الولاء والبراء
عبدالملك القاسم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فإن الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة ، وشرط من شروط الإيمان ، تغافل عنهكثير من الناس وأهمله البعض فاختلطت الأمور وكثر المفرطون .
ومعنى الولاء :هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم .
والبراء :هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ، من الكافرينوالمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق .
فكل مؤمن موحد ملتزم للأوامر والنواهي الشرعية ، تجب محبته وموالاته ونصرته . وكل من كان خلاف ذلك وجب التقرب إلى الله تعالى ببغضه ومعاداته وجهاده بالقلبواللسان بحسب القدرة والإمكان ، قال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهمأولياء بعض ) .
والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان وهو من أعمال القلوب لكن تظهر مقتضياته علىاللسان والجوارح ، قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( م أحبلله وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) [ أخرجه أبو داود ] .
ومنزلة عقيدة الولاء والبراء من الشرععظيمة ومنها :
أولاً :أنها جزء من معنى الشهادة ، وهي قول : ( لا إله ) من ( لا إله إلا الله ) فإنمعناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله .
ثانيًا :أنها شرط في الإيمان ، كما قال تعالى : ( ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروالبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوايؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون ) .
ثالثًا :أن هذه العقيدة أوثق عرى الإيمان ، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أوثق عرىالإيمان الحب في الله والبغض في الله ) .
يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمهم الله - : ( فهليتم الدين أو يُقام عَلَم الجهاد أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلابالحب في الله والبغض في الله ، والمعاداة في الله ، والموالاة في الله ، ولوكان الناس متفقين على طريقة واحدة ، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء ، لم يكنفرقانًا بين الحق والباطل ، ولا بين المؤمنين والكفار ، ولا بين أولياءالرحمن وأولياء الشيطان ) .
رابعًا :أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين ، لما جاء عنه - صلى الله عليهوسلم - أنه قال : ( ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسولهأحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع إلىالكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) [ متفق عليه ] .
خامسًا :أنها الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم ( إنما المؤمنون إخوة ) .
سادسًا :أنه بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله ، لما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ،فإنما تنال ولاية الله بذلك ) .
سابعًا :أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر ، قال تعالى : ( ومن يتولهم منكمفإنه منهم ) .
ثامنًا :أن كثرة ورودها في الكتاب والسنة يدل على أهميتها .
يقول الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله - : ( فأما معاداة الكفار والمشركينفاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك ، وأكد إيجابه ، وحرم موالاتهم وشددفيها ، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين منهذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أنلا يحب إلا لله ، ولا يبغض إلا لله ، ولا يواد إلا لله ، ولا يُعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ) .
ومن صور موالاة الكفار أمور شتى ،منها :
1-التشبه بهم في اللباس والكلام .
2- الإقامة في بلادهم ، وعدم الانتقالمنها إلا بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين .
3-السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس .
4-اتخاذهم بطانة ومستشارين .
5-التأريخ بتاريخهم خصوصًا التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخالميلادي .
6-التسمي بأسمائهم .
7-مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضورإقامتها .
8-مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة ، والإعجاب بأخلاقهمومهاراتهم دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد .
9-الاستغفار لهم والترحم عليهم .
وعلى المسلم أن يحذر من أصحاب البدع والأهواء الذين امتلأت بهم الأرض ،ولْيتجنَّب الكفار وما يبثون من شبه وشهوات ، وليعتصم بحبل الله المتين وسنةنبيه الكريم . وعلى المسلم أن يفطِن إلى الفرق بين حسن التعامل والإحسان إلىأهل الذمة وبين بُغضهم وعدم محبتهم . ويتعيَّن علينا أن نبرهم بكل أمر لايكون ظاهره يدل على مودات القلوب ، ولا تعظيم شعائر الكفر . ومن برهم لتُقبلدعوتنا : الرفق بضعيفهم ، وإطعام جائعهم ، وكسوة عاريهم ، ولين القول لهم علىسبيل اللطف معهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة ، والدعاء لهم بالهداية ،وينبغي أن نستحضر في قلوبنا ما جُبلوا عليه من بغضنا ، وتكذيب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
اللهم وفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - والسير علىهداهما ، وحب الله ورسوله والمؤمنين وموالاتهم وبغض الكفار والمشركينومعاداتهم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.