إيران وبعث كليلة ودمنة - 1
كليلة ودمنة كتاب قصصي مشهور قيل أن مؤلفه فيلسوف هندي وتمت ترجمته للغة الفارسية منذ أمد بعيد, وهو كتاب قصد منه تعليم الحكمة فأحداث قصصه الرمزية تهدف إلى أخذ العبر والدروس من حياة الغاب واكتساب الحكمة منها لتفادي مكر الثعلب وتسلط الأسد وخبث الثعبان ومكرها ودهائها بأسلوب يرمز في عمقه لحياة البشر.
واعتبر كتاب " كليلة " من مخرجات الحكمة الهندية ثم الفارسية لكن الحكمة هنا بمعناها الذي يفضي إلى ما يحقق المقصود بغض النظر عن السلوك والقيم, أو ما يندرج تحتها أحياناً من أساليب الخداع والمكر.
فالكتاب في قصصه رمزية واضحة لاستلهام الحكمة وأيضاً لفهم وسائل الخداع والمكر والنفاق,وتوظيفها في تثبيت الحكم وتوسيع رقعته.
والمتابع لحال إيران اليوم بعد الثورة وحال جيرانها يدرك فصولا تشبيهية رمزية لكتاب كليلة ودمنة في مسارها السياسي الخارجي, فإيران في الخليج والمنطقة عموماً هي الأسد والثعلب والحية وغيرها من الحيوانات التي صورها كتاب كليلة.
فإذا بحثت عنها في فلسطين وجدتها تلعب دوراً ظاهره مع السنة، وإذا بحثت عنها في العراق وجدتها دوراً آخر ضد السنة، وإذا بحثت عنها في أفغانستان وجدتها تلعب دوراً ثالثا لتسهيل مهمة أمريكا ضد السنة.
وفي كل قضية أو نزاع أو صراع تجد لها وجها مختلفاً.
وبالإضافة إلى هذه الأبعاد هناك بعد يتعلق بالخليج نفسه فالطابع العام لموقف دول المنطقة وتحديدا الخليج من صراع الفرس " إيران " والروم " الغرب " هو الحياد وكذلك الموقف من التصريحات الإيرانية العنترية هو التهدئة.
وبعض الاستراتيجيين يرون أن هذا الموقف هو ما رفع من وتيرة الاستقواء الإيراني على مستوى خطابه وتحركاته ومشاريعه, فحينما تبدي ضعفك للآخر يستقوي وإن كان ضعيفاً, وإيران مهما امتلكت من تكنولوجيا عسكرية تبقى محكومة في المنطقة بقواعد أمن المنطقة ذاتها وعلى رأس ذلك أنها منطقة مصالح حيوية للدول الكبرى فهي أكبر مصدر للطاقة في العالم.
وكل تحرك إيران في اتجاه زعزعة الاستقرار أو فرض هيمنة عسكرية سيجابه بتدخل عسكري غربي حاسم، تماما كما حدث في حرب الخليج الثانية ما لم تفاجأ المنطقة بتحالف إيراني غربي في ظل القلق اتجاه الشكوك حيال ذلك.
دعونا من هذا.. فالحديث مبكر جداً عن تمدد عسكري إيراني في المنطقة، ولنتحدث عن إيران التي تدرك ذلك أيضا، فما هو البديل الذي تسعى إليه لتحقيق أهدافها التوسعية لكن دون مواجهة تذكر على المدى القريب وربما المتوسط.
إنه المشروع الإيراني القديم الذي بعث من جديد " مشروع تصدير الثورة " والذي يتخذ من صراع الولاءات والتحالفات والأقليات أدوات رئيسة لتمريره.
وهذا المشروع يشكل ركيزة في الأهداف السياسية الإيرانية ويبدو ذلك واضحا في تصريحات السياسيين فقد قال خامنئي- قبل أيام- مخاطبا جموع من المتظاهرين تضامناً مع غزة : " بفضل وعي وذكاء شعبنا تحولت " إيران " إلى تمثال العظمة والجلال والأمل في عيون شعوب المنطقة في سبيل المقاومة والنصر ".
وقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد -في ذكرى الاحتفالات الإيرانية بالثورة قبل أيام- " إن كانت هذه الثورة جرت في إيران إلا أنها ليست محصورة بالحدود الإيرانية ".
المشروع الإيراني أصبح يتحدث عن أرض الأجداد لتوسيع رقعته الجغرافية كما يتحدث عن نهضة الجماهير والتفافها حول إيران لتوسيع رقعته المذهبية والفكرية.
والأرقام تتحدث عن تشيع آلاف العرب في الخارج وتشيع مصريين وجزائريين وسودانين ومغاربة وعن تحركات ملموسة داخل البلدان السنية نفسها, ما جعل علماء السنة يصدعون بالنصح للأمة من خطر المشروع الإيراني وقد بينت أبعاده وأشكاله في ثلاثية سابقة بعنوان: " المشروع الشيعي الحاضر والمشروع السني الغائب ".
ولتوظيف الرأي العام الإسلامي حول المشروع الإيراني وبعث الثورة فيهم تعتمد إيران على كسب ولاءات خارجية وتجعل من تواجد الأقليات الشيعية في بلدان السنة وكذلك المقاومة الإسلامية في فلسطين أهم أدواتها في صراع الولاءات.
ومع تخصيب كل جهاز طرد مركزي من اليورانيوم يتخصب المشروع الإيراني في المنطقة ويشتد شوكته وعوده وسواده, وذلك لسببين:
- الأول: أن الذي يعارض الملف النووي الإيراني هو إسرائيل والغرب " وربما في الظاهر " وعلى رأسه أمريكا، وهو ما يجعل جماهير المسلمين تنظر إلى هذه المعارضة باحتقار لكونها تمثل خيار الطرف الظالم للمسلمين والمغتصب لأراضيهم وحقوقهم.
- الثاني: أن إيران تزعم أنها تستعمل برنامجها النووي في سياق الدفاع عن المسلمين وتحرير الأقصى وحرق إسرائيل, ولا تعلن عن أهدافها التوسعية ومشروعها الصفوي.
وهذان السببان يجعلان من كثير من العوام والسطحيين ينظرون إلى إيران نظرة المحرر للعالم الإسلامي، وهو ما يعطي مصداقية لمشروعها في المنطقة والعالم الإسلامي ومن خلاله ينظر للتقدم النووي الإيراني أنه تقدم للأمة الإسلامية.
إن إيران – في إطار صراع الولاءات – أدركت مبكرا أن مصلحتها في اختراق صفوف المقاومة الفلسطينية ودعمها وكسبها باعتبارها ورقة رابحة جداً في دعم مشروعها في المنطقة برغم أنها أبعد من المقاومة الفلسطينية فكرياً وعقدياً وسياسياً وجغرافياً ونحن في ذلك كله الأقرب.
وفوق ذلك جغرافياً هي أبعد من مرمى العدو ونحن الأقرب، وعملت مبكرا على توظيف حركة الجهاد الإسلامي ثم لما لمع نجم حماس على الساحة مالت كل الميل إليها لاغية كل التناقضات معها, وإلا فإن تنظيم الإخوان المسلمين بإيران لا يحضى إلى يومنا هذا بأي تصريح رسمي لممارسة نشاطاته ويتعامل معه النظام الإيراني بعصا الهش دون أي جزرة!.
وأي فرق بينه وبين حماس فكرياً وسياسياً! وهنا يتبادر للذهن التساؤل عن نوع العلاقة التي تربط حماس بإيران فيما يظهر من خلال كلام المحللين حول حدود تلك العلاقة وطبيعتها, فمن قائل إنها علاقة ولاء وتحالف استراتيجي، ومن قائل إنها علاقة مصالح تلاقت عليها رغبة الطرفين، ومن قائل: إنها علاقة اضطرار والمضطر فيها هو حماس حينما لم تجد من يواصل تقديم يد العون لها من العرب في مشروعها المقاوم لليهود بالقدر الذي تراه كافيا بالنسبة لها.
أما حماس فتقول على لسان مسئوليها: " علاقاتنا واضحة مع الجميع، سواء إيران أم مصر أم السعودية أم تركيا أم أية دولة عربية، فحماس تؤكد دائماً أنها حركة مقاومة وتحرر وطني تواجه احتلالاً لأرضها بعيداً عن كل النزاعات التي تثار والأسطوانة المشروخة بخصوص الأجندة الإقليمية ".
وتقول: " إن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين وليست حكرًا على أحد، والشعب الفلسطيني أيديه ممدودة إلى الجميع، من حق تركيا أو إيران أو أية دولة عربية أن ترى ما تراه من سياسات، لكننا في حماس لسنا جزءاً من محاور إقليمية أو دولية، وقضيتنا هي قضية التحرر من الاحتلال ".
بقلم الشيخ : د.سعد البريك
ياله من دين