السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتب : أ. عمر اللوح ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرًا ما تقف الظروف حاجزًا أمام الأمنيات والطموح، وتسعى لعرقلة مسيرة الإنسان، ولكن هناك من الناس من وقفوا أمام عواصف الظروف؛ فما تركوها تحول دون تحقيق ما يصبون إليه؛ فتخطّوا العراقيل وارتقوا من فوق الجراح.
ومن بين أولئك الأشخاص الشيخ الكفيف فادي الدالي الذي ما ترك إعاقته البصرية حاجزًا أمام تحقيق حلمه؛ فلطالما ارتقى فوق الألم مكافحًا صابرًا للوصول إلى الهدف الذي يصبو إليه، ألا وهو اعتلاء منصات الدعوة لله ونشر العلم والإصلاح بين الناس.
فادي شاب في الثلاثين من عمره ابتلاه الله بفقدان البصر، وعوضه ببصيرة صافية نافذة وبإرادة حديدة لا تقهر ، مكنته من حفظ القرآن الكريم كاملاً, ولُد في السعودية كفيفًا، ومكث سنتين فيها، ثم رجع إلى غزة حيث عمته التي اعتنت به وربته رغم إعاقتها الجسدية، ثم حفظ القرآن الكريم عندها، ومن شدة شغفه بحفظ القرآن الكريم كان يحفظ في اليوم الواحد ما يقارب الجزء!
فُطِر الدالي على التعلق بالمسجد وحب قراءة القرآن الكريم؛ فكان يعشق الذهاب إلى المسجد، يخرج من بيته مرتكزًا على جدران المنازل لحين وصوله إلى المسجد لتأدية الصلاة، ثم قراءة آيات القرآن التي وُلِد شغوفًا بترتيلها، وفي كل خطوةٍ يخطوها كانت العزيمة تدبّ بقلبِه وتوحي له بالمضي قدمًا وعدم التراجع.
إعاقة الشاب الدالي البصرية لم تكن في يومٍ عقبة في طريق تعلمه، وفي هذا يقول: "إن الإنسان المصاب بإعاقة أيًّا كان نوعها ؛ قد تحد من قدرته ونشاطه، وقد تؤثر بشكل كبير على حياته الاجتماعية، وخاصة إذا كان كفيفًا لا يرى من حوله ويشعر أحيانًا باليأس والإحباط وعدم القدرة على التكيف مع الظروف والناس، ولكن من يملك الإرادة والعزيمة والتعلم ؛ فسيكون له دور بارز في بناء المجتمع".
عزم لا يلين :
ويكمل الحديث قائلًا: "درست الابتدائية والإعدادية في مدرسة خاصة بالمكفوفين، وكنت في كل مرة أحصل على الترتيب الأول على المدرسة، ورغم أنني كفيف تمكنت بفضل الله من إكمال المسيرة التعليمية؛ فالتحقت بمعهد الأزهر للدراسة الثانوية، وحصلت على المرتبة الأولى في الثانوية العامة، وقد كان التحاقي بمعهد الأزهر التجربة الأولى لي في الدراسة مع المبصرين ".
طموح الدالي لم يقف عند هذا الحد؛ بل واصل دراسته الجامعية والتحق في الجامعة الإسلامية بكلية الشريعة، وكانت فرحته عظيمة حين حصل على المستوى الأول على دفعته.
لم تنتهِ الحياة التعليمية للدالي بعد؛ فالطموح ظل يراوده وحب العلم يتغلغل بداخله؛ فهو يمثل له نورًا أقوى من أي نور في الدنيا؛ فقد حصل أيضًا على شهادة (الماجستير) في الفقه الإسلامي من الجامعة الإسلامية بعنوان: "أحكام القتل في الدماء في الفقه الإسلامي"؛ ليبقى حلم شهادة (الدكتوراة) يلاحقه، والاستمرار في الحصول على أعلى الدرجات في العلوم الشرعية.
عالم رباني :
يبتسم الدالي مواصلًا حديثه في نظرةٍ إلى فراغٍ مجهول قائلًا: "أتمنى أن أكون عالمًا ربانيًّا؛ فهو حلم المستقبل الذي لا يغيب لحظةً عن تفكيري، ولستُ مستبعدًا أن يتحقق حلمي هذا ما دمتُ أملك العزيمة والإرادة، والأهم من هذا وذاك أن أملك العقل والإيمان".
ويتابع: "لابد أن نجتهد ونعمل عملًا دؤوبًا لخدمة ديننا ونشر الإسلام أكثر وأكثر؛ حتى يرضى عنا رب العالمين، فقيمتنا لن تعلو إلا بعملنا".
ولدى سؤالنا له عن أغلب وقته أين يقضيه ؟ اعتدل في جلسته ليقول: "ليس هناك الكثير من الوقت في حياة الإنسان للعب واللهو، وإن أعظم وقتٍ يمكن أن نشعر بقيمته والسعادة فيه هو ذاك الذي نسخره لخدمة الإسلام ونشر الدعوة في بقاع الأرض".
شيخنا الدالي يجلس معظم وقته في مكتبته؛ فهو يقضي فيها ما يقارب خمس ساعات يوميًّا مستمتعًا بقراءة القرآن الكريم والتفسير، وقراءة الكتب التي تساعد على فهم العلم الشرعي، ولم يقتصر الأمر فقط على الأمور الدينية؛ بل في بعض الأحيان يقرأ الشعر والأدب؛ كما أنه خطيبٌ في المسجد؛ لذا يأخذ وقتًا طويلًا في الإعداد والتحضير لخطبة الجمعة؛ فهو يخطب خطبًا متجددة ليست تقليدية مملة، إنما تتناسب مع الواقع الذي يعيشه، يقول في هذا: " لا أعتمد في حياتي التكرار في الخطب ".
أما أكثر الشخصيات التي تأثَّر بها الدالي ؛ فيذكرها بقوله: " أستاذي القدير الشيخ نزار ريان (رحمه الله)، الذي تأثرتُ به كثيرًا؛ فقد كنت أتوجه إليه أتعلم منه وأستفيد في كل شيء؛ فقد كان نعم المعلم ونعم الصديق، ومن هؤلاء العلماء أيضًا الشيخ عبد الحميد كشك (رحمه الله)؛ فأسلوبه مقنع ومؤثر جدًّا في نشر الدعوة الإسلامية وقول الحق".
مسابقات شارك فيها :
وقد شارك الدالي في العديد من المسابقات؛ فكانت أروعها وأهمها مسابقة حفظ القرآن الكريم كاملًا، التي نظمتها لجنة زكاة غزة؛ ليتوج حفظه بالحصول على المرتبة الأولى، ومن ضمن المسابقات مسابقة النشيد التي نظمها صوت الأقصى، وقد حصل فيها على المرتبة الثانية، إضافة إلى العديد من المسابقات الثقافية.
داعية لا يكل ولا يمل :
وفي ختام الحديث يشير الدالي إلى أنه ينتقل من مسجد إلى آخر؛ لإلقاء دروس العلم والعمل على نشر دعوة الله سبحانه وتعالى، مشيرًا إلى أنه يعمل حاليًّا إمام مسجد المحطة في حي التفاح، ويبعد هذا المسجد عن منزله مسافة طويلة يبذل فيها جهدًا للوصول إليه.
منقول ---