بسم الله الرحمن الرحيم
( ولله العزة ولرسولهوللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون )
الحمد لله حمداً يستنزل الرحمة، ويستكشف الغُمة، والصلاة والسلام على معلم الأمة، وبعد:
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من عند الله مباركة طيبة.
إن أخاك من آساك، وواساك فيما نزل بك ودهاك، فطب نفساً فأمر المؤمن كله له
خير، وما نزل بساحة المؤمنين، والتهاب غيظ قلوبهم من قول المنافقين، واجتماع
أمرهم، وتكثير شوكتهم، بكلاب غاوية وذئاب عاوية، وأتباع رعاع، على اعتدائهم
القبيح، وجورهم الفسيح، على الملة والعلماء الأخيار، فلا يهولنك أمرهم ، وإن
تعدوا أطوارهم، وتخطوا أقدارهم، فلا تزال أقوالهم تخبر بسخف عقولهم، وأفعالهم
تدل على حمقهم، يشغبون على العلماء،ويثيرون الفتن الدهماء، ولا يرضون إلا
بالفرقة واختلاف الأمة، لم ينتفعوا بالوعظ ولا التذكير، ولم يلتفتوا للناصح والنذير،
انحرفوا وخالفوا، وجاهروا وكاشفوا، وأظهروا مكنون أسرارهم ، وأبدوا كامن
أشرارهم،
فما هم إلا فراش حام حول النار، وأقدام حيف تمشي بهم على حد السيف، وما هي
إلا صيحة واحدة بالحق، حتى تراهم كأن لم يغنوا في ديارهم :
( بل نقذف بالحق على الباطلفيدمغهفإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون )
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
إنها حرب ومجاهدة لا تقف عند زمن، ولا تعرف وطنا دون وطن، فلا تقل بلغ السيل الزُبى،
وتجاوز الشر حده، وجرى الوادي فطم على القرِيِّ، وأكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض،
حتى وإن كان للباطل جولة، وللإفساد مهلة، فهي والله سحابة صيف عن قليل تقشع،
و غمرات ثم ينجلين، فقد هرم الليل وشمطت ذوائبه، وتقوس ظهره، وتصرم عمره،
فالحق أبلج والباطل لجلج،
والله تعالى يقول: ( إذ يقولالمنافقونوالذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ) فثق بالله تعالى وتوكل عليه وجاهد المنافقين بفضحهم، ومناظرتهم، والرد عليهم ، كل بحسب علمه ومعرفته بدين الله
تعالى، فقد قال الله تعالى : (يا أيها النبيجاهد الكفاروالمنافقين وأغلظ عليهم
ومأواهم جهنم وبئس المصير )
واعلم أن العزة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولا عز أعلى من عز
الاجتماع والتعاون على نشر دعوة الحق ومقاومة الباطل إذا اتبع المجتمعون سنة
الله تعالى،
وقد استبشرنا خيرًا بما نزل بنا، ورضينا بقدر ربناً، ورددنا قول الله تعالى:
(لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم)، وقد رأينا تمحيص الله تعالى في صفوفنا حتى تميز صديقنا من عدونا كما قال ربنا تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميزالخبيثمن الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فامنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم)
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
ها هي اليوم الوقفة الصادقة للمؤمنين في وجه منافقي زماننا، وفضحهم بلحن قولهم وسلق ألسنتهم ومسارعتهم إلى إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب مهما تنوعت ألبستهم وتنكرت وجوههم وتغيرت ألوانهم فهم هم مع مرور الأعصار وطول الأزمان وإن تبدلت أسماؤهم فهم : المنافقون
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى : (النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم ) و (( قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى : لفظ الزندقة لم يوجد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يوجد في القرآن ، وهو لفظ أعجمي معرب من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام ، وقد تكلم به السلف والأئمة في توبة الزنديق ونحو ذلك .قال : والزنديق : الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته في الظاهر المراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، وإن كان مع ذلك يصلي ويصوم ويحج ، ويقرأ القرآن ، وسواء كان في باطنه يهوديا أو نصرانيا أو مشركا أو وثنيا ، وسواء كان معطلا للصانع وللنبوة أو للنبوة فقط أو لنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فقط ، فهذا زنديق ( و ) هو ( منافق ) وما في القرآن والسنة من ذكر المنافقين يتناول مثل هذا بإجماع المسلمين قال : ومثل هؤلاء المنافقين كفار في الباطن باتفاق المسلمين ، وإن كانوا مظهرين للشهادتين والإقرار بما جاء به الرسول ومؤدين للواجبات الظاهرة ؛ فإن ذلك لا ينفعهم في الآخرة إذا لم يكونوا مؤمنين بقلوبهم باتفاق المسلمين .))[1]
وليس مقامي هنا تكفير أعيان دون بيان شرعة، أو إقامة حجة، وتحقيق شرط، وانتفاء مانع، فهذا ليس إليّ إنما لأشياخنا العلماء الراسخين في العلم نفعنا الله بعلمهم، وعاملهم بلطفه، وفضله.
ومهما كثرت مسمياتهم في زماننا فلا تسمية أشنع ولا أقذع مما سماهم الله به: ( المنافقون )
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
إنهم المنافقون: أصحاب كل طوية معلولة، وعقيدة مدخولة، ينتهزون فرص الاغتيال، وينشرون أجنحة الاحتيال،تطبعوا على الكذب في الحديث، والفجور في الخصومة، وخيانة الأمانة، والغدر في عهودهم، والخلف في وعودهم، ازداد شرهم في زماننا، وقوي ضررهم على ديننا
لا يكذب المرء إلا من مهانته أو عادة السوء أو من قلة الورع
و لقد أضحى النفاق في زماننا أشد من النفاق في زمان نبينا صلى الله عليه وسلم !!
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم العالم بأحوال المنافقين: ( إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان ) وقال رضي الله عنه : ( المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون )
إنهم اليوم يجهرون للعالم أجمع في وسائل إعلام جعلت بأيديهم فنطقت ألسنتهم و أقلامهم بما أكنته صدورهم كما قال الله تعالى: (ولتعرفنهمفي لحن القولوالله يعلم
أعمالكم )
فقد أمنوا العقوبة، والأخذ على أيديهم، رغم أنهم توعدوا بقطع ألسنتهم!!
فمن أفواههم ندينهم، ولم نشقق عن صدورهم، بل كل شاة برجلها معلقة!!
فالذي يموه كفره ويروج عقيدته الفاسدة،
ويخرجها في صورة صحيحة أليس منافقاً!!
والذي يشكك في الشريعة الغراء ويدعي عدم موافقتها لزماننا ويعتبر الرجوع إليها
رجوع للعصور الحجرية في زمن القنبلة الذرية؟ أليس منافقاً!!
والذي يدعي إيمانه بشرع الله ولا يرضى بتطبيق حدود الله لما فيها من الإهانة
للإنسانية أليس منافقاً!!
والذي يسمي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في خصوصيات الناس
وتطفل عليهم وتقييد لحرياتهم أليس منافقاً !!
والذي يطالب بالاقتصاد الحر وعدم تحريم الحرام فيه أليس منافقاً !!
والذي ينادي بحرية الأديان ويلغي حد الردة ولا يسمي الكافر كافراً أليس منافقاً !!
كم تنبحون وما يغني نباحكم ما يملك الكلب غير النبح من ضرر!!
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
إن المنافقين المخاطبين في القرآن الكريم هم المنافقون في زماننا وما أشبه الليلة بالبارحة، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فهم مفضوحون لنا كلما قرأنا كلام ربنا جل في علاه، فقد بين لنا من نعادي من الخلق، وبين لنا من الذي ينصرنا عليهم، ويكون لنا ولياً من دونهم، فقال الله تعالى:
(والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ) وأخبرنا أنهم أحق عداوة لنا
من الكافرين المجاهرين بكفرهم، فقال الله تعالى : (هم العدوفاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ).
فكم من آية نزلت في شأنهم، وكم من سورة تكلمت عنهم، فظهر أمرهم لكل مؤمن
كما قال الله تعالى: ( قدنبأنا اللهمن أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون
إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
لا تحزن ولا تك في ضيق من مكر المنافقين والكافرين فقد قال الله تعالى:
(وقدمكروا مكرهموعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) انظر: شبه
بقوله: ( لتزول منه الجبال ) مكرهم لتفاقمه وشدته، وافتتانهم فيه وبلوغهم الغاية
منه، وشبه شريعته وآياته وما أنزله على نبيه من تعاليم سامية، وحجج بينة، شبهها
بالجبال في رسوخها وتمكنها من نفوس المؤمنين.
فو الله لو بلغ كيدهم إلى إزالة الجبال ، لما زال أمر الإِسلام وشرعه!!
فهل يزول الإسلام بزوال منصب دنيوي لعالم حفظه الله وثبته كما ثبت هذا الدين
وقد أكرمه الله برقي منبر الدعوة !! ووراثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام !!
عز الوقار ونور سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان
لقد مكر المنافقون وشابهوا إخوانهم الذين سبقوهم في النفاق فلمزوا وسخروا من
علمائنا الأعلام وسلقوهم بألسنة حداد كما قال أوائلهم : (ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ،
لا أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنة ، ولا أجبن عند اللقاء )، قال حذيفة رضي الله عنه
في قول الله تعالى: ( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ) قال: كنا
نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين، فيضل بها فئام من الناس كثير ).
عابوا قريضي وما عابوا بمعرفة ولن ترى الشمس أبصارُ الخفافيش
وصدق الله تعالى : ( المنافقونوالمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر
وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم
إن المنافقين هم الفاسقون )
كل ذلك للقضاء على شرع الله الذي ثبته ورثة الأنبياء، فقال الله تعالى: (يريدون أن
يطفؤوا نور اللهبأفواههمويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون )
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
اتقي الله ( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فيضيقمما يمكرون)
أين وعد الله لك بالعزة !! أيئست أم نسيت !! أم أخلفه الله سبحانه وتعالى !!:
(فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام )
فلا تلتفت لجعجعتهم ولا تسمع لأكاذيبهم ولا تحزن لقولهم
(ولا يحزنك قولهم إنالعزةلله جميعا هو السميع العليم )
فنزه سمعك عن سماع كذبهم كما تنزه لسانك عن التفوه به
ومن يأذن إلى الواشين تسلق مسامعه بألسنة حداد
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
العزة كلها لله سبحانه وتعالى وحده ولمن جعلها له ووهبه إياها إذ وهبها لرسوله
صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين بالله ورسوله لا لغيرهم، ولكن المنافقين لا يعلمون
ذلك؛ لفرط جهلهم.
إنها العزة من الله العزيز فلا تطلب إلا منه فهو الله سبحانه وتعالى:
( تعز من تشاءوتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير)
أخي المؤمن...أختي المؤمنة:
اعلم أن طلب العزة من الله سبحانه وتعالى، والالتجاء إلى عبوديته، والاعتماد عليه
والاعتزاز به والانتظام في جملة عباده المؤمنين، تكون به النصرة في هذه الحياة
الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد. وهو الطريق الذي يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية
فتمسك به وسر فيه وسل الله تعالى الثبات عليه وقد قيل: الناس يطلبون العز من
أبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله تعالى.
وإذا تذللت الرقاب تواضعا ... منا إليك فعزها في ذلها
فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ، فليعتز بالله تعالى ، فإن من اعتز بغير الله ،
أذله الله ، ومن اعتز به سبحانه أعزه .ومن أذل نفسه لله فقد أعزها،ومن بذل الحق
من نفسه فقد أكرم نفسه، فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، ومن اعتز بالظلم : من
منع الحق، وفعل الإثم، فقد أذل نفسه وأهانها،
فعزة الله: قهره من دونه، وعزة رسوله: إظهار دينه على الأديان كلها، وعزة المؤمنين: نصر الله إياهم على أعدائهم .
فليست العزة إلا لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين ، ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ،
ولا يعرفونه
بل طلبوا العزة من زبالات الكافرين فذلوا كما أذل الله تعالى الكافرين قال الله تعالى
في شأنهم: (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
أيبتغون عندهمالعزةفانالعزةلله جميعا )
و والله لو كانت لهم عقول تعقل ، لعلموا أن العزة لدعوة الحق ، بدليل انتشارها في
الآفاق يوما بعد يوم ، وانتصار أصحابها على أعدائهم حينا بعد حين ، وازدياد
سلطانهم وقتا بعد وقت . كما أن المذلة والهوان ،
للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين .
فثق بالله وتمسك بدينه واصبر واستبشر بنصره (( ولهذا أمر الله رسوله والمؤمنين
باتباع ما أنزل إليهم وهو طاعته وهو المقدمة الأولى وأمرهم بانتظار وعده وهى
المقدمة الثانية وأمرنا بالاستغفار والصبر لأنهم لابد أن يحصل لهم تقصير وذنوب
فيزيله الاستغفار ولابد مع انتظار الوعد من الصبر فبالاستغفار تتم الطاعة وبالصبر
يتم اليقين بالوعد إن كان هذا كله يدخل في مسمى الطاعة والإيمان قال تعالى:
(واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين)[2])).
فاصبر أخي فنحن نتربص بهم كما تربص أسلافنا رضي الله عنهم بهم
قال الله تعالى:
( ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا )
و والله لقد مشوا إلى حتفهم بأخمص أقدامهم، وطاروا إلى مطامعهم ،
وهم يسيرون إلى مصارعهم
قال الله تعالى:
(سنة الله فيالذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا .
ملعونين أينما ثقفواأخذوا وقتلواتقتيلا ).
(( وسيعلم الذينظلموا أي منقلب ينقلبون ))
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم
ولعنهم اللهولهم عذاب مقيم )
قاله بلسانه وكتبه ببنانه
الفقير لعفو ربه ورضوانه
أبوهمَّام
[1] ) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى - (14 / 67)
[2] ) جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم - (2 / 334)
منقووووول