خطبه الجمعه من المسجد الحرام
18-11-1430 هـ
القاهافضيله الشيخ صالح بن محمدآل طالب
الحمد لله .. الحمد لله رفع شعائر الإسلام وأبانها لخلقه واضحة المناهج والأعلام .. فاضل بين الشهور والأيام وجعل الحج من أركان الدين العظام ..
أحمده – سبحانه - وأشكره وأستوجب منه عفوه الجميل وأستغفره من الخطايا والآثام ، وأسأله الهداية والتوفيق والدخول في زمرة من قال ربي الله ثم استقام ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. هو الحي القيوم الذي لا ينام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المفضل على سائر الخلق والأنام .. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الكرام .
أما بعد ..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر 18 ، { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ } البقرة 235 .
احفظوا على أنفسكم الأوقات فإنه لا قيمة لها ، وطيبوا لأنفسكم الأقوات ولا تنالوا إلا أحلها ، وزنوا الأعمال بميزان الشرع ، وصححوا المقاصد والنيات وخذوا بالإخلاص فضلها ، وراقبوا في السر والجهر عالم الخفيات .. فما أحسن المراقبة وأجلها ! واغتنموا أيامكم الفاضلة قبل الفوات .. أياماً شرفها الله وفضلها .
أيها المسلمون : في هذه الأيام المباركة تستقبل مكة وفود الحجيج ويحتضن المسجد الحرام ضيوف الرحمن في مواكب مهيبة تجللهم عناية الله .. جاءوا من كل فجٍّ عميقٍ يلبُّون نداء ربهم ويجيبون أذان خليله : {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ( 27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } الحج 27 – 28 .
جاء الحجاج يحفُّون المطايا يسابقهم الشوق ويحدوهم الأمل .. يغمرهم الفرح وهم في مسيرهم إلى بيت الله المعظم طامعين في تكفير الخطايا وبلوغ الجنان يؤدون الركن الخامس من أركان دينهم في أقدس بقعةٍ على وجه الأرض ..
مكة المكرمة تاريخٌ وذكريات سيرةٌ ومسيرة :{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } آل عمران 96 – 97 .
إليه حَجَّ الأنبياء وصلَّى إمام الحنفاء .. من مكة شعَّ نور الهدى وانطلقت رسالة التوحيد حتى عمَّت أرجاء الأرض وغيرت العالم وأرست أجمل وأعظم حضارة عرفها التاريخ .. مكة مركز العالم ورمز وحدة المسلمين ومصدر النور للعالمين .. أفضل البقاع عند الله وأحب البقاع عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
مكة المكرمة (أم القرى) بها ميلاد أشرف الورى .. على رباها نشأ وترعرع وفي أرجائها مشى وما تضعضع .. نصف قرنٍ من الزمان شهدت حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – في مكة ؛ فأيُّ شرفٍ يعلو هذا الشرف ، ولو نطقت هذي الربى فأي سيرة ستذكر وأي تاريخ ستسرد ..
في هذه البقاع نزل جبريل – عليه السلام - بالوحي ، وصدع النبي – صلى الله عليه وسلم – بالتوحيد من (جبل الصفا) ..
لو حدثتكم الكعبة أو حكى زمزم والمقام لقالوا : كان هنا أبو بكرٍ وعمر ، وكان عثمان وعلي وغيرهم من الصحب الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين - أضاءوا الدنيا وطهروا الأرض ، واعترك التوحيد مع الوثنية حتى أظهر الله الدين ..
هنا وقف النبي – صلى الله عليه وسلم أمام الكعبة ليقرر مبادئ الدين العظمى ويرسم نهج الإنسانية الأرقى .. والذي عجزت عن تحقيقه كل حضارات البشر إلى يومنا هذا .
حجاج بيت الله الحرام : هنيئاً لكم بلوغ بيت الله المعظم .. هنيئاً لكم هذه الشعائر والمشاعر .. شرف الزمان وشرف المكان مع عظيم الأعمال ؛ فاحمدوا الله على ما حباكم من هذه النعم واشكروه ؛ فقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر .
قدِمتُم أهلا ووطئتم سهلا .. أنتم ضيف الله ووفده الواجب إكرامه ورِفده ..
يسَّر الله حجكم ، وحفظكم من كل مكروه ، وجعل حجكم مبروراً وسعيكم مشكوراً ، تقبل الله منَّا ومنكم .
أيها المسلمون : إن قصد هذه البقاع الطاهرة يكفِّر الذنوب ويمحو الآثام ويحط الأوزار ، بل ليس للحج المبرور جزاءٌ إلا الجنة .. قول نبيكم – صلى الله عليه وسلم - .
كم اشتاقت لبطحاء مكة النفوس وهفت لرباها القلوب ، وكم باكٍ شوقا وتوقا ، وكم متحسِّرٍ يتمنى رؤية (وادي محسر) .. يتمنى المبيت ليلةً بمنى أو الوقوف ساعةً بعرفة أو المشاركة في ليلة مزدلفة والمزاحمة عند الجمرات .. أو الطواف بالبيت وسكب العَبَرَات ، يتمنى هذه المواطن حيث تسيل العَبَرَات وتنزل الرحمات وتُقَالُ العثرات وتُستجَاب الدعوات ..
سقى الله تلك الربى والبطاح .
هَذِهِ الخَيْـفُ وهاتِيـكَ مِنَى فَتَرَفَّقْ أيُّهَـا الحَادِي بِنَـا
واحْبِسِ الرَّكْبَ عَلَيْنَا سَاعَةً نَنْدبُ الرَّبْـعَ ونبْكِي الدَّمِنَا
فلِذَا الموْقفِ أعْدَدْنَا الْبُكَـا ولِذَا الْيَوْمِ الدُّمـوعُ تُقْتَـَنى
ولا زالت المواكب تتدفق بالحجيج من كل فجٍّ عميق ..
ما أجمل أصوات التلبية تعجُّ بها الطائرات في الأجواء والمواخر في عُباب البحار والمراكب التي تلتهم الطريق وتغذ السير آمِّيْنَ البيت الحرام : لبَّيْكَ الَّلهُمَّ لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك .
وجهةٌ واحدة وهدفٌ واحد .. كلهم مستجيبون ثم في حرم الله يلتقون .. إنها قوافل الإيمان ورحلة الحياة إلى مهوى الأفئدة ورمز الإسلام وقبلة المسلمين .
عباد الله حجاج بيت الله الحرام : إن منزلة الحج عند الله عظيمة ومكانته من الدين كبيرة .. أوجبه الله بقوله : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } آل عمران97 .
أما فضله : فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " العُمرةُ إلى العمرةِ كفَّارَةٌ لما بينهما ، والحجُّ المبْرور ليس لهُ جزاءٌ إلا الجنة " . رواه البخاري ومسلم ..
وفي الصحيحين أيضاً : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سُئِل : أيُّ الأعمال أفضل ؟ قال : " إيمان بالله – عز وجل – " ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : " جهادٌ في سبيل الله " ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : " الحج المبرور " .
إنه تجارة الدنيا والآخرة وربح الدارين ..
عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " تابعُوا بيْن الحجِّ والعمرة ؛ فإنَّهما ينْفِيَان الفقرَ والذنوبَ كما ينفِي الكيْرُ خبثَ الحدِيد " رواه الإمام أحمد والترمذي بسندٍ صحيح .
وفي الصحيحين : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " مَنْ حجَّ هذا البيتَ فلمْ يرفُثْ ولم يفْسُقْ رجَعَ كما ولَدتْهُ أمّه " أي : نقيًّا من الذنوب والخطايا .. هذا مع مضاعفة الحسنات ورفعة الدرجات .
عن جابر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " صلاةٌ في مسجِدي هذَا أفضلُ منْ ألفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجدَ الحرام ، وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألْفِ صلاةٍ فيما سواه " رواه الإمام أحمد وابن ماجة بسندٍ صحيح ، وأصله في الصحيحين .. ( أي صلاة أربعٍ وخمسين سنة ) .
فهل يُلامُ في هوى الحرم بعد ذاك أحد ، ناهيك عن مواقف الرحمة في عرفات والازدلاف عن المشعر الحرام والتقلُّب في فجاج مِنى والطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمرات ، وكل ذلك من مواطن الرحمة وإجابة الدعاء .
أما عرفات .. وما أدراك ما عرفات ! يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : " ما من يومٍ أكْثرُ منْ أنْ يعْتِقَ الله فيه عبداً من النَّار من يومِ عَرَفَة ، وإنّهُ لَيدْنُو ثمَّ يباهِي بهِم الملائِكةَ فيقول : ما أرادَ هؤلاء ؟ " رواه مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها - .
إنهم يريدون رحمة ربهم وجنته .. يريدون مغفرة ذنوبهم والعتق من النار ، جاءوا من أقاصِي الدنيا وأطراف الأرض .. تركوا أهلهم وأوطانهم وأنفقوا كل ما يستطيعون للوصول إلى هذه الأماكن الشريفة .. في وقت ترى فيه بعض الموسرين القادرين يتكاسلون عن أداء فريضة الإسلام .. ينفقون أموالهم ويضيعون أوقاتهم في السفر والنزهة واللهو والغفلة .. لم يحجوا مرةً واحدة .
ليعلم هؤلاء أنهم تركوا ركناً من أركان الإسلام .. يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه : " من كان ذا ميسَرةٍ فمات ولم يحج فلْيمُتْ إنْ شاءَ يهُوديًّا أو نصرانيًّا " ، ورُوِي مثله عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - .
فليتَّقِ الله ولْيُبادر المستطيعُ قبل الفوات ، ولو فاجأه العجْزُ أو الأجلُ فلَمْ ينفعه الاعتذار بالتهاون والكسل .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } آل عمران 97 .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعنا بسنة سيد المرسلين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله – تعالى - لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه .. والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه .
أما بعد ..
فياأيها المؤمنون حجاج بيت الله العتيق : أما وقد أوصلكم الله بيته فعظِّمُوا شعائره يزدْكُم إيماناً وتقوى : {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج 32 .
- ومن تعظيم الشعائر : إحسان العمل وإتمامه والحرص على كماله ، واتباع هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل صغيرةٍ وكبيرة ، وقد قال : " خذوا عني مناسككم " . كما أن تتبع الرخص والتهاون في المناسك خذلانٌ ونقص .. والله - تعالى – يقول :{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} البقرة196..
- كما أن من تعظيم شعائر الله : البعد عما ينقص الحج واحترام وتوقير الزمان والمكان الذي عظَّمه الحق – سبحانه – .
- تجنب المراء والجدل والخصام والتشويش ؛ فالقبول والمغفرة مشروطة بترك ذلك .. قال الله – عز وجل - : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } البقرة 197 .
وقد سبق قول النبي – صلى الله عليه وسلم – المخرَّج في الصحيحين : " مَنْ حجَّ فلمْ يَرفُثْ ولمْ يفسُقْ رجعَ كيوم ولدتْهُ أمُّه ".
إن زكاء النفس وزيادة الإيمان وحصول التقوى يكون حين يقبل المسلم على عبادته بأدبٍ وخشوع ويتقرب لما جاءه له وقصده حافظاً وقته مخلصاً لربه ..
- كما ينبغي السؤال عن الأحكام الشرعية قبل الشروع في العمل .. فكمْ حاجٍّ يعبد الله على جهل لا يتعلم ولا يسأل ، وكم من مستفتٍ لو سأل قبل العمل لم يقع في الحرج ..
- وعلى القائمين على الحجاج مسئوليةٌ عظيمة ؛ فليتقوا الله .. فكلكم راعٍ وكلٌّ مسئولٌ عن رعيته .
أيها المؤمنون : إن الأصل الذي بُنِي عليه هذا البيت العظيم هو توحيد رب العالمين القائل في محكم التنزيل : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } الحج 26 .
وفي ثنايا آيات الحج قال - سبحانه - : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } الحج 30 – 31 .
فطهِّرُوا أعمالكم – رحمكم الله – والْزمُوا السُّنَّة في أعمالكم وفي جميع حياتكم .. فإن الشرك محبطٌ للعمل ، والْزَموا ذكر الله – تعالى – فهو سمةٌ بارزةٌ في الحج ، وهو إعلانٌ للتوحيد الذي هو شعار الحج كما في التلبية .. وقد قال الله - عز وجل - : {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } البقرة 203 ، وقال : {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } البقرة 198،
وقال – عز من قائل - : {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ } البقرة200 ، وقال : {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } الحج 28 .
هذا ، وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية رسول الله محمدٍ بن عبد الله ..
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغرِّ الميامِين ، اللهم ارْضَ عن الأئمة المهديين الخلفاء المرضيين - أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ، ومن سار على نهجهم واتَّبع سنتهم يارب العالمين .
اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ، ويسِّر نسكهم ، وأتم حجهم ، وتقبل منا ومنهم يارب العالمين .
اللهم أعِز الإسلام والمسلمين وأذِل الشرك والمشركين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وديننا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره ، واجعل دائرة السوء عليه يارب العالمين .
اللهم احفظ رجال الأمن ، اللهم احفظ رجال الأمن وحراس الثغور وانصرهم على من بغى عليهم يارب العالمين .
اللهم آمِنّا في أوطاننا وأصلِحْ أئمتنا وولاة أمورنا ، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك ، وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة ..
اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ، وأسبغ عليه لباس الصحة والعافية ، اللهم وفق النائب الثاني لما فيه خير البلاد والعباد ، واسلك به سبيل الرشاد ، اللهم كن لهم جميعاً موفقاً مسدداً لكل خير وصلاح .
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .
اللهم أصلح أحوال المسلمين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يارب العالمين ، اللهم اجمعهم على الحق والهدى والكتاب والسنة ، اللهم احْقِنْ دماءَهم وآمنهم في ديارهم ، وأرغِد عيشهم وأصلح أحوالهم ، واكْبِتْ عدوهم .
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ، اللهم انصرهم في فلسطين ، اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدس ، اللهم اجمعهم على الحق يارب العالمين .
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ..
اللهم احفظ المسجد الأقصى وكل الأرض المقدسة ، اللهم طهِّرْها من الاعتداءات النجسة ، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك .
اللهم ياحي ياقيوم . ياحي ياقيوم . ياحي ياقيوم .. عزَّ جارُك وجلَّ ثناؤك وتقدست أسماؤك . يا من لا يُهزم جندُه ولا يُخلف وعده سبحانك وبحمدك ، اللهم قد طال ليل الظالمين .. اللهم إن الصهاينة قد طغوا وبغوا وأسرفوا في الطغيان .. اللهم هيِّئ لهم يداً من الحق حاصدة تكسر شوكتهم وتستأصل شأفتهم ، اللهم أنزل بهم بأسك ورجزك إله الحق ، اللهم لا تُقِم لهم راية ولا تحقِّقْ لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية ، اللهم زلزلهم واهزمهم وانصرنا عليهم يارب العالمين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسِّرْ أمورنا وبلِّغْنا فيما يرضيك آمالنا .
ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم وذرياتهم إنك سميع الدعاء .
اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من المطر والرحمة ، اللهم إنا نسألك المزيد من فضلك .. اللهم لا غنى لنا عن رحمتك .. اللهم عم بالخير والأمطار سائر بلادنا .
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء .. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إن بالعباد والبلاد من الحاجة واللأواء ما لا يكشفه إلا أنت .. اللهم فأعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا ، اللهم أنزِلْ علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً على طاعتك وبلاغاً إلى حين .
عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} النحل90 – 91 .
للاستماع
خطبة الجمعة من المسجد النبوي
18-11-1430 هـ
القاها فضيله الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي
عنوانها الحج فضله ومكانته
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ ، وعلى آله وصبحه أجمعين .
أما بعد ، فاتقوا الله حق التقوى ، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى .
عباد الله .. إن الله - عز وجل - جعل لكل حسنة ثوابا بفضله ورحمته ، وجعل لكل سيئة عقابا بعدله وحكمته .. ( لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ) ، وقال - تبارك وتعالى - : وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ * إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ* لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ(72- 78 سورة الزخرف)
وأعظم الثواب من الله ثوابُ وجزاءُ أركان الإسلام الخمسة .. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام ، وبقيةُ أعمال الإسلام والإيمان تابعةٌ لهذه الأركان ، فإذا سلمت للعبد أركان الإسلام فقد سلم له دينه ، وكل ركنٍ من هذه الأركان له أركان وواجبات ، وشروط ومستحبات ، فالحج عبادة عظيمة جمعت أعمال القلوب وأعمال البدن ، وعبادة الله بالنفقة .
وجاء في فضلها ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من حج فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيومَ ولدته أمه " ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة " رواه مسلم.
وقد فرضه الله - تعالى - في العمر مرةً واحدة ، ومن خاصية الحج أن مَن حجَّ ضعُف عنه الشيطان ، ومن زاد على الفريضة فهو تطوع ، ومن سلم له حجه من المبطلات سلم له عمره ، والحج اشتمل على عبادات لله - تعالى - يُرضِي بها المسلمُ ربَّه ؛ فقد تضمن الإخلاص لله - عز وجل - والإخلاصُ مخُّ كل عبادة ، ولا يقبل الله عبادة إلا بإخلاص النية ؛ بأن يفعل العبد العبادة يريد بها وجه الله والدار الآخرة ، ويجتنب الرياء والبدع الداخلة على العبادات ..قال الله - تعالى - :إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ .... (2 -3 سورة الزمر)، وعن عمر - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنما الأعمالُ بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " رواه البخاري ومسلم ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" اللهم حجة لا رياءَ فيها ولا سمعة " .
ويتضمن الحج تخصيص الله - تعالى - وإفراده بالدعاء والاستثغاثة ، والاستعانة وطلب الرزق ، وغفر الذنوب وقضاء الحاجات كلها ، وكشف الكربات والشدائد .. عن جابر - رضي الله عنه - في حجة الوداع قال : " فأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له " رواه البخاري ومسلم واللفظ له ، وقول جابر - رضي الله عنه - :" فأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد ؛ رفع صوته بتوحيد الله بالتلبية ، وأمر أصحابه بذلك ، وأبطل الشرك بالتلبية الذي أحدثه المشركون ، وغيروا ملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم- بالشرك ؛ فقد كان المشركون يقولون : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك .
وتلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد هو معنى : لا إله إلا الله ، فلا يُدعَى من دونه مَلَكٌ ولا نبي ، ولا قبر ولا مخلوق .. قال - تعالى - : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً(18 سورة الجن) ، فالحج يفتتح بتلبية التوحيد ويختتم بالتوحيد لله - تبارك وتعالى - قال - عز وجل - :فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ *وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (200 -2002 سورة البقرة)
وفيما بين أول أعمال الحج وآخره عباداتٌ كثيرة متنوعة يخص بها المسلم ربَّ العالمين ويفرده بها ، لا يشرك مع الله فيها أحدا ، وأول وصية وعهد من الله - تعالى - لأبينا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - عند بناء البيت العتيق التحذيرُ من الشرك بالله -تعالى - وتطهير تلك المشاعر المباركة من الشرك والخبائث .. قال الله - تعالى-وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26 سورة الحج) ، وقد طهَّر الله - تعالى - تلك المشاعر المقدسة شرعا وقدرا إلى يوم القيامة من الشرك بظهور الإسلام .
ويتضمن الحج طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداءَ به في الأقوال والأفعال ، ومحبته ؛ ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال :" خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا " .
يتضمن الحج تعظيم الرب - سبحانه - بكثرة ذكره وتلاوة كلامه ، والتذلل له وتنوع الدعاء بالحاجات من خيري الدنيا والآخرة .. قال الله - تعالى - : وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ... ( 27-28 سورة الحج)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" خير الدعاء دعاء عرفةَ ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي يوم عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " .وقال - تعالى - :... فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ...)198 سورة البقرة) ، وقال - تعالى - : وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ...(203 سورة البقرة(
ويتضمن الحج التمسك بملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - التي أمر النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -باتباعها والتمسك بهدي سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في أعمال الحج والوقوف بمشاعره ، والبقاء والثبات على هدي المواريث الإسلامية التي علَّمها جبريلُ - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله - تعالى - فترتبط أمة الإسلام بالخليلين أبينا إبراهيم -صلى الله عليه وسلم - وسيد البشر محمد - صلى الله عليه وسلم - وتقتدي بهما في تحقيق التوحيد لرب العالمين ، وتعمل بهدي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - .
والحج له أركان وواجبات ومستحبات يتعلمها المسلمون بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - وقد دوَّنها أئمة المسلمين الذين شهد لهم العدولُ بالهداية والدراية ، والعلم والفقه .
والحج أعمال وأقوال معلومةٌ تكون في وقت مخصوص ، وعبادةٌ عظيمة ترفع الدرجات في الجنات وتكفر السيئات ، وعلى هذا سار المسلمون منذ حجة الوداع إلى يومنا هذا إلى آخر الدهر يعظمون بيت الله ، ويؤدون المناسك ويتنقلون في المشاعر بهدوء وطمأنينة وسكينة ، وإخبات لله - تعالى - ورحمة لإخوانهم المسلمين ، وأدب وافر مع وفد الله - عز وجل - لا يؤذي بعضهم بعضا ، ولا يشوش بعضهم على بعض ، ولا يعتدي بعضهم على بعض إلا ما كان من القرامطة الروافض الشيعة سنة سبعَ عشرةَ وثلاثمائة ، فقد كتب المؤرخون أن أبا طاهر القرمطي وضع في الحُجَّاج السيفَ يوم التروية ، وقتلوهم حتى في المسجد الحرام ، وفي البيت نفسه ، ونهب هو أصحابه أموالَ الحجيج ، ونهب دور أهل مكة ، وقلع الحجر الأسود وحمله إلى هجر، وقلع باب البيت ، وأصعد رجلا ليقلع الميزاب فسقط فمات ، وطرح القتلى في بئر زمزم ، ودفن الباقين في المسجد الحرام حيث قتلوا بغير كفن ولا غسل ، ولم يصلِّ على أحد منهم ، وأخذ كسوة الكعبة فقسَّمها بين أصحابه فعاجله الله بالعقوبة والنكاية العظيمة ( ولعذاب الآخرة أكبر ) .
والمسلمون في هذا العصر في أشد الحاجة إلى اجتماع الكلمة ، وإلى تقوية أخوة الإسلام والتعامل ، والألفة والتراحم والتعاطف ليقفوا بتمسكهم بدينهم في وجه المكائد التي تُوجَّه ضد الإسلام .
وفريضة الحج عبادة خالصة لله - تبارك وتعالى - ومن منافعه أن تتجلى فيه أخوة المسلمين .. قال - تبارك وتعالى - : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ...( 10 سورة الحجرات) ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" المسلم أخو المسلم " رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
ونستنكر أشدَّ الاستنكار الانحرافَ عن مقاصد الحج وغايته السامية ، وتحويله إلى أغراض سياسية ، ودعايات طائفية ومسارات ومظاهرات جماعية فوضوية بدعوى البراءة من المشركين ، وهذه المسارات ورفع الرايات بالشعارات باللسان لم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعلها المسلمون بعده ، وإنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر - رضي الله عنه - سنة تسعٍ من الهجرة أن يقرأ على الناس سورة براءة في الحج ، وأردفه بعلي - رضي الله عنه - مؤتما بأبي بكر ليبلغا رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يُحجَّ بعد سنة تسع مشركٌ ، وألا يطوفَ بالبيت عريان ، كما صح في الأحاديث فبلغا ذلك العام ، فقد بلغا المشركين ، فلم يحج بعد ذلك مشرك ٌ.
وليس في المملكة العربية السعودية قبور تُعبَدُ من دون الله - ولله الحمد - وليس فيها مشاهدُ وأضرحةٌ يسجد ويطاف بها ، ويذبح لها ، وتسأل الرزق ويستنصر بها ، وترفع لها الحاجات ويسأل أصحابها كشف الكربات وغفران السيئات ، ليس في هذه البلاد شيءٌ من هذا ؛ لأن هذا كله شركٌ أكبرُ ووثنية جاهلية جاء الإسلام بإبطاله ومحوه ، والقضاء عليه ؛ لتكون العبادة لله - تبارك وتعالى - قال الله - تعالى - :... إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ... ( 48 سورة النساء)، فليس فيها شيء من هذا الشرك مع أن فيها قبورَ أفضل الخلق بعد النبي والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام .
فرفع شعار البراءة من المشركين لا مكان له في الحج ؛ لأن الذي يحج هم المسلمون لا مكان لرفع شعار البراءة من المشركين في الحج ولا في المملكة ؛ لأن هذه المملكة دولة التوحيد في هذا الزمان ، فهي دولة سنية سلفية المنهج ، وليست بدولة سلفية حزبية ويظن بعض المتطاولين بغير حق أنه إذا لمز حكام هذه الدولة وعلماءها بأنهم وهابية أنه أصاب مقتلا ، أو شوَّه سمعة أو ضر شيئا ألا فليعلم أنه لن يضر إلا نفسه فهم لا يتسمون بهذه التسمية ؛ لأنهم لم يبتدعوا بدعة في العقيدة الإسلامية ، وإنما يتنسبون إلى أهل السنة والجماعة كبقية المسلمين ، فالمسلمون كلهم أولهم وآخرهم إخوةٌ لهم ، والمسلمون كلهم إخوة والإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لم يبتدع من العقيدة شيئا خالف به سلف الأمة وأئمة الإسلام ، ولن يستطيع أحد أن يأتي من كتبه بمسألة تخالف ما عليه السلف الصالح في العقيدة .. ولما كتب إليه بعض علماء عصره أن يبين لهم عقيدته لما تضاربت الأقوال من الناقلين عنه قال - رحمه الله - :" أُشهِد اللهَ ومن حضر من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقةُ الناجية أهلُ السنة والجماعة من الإيمان بالله ، وملائكته وكتبه ورسله ، والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر خيره وشره " انتهى الغرض من الرسالة ، وهي رسالة مطولة تشبه في معاينها وألفاظها العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102 سورة آل عمران)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم ..أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث رحمة للعالمين .. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ، فاتقوا الله بلزوم طاعته وترك معصيته .. يقول الله - تعالى - :الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ(197 سورة البقرة) ، والفسوق كل معصية يُعصى الله بها .
أيها المسلمون التزموا آداب الإسلام في حجكم يكن خيرا لكم وللمسلمين وكمالا لحجكم ، والحج المبرور هو ما أصاب صاحبه السنة ، وأخلص لله فيه ، واستكثر في سفره من الحسنات ، و سلم من السيئات ، وبذل خيره وكف شره وأذاه عن المسلمين .
واعلموا أن الحاج في بلد معظم حرمه الله - عز وجل - يؤاخذ الله فيه بالهم بالمعصية .. قال الله - تعالى - :.... وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(25 سورة الحج) .
وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته : " اللهم اجعله حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا " .
عباد الله .. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا " .. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وسلم تسليما كثيرا .
اللهم وارض عن الصحابة أجمعين ، وعن خلفاء النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . اللهم وارض عنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين .. اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الكفر والكافرين يا رب العالمين . اللهم ألف بين قلوب المسلمين ، وأصلح ذات بينهم برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم كن لأمواتنا وأموات المسلمين . اللهم أعذهم من عذاب القبر يا أرحم الراحمين . اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة يا رب العالمين ؛ إنك على كل شيء قدير .. اللهم اغفر لنا ذنوبنا ، وأحسن لنا عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة . اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، ومن شر كل ذي شر يا رب العالمين . اللهم أعذنا . اللهم أعذنا ، وأعذ ذرياتنا من إبليس وذريته ، وشياطينه وجنوده . اللهم أعذ المسلمين من إبليس وذريته ، وشياطينه وجنوده يارب العالمين .
اللهم أغثنا . اللهم أغثنا . اللهم أغثنا . اللهم أغثنا غيثا عاجلا يا أرحم الراحمين . اللهم أغثنا يا أرحم الرحمين . اللهم أغثنا يا أرحم الرحمين .. اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى . اللهم وفقه لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، وانصر به دينك وأعل به كلمتك .. اللهم أصلح بطانته . اللهم إنا نسألك أن تنصر به الإسلام والمسلمين ، وأن تجمع به كلمة المسلمين . اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى . اللهم وافقه لهداك ، واجعل عمله في رضاك . اللهم وفق النائب الثاني لما تحب وترضى . اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك .
اللهم يسر للحجاج أمورهم . اللهم يسر للحجاج أمورهم وتنقلاتهم . اللهم يا رب العالمين اللهم فقهنا في الدين . اللهم رد الحجاج والمعتمرين إلى بلدانهم غانمين سالمين .
عباد الله .. إن الله يأمر العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .. وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، فاذكروا العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
للاستماع
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm