معروف أن أنواع الإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، أماَ قال رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – عن القرآن : " .. لا يخلَقُ على الردّ، ولا تنقضي عجائبه "؟ (1) (ولا يخلق – بفتح اللام-: لا يبلى، والردّ: التكرار)، فمن أنواع الإعجاز فيه: الإعجاز اللغوي، والإعجاز العلمي (الفلكي والطبي وطبقات الأرض) والإعجاز الغيبي (العقيدي والتاريخي) والإعجاز التشريعي، والإعجاز التربوي والإعجاز الحكمي، والإعجاز في النظر الاجتماعي، والإعجاز في النظر النفسي، إلى غيرها من أنواع الإعجاز.
وفي هذه المرة سنقف على تصنيف القرآن إلى حالات النفس الثلاث، وهي حالة أمْرِها بالسوء عند الأشرار، أو عند غير الأشرار، ولكن قليلاً. وحالة اللوم، وغالباً ما تكون عند الناس الـهُوج أصحاب القلوب الطيبة الذين يكثرون من الأخطاء، وإن كانت صغيرة، وهؤلاء يلومون أنفسهم عَقِبَ كل خطأ. وحالة الاطمئنان، وهي حالة نفس أولئك الذي يكثرون من الأعمال الصالحة، ولا يرتكبون الكبائر، ويتوكلون على الله تعالى، ويقبلون بحكمه.
وهؤلاء الفريق الأخير هم المؤمنون الذين قال عنهم رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيراً له" (2) ولذلك فهو مطمئن النفس، راضٍ بقضاء الله تعالى وقدره.
* * *
وبعد الوقوف على الآيات التي تقرر حالات النفس الثلاث – نأتي بثلاث آيات أخرى تدل على التفوق في التعبير عن حركات النفس وخلجاتها، حَسَبَ المواقف والظروف، نناقشها من حيث دلالتها النفسية.
وهذه الآيات الثلاث هي:
الآية الأولى: " وما أبرئ نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء " (يوسف – 53)، والثانية: " لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة" (القيامة 1، 2) والثالثة هي: " يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعي إلى ربك راضية مرضية " (الفجر – 27، 28).
هذه ثلاث حالات للنفس، في كل آية حالة، فالنفس أمّارة بالسوء أحياناً وعند بعض الناس، وهي لوّامة عند الناس المتطهرين، وهي نفس مطمئنة عند المؤمنين، ولا شك أن الأشرار تأمرهم بالشر بنسبة – 90% تقريباً، وتأمر بالشر قليلاً بنسبة – 30% تقريباً عند عامة الناس، ولا تأمر بالشر أكثر من – 10% تقريباً عند الناس المتطهرين المؤمنين.
لأن الأصل في طبيعة الإنسان – كما قال الفيلسوف اليوناني " أبيقور" في اليونان القديمة - أنه يبحث عن (اللذة) وإن كانت محرمة، وإن كانت شراًّ للآخرين - ويفرّ من "الألم" وإن كان واجباً، وفيه منفعة للآخرين، ولكن الناس يتفاوتون في إقبالهم على اللذة المحرمة، ويتفاوتون في فرارهم من الألم وإن كان واجباً، حسب النسبة الآنفة الذكر.
ولهذا .. نزلت الأديان لتبيّن للناس أنواع اللذة المباحة ليكونوا أحراراً في التنعم بها، ولتبيّن لهم اللذة المحرمة ليجتنبوها. وتبين لهم ما هو مؤلم ولكنه واجب ليحملوا أنفسهم على الأخذ به، لأن الأديان من أهدافها الرئيسية بناء إرادة الإنسان، والصبر على الفعل الذي يسبب الألم هو دليل على أن الشخص ذو إرادة قوية. ثم .. تترك لهم حرية اجتناب المؤلم الذي واجبَ فيه، ولا خير فيه.
ولهذا أيضاً اضطرت المجتمعات التي تبقي الأديان مقصورة على مجال الروح، وليس لها علاقة بالحياة اليومية – اضطرت إلى أن تنظم حياتها على أساس " عقد اجتماعي" يترجم إلى سياسة وإدارة واقتصاد .. حتى لا تكون الحياة كالغابة؛ تأكل الحيوانات القوية فيها الحيوانات الضعيفة، وحتى يكون أمن واستقرار، وحياة مقبولة لعيش الإنسان.
هذا كله يعني أن القرآن عبّر عن حالات النفس المختلفة التي لا مزيد عليها. فإذا عرفنا أنه نزل على أمة أُمّية أدركنا أن له سبقاً في بيئته في هذا المجال.
ب- أما التفوق في التعبير عن حركات النفس فيتمثل في قوله تعالى : " ولقد جاءت رسلنا إبراهيمَ بالبشرى، قالوا سلاماً، قال: سلام، فما لبث أن جاء بعجل حنيذ. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نَكِرَهم، وأوجس منهم خيفة، قالوا: لا تخف، إنا أرسلنا إلى قوم لوط ... فلما ذهب عن إبراهيم الروعُ وجاءته البشرى، يجادلنا في قوم لوط" ( هود – 69، 70، 74).
لاحظ أن الرسل قالوا سلاماً، أي: قالوا أي عبارة فيها معنى السلام أي : كأنه قال: "قالوا سلاماً" ما .. ولذلك لم نضع نقطتين بعد (قالوا).
أما إبراهيم فقال: سلام، أي : خصّهم بتحية الإسلام المعهودة وهي (سلام). وقد يُسأل: لماذا لم يكمل السلام بأن يقول : عليكم سلام، أو سلام عليكم؟ الجواب – أن الاكتفاء بكلمة (سلام) يدل على حالة إبراهيم النفسية؛ فهؤلاء الضيوف قوم غرباء، ولذلك فأول ما يتبادر إلى ذهن إبراهيم الشّك فيهم. ولهذا كان احتشاده النفسي وتوتره العصبي - في مثل حالة الشك هذه – لا يجعلانه يسيل بالألفاظ، وإنما يقتصر على الحد الأدنى من السلام، ليظل متنبهاً حذراً مما عساهم يأتون به من شرّ. إنه يريد – بوعي وبغير وعي – أن يدّخر قوته للفعل إذا لزم الفعل.
ثم .. لاحظ أن إبراهيم أوجس خيفة من هؤلاء الضيوف / الملائكة الذين ظهروا بصورة البشر – فلما طمأنوه، إذ قالوا له : " لا تخف ، إنا أرسلنا إلى قوم لوط" وعرف أنهم ملائكة .. ذهب عنه الروع أي: الفزع أو الخوف الشديد. عندئذ .. أخذ يجادلهم في قوم لوط. هذا يعني أنه ما كان يمكن – نفسياً – أن يجادلهم في قوم لوط، قبل أن يذهب عنه الروع. فالشيء الطبيعي الذي يقرّه العقل هو أن يدّخر قوته النفسية لكي يجادلهم في شأنه هو لا في شأن قوم لوط، لأن الإنسان في الأصل يدافع عن نفسه قبل أن يدافع عن غيره. أما ترى في أسطورة "الإلياذة" أن البحّارة الذين عضّهم الجوع بنابه أوقدوا النار وصنعوا لهم طعاماً وأكلوا حتى شبعوا، وبعد ذلك .. بكواْ على زميلهم الذي التهمته حيتان البحر (3) ؟
أفترى أن هناك تعبيراً عن طبيعة النفس البشرية أدقّ من هذا التعبير في مثل هذه الحالة؟
ثم .. لاحظ أن التعبير لم يكن: (أخذ يجادلنا في قوم لوط) وإنما استغنى عن (أخذ) وبدأ بكلمة (يجادلنا)، لأن التعبير المقترح يعني أنه تمهّل – بعد أن ذهب عنه الروع – قبل أن يبدأ بالجدال، أما تعبير القرآن فهو يدل على أنه – بعد أن ذهب عنه الروع _ هجم هجوماً على مجادلتهم، وما كان ممكناً – حسب حالته النفسية – أن يفعل غير ذلك، أي: أن يتمهّل، لأن لوطاً هو ابن أخي إبراهيم، ولذلك كان ملهوفاً أن يقدم رأيه لهم في قوم لوط (لأنه، أي: إبراهيم كان يخشى أن يصيب ابن أخيه ما يصيب قوم لوط). فإذا عرفت أن إبراهيم عرف أنهم ملائكة (إذ أخبروه بذلك)، والملائكة قد يختفون خلال لحظة واحدة، فلا بد من أن يهجم على مجادلتهم هجوماً، حتى يعرف رأيهم قبل أن يختفوا ولو كانوا بشراً، فقد يماشيهم إذا غادروا بضع كيلوات مِترية، قبل أن يتركهم، وفي أثناء ذلك يحدثهم أو يجادلهم في قوم لوط، وعند ذلك فلا حاجة إلى الهجوم على جدالهم هجوماً، ولكن الحالة هي على وصفنا آنفاً.
ثم .. لاحظ أن القرآن لم يقل – وقوله الحق –: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع يجادلنا في قوم لوط) بل جاءت عبارة متوسطة بينهما هي: (وجاءته البشرى) (4)، لأن العبارة لو كانت على الوجه الأول لضعف قول القرآن: (يجادلنا في قوم لوط) من ناحية نفسية. لماذا؟ الجواب أن الذي (يذهب عنه الروع) فحسب .. لا بد من أن يقضيَ وقتاً .. خمس دقائق بل أو خمس ساعات " يلملم" تشتّت نفسه قبل أن يتجاوز شأن نفسه، وينتقل إلى المجادلة في شأن ابن أخيه.
لكن عبارة (وجاءته البشرى) جعلته ينتقل (بثقة) من حالة التشتت النفسي إلى حالة الاجتماع النفسي، بحيث أصبح طبيعياًّ في مثل هذه الحالة التي اجتمعت فيها نفسه أن يتجاوز التشتت ، وأن ينتقل إلى المجادلة في شأن ابن أخيه – لوط.
فإذا عرفت أن القرآن لم يقل: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع .. جاءته البشرى) أي: دون إدخال " واو" العطف، بل جاء بواو العطف – أدركت أن الأمر جاء على أحكم تعبير عن حالة إبراهيم النفسية؛ لأن التعبير – دون واو – يعني أن البشرى جاءت إبراهيم بعد أن ذهب عنه "الروع" وقبل أن يلملم تشتّت نفسه، ولكن – الواو – تعني أنه مضى وقت – ما – بين ذهاب الروع عن إبراهيم، وبين مجيء البشرى له. هذا الوقت كان " كافياً " ليلملم شعث نفسه، إذن – عندما جاءته البشرى كان في حالة نفسية طبيعية، مكّنته من أن ينتقل – بعد مجيء البشرى مباشرة – للمجادلة في شأن قوم ابن أخيه لوط.
ثانيا الاعجاز اللغوى ( بالصوت )
إعجاز القرآن
1- ما هو الإعجاز وإنبهار العرب
http://www.your-show.com/t/C1.MP3
2- الإعجاز البياني في القرآن
http://www.your-show.com/t/C2.MP3
3- الإعجاز البلاغي في القرآن
http://www.your-show.com/t/C3.MP3
4- الإعجاز التصويري في القرآن
http://www.your-show.com/t/C4.MP3
ثالثا : قصاصات من الاعجاز القرأنى
المصباح في زجاجة
قام العالم اديسون مخترع المصباح الكهربائي، بأكثر من آلف تجربة قبل أن ينجح في اكتشافه، الذي لم يتكلل بالنجاح إلا بعد أن هداه الله إلى وضح زجاجة حول المصباح، لتغطي السلك المتوهج، وتزيد من شدة الإضاءة، ويصبح المصباح قابلاً للإستخدام من قبل الناس، ولو كان هذا العالم يعلم ما في القرآن الكريم من آيات معجزات، لعلم أن مصباحه بحاجة إلى أن يغطى بزجاجة، كي ينجح ويضئ لمدة طويلة كما يجب، وذلك مصداقاً لقوله تعالى "الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري" صدق الله العظيم.
العرجون القديم
بذلت وكالة الفضاء الأمريكية كثيرا من الجهد، وأنفقت كثيراً من المال، لمعرفة إن كان هنالك أي نوع من الحياة على سطح القمر، لتقرر بعد سنوات من البحث المضني والرحلات الفضائية، أنه لا يوجد أي نوع من الحياة على سطح القمر، ولا ماء، ولو درس هؤلاء العلماء الأمريكان كتاب الله، قبل ذلك، لكان قد وفر عليهم ما بذلوه، لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه العزيز "والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم" والعرجون القديم هو جذع الشجرة اليابس، الخالي من الماء والحياة.
في ظلمات ثلاث
قام فريق الأبحاث الذي كان يجري تجاربه على إنتاج ما يسمى بأطفال الأنابيب، بعدة تجارب فاشلة في البداية، واستمر فشلهم لفترة طويلة، قبل أن يهتدي أحدثهم ويطلب منهم إجراء التجارب في جو مظلم ظلمة تامة، فقد كانت نتائج التجارب السابقة تنتج أطفالاً مشوهين، ولما اخذوا برأيه واجروا تجاربهم في جو مظلم تماماً، تكللت تجاربهم بالنجاح.
ولو كانوا يعلمون شيئا من القرآن الكريم لاهتدوا إلى قوله تعلى، ووفروا على أنفسهم التجارب الكثيرة الفاشلة، لأن الله تعالى يقول "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون" والظلمات الثلاث التي تحدث عنها القرآن هي:
1- ظلمة الأغشية التي تحيط بالجنين وهي (غشاء الأمنيون، والغشاء المشيمي، والغشاء الساقط).
2- ظلمة الرحم الذي تستقر به تلك الأغشية.
3- ظلمة البطن الذي تستقر فيه الرحم.
رابعا الاعجاز البيانى فى القران الكريم
من روائع الكناية في القرآن الكريم
قال تعالى : " فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة " سورة البقرة .
هذه الآية كناية عن عدم العناد عند ظهور المعجزة . أي لا تعاندوا عند ظهور المعجزة فتمسكم هذه النار العظيمة تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من جمال التعبير ، و روعة التصوير ، و لطافة الإيجاز . إنها عبرت عن العناد عند ظهور المعجزة بالنار العظيمة ، و هذا التعبير فيه ما فيه من شدة التنفيذ و قوة التأثير ، ثم أن هذا التعبير قد أبرز لك هذا المعنى الفكري المجرد في صورة محسوسة ملموسة و لم يقف عند هذا الحد من التجسيم والتشخيص بل تعداه إلى التصيير و التحويل . فحوله على نار ملتهبة متأججة متوهجة بل تعداه إلى أعجب من هذا التصوير ، و لا أروع و ألذ من هذا التعبير ؟ إنه الإعجاز يلبس ثوب الكناية فتنحني له هامات البلغاء ، و يثير في النفس أسمى آيات الإعجاب .
قال تعالى : " نساؤكم حرث لكم " لقد كنى القرآن الكريم في هذه الآية بكلمة " الحرث " عن المعاشرة الزوجية .
إن هذه الكناية الفردية مما انفرد به القرآن الكريم فهي لطيفة دقيقة راسمة مصورة ، مؤدية مهذبة ، فيها من روعة التعبير و جمال التصوير ، و ألوان الأدب و التهذيب ما لا يستقل به بيان ، و لا يدركه إلا من تذوق حلاوة القرآن . إنها عبرت عن العاشرة الزوجية التي من شأنها أن تتم في السر و الخفاء بالحرث و هذا نوع من الأدب رفيع وثيق الصلة بالمعاشرة الزوجية ، و تنطوي تحته معاني كثيرة تحتاج في التعبير عنها إلى الآف الكلمات انظر إلى ذلك التشابه بين صلة الزراع بحرثه وصلة الزوجة في هذا المجال الخاص ، و يبن ذلك النبت الذي يخرجه الحرث ، و ذلك النبت الذي تخرجه الزوج ، و ما في كليهما من تكثير و عمران و فلاح كل هذه الصور و المعاني تنطوي تحت كلمة " الحرث " أليست هذه الكلمة معجزة بنظمها و تصورها ؟
هل في مفردات اللغة العربية ـ على كثرتها ـ ما يقوم مقامها و يؤدي ما أدته و يصور ما صورته . إن المعنى لا يتحقق إلا بها . و عن التصوير لا يوجد بسواها .
قال تعالى : " و لكن لا تواعدوهن سراً " سورة البقرة 235.
في هذه الآية كنى القرآن الكريم عن الجماع بالسر . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من اللطائف و الأنوار و الأسرار . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من اللطائف و الأنوار و الأسرار . إن في الكناية بالسر عن الجماع من ألوان الأدب و التهذيب ما يعجز عن وصفه أساطين البيان ، و فيها من جمال التعبير ما يسترق الأسماع و يهز العواطف و يحرك الأحاسيس و المشاعر . لقد ألبست الجماع الذي يتم في السر ثوب السر فذهبت بسر الفصاحة و البيان . أبعد هذا يقال أن الكناية في القرآن يستطيع أن يحاكيها بنو الإنسان ؟ أبداً و الله إن بني الإنسان من المعجز بحيث لا يمكنهم فهم ما تنطوي عليه الكناية في القرآن من الأسرار .
قالى تعالى : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم " سورة آل عمران .
كنى القرآن الكريم في هذه الآية بنفي التوبة عن الموت على الكفر . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من الجمال و الروعة . ألا تحس أن التعبير الذي كنى به القرآن أجمل من أي تعبير آخر ؟ ألا تحس أن في هذا التعبير إيجاز لطيف ؟ إن التعبير بجماله و إيجازه و بديع نظمه فوق مقدور البشر .
قال تعالى : " فجعلهم كعصف مأكول" سورة الفيل . كنى القرآن الكريم " بالعصف المأكول " عن مصيرهم إلى العذر فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك .
تأمل هذه الكناية إن فيها من ألوان الأدب و الجمال ما لا يستقل به بيان ، و فيها من الإعجاز اللطيف ما يعجز عن وصفه مهرة صناع الكلام . أما الأدب و الجمال ففي التعبير عن العذرة بالعصف المأكول و هذا التعبير مما أنفرد به القرآن فلا يوجد في غيره ، و أما الإيجاز اللطيف ففي اختصار مقدمات لا أهمية لها بالتنبيه على النتيجة الحاسمة التي يتقرر فيها المصير . و فيها زيادة على ذلك التلازم الوثيق بين اللفظ و المعنى الكنائي الذي لا يتخلف أبدا فإن العصف المأكول لابد من صيرورته إلى العذرة .
فالمعنى لا يؤدي إلا بهذا اللفظ لا يصلح لهذا المعنى حتى لتكاد تصعب التفرقة بينهما فلا يدري أيهما التابع ؟ و أيهما المتبوع ؟ و من هنا يأتي الإعجاز .
قال تعالى : " و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ، و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا " سورة الإسراء . كنى القرآن الكريم في هذه الآية بغل اليد إلى العنق عن البخل ، و ببسطها كل البسط عن الإسراف . تأمل الكنايتين تجد فيهما من روائع البيان ما لا يحيط به فكر إنسان فيهما جمال في التعبير ، و روعة في التصوير ، و إيجاز و تأثير ، و تنفير .
حدثني بربك ألا ترى أن التعبير عن البخل باليد المغلولة إلى العنق فيه تصوير محسوس لهذه الخلة المذمومة في صورة بغيضة منفرة ؟ فهذه اليد التي غلت إلى العنق لا تستطيع أن تمتد ، و هو بذلك يرسم صورة البخيل الذي لا تستطيع يده أن تمتد بإنفاق و لا عطية . و التعبير ببسطها كل البسط يصور هذا المبذر لا يبقى من ماله على شيء كهذا الذي يبسط يده فلا يبقى بها شيء . و هكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى الذي يبسط يده فلا يبقى بها شيء . و هكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى قوياً مؤثراً ثم تأمل التلازم الوثيق الذي لا يتخلف أبداً بين التعبير و المعنى الكنائي . إن هذا التلائم يدلك على أن المعنى الكنائي لا يمكن تأديته و تصويره إلا بهذا التعبير ، و أن هذا التعبير لا يصلح إلا لهذا المعنى . هل في مقدور البشر أن يحاكوا هذا الأسلوب ؟
المصدر :
دراسات حول الإعجاز البياني في القرآن الدكتور المحمدي عبد العزيز الحناوي
إعجاز القرآن البياني الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ
خامسا : شرح بسيط لمعجزه من عجائب القران
بسم الله الرحمن الرحيم
" وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ...."
كيف نزل الحديد؟
في سورة الحديد حيث يقول الله سبحانه وتعالي : " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ".فيقول لم يكن أحد يتخيل قبل 15 سنة أن الحديد أنزل إنزالا الى الأرض ويشرح فيقول لقد أثبت العلماء أن للأرض كرة "ضخمة" في قلبها من الحديد يليها لب سائل أغلبه حديد وتتناقص نسبة الحديد فى الارض من المركزالى السطح من حوالى 99% الى 5,6%، وان أكثر من 35% . كتلة الأرض البالغة ستة ألاف مليون مليون مليون طن حديد.
· ونسأل كيف نزل الحديد؟ وكيف اخترق القشرة الأرضية؟
· وكيف كون لبا صلبا في الداخل؟
فقال جميع المفسرين قديما إن " أنزلنا " معناها خلقنا أو قدرنا وركزواعلي البأس الشديد للحديد ومنافعه للناس ويجىء العلماء ليثبتوا بالعلم أن ذرة الحديد هى أكثر الذرات تماسكا علىالاطلاق وأن هذا التماسك الشديد للذرة هو الذى يعطىالحديد صفاته الطبيعية والكيميائية المتميزة التى وصفها الحق تبارك وتعالى بالبأس الشديد ولولا الحديد فى لب الأرض ما كان للأرض مجال مغثاطيسى ولا جاذبية ولو فقدت الأرض جاذبيتها ما استطاعت أن تمسك بغلافها المائى والحياتى والغازى وما كانت صالحة للعمران ، والحديد يشكل أغلب المادة الحمراء فى دماء الإنسان ، وأغلب الحيوانات ويشكل أغلب المادة الخضراء فى أجسام النباتات فلولاه ما كان على اللأرض حياة وهو يشكل العمود الفقري لكثيرمن الصناعات الثقيلة ويمتزج بكثير من العناصر ليعطي سبائك لا أول لها ولا اخر،فمنافعه لاتعد ولاتحصى ويأتى العلم بعد البدء فى رحلات ليثبت أن النيازك تضم فى كتلتها حديدا صافيا لا يتوفر على الأرض بل فيها وفى لب الأرض فقط وليس على سطحها، وهى كتل صخرية تندفع في اتجاه الأرض من خارجها فى سرعة كونية مذهلة لو ارتطمت بمركبة فضائية لدمرتها وقد نزل (نيزك) ،فى السودان منذ سنوات قليلة كتلته 90 طنا من الحديد الصافى . والحديد نشط كميائيا فيوجد فى الصخور على هيئة أملاح مثل ( الاكاسيد والكبرتيات والكربونات) ، وكان العرب يعرفون ذلك وبدراسة التركيب الكيميائى للجزء المدرك من الارض لاحظ العلماء أن الغالبية الساحقة من هذا الكون يتركب من غاز النيتروجين وهو اخف العناصرواقلها بناء وهو ،يكون أكثرمن 74 % من مادة الكون المنظوره ويلية غاز الهليوم ويكون 24% ولفتت هذه الحقانق نظرالعلماء إلى حقيقه .كونية مبهرة وهى ان الكون يتكؤن من 68% منه من أخف العناصر وأن 2% تتشكل من عناصر أخرى تقدر ب 105 عناصر واكدوا أن حل كل العناصر هو النيتروجين ، فنظروا فى الشمس فوجدوا أن الهيدروجين هو وقوع الشمس ويكون غالبية جسمها ثم الهليوم ولاحظوا أن اندماج ذرات إلهيدروجين مع بعضها البعض بعملية الاندماج النووى هى وقود النجوم ولكنها لا تتجاوز فى جسم الشمس صناعة عنصو أثقل من الألمونيوم فاكدوا أن الأرض وباقى كواكب وأجرام المجموعة الشمسية إنفصلت أصلا من الشمس واذا كان الحديد لا يتخلق في الشمس فمن أين جاء الحديد على الأرض بهذه الكمية الهائلة فنظروا الى خارج المجموعة الشمسية فوجدوا نجوما أشد حرارة من الشمس بملايين المرات فدرجة حرارة لب الشمس تبلغ ما بين 15 الى 20 مليون درجة مئوية ولكن النجوم الأشد حرارة التى سميت بالمستعرة فتبلغ حرارتها مئات الملايين من الدرجات المئوية.
لاحظوا انها المراكز الوحيدة فى كوننا المنظور التى يتخلق بداخلها الحديد فاذا تحول اللب المستر إلى حديد بالكامل انفجر وتناثرت اشلاؤه فى صفحة الكون فيدخل فى نطاق جاذبية الاجرام كما تصلنا النيازك الحديدية اليوم.
للدكتور / زغلول النجار