة الأولى / الآيات ( 1-5 )
بداية تفسير المفصل بدءا من سورة ق من تفسير بان سعدي رحمه :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font> ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ <font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font>.
يقسم تعالى بالقرآن المجيد أي: وسيع المعاني عظيمها ، كثير الوجوه كثير البركات ، جزيل المبرات .
والمجد : سَعةُ الأوصاف وعظمتها ، وأحق كلام يوصف بذلك ، هذا القرآن ، الذي قد احتوى على علوم الأولين والآخرين ، الذي حوى من الفصاحة أكملها ، ومن الألفاظ أجزلها ، ومن المعاني أعمها وأحسنها .
وهذا موجب لكمال اتٍّباعه ، وسرعة الانقياد له ، وشكر الله على المنة به . [ وجواب القسم محذوف تقديره : ما ردوا أمرك بحجة وما كذبوك ببرهان ، أو هو مضمون الكلام بعد القسم ، وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه ] .
ولكن أكثر الناس ، لا يقدر نعم الله قدرها ، ولهذا قال تعالى: { بَلْ عَجِبُوا } أي: المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ، { أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ منهم } أي: ينذرهم ما يضرهم ، ويأمرهم بما ينفعهم ، وهو من جنسهم ، يمكنهم التلقي عنه ، ومعرفة أحواله وصدقه .
فتعجبوا من أمر ، لا ينبغي لهم التعجب منه ، بل يتعجب من عقل من تعجب منه .
{ فَقَالَ الْكَافِرُونَ } الذي حملهم كفرهم وتكذيبهم ، لا نقص بذكائهم وآرائهم [ فذكر الوصف الذي حملهم على قولهم الباطل وهو بالكفر التكذيب ] .
{ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } أي: مستغرب [ فتعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر ، وهذا مثل قوله عز وجل { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس } ، أي : وليس هذا بعجيب فإن الله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ، وتعجبوا من الأمر الذي يتضمنه الإنذار وهو الحشر ] ، وهم في هذا الاستغراب بين أمرين :
إما صادقون في استغرابهم و تعجبهم ، فهذا يدل على غاية جهلهم ، وضعف عقولهم ، بمنزلة المجنون ، الذي يستغرب كلام العاقل ، وبمنزلة الجبان الذي يتعجب من لقاء الفارس للفرسان ، وبمنزلة البخيل ، الذي يستغرب سخاء أهل السخاء ، فأي ضرر يلحق مٍن تعجب مَن هذه حاله ؟ وهل تعجبه ، إلا دليل على زيادة جهله وظلمه ؟
وإما أن يكونوا متعجبين ، على وجه يعلمون خطأهم فيه ، فهذا من أعظم الظلم وأشنعه .
ثم ذكر وجه تعجبهم فقال [ عز وجل حكاية عنهم ] : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ المراد بالرجع : البعث بعد الموت ، ومعنى بعيد أي بعيد الوقوع عندهم ، لاعتقادهم استحالة رجوع الأجساد بعد الموت والبلى ] فقاسوا قدرة من هو على كل شيء قدير، الكامل من كل وجه ، بقدرة العبد الفقير العاجز من جميع الوجوه ، وقاسوا الجاهل ، الذي لا علم له ، بمن هو بكل شيء عليم .
{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ } أي : من أجسادهم مدة مقامهم في برزخهم ، وقد أُحصي في كتابه { وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } أي : محفوظ عن التغيير والتبديل ، [ حفيظ ] بكل ما يجري عليهم في حياتهم ، أو مماتهم [ فهذا رد على الكفار ، والمعنى : فلا يصعب علينا بعثهم ] ، وهذا الاستدلال بكمال سعة علمه ، التي لا يحيط بها إلا هو - على قدرته على إحياء الموتى .
{ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ }
أي: { بَلْ } كلامهم الذي صدر منهم ، إنما هو عناد وتكذيب ، فقد { كَذَّبُوا بِالْحَقِّ } الذي هو أعلى أنواع الصدق { لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ } أي: مختلط مشتبه ، لا يثبتون على شيء ، ولا يستقر لهم قرار ، فتارة يقولون عنك : إنك ساحر ، وتارة مجنون ، وتارة شاعر ، وكذلك جعلوا القرآن عضين ، كل قال فيه ، ما اقتضاه رأيه الفاسد ؛ وهكذا كل من كذب بالحق ، فإنه في أمر مختلط ، لا يدرى له وجهة ولا قرار ، فترى أموره متناقضة مؤتفكة .
كما أن من اتبع الحق وصدق به ، قد استقام أمره ، واعتدل سبيله ، وصدق فعله قيله .</div>