تعريف الدعاء
الدعاء لغة مأخوذة من مادة ( د ع و ) والتي تدل في الأصل على إمالة الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك ومن هذا الأصل الدعاء في معنى الرغبةِ إلى الله عز وجل ويستعمل أيضاً في معنى النداء يقال دعا الرجل الرجل دعواً ودعاءً : ناداه ودعوت فلانا أي صحت به وقال الراغب وقد يستعمل الدعاء في معنى التسمية كقولك تعوت ابني زيداً أي سميته ويقال دعوت الله إذا سألته وإذا استغثته ومنه قول الله عز وجل { قالوا ادع لنا ربك } أي سلْه.
واصطلاحاً : قال الطِّيبي: هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة لـه وقيل هو شفيع الحاجة وقيل وهو طلب كشف الغمة .
أقسام الدعاء :
لفظ الدعاء والدعوة في القرآن الكريم يتناول معنيين :
1. دعاء العبادة 2. دعاء المسألة
دعاء المسالة : هو طلب ما ينفع الداعي وطلب كشف ما يضره ودفعه.
أما دعاء العبادة فهو الذي يتضمن الثناء على الله بما هو أهله ويكون مصحوباً بالخوف والرجاء .
والدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة ويراد به مجموعهما وهما متلازمان
( فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة ) وقد ورد المعنيان جميعاً في قوله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } أما قوله { فادعوا الله مخلصين له الدين } فهذا هو دعاء العبادة والمعنى اعبدوه وحده .
وقوله { ادعوا شركائكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم } هذا دعاء المسألة
آثار الدعاء وآدابه
وللدعاء أثار وموانع
فمن آثاره أخرج الأمام السُبْكِي في طبقات الشافعية عن الفضل بن الربيع صاحب هارون الرشيد قال دخلت على هارون الرشيد فإذا بين يديه حزمة سيوف وأنواعٌ من صنوف التعذيب فلما رآني قال يا فضل : فقلت لبيك يا أمير المؤمنين فقال عليّ بهذا الحجازي يعني الإمام الشافعي قال الفضل : فقلت في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله ذهب الرجل قال : فأتيت الشافعي فقلت لـه أجب أمير المؤمنين فقال أصلي ركعتين فقلت صلِ قال فصلى ثم ركب بغلة لـه فسرنا معه إلى دار الرشيد فلما دخلنا إلى الدَّهلِيز حرك الشافعي شفتيه فلما وصلنا عند أمير المؤمنين وكلنا يخشى عليه سطوة الأمير قال فلم نلبث إلا وأمير المؤمنين يقوم إلى الشافعي ويجلسه على كرسيه ويجلس بين يديه ويحادثه ويضاحكه وخاصة أمير المؤمنين ينظرون إلى الأمر وإلى الحدث وقد علاهم العجب والدهشة ثم استأذن الشافعي وهم بالانصراف فقال أمير المؤمنين احمل بين يديه الهدايا يا فضل قال فحملت ذلك فلما خرجنا أمسكت بالشافعي فقلت له أسألك بالذي صير غضبه عليك رضا إلا ما أخبرتني ماذا قلت وأنت تدخل عليه فقال رحمه الله قلت ( لا إله إلا الله اللهم إني أعوذ بنور قدسك و ببركة طهارتك وبعظمة جلالك من كل عاهة وآفة وطارقِ الجن والإنس إلا طارق يطرقني بخير يا أرحم الراحمين اللهم بك ملاذي وفيك ألوذ وبك غياثي وفيك أغوث يا من ذلة لـه رقاب الفراعنة وخضعت لـه مقاليد الجبابرة اللهم ذكركُ شعاري ودثاري ونومي وقراري أشهد أن لا إله إلا أنت اللهم اضرب علي سرادقات حفظك وقني رعبي بخير منك يا رحمان ) يقول الفضل فكتبتها فكان الرشيد كلما غضب علي ذكرتها فيسكن غضبه وذلك مما أدركت من بركة الشافعي أيه الأخوة في الله لقد أدرك الصالحون أن المفزع بعد الإيمان هو الدعاء السلاح الذي يُستدفع به البلاء ويرد به شر القضاء وهل من شيء أكرم على الله من الدعاء كيف والله سبحانه يحب ذلك من عبده يحبه وهو منطرح بين يديه يتوجه إليه بالشكوى أليس الله هو الذي يقول { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان } أيه الأخوة لقد طغت الماديات على الكثير من الناس اليوم فتنكروا لربهم ووهنت صلتهم بالله وقصروا نظرهم وأمورهم على الأسباب وحدها وكأنهم لا يعلمون أن الله يدبر فوق تدبيرهم وأن من وراء أسبابهم أمراً وتأثيراً يجريه ربهم جل وعلا { نسوا الله فنسيهم } وعاشوا حياة ضنكا يسودها القلق والاضطراب والهلع والخوف والأمراض كلما ضعفت الصلة بالله نسي الناس الدواء الصحيح لكل مشاكلهم ولكل همومهم ولكل شؤونهم الصغير منها والكبير يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( إني لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء علمت أن الإجابة معه ويقول مُطَرِّف بن عبد الله تفكرت في جماع الخير فإذا الخير كثرة الصيام والصلاة وغيرها وكل ذلك بيد الله وأنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيستجيب فإذا جماع الخير الدعاء لذا جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد) أيه الاخوة روى الأئمة ابن عدي وبن أبي الدنيا والبيهقي وأبو نُعَيْم عن أنس رضي الله عنه قال كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت عجوز عمياء مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياماً ثم قبض فغمضه النبي صلى الله عليه وسلم وأمرنا بتجهيزه قال فلما أردنا أن نغسله قال صلى الله عليه وسلم يا أنس ائت أمه فأعلمها قال رضي الله عنه فأعلمتها فجاءت أمه حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم قالت مات ابني ؟! فقلنا نعم فقالت اللهم إنك تعلم أني أسلمت إليك طوعاً وخلعت الأوثان زهداً وخرجت إليك رغبة اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان ولا تحملني في هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحمله يقول أنس رضي الله عنه فوالله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه وطعم وطعمنا معه وعاش حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم وقبضت أمه رضي الله عنهما هكذا جاءت القصة كما رواها الأئمة والله أعلم وما ذلك على الله بعزيز يقول الله جل وعلا { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } ويقول صلى الله عليه وسلم ( كم من أشعث أغبر ذي طِْمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ) ... منهم البراء بن مالك وكان المسلمون إذا اشتدت رحى الحرب قالوا يا براء أقسم على ربك فيقول يا رب أقسمت عليك لمّا نصرتنا عليهم فينصرهم الله ويستجيب لقسمه حتى كان اليوم الذي استشهد فيه فقالوا أقسم على ربك يا براء فقال أقسمت عليك يا رب لمّا نصرتنا عليهم وألحقتني بنبيك شهيداً فقتل رضي الله عنه شهيدا في تلك المعركة أيه الاخوة إن التضرع إلى الله وإظهار الحاجة إليه والاعتراف بالافتقار إليه من أعظم عرى الإيمان وبرهان ذلك الدعاء والإلحاح في السؤال حتى يدعو الإنسان كدعاء الغرقى الذين لا أمل لهم إلا في رحمة الله ولربما قال قائل كم دعونا وكم نجتهد في الدعاء فلا نرى إجابة لدعائنا نستسقي فلا نسقى ونستغيث فلا نغاث ونستنصر فلا ننصر ونسي هذا وأمثاله أن هناك موانع لإجابة الدعاء أوجدها الإنسان لنفسه وصنعها بيديه أبعدته عن الله ومنعته من بركة إجابة الدعاء يقول الله جل وعلا { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } فلا بد من الاستجابة لله لكي يتحقق الدعاء :
نحن ندعو الإله في كل كـــــــــربٍ ثم ننساه عند كشف الكــــــروبِ
كيف نرجو إجابــــــة لدعـــــــــــاء قد سددنا طريقها بالذنــــــــــــوبِ
في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ... ) روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سره أن يستجب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء ويقول تعالى { وإذا مس الإنسان الضر دعنا لجنبه أو قاعداً أو قائما } – يعني يلح في الدعاء على الله – { فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون } فالآية تصور حال الإنسان في وقت الشدة يدعو وهو مضطجع وقاعد وقائم ويلح ويكثر في الدعاء فإذا كشف الله عنه الضر نسي كل ذلك وعاد إلى ما كان عليه من الغفلة عن الله جل وعلا فإذا وقع في بلاء آخر عاد إلى الدعاء والإلحاح .
روي أن موسى عليه السلام رأى رجل يدعو فقال يا ربي هذا عبدك دعاك وأنت أرحم الراحمين فقال يا موسى لو دعاني حتى ينقطع ما نظرت في حاجته حتى ينظر في حقي أي حتى يقوم بحقوق الله حتى يجتنب المنكرات .
قال بعض السلف مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتدر وجاء في الحديث المشهور خبر ذلك الرجل ( الأشعث الأغبر الذي يطيل السفر يمد يديه إلى السماء ينادي يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لـه ) إن النبي صلى الله عليه وسلم يتعجب من هذا الرجل الذي اجتمعت فيه آداب الدعاء كلها السفر – الإلحاح في الدعاء- رفع اليدين إلى السماء - في حالة من الاضطرار والكرب والهم والغم – أشعث أغبر – محتاج ومع ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام أنى يستجاب له كيف يستجاب لمثل هذا بالله عليكم والحرام يجلله من رأسه حتى قدميه والعياذ بالله .
ولما قام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقال ( يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال عليه الصلاة والسلام يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفسي بيده إن العبد ليقذ اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عملاً أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ) .
ومن أعظم موانع الدعاء أيه الاخوة ما رواه حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم ) وانظروا إلى الواقع لتعرفوا مصداق هذا الحديث إنها الصفة التي يوشك أن تكون عنواناً لهذا الزمان صفة بني إسرائيل الذين كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه يرون المنكر فلا يحرك أحدهم ساكن لا يتمعر لـه وجه ولا يتحرك له لسان وليس هذا حال المؤمنين أبداً أين منا قول الله جل وعلا { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } وحين يفقد المجتمع الإسلامي هذه الصفة المميزة فسوف يستشري الفساد وسوف يعم الأرض فيدعوا الناس فلا يستجيب الله لهم ويهونون عليه فلا يلقي لهم بالاً أيه الاخوة إن واحدا من هذه الموانع يمنع الإجابة بمفرده فكيف لو اجتمعت والعياذ بالله أنى يستجيب الله لنا أيه لاخوة إن الشعور بالحرمان من فضل الله الكبير ومن رحمته الواسعة شعور يملأ النفس بالألم ويملأ القلب بالأسى كيف لا يكون ذلك كذلك عند ما تشعر أنك تملك باباً مفتوحاً لا يستطيع أحداً أن يغلقه مهما علا شأنه ومهما عظم سلطانه فتأتي أنت بنفسك لتغلق ذلك الباب ولتسد ذلك الطريق المشرع يقول عليه الصلاة والسلام ( إن الله حيي كريم يستحي إذا مد الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين ) بل يقول عليه الصلاة والسلام ( ما من مسلم يدعو الله جل وعلا بدعوة ليس فيه أثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذاً نكثر ؟ قال الله أكثر ) وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ) قيل يا رسول الله وما الاستعجال ؟ قال ( يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ) فأكثر يا أخي من الدعاء وألح على الله بالدعاء واستغث به في كل أمورك في صغيرها وكبيرها لا تدع شيئاً إلا وتلح على الله بالدعاء فيه فإن الله يحب ذلك ويفرح به :
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضبُ
وكان بعض السلف يدعو الله حتى في حبل نعله وفي ملح طعامه تأكيداً على شدة الحاجة إلى الله والتوجه إليه في كل شأن من الشؤون وليتنا ندعوا الله في شأن أمتنا المسكينة وفي شأن حالها المحزن عسى الله أن يغير ما بها من سوء حال وذلة وضياع وهوان وعلى قدر الحاجة إلى العمل والجهاد على قدر الحاجة إلى الدعاء خاصة حين يقف المسلم حائراً عاجزاً أمام الأحداث التي تعصف به وتأتيه وهو لا يستطيع أن يصنع لها شيئاً إلا أن يتحسر وأن يصيبه الكمد والغضب ولا حول ولا قوة إلا بالله يقول الله في الحديث القدسي ( يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم )
ولقد أمر الله جل وعلا بإخفاء الدعاء فقال تعالى { ادعوا ربكم تضرعاً وخُفْيَة } ولإخفاء الدعاء فوائد عظيمة منها :
1. أنه أعظم إيماناً 2. أنه أعظم في الأدب والتعظيم 3. أنه أبلغ في التضرع والخشوع 4. أنه أبلغ في الإخلاص 5. أنه أبعد للداعي من القواطع والمشوشات 6. أن فيه إخفاء للنعمة ( نعمة التعبد والإقبال ) عن أعين الحاسدين .
آداب الدعاء
قال الإمام الغزالي رحمه الله من آداب الدعاء :
1. أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة
2. أن يدعو مستقبلاً القبلة مع خفض الصوت بين المخافتة والجهر وأن لا يتكلف السجع .
3. الإخلاص في الدعاء والتضرع والخشوع والرغبة والرهبة وأن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويَصْدُق رجائه فيه
4. أن يلح في الدعاء ويكون ثلاثاً كما ينبغي لـه أن لا يستبطئ الإجابة .
5. أن يفتتح الدعاء ويختمه بذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يبدأ بالسؤال.
6. التوبة ورد المظالم.