الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدِنا ونبينا وقدوتنا محمد عليه أفضلُ صلاةٍ وأتمُّ تسليمٍ إلى يوم الدين. أمـــا بعـــد:
الحمد لله الذي جعل سعادة القـلوب في الإقبال إليه، وجعل راحة الأرواح في السجود بين يديه...
والصلاة والسلام على أسعد الناس... وأعبد الناس... نبينا محمد... الذي وضَّحَ لنا طريق السعادة...
وأنار لنا سُبُل السكينة...
أيها الناس...
كل الناس رجالاً ونساء.. كباراً وصغار.. يبحثون عن السعادة.. والكل يتمنّاها..
فيا تُرى من الذي وجدها ؟
هل وجدها صاحب المحلات والعقارات ؟
أم هل وجدها ذلك الذي يُتابع القنوات ؟
فيا تُرى هل وجدها ذلك الشاب الذي يُعاكس الفتيات ؟
أم هل وجدها ذلك الذي يسهر على المُحرَّمات ؟
إنّني أتسائـل من الذي ذاق طعم السعادة ؟
هل تلك المرأة التي كشفـت وجهها أو عينها، ولَبِست تلك العباءة الضيقة والمطرزة...
هل تظـنون أنّها وجدت السعادة ؟
من هو السعيد ؟ وأين أجد السعادة ؟
أحبتي الكرام: إنَّ السعادة كنزٌ عظيم.. وغايةٌ منشودة.. ومطلبٌ نفيس..
إنَّ السعيد باختصار هو: " الذي حقق العبودية لربه تبارك وتعالى "، وهذه كلمةٌ عامة وإليكم تفصيلها:
السعادة في الإقبال على الله...
أيها الأحبة: إنَّ الإقبال على الله بالطاعات ودوام التقرب إليه سبحانه وتعالى بكثرة النوافـل، والإنابة إليه عزَّ وجل ستوصلك إلى حلاوة الإيمان وجنة الدنيا، فكما قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أو أُنثى وهو مُؤمِن فَلَـنُحيـينّهُ حَياةً طَيبة}.
إنّها الحياة السعيدة.. إنّها الطُمأنينة والسكون.. إنّها الراحة والخشوع..
تلك هي اللَّذة التي يتذوقها كل من أقبل على ربه وأناب إليه..
قال أحد الصالحين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما هو ؟ قال: ( معرفة الله ).
وقال آخر: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف.
إذن... إنْ كنت تريد السعادة فاتجه إلى الصلاة.. وأقبل على الله.. وستجد السعادة..
السعادة في قراءة القرآن...
إنّه القرآن، كتاب الحياة، وباب السعادة، كلما نظرت كلما أشرق في قلبك نور الإيمان، قال تعالى: {فامنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}.
إنّه القرآن يا أمة الإسلام، فلماذا هجرناه وأعرضنا عنه ونسيناه، ولماذا ألهتنا الدنيا عن قراءته وتدبره،قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تُلهِكُم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}.
إنَّ القرآن علاج الهموم، ومُزيل الغموم، ومُذْهِب الحسرات، وكاشفُ للبليَّات.
فيا من أحاطت به هموم الدنيا، وأزعجـته المصائب، أُوصِيك بأن تجلس مع القرآن في كل يوم ولمدة ساعة تقرأ فيه، وتتأمل معانيه، وتعرض نفسك عليه، فوالله سوف تشعر بالسعادة وتذوق طعم الحياة...
السعادة توجد عند أصحاب الأخلاق الحسنة...
والله إنَّ المُتَّصفين بالصفات الحسنة والأخلاق الحميدة ليجدون من الراحة والسعادة ما لا يخطر بالبال.
إنّهم أقوام أحبهم الله وأحبهم الناس، فكيف لا يجدون السعادة ؟ إنّهم مُتواضعون مع الناس، يبتسمون، ويمزحون، ويضحكون، إنّهم يُساعدون المُحتاج، ويعطِفون على المسكين، إنّهم يُحسِنون الظن، ويتجاوزون عن الخطأ إنّهم طيبون، ويرحمون، وينفعون إذا رأيتهم رأيت فيهم أجمل الأخلاق وأحسن الصفـات...
إنّهم يسيرون على منهج الرسول ــ صلى الله عليه وسلَّم ــ الذي مدحه الله بقوله: {وإِنَّـك لعلى خُلُقٍ عَظِيم}.
فهذه رسالة: [ عامل النَّاس بمِثـلِ ما تُحب أنْ يُعاملوك، وستجد السعادة ].
السعادة في ترك الذنوب...
إنَّ الشهوات ومتابعة القنوات والسهر على المُحرمات طريقك إلى الشقـاء في الدنيا والآخرة.
إنَّ إعراضك عن الله يجلب لك القلق والهمَّ والحزن، ألم تسمع قول الله تعالى: {ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}.
إنَّ الذنوب لها لذةٌ في لحظـتها ونشوةً في ساعتها، ولكن بعد ذلك عذاب القـلب، وسموم الروح.
رأيتُ الذنوب تُميتُ القـلوب
وقـد يُـورِثُ الـذُلُّ إدمـانـُهــا
وتـركُ الذنــوبِ حيـاةُ القـلوب
وخيــرٌ لـنـفـسـكَ عِـصـيـانــُها
فوصيتي إليك يا أخي: أقبِل على ربك.. وابكِ على خطيئـتِك.. واستغفر لذنبك.. وستجد السعادة.
السعادة في الإحسان إلى النّاس...
إنْ كُنتَ تبحث عن الراحة والسكون والطمأنينة، فأوصيك أنْ تمسح رأس اليتيم.. وتُـقبـِّـل رأس ذلك العجوز الفـقـير.
إنَّ الإحسان طريق مخـتـصـر إلى السعادة، وباب يُدخلك على كنوزٍ من الطمأنينة.
قال تعالى: {وأحْسِنُوا إنَّ الله يُحِبُّ المُحسِنِين}.
أخي المسلم: هل عفوتَ عن أحدٍ ظلمك ؟
هل سامحت من أساء إليك ؟
أقول لك: جرِّب ذلك.. فوالله ستجد طعماً للسعادة لا يُوازيه شيء...
ابذل مالك للمحتاج...
يا من رزقه الله بيتاً.. إنَّ هناك عوائـل لا بيوت لها.
يا من منحه الله زوجة.. هناك من طلَّق زوجـته.
يا من يلعب مع أطفاله.. إنَّ هناك أطفال لم يجدوا آباءهم، فهم موتى أو مسجونين أو في شباك المخدرات.
يا من يريد السعادة: أَخْرِج قليلاً من مالك لذلك الفـقـيـر.. ولتلك الأرملة.. ولذلك المسكين.. فوالله سـتـشـعـر بِلَذَّةِ الإحسان وطعمــاً للسعادة قال تعالى: {ومَن يُـوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأُولئكَ هُمُ المُفْلِحُون}.
السعادة عند التائبين...
إنَّ جميع الخلق لابد أنْ يصدر منهم الذنب والخطأ مهما كانوا في صلاحهم واستقـامتهم كما ورد في الحديث: " لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون، فيغفـر الله لهم " أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وفي الحديث الآخر: " كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّاءين التوابون ".
أيها الأحبة: إنَّ هناك أقوام قد صدقوا مع ربهم وأقبلوا عليه تائبين، نادمين، مُعترفين، وهؤلاء لهم نصيب من السعادة على قدر صدقهم حيثُ قال الله تعالى: {مِنَ المؤمِنين رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيه فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ ومِنْهُمْ مَن ينتظر ومَا بَدَّلوا تبديلاً}.
إنَّ للتوبة حلاوة ولذة وسعادة لا يشعر بها إلاَّ من ذاقها.. واسألوا التائبين.
حيثُ قال عليه الصلاة والسلام: " الـتائب من الذنب كمن لا ذنب لـه ".
ألم يفوزوا بمحبة الله لهم، قال عزَّ وجـل: {إنَّ الله يُحِبُّ التوابين}. أليس هذا شرفٌ لهم ؟
إنَّ الله يفرحُ بتوبة التائبين...
أليس لهذا الفرح الرَّباني ثمرة في قـلوب التائبين والتائبات...
إنَّ التائب قد ترك كل شيء لا يُرضي الله... إنّه يُريدُ بذلك ما عند الله.. وسوف يُعوضه الله خيراً.
قال سبحانه وتعالى: {ومَن يَـتَّـقِ الله يَجعل لَّه مَخْرجاً * ويرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يحْتَسِب}.
هناك سعادة عند الموت...
ولكن هذه السعادة خاصة للمؤمن الصالح الذي أفنى حياته في طاعة الله تعالى، فهذا له موعد مع السعادة عند مماته، حيث يقول الله تعالى: {إنَّ الذينَ قالوا ربنا الله ثمَّ استقاموا تتنزَّلُ عليهمُ الملائكة ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشِروا بالجنَّة التي كُنتُم توعدون}.
إنَّ هذه الآية توضح لنا ما هي السعادة التي ينالها أهل الإيمان والإستقـامـة، وتأمل فيما يلي:
1) تتنزل عليهم الملائكة ألاَّ تخافوا، فهذه أول بشارة أنَّ الملائـكة تنزل عليهم عند موتهم وتطمئنهم وتنهاهم عن الخوف.
2) ولا تحزنوا.. أي لا تحزنوا على أي شيء سيـفـوتـكم من هذه الحياة، لأنـكم ستجدون عند الله أعظم منه وأحسن.
قال تعالى: {ولَسَوفَ يُعطِيكَ ربُّكَ فترضى} وقال عـزَّ وجـل: {وللآخرة خيرٌ لَكَ مِنَ الأولى}.
3) وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.. إنّها البشارة لهم عند الممات.. إنّها البشارة في حضور الموت..
إنّها البشارة بالجنة، إنّه يرى مقعده من الجنة، فتطير روحه شوقـاً إلى ما عند الله.. وفَرَحَـاً بما أعدَّه الله.
إنّها السعادة الحقيقية، قال تعالى: {وفِي ذَلك فَـليـتَـنَـافَسِ المُـتـَنَـافِسُون}.
عبــاد الله:
هل سمعتم بقصة ذلك الشاب الذي أُصيب بطلقـة مسدس في رأسـه، ولمَّا حُمِلَ إلى المستشفى وأراد الطبيب معالجته وإخراج الرصاصة منه، يتفـاجأ ذلك الطبيب بتـلك الإبتسامـة التي ظهرت على وجه ذلك الشاب، وتكون المفـاجئة الكُبرى عندما تـكلَّم الشـاب وقال: (( يا دكـتور لا تـتعب نفسك، أنا سأموت، إنِّي أرى مقعدي من الجنة... أشهد أنَّ لا إله إلاَّ الله... )).
السعادة الكُبرى عندمـا تأخذ كتابك باليمين...
وتصيح أمام العالمين: {هَآؤُمُ اقْرَءُوا كِـتابِـيـهْ * إنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابـيـه}.
السعادة عندما تمشي بأقدامك إلى جنة الخُلد.. عندما تنظر إلى قصورك في الجنة.. وترى الأنهار تجري من تحتها.. السعادة الكبرى عندما تدخـل قصرك.. وترى الأشجار من ذهب قد أحاطت بذلك القـصر.
إي والله... تلك هي السعادة... عندما يأتيك الخدم يطوفون حولك لـكي يخدموك قال تعالى: {ويَطُوفُ عليهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُون}.
السعادة عندما ترى زوجاتك من الحور العين، فإذا بِكَ ترى ذلك الجمال الباهـر.
قال سبحانه وتعالى: {كَأنّهُنَّ الياقُوتُ والمَرجَان}، وقال أيضـاً: {كأنّهُنَّ بَيضٌ مكْنُون}.
وتكتمل السعادة عندما تسمع النداء من الله: [ يا عبادي هل رضيتم ؟ فيقولون: وكيف لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك، فيكشف الحجاب عن وجهه، فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى
الله تعالى ].قال عـزَّ وجـل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرةٌ * إِلَى رَبِّهَـا نَاظِرةٌ}.
أحبتي في الله هذه جولة سريعة في أبواب السعادة وأحوالها ووسائـلها
فنسأل الله أن يرزقنـا السعادة...
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ً...
منقول
من مصادر خاصة